أنقذوا أتيلييه الأسكندرية. بقلم فكري عيّاد
إستَيْقـِظْ يا “ناجي” وتَنَبَّه إنْهَض من غفلتِك في منامِك.
ثَرِيَتِ الأَرْضُ من تحتِ رقادِك.
نَدِيَتْ وَلاَنَتْ وبكيَتْ دموع الزمان ترافق أحزانِنا وأحزانك.
ما عاد هذا المكان مكانك.!
قم وأحمل أكفانك.
إستَيْقـِظْ ولا تتعَجَب!
أنظر الى غَطْرَسَة و غزوَة الزمن، يتَبَخْتُر في عَجْرَفَة لإغتيال سِحْر بَهَاءك، وبَهْجَة أيامنا معك، رَوْعَة ورَوْنَق وفِتْنَة لقاء العشَّاق في محرابك.
كم تغزلت عرائس إبداع رُوَادك، في حُسْن الجمال على جدرانك .
تاهت دنيا “الفن” كأنها تمضغ حَسْرَتِها وتراقب في غَضَاضَة “آخرتها”.!!
في زمن أعْوَجَّ، تكسرت أقدامه، يفكك عقود من عناقيد المجد والخيلاء، تَطَاوَل في صَلَف كِبْرِيَاؤه، ينزع ثيابِها وعزوتِها.
مسيرة السنين تواصلت في ملحمة عصريه، أطياف تذوقت الجمال من رحمها وحَرَارَة حفاوتِها.
جاء “وباء” الفكر يُكتف ويُكمم، ويلتهم وينزع سُتْرة حكايتك، ويعري كفنك .
“حلمك” كان مرتع وصبوة ونشوة وطرب، أغاني أنفاس أحفادك.
هل يرقد البنْيان؟
“الحلم” يدوَّى يستَصرخ مُسْتَغِيث، هل من مُسْتَنْجِد! ومن يهتم أو يغيث ؟
“الاتيليه”
يناجيك ويناديك
يا” ناجي” بدمعة حزينة حبيسة، يضاجع الأنين بجوارك.
قم، وإنقذ أيها “الفنان” يامن سبقت زمانك!
من يجرؤ على نسيانك؟
معاول التغيير، تحوم تلف وتدور تدق الأحزان على أبوابك.
تحيك خيوط العنكبوت في مهارة، إِحْتِيَال وإِخْتِلاق وغَدْر حول دارك.
هل أصبحت آثار “عزوة الفن” أطلالٌ وذِكْرى وتَذكارًات، أنتزعت البهاء من جدرانك.
يا “ذكريات الماضي” أناديكِ ما عدت تسمعي، ماذا أصابك !؟
عاصفة هوجاء عابثة تطحن أذانك.
كيف كتَمتِ الهَم في صدرك! وغبار عتمة الظلمة يحيك خيوطه، حول فكرك وجولاتِك.
ألا تتذكري حلقاتنا، وجولات معارضنا معك!
ندوات وورش ومؤتمرات متوالية، مازالت ضلوعها وأنفاسها في محرابِك.
يا رحم العمر.! يا وريد شريان أنفاس الحياة ترعرعنا، وتباهينا، في أحضانك.
كم من أسماء ورُوَّاد توالت وأنارت سماء الخيال والفكر والثقافة، نبتة إستنارة إنتشت من أغصانك.
ما بالك حائرة من قسوة أيامك وجحود يكتم أنفاسك؟
يا” ناجي ” لا تبكي، وتتجرع الألم وحدك في رقادك.!
ترمَّلت الأحلام والرؤية، وثقل عبث الخرابٌ فوق وسادة حلمك، شهوة وقسوة جنون كابح، تسحق عظام مجدك.
ما عادت أيامنا مثل أيامك.
سَبَّقت الزمن، أيها الفنان الرائد، الحالم بصحوة من أفكارك.
هيِّئت وشيدت، ومهِّدت سُبل الخطى لعيون المستقبل والأقدام من بعدك.
أكملت مسيرة أجدادَك.
هب وأحمل أكفانك وإستيقظ.
“خفافيش” الظلام تمتص الدماء بنشوة في عروقك ونبضك.
تتلذذ بفجور ونهم وسطوة، تنهش لحمة أبنائك.
لا.. لا تبكي! دموعك من دموعنا.
سنفترش الأرض أمامك، بصحبة الأطفال التائهة بلا مأوى، نرسم على الأرصفة والشوارع، قصة “سيمفونية” حب، تشردت في الطرقات، ونعلق دموعنا، بزَفَرَاتِ ولهيب الألوان على أسوارك.
ستبقى ما تبقى من عمرنا، نتغني في مراسمك، نتناقش ونلتقى ونحتفي ، نتحاور ونتجاوز همومنا على صدرك، هذه هى دارنا، وحضن أحلامنا.
ماذا يدور في خاطرك؟ ويخطر على فكرك، وغيبوبة خيالك.!
سندق أوتاد أقدامنا في لحمةِ تُرابك، نجمع كل أوتار القلوب في وتر واحد يتغنى بأمجادك، وأنغام من مجلد ذكرياتك .
نترك في أَرْجَاءِك “أشباح” الماضي والحاضر والمستقبل، عيوناً تُحيطك من دُخلائِك، تسكن في كل أركانِك.
لا.. ولا.. لن نجفف دموعنا، رنين صوتنا سيظل مطرقة، في كل صباح ومساء، مسَاره ومسرتُه من مسَارك.
عيوننا تَحرُسك ممن داهمك، تطالعك من خلفِك وأمامك، صداها في كل رحابك ، نبضاتها ساكنة فى عروق بيتنا.
وليست دَغْدَغَة عابرة على مدخل بابك.
فكري عياد. لندن
فكري عياد كاتب وباحث وفنان تشكيلي مصري مقيم في لندن.المملكة المتحدة
**
هذه التدوينة تناجي روح الفنان الكبير الراحل محمد ناجي بدمعة حزينة على علة ما كتبته الأيام للحلم الذي عاش عمر كل مشاركات الفنانين والفنانات في رحاب هذا الكيان الفني.
أنه ليس مجرد بناية سكنية للبيع أو الإيجار أو تباع في الأسواق.
إنها أنفاس وهج الشموخ والكبرياء لكل أنفاس الفنانين والفنانات ، ولمسات من التواصل عبر طرقات السنين.
أنه متحف الفن التشكيلي والذكريات الجميلة والمحببة في مجلد التاريخ وملاحم الفن والفنانين فى عروق قلب الاسكندريه الأسطورية.
ع.د