إعلانات بالملابس الداخلية في الدراما الرمضانية بقلم آمال عثمان
منذ أضحي الموسم الرمضاني ساحة لسباق محموم بين نجوم ونجمات السينما، انقلبت قواعد الدراما التليفزيونية رأساً على عقب، وتسلّلت إلى الشاشة الصغيرة قوانين السوق التي تحكم صناعة السينما، المعتمدة على منطق العرض والطلب، والتعامل مع العمل الفني باعتباره سلعة تخضع للمساومة، وتحتاج لكثير من المشهيات والتوابل الحريفة.
وبعد أن كان النجم يلجأ إلى الدراما التليفزيونية، حين تبدأ نجوميته في الأفول وتنحسر أدواره، أو يهبط عليها زائراً خفيفا بعمل درامي شديد التميز، ينتظره الجمهور باعتباره حدثاً فنياً لا يتكرر كثيراً، صارت الشاشة الصغيرة مقراً دائماً “لماراثون” يضع على كاهل ميزانية الدراما التليفزيونية أجوراً تصل إلى عشرات الملايين، ومن أجل عيون ملايين نجوم ونجمات المسلسلات الرمضانية، خضعت الشاشات بكامل إرادتها لسيطرة الآلة الإعلانية، التي فرضت رؤيتها وأفكارها وثقافتها على المشاهدين، وداهمتْ حياتنا وقيمنا دون استئذان، واقتحمت بيوتنا دون “إحم أو دستور”، حتى أصبحنا نشاهد إعلانات تتخللها بعض المشاهد الدرامية!!
لذلك لم يكن غريباً أن يتخطى الإسفاف والابتذال والاستفزاز حدود الأعمال الدرامية، ونرى مواد إعلانية فجة بالملابس الداخلية، وأخرى يهتز من أجلها خصر تلاميذ المدارس، ويتحوّل أحد النجوم بأمرها من بطل قومي لا يُمحى من الذاكرة، إلى مسخ أهطل خارج من فيلم كارتون، وليس بمستغرب أن نشاهد طوفان إعلانات المنتجعات السكنية الفاخرة وهي تُخرج ألسنتها للبسطاء، وتمنّيهم برفاهية تتجاوز كل حدود تطلعات وأحلام شعب يعاني، ويتحمل في صبر أوضاعاً اقتصادية شديدة القسوة!
بالله عليكم ما هذا السفه الإعلاني، الذي بلغ إلى حد إنفاق حملات ترويجية بالملايين على منتجات لا تتجاوز أسعارها حفنة جنيهات لا تغني ولا تسمن من جوع؟! وكم تبلغ الأرباح التي تحققها شركات الاتصالات، إذا كانت تمتلك القدرة على منح فنانة واحدة 2 مليون دولار مقابل الظهور لمدة ثوانٍ في إعلان عن شبكتها المصونة؟! وما هذا السباق المحموم على بركان إعلانات التسول، الذي تتطاير ملايين حممه المشتعلة علي مستشفيات وجمعيات ومؤسسات ما أنزل الله بها من سلطان! مقابل مبالغ طائلة من أموال المتبرعين تذهب إلى جيوب الوكالات الإعلانية والمحطات التليفزيونية والأجر والثواب على الله!!
ويظل السؤال: في دولة تمر بظروف اقتصادية صعبة لتعيد بناء نفسها، كيف يصل الإفراط والتبذير والشطط إلى إنتاج هذا العدد الضخم من الأعمال الدرامية لعرضها خلال شهر واحد؟! ولماذا نُنفق مليارات الجنيهات على موضوعات متشابهة ومكررة، يكسو ملامحها العنف والبلطجة والمخدرات والجريمة؟! هل تلك هي القوة الناعمة أم القوة الهدَّامة والمدمرة؟!
آمال عثمان
آمال عثمان كاتبة وناقدة مصرية ورئيسة تحرير مجلة ” أخبار النجوم ” سابقا
عن جريدة ” أخبار اليوم ” . إبريل 2021