” السينما هي القوة الناعمة للشعب المصري” .حوار مع مدير التصوير المصري الكبير محسن أحمد. حاوره عنتر السيد
محسن أحمد مدير التصوير المصري الكبير ابن السيدة زينب
يعد مدير التصوير السينمائي د. محسن احمد واحد من اهم مصوري السينما المصرية ، حصل على عشرات الجوائز ونال عددا من التكريمات كان اخرها في مهرجان الاسكندرية السينمائي ، تتلمذ على يد عباقرة المصورين السينمائيين وصنع لنفسه تجربة ثرية وناجحة في هذا المجال ، تحول احيانا للاخراج السينمائي والاغنيات المصورة التي اصبحت خارج المنافسة حين استطاع ان يقدم اعمالا لافتة وناجحة ومميزة ، فضلا عن دوره كاستاذ بمعهد السينما من خلال الخبرات التي اكتسبها .
محسن احمد المبدع الفنان ، الذي بدأ حياته المهنية مصورا في فيلم ” صديقي الوفي” عام 1984 وشارك بعدها في أكثر من 30 فيلما سينمائيا مابين مصورا ومديرا للتصوير، ومن ضمنها فيلم ” الكيت كات ” رائعة المخرج المصري الكبير داود عبد السيد
عشق السينما وهو طفل في حي السيدة زينب ، وينادي باهمية الحفاظ على سينما الحي، بدلا من اندثارها وهدمها وتحولها لمبان سكنية ومولات تجارية ، وعمل محسن احمد في مقتبل العمر مصورا للاعلانات التي تقدمها مؤسستنا العريقة دار الهلال ، ومنها ذهب للشهرة والنجومية في مجاله كمدير تصوير لعشرات الافلام المميزة التي حصد عنها عشرات الجوائز والتكريمات .. حوار شامل مررنا من خلاله على نقاط بارزه في مشواره الفني عقب تكريمه من مهرجان الاسكندرية السينمائي ، وكانت تلك التفاصيل .
- كان للفنان محسن احمد تجربة مع مجلة ” الكواكب ” في بداية حياته ..كيف تذكرها وتحدثنا عنها؟
ـ بيتي يبعد عن دار الهلال مسافة 5 دقائق سيرا على الاقدام ، وكنت امر على مبنى دار الهلال العتيق في ذهابي الى معهد السينما ، وكنت ارى السلم العتيق الجميل من شباك الاتوبيس واسأل نفسي هل يتاح لي يوما ما دخول هذه الدار ؟، وتخرجت من معهد السينما وعملت في الاعلانات التجارية لدار الهلال، وكنت مصورا متميزا للاعلانات، واستعانت بي الوكالة الافرواسيوية التي كانت تملكها دار الهلال لتنفيذ معظم اعلانات المؤسسة في ذلك الوقت ، ومن هنا دخلت الدار وارتبطت بها كمبنى وارتبط بالمسؤولين فيها واصبحت لي صداقات كبيرة حافظت عليها حتى بعد شهرتي في السينما الروائية ، وابتعدت فترة عن مجال الاعلانات واحتفظت بالاخوة الصحفيين والموظفين واذكر منهم الاساتذة محسن عثمان ورضا طنطاوي و سيد فؤاد مدير عام اعلانات دار الهلال في ذلك الوقت وزملاء اخرين كانوا اساتذة واستفدت منهم كثيرا وعملت معهم بمنتهى الحب والود .
- كيف كانت بدايات حبك للسينما ومشاهدتك لافلامها من بيوت الجيران في حي السيدة زينب ؟
ـ كان هناك عشق لسينما الهلال واستطيع ان اتطرق منه لسينما الحي وهي حاليا تنهار ويبنى بدلا منها عمارات سكنية ، واتمنى ان تحافظ الدولة على سينما الحي، لانها كانت متنفسا لاهالي الاحياء الشعبية كون اسعارها كانت مناسبة ويشاهدون فيها فن السينما ، واتمنى ان تعي الدولة اهمية سينما الحي لانها ليست مشروعا تجاريا يتم هدمها واقامة بدلا منها عمارات سكنية ، ومؤخرا اصبحت غير موجودة مثل سينما الاهلي التي كانت تتوسط حي السيدة زينب واقيم مجمع سكني وتجاري بدلا منها ، وسينما الحي كان لها تأثير كبير على الجماهير وعلى فن صناعة السينما ، واعتقد اننا يجب ان نحارب عن بقاء دور العرض الباقية .
- كيف اخترت قسم التصوير في معهد السينما ؟ كيف كانت بداية حبك للتصوير ؟
ـ بسبب حب الصورة وعدم موهبة الرسم ، كنت احب ارسم ولكن قدراتي كرسام اضعف من الصورة التي بذهني ، ولذلك بحثت عن وسيط اخر لتحقيق الصورة التي احلم ان اراها وهي كاميرا التصوير .
- ماهي المدرسة التي شهدت طفولتك وبداية عشقك للفنون ؟
ـ المدرسة التي اقدرها مدرسة حسن باشا طاهر الابتدائية التي كان فيها حصة موسيقى بها كل الالات الموسيقية وقسم للمسرح وكنا نعمل بها مسرحيات ، واتمنى ان تعود مدارسنا الابتدائية الى ذلك حتى يكون فيها اقسام الفنون المختلفة كالمسرح والرسم والموسيقى ، واصبح ذلك غير موجود بعدما اصبحت المدارس اماكن لتلقي الدروس فقط .
مدير التصوير المصري الكبير محسن أحمد
- ما هي المدرسة الفنية التي تنتمي اليها كمصور؟
ـ تعلمنا على يد استاذنا الراحل العظيم عبد العزيز فهمي والراحل احمد خورشيد رئيس قسم التصوير بمعهد السينما وكل مديري التصوير الكبار في تاريخ السينما المصرية واخشى قول اسماء قد انسى البعض منهم ،لانني تعلمت من الجميع وتصويرهم كان مدرسة تعلمت فيها، وهذا ما ظهر بوضوح من خلال اعمالي .
- صورة د. محسن احمد تعتمد على الصورة الحلوة والابهار والكادر المليء بالتفاصيل ..فكيف تكون التكنيك المناسب لصورتك السينمائية ..هل بسبب الخبرات الطويلة ، ام ان المخرجين كانت تتطلب اعمالهم هذا التكنيك ؟
ـ كل ماذكرته صحيح وهو الاجابة ، وابدأ بالمخرجين ، لان المخرج له الرؤية الاهم والاشمل في فن السينما ، وهو مايسترو العمل الذي يقود كل افرعه، وهو مثل مايسترو الموسيقى الذي يقود كل العازفين ، ويقوم بتوجيهم ، فمخرج العمل خاصة السينما يقود فنان الديكور وفنان التصوير والصوت وصانع الموسيقى التصويرية ..كل هؤلاء يعملون بتناغم مع مخرج العمل والكل يعمل من خلاله .
- الى اي مدى يكون هناك خلافات بينك وبين المخرجين على تصوير كادرات محددة وتصر فيها على فرض رأيك ؟
ـ لم يحدث بتاتا هذا الخلاف بيني وبين اي مخرج عملت معه، وافضل ان اكون اختيار المخرج ، وكنت حريصا في كثير من الاحيان على ذلك، لان الكثير من النجمات كانوا يختاروني لقدراتي كمدير تصوير في اظهار جماليات الوجه وعمل البورتريه بشكل جيد ، وكانوا يرشحوني لبعض اعمالهم وكان سؤالي للجهة المنتجة :هل انا مترشح برضا كامل من مخرج العمل ؟، وعندما اعرف ذلك اوافق واذا لم يكن برضا مخرج العمل اعتذر عن المشاركة ، فمن المهم جد ا علاقتك بالمخرج خاصة اذا كان راضيا عن اسلوبك وشغلك فسيكون سعيدا ويصبح بينك وبينه تناغم لصالح صورة الفيلم .
- ومن هم اكثر المخرجين الذين ارتحت للعمل معهم كمبدع واطلقوا لصورتك العنان ؟
ـ لن اكن مبالغا اذا قلت لك كلهم ،ولكن اميز استاذ كبير سيفرح الجميع عندما اذكر اسمه ،وهو استاذنا الكبير الراحل صلاح ابو سيف في فيلم” البداية”،وكل المخرجين اضافوا لي واستفدت منهم قبل ان اضيف لهم بدء من د. سمير سيف في فيلم ” المطارد “.
- دائما الكاميرا السينمائية تلهث وراء المشاهد والكادرات التي يصممها مدير التصوير الذي يجب ان يكون حرفيا حتى يساهم بابداعة في جودة العناصر الاخرى كالمونتاج والاضاءة والتصوير .. فاي صعوبات واجهتها في هذا النطاق ؟
ـ كل الاعمال كانت صعبة ،ولكن كمدير تصوير اشعر باستمتاع شديد عندما احل صعوبات تواجهنا في الفيلم ، ولو حصّور مشهد وظروف الاضاءة مثالية فهذا لن يكون ممتعا لي رغم ان النتيجة التي ستخرج منه ممتعة ، ولكن بالنسبة لي عندما تكون الاحوال الجوية ليست في حالة مثالية و استطيع بادواتي المساعدة والتحايل نتيجة الخبرات المتراكمة ان اخرج صورة جيدة في مناخ غير جيد للتصوير ،فدائما حل مشاكل الصورة هو متعة مدير التصوير الحقيقية ، وتعرضت في اعمال كثيرة لها رغم سوء المناخ واستخدمت ادوات بديلة لتحقيق المطلوب .
- وهل تحققت لابناء جيلك امكانيات مهمة لجودة الصورة لم تتوفر لابناء الاجيال التي سبقتكم ؟
ـ ما هو متواجد حاليا كان يحلم به استاذنا الكبير الراحل عبد العزيز فهمي وهو يصور فيلم من اساطير السينما المصرية وهو فيلم ” المومياء ” عندما كان يصوره داخل المقبرة وحجم المعدات وقدراتها كانت في ذلك الوقت لا تتيح له ذلك بشكل جيد وهذه المعدات موجودة باحجام صغيرة جدا وممكن يتم حملها في الجيب غير الكاميرا التي كان يحملها 4 افراد وقت المومياء، فاعتقد ان هذا الجيل كان يملك من العبقرية الكثير للتغلب على مثل هذه المشاكل بامكانيات بسيطة جدا وتكونولوجيا متواضعة جدا في تلك الفترات التي عملو بها على عكس الاجيال التي جاءت بعد ذلك .
- والى اي مدى استفدتم كمديري تصوير من التصوير الرقمي وهل اتاح لكم ابداع اكثر ؟
ـ مؤكد انه اختراع جاء لتوفير فرص اكبر للابداع ،وهو تطور طبيعي لفن التصوير ، واتاح امكانيات كبيرة جدا عن الامكانيات التي اتيحت من قبله .
- هذا قد يجعل قليلي الموهبة في التصوير الاعتماد على ابداعات التصوير الرقمي ..هل هذا صحيح؟
ـ الصورة الجيدة يقدمها مصور يملك الكثير من الوعي ، والوعي هو الاهم ودائما اقول للطلبة الذين ادرس لهم في معهد السينما ان فكرة الصورة اهم من الصورة نفسها ، وترجمتها لدراما المشهد اهم من جودتها بشكل غير عادي .
- تعاملت مع كبار النجوم مثل عادل امام ونور الشريف ومحمود عبد العزيز في افلامك ومن المؤكد ان هناك متطلبات محددة لبعض النجوم ..فما هي بوجهة نظرك؟ت
ـ كمحسن احمد لم يصادفني هذا النجم الذي يحدد لنفسه متطلبات خاصة اثناء التصوير من وضع زوايا محددة للكاميرا ..الكل تعامل معي باحترام مهني ،وانا لم اتدخل في عمله ،وكذلك هو لم يتدخل في عملي ، وحتى يكون كل فنان على دراية كاملة بعمله ، وانا مؤمن بالمثل القائل : “اعطي كل عيش لخبازه”، ودائما اترك لكل صانع عمل عمله لانه يفهم فيه اكثر مني ، وصعب جدا اقوم مثلا بتوجيه سائق سيارة المعدات فهو يعرف طريق الوصول للمكان المحدد ومحترف للقيادة وهكذا لا يصح ان يتحدث الممثل مع مدير التصوير لتوجيه في مجال تخصصه ، وهو كل دراساته عن فن التصوير وهو افضل من يصور صورته .
- وهال ينطبق ذلك على المخرجين ؟
ـ المخرج مفترض انه دارس لكل الفروع التي يتعامل معها ، ويفهم في عدسات التصوير وتوظيف الاضاءة وفن الديكور وبالتالي لديه القدرة لقيادة كل الافرع .
- كيف ترى تكريمك مؤخرا في مهرجان الاسكندرية ؟
ـ مهرجان بحبه وانا تلقيت التكريم اكثر من مرة من قبل ، وكان اخرها المهرجان القومي للسينما، ومهرجان الاسكندرية من المهرجانات المحببة الى قلبي، واحب اي شيء يقام على ارض بلدي مصر ، وبالذات خارج القاهرة ، لان الاضواء تركز اكثر على الفعاليات الفنية في القاهرة اكثر من غيرها ، وانا اتمنى ان يكون هناك مهرجان في النوبة المصرية واخر في اسوان وثالث في الوادي الجديد ورابع في سوهاج وخامس في اسيوط ، واتمنى ان كل اهلنا في ربوع مصر ان تكون لديهم مهرجانات تنقل لهم الفنون، وقد يظهر من خلال تلك المهرجانات طفل صغير يعشق ويحب السينما ثم يقوم بدراستها ويصبح فنان سينمائي حقيقي ، وانا رأيت ذلك عندما كنت اصور فيلم ” الوعد ” في المغرب ، فقد كان هناك 3 او 4 اطفال متابعين لنا في كل ايام تصوير الفيلم لدرجة انهم يسافروا معنا من مكان لاخر كطنجة وكازبلانكا ومراكش ، واحتويناهم معنا انا والمخرج محمد ياسين ومنتج الفيلم محمود بركة لاننا كنا سعداء بشغفهم وحبهم للتواجد في مكان التصوير ، ووقتها قلت للمخرج يوما ما سنسمع في مهرجان ما ان احد هؤلاء الاطفال اصبح مخرجا سينمائيا متميزا او مصورا سينمائيا مشهورا من شدة عشقهم للسينما وتتبعهم لنا طوال ايام التصوير .
- ماذا عن الجوائز التي حصلت عليها في مشوارك كمدير تصوير ؟
ـ كثير من الجوائز التي حصلت عليها احببتها لانها كانت تقديرا للعمل ، ومن الجوائز التي احببتها جدا جائزة فيلم ” الكيت كات ” من مهرجان الاسكندرية ، لان الفيلم تم تصويره في حارة وبيوت شعبية في امبابة والكيت كات ، وكان في نفس المهرجان في افلام اخرى فيها العناصر التي تقدم صورة حلوة مثل “الراعي والنساء” وكنت حصلت ايضا على جائزة مهرجان اسكندرية السينمائي في العام السابق مباشرة ، ففي ذلك القتقلت: ان اللجنة لن تلتفت لجماليات التصوير في حارة وهي لديها جماليات التصوير على بحيرة واماكن طبيعية جميلة وفيها جماليات الصورة الطبيعية افضل ،و بما انني حصلت على الجائزة في العام السابق فاستبعدت نفسي من الحصول عليها في تلك الدورة ،ولكن عند اعلان الجوائز حصلت عليها ووقتها شعرت بسعادة كبيرة ، تأكدت ان اللجنة استوعبت جماليات الصورة في “الكيت كات” ولم تندفع وراء صورة جمالية فيها شروق وغروب الشمس والقمر على البحر، انما اللجنة قدرت الجهد في البعد الدرامي للصورة في فيلم “الكيت كات” .
- كمخرج كانت لك تجارب سينمائية واغاني مصورة .. فماذا عن هذه التجربة في حياتك وعدم استمرارك فيها ..وهل يرجع ذلك للظروف الانتاجية ؟
ـ انا عملت كمخرج ومصور عشرات الاغاني وساهمت في تحويل الاغنية من معنى كلمة فيديو كليب لمعنى الاغنية المصورة ، فاغنية مصورة تعني انها اغنية لها موضوع وسيناريو وحكاية تتحكي ، وهذا ابرز مساهاماتي في هذا المجال ، والكثير من اغاني المطربين مثل “قولي احبك” لكاظم الساهر عملت نجاحات غير عادية ، واعتقد ان المسابقات استبعدتها من التسابق لانها كانت تحصد المركز الاول طوال الوقت ،والحمد لله ربنا اكرمني ونجحت في هذا المجال كثيرا ، وتوقفت لان هذا المجال شبه متوقف تماما في السنوات الاخيرة ،ولا اعرف السبب ، وارى ان السينما تلحق بهذا المجال ايضا لان كم الانتاج السينمائي الذي وصل 160 فيلما في احد السنوات الماضية حاليا تضاءل لفيلمين او ثلاثة او اكثر ، واعتقد ان هناك سبب ، ولابد من الجهات المسؤولة البحث عنه ، لان فن السينما هو القوة الناعمة و كان مدخلا مصر الى كل الشعوب العربية ، وكان لنا تواجد عظيم جدا في كل العالم العربي نتيجة لفنون السينما والغناء المصري .
- كاستاذا ولك تجربة كمعلم كبير في مجال التدريس بمعهد السينما .. فما هو اسلوب د. محسن احمد المفضل في التدريس ؟
ـ اختصر الاجابة في ان هناك اساتذة اكاديميين اكثر مني قدرة يستطيعون ان يقدموا المادة الاكاديمية ، انت كنت مفيدا في نقل التجارب العملية لطالب التصوير ، والتي واجهتني من خلال اعمالي ، وكيف استطعت حل المشاكل والصعوبات التي واجهتني اثناء عملي حتى تصبح خبرات مكتسبة لطلبة المعهد في الاعمال التي تأت بعدي لتكون افضل من اعمالنا ، وانا مؤمن بان تلميذك عندما يصبح احسن منك فهذا اعلى مقياس للنجاح بالنسبة لك .
أجرى الحوار : عنتر السيد
عنتر السيد صحفي فني. نائب رئيس تحرير مجلة ” الكواكب”
عن مجلة ” الكواكب “.ديسمبر 2020