الفن و التصوف بقلم د.أنور إبراهيم
.
تعلم الناس الرسم فى العصور القديمة : عكسوا على الحجر مشاهد من حياتهم البسيطة – الصيد ، الحياة المنزلية … مع مرور الوقت ، أصبحت الصور أكثر تعقيدا وضخامة ، وعكست الواقع بشكل أكثر فأكثر . يقدم الفنان الموسكوفى يورى لوشنيشنيكو مصطلح ” علم النفس ” ، ” علم التثبيت التاريخى من قبل الشخص لعملية تكوينه الاجتماعى من خلال صورة الواقع ، الرسم ” للأشكال الحسية والمفاهيمية من انعكاس الواقع الذاتى ” .
يرى لوشنيشنيكو أن الفنانيين البدائيين سجلوا فى رسوماتهم صورا لاشعورية ذات طبيعة بدائية ، من خلال نمذجة هذه الصور ، من الممكن مواءمة العلاقات الإنسانية مع الطبيعة والعالم المحيط ، وبالتالى ” ترميز ” الشخص نفسه من أجل الصحة والحظ السعيد وما إلى ذلك . من لم يسمع عن لوحات ” الشفاء ” و ” اللعنة ” بعضها رسمها فنانون مشهورون ؟
قبل خمسة عشر عاما ، وضع سمير زكى ، الباحث بجامعة لندن ، تخخصصا علميا جديدا – علم الأعصاب . جوهره فهم الآليات العصبية الفسيولوجية لإدراكنا للأعمال الفنية . اكتشف ، على سبيل المثال ، لماذا يحب بعض الناس فنانى عصر النهضة ، بينما يحب البعض الآخر الإنطباعيين ، وآخرون الواقعييين ، وغيرهم يفضلون الرسم التجريدى . وفى كلية بوسطن أجرت أنجيلينا هولى دولان تجربة طلبت خلالها من المشاركين إلقاء نظرة على اللوحات التى رسمها فنانون تجريديوم ، وفنانوم هواة ، بالإضافة إلى رسومات أطفال ولطخات الطلاء التى تركتها الحيوانات على الورق ، الشمبانزى مثلا ، وان يعبروا عن تفضيلاتهم … فى نفس الوقت كان قد تم إبلاغ المشاركين بمعلومات خاطئة . كأن يقال أن روائع الفنانين المشهورين هى من إبداعات القرود ، ومع ذلك ، اتضح أن المتطوعين اختاروا فى الغالب أعمال الرسامين المشهورين ، حتى مع تزويدهم بمعلومات غير صحيحة . صحيح أنهم لم يتمكنوا من شرح أسباب اختياراتهم . وخلافا للإعتقاد الشائع ، فإن الروائع المجردة ليست مجرد زينة : كومة من الصور تبدو للوهلة الأولى فى فوضى . هناك معنى معين معين تم التقاطه دون وعى من دماغنا ، بالإضافة إلى ذلك ، التقط الجمهور أشكالا محددة فى الصور ” الملطخة ” عندما عرضت عليهم ، كتجربة ، صورا مؤلفة من عناصر من لوحات مختلفة ، إلى جانب النسخ الأصلية . كانت النسخ الأصلية أكثر شهرة ، حتى لو لم يكن الأشخاص على دراية بعمل هؤلاء الفنانين .
بالطبع ، فإن الفن ليس مجرد رسم . هناك النحت والعمارة ، وهنا نؤكد ان كل ماتم إنشاؤه بأيدى الإنسان ، ليس فقط من أجل المنفعة ، ولكن أيضا بغرض جمالى . يقول ليڤ تولستوى فى أطروحته ” ماهو الفن ” : ” الفن نشاط بشرى ، يتألف من حقيقة أن شخصا ما ينقل بوعى المشاعر التى يمر بها للآخرين ممن لديهم علامات خارجية معروفة ، يتأثر الآخرون بهذه المشاعر ويختبرونها … ” .
يحتوى أى عمل فنى ، سواءكان لوحة أو تمثالا أو شكلا معماريا ، على مجموعة معينة من المعلومات ، التى يمكن أن تتفاعل مع العالم المحيط والناس . إذا لم نتمكن من شرح آليات هذا التفاعل ، فإننا نسميه التصوف ، أى أننا نربط هذه الظواهر بوجود بعض القوى غير العقلانية والخارقة للطبيعة .
أنا شخصيا مقتنع بأن أى ظواهر طبيعية وأى ترابط بينها قابل للتفسير شيئ آخر هو أن معظمنا لم ” يكبر ” بعد لتحقيق هذه الترابطات . لكن هناك أشخاص على دراية بها ، وغالبا مايكونون اشخاصا مبدعين ، نظرا لخصائص تكوينهم العاطفى وتفكيرهم ، فهم قادرون على الفهم الكثير بشكل حدسى . لذلك ليس هناك مايثير الدهشة فى حقيقة أن مفهومى ” الفن ” و ” التصوف ” اصبحا مترادفين تقريبا
د.أنور إبراهيم