نور الشريف الإنسان المصري الأصيل والملتزم . بقلم د. مالك خوري
منذ انتقلت الى مصر، لاحظت ان قليلين من محبي الفنان نور الشريف قد سمعوا بفيلم قام بانتاجه وببطولته عام ١٩٩٢ تحت اسم “ناجي العلي”، وان الفيلم كتبه السيناريست المميز بشير الديك (ويقول الناقد مجدي الطيب ان مجلة “فن” والكاتب الصحافي وليد الحسيني قدما الدعم المالي بينما قدم نور الشريف الدعم التقني). وانه على الرغم من شغف الكثير من محبي السينما الجدد باعمال المخرج المبدع عاطف الطيب، فان قليلين منهم يعرف بان هناك فيلم له بعنوان “ناجي العلي”.
وكنت استغرب هذا كثيرا، لان اداء نور الشريف في هذا الفيلم بالذات كان مميزا عن كل اعماله لدرجةٍ انه يمكن الزعم بانه مثل فارقة لجهة ادوار الشريف لناحية ابرازه لقدرات تمثيلية مختلفة لديه سواء لجهة اتساعها، او لجهة تعبيرها عن عمق حرفيته في استيعاب شخصية فنية شديدة التعقيد في تاريخها وفي ابداعها. وكذا كان تميز عاطف الطيب في اسلوب اخراجه في هذا الفيلم بالذات، حيث كان تناوله لتاريخ حياة فنان، بمثابة استثناء قصصي وثيمي لعمله السينمائي.
الحقيقة التي اكتشفتها سريعا هي ان حكاية عرض، ثم منع عرض الفيلم لعقود، كانت تقريبا بحجم الملحمة الانسانية والوطنية التي تحدث الفيلم نفسه عنها. فمن اهم المعارك التي خاضها نور الشريف، كانت تلك التي خاضها بوجه الحملة التي حاولت تركيعه سياسيا وتجويعه فنيا بسبب قيامه بتجسيد شخصية الفنان الفلسطيني الكبير ناجي العلي والذي تم اغتياله في لندن عام ١٩٨٧.
في هجوم غير مسبوق ضد ممثل مصري بحجم نور الشريف، تجمع كل اعداء الفنان الوطني ليتهموه بالعداء وحتى بالخيانة لمصر، لمجرد انه احتفى بحياة واحد من اكثر رسامي الكاريكاتور العرب شهرة والذي كان معروفا بالتزامه غير المساوم بقضية شعبه الفلسطيني. ناجي العلي عبر بفنه عن رفض اتفاقية كامب ديفيد، واعتبرها بمثابة ضربة ليس لفلسطين فقط، بل لمصالح مصر نفسها ولدورها الطليعي في العالم العربي في الدفاع عن قضايا الحق.
وتكالب ضد نور الشريف مجموعة كبيرة من الانتهازيين من نقاد وزملاء له في المهنة. لكن الطعنة الاكبر في الظهر جاءت من ياسر عرفات الذي كان يمهد لبيع قضية بلاده في بازار معاهدة اوسلو، والذي كان يكره ناجي العلي بسبب معارضته الشديدة للسياسة الاستسلامية للزعيم الفلسطيني. في نفس السياق، تلا كل هذا حملة ضد نور الشريف من قبل حكومات دول الخليج والتي قامت بمنع افلامه من العرض في بلادها.
فيلم “ناجي العلي” سحب من العرض بعد اقل من اسبوعين من طرحه، وبقي ممنوعا من العرض في مصر حتى ٢٠١٤ حين جرى عرضه لاول مرة على التلفزيون المصري. معركة نور الشريف لاستعادة حقه في العمل بعد هذه الواقعة استمرت حوالي السنة، لكنها بلورت عمق الالتزام الوطني لهذا الفنان الكبير بقضايا مصر وشعبها، وبقضية فلسطين، وبقضايا العالم العربي الكبير.
د.مالك خوري
د.مالك خوري أستاذ السينما بالجامعة الأمريكية.القاهرة.مصر