تيار الوعي، وإنكسار الأحلام أمام كوابيس الواقع في مجموعة ” الحصان الأبيض ” للكاتب صلاح هاشم
إن قراءة عمل جاد في هذا الزمان، أصبح أمرا صعبا، والأصعب من ذلك أن يكون العمل مغايرا وسابقا لعصره ، وأن يكون صالحا بعد مرور عدة عقود من السنوات، لتلقي رموزه.إن إيجاد هذا العمل، والبحث عنه، يكون أشبه بمن يبحث عن إبرة في كومة من القش..
ولكنني الآن، أمام عمل إبداعي متفرد، اتخذ من الحداثة في الطرح منهجا، رغم أنه كتب قبل عصر الحداثة بسنوات، من يقرأه في 2019، سيندهش أنه كتب في فترة الستينيات، من القرن الماضي..
إنه ( الحصان الأبيض ) لصلاح هاشم؛ تلك المجموعة القصصية التي كتبت في فترة النكسة، وأعيد نشرها منذ عامين( 2017 ) ، تتجلى فيها مظاهر الحداثة في الطرح والأسلوب، وبراعة استخدام الرمز، ولا تتعامل مع القارئ بوصفه مستهلكا للنص الأدبي، بل تتعامل معه ،كمنتج جديد، ومشارك في الفهم والتأويل..
مجموعة يمكن أن تسقط أحداثها ورموزها، على هذا العصر، بكل مفرداته، دون أن تشعر بفجوة زمنية، في الشخوص والأحداث..
تطواف أفقي: تتكون المجموعة من 9 قصص قصيرة، في حوالي 80 صفحة، يشكل فيها الوطن، الهم الأكبر لدى الكاتب، حيث الأحلام المجهضة، تصارع كوابيس الواقع، ويتمرد فيها البطل،على السلطة الأبوية، وقيود المجتمع، وسطوة العجائز، ويستدعي الكاتب عبر صفحات المجموعة، العديد من الشخصيات الدالة، على التنوع الثقافي المصري، بدءا من الفرعوني مرورا بالقبطي والإسلامي والشعبي، وانتهاء بالسينمائي..
مصر بتنوعها الثقافي هي محور مجموعة ” الحصان الأبيض “
مما يؤكد للمتلقي الواعي، أن مصر بتنوعها الثقافي هي محور المجموعة: فها هو رع صفحة 18 – كليوباترا صفحة 22 –زهرة اللوتس صفحة 24 –أوزوريس صفحة 24 – أبوزيد الهلالي صفحة 31 – أحمد بن طولون صفحة 31- مريم صفحة 42- يوسف صفحة 42 – يعقوب صفحة 42- بتاح حتب صفحة 43- هانيبال صفحة 44- يوحنا صفحة 46- إليا صفحة 46- قناوي وهنومة صفحة 59..
كما أن الحصان الأبيض، ما هو إلا حلم ، يطارد الكاتب في يقظته، ويطارده الكاتب في أحلامه، إنه.. حلم الحب والحرية ، والتحرر من الاحتلال والفقر والخيانة..
“تيار الوعي” في الحصان الأبيض
تيار الوعي: استخدم صلاح هاشم تقنية مهمة كثر استخدامها في الرواية؛ ألا وهي تقنية” تيار الوعي” STREAM OF CONSCIOUSNESS، ويمكن تعريف تيار الوعي، وفقا لروبرت همفري، بأنه “..تكنيك يتم من خلاله تقديم المحتوى النفسي ،والعمليات النفسية في المستويات المختلفة للانضباط الواعي، أي لتقديم الوعي”
[1] وتأتي الكتابة بتقنية تيار الوعي، على شكل انسيابات، قد تبدو غير مترابطة، وغير متوازنة، وكأن الوعي يأتي عن طريق اللاوعي؛ بحيث تخرج أفكار الشخصية المحورية إلى السطح ،بشكل غير مرتب، وحيث لا يتم الاهتمام بالأحداث الكبيرة، مثل الثورات والحروب، بل يتم الانشغال، بالتفاصيل الصغيرة والمهمشة ،التي تغوص عميقا، في ذاتية الإنسان، كما يكون الاهتمام بالشخوص، وليس بالحدث والحبكة، لأن الأحداث في هذا الأسلوب، ليست سوى مؤشر، على ما يختمر في ذهن الشخصيات.كما يرى محمد سامي البوهي
2] أن وجود تشويش لدى القارئ، يعتبر ظاهرة من ظواهر نجاح العمل، المعتمد على أسلوب وتقنية تيار الوعي؛ لأنه يمس نقاط في لاوعي القارئ، هذه النقاط قد تكون غير واضحة له، يختزلها في عقله الباطن، هو يشعرها، ويحسها، لكنه لا يستطيع ،أن يضع يده عليها..
يقول صلاح هاشم في ص 22 “مرت أفعى بجانبي .. لابد أنها كانت تحتمي بجيبي والمطر ينهمر. كان الذباب مازال يطن حولنا، فكرت كثيرا في الأمر .. فليكن .. الأمر الآخر على جانب كبير من الأهمية، لابد أن أمي ستغضب كثيرا. غافلتها وأسقطت الأفعى في مفرق نهديها، قلت لها وأنا أبتسم في مكر ودهاء: الآن ستموتين يا كليوباترا ….”
فيظهر لنا جليا تداخل الأفكا،ر في ذهن البطل، وطرحها بهذا الشكل المتداعي ، دون قولبة واعية، للحدث الكلاسيكي، والحوار النمطي المتعارف عليه، فما هو الأمر الذي فكر فيه؟ وما هو الأمر الآخر؟ وما علاقة الأم بالحدث الآني؟ وما علاقة استدعاء كليوباترا بما يحدث؟ وكيف يمكن تمييزه على مستوى الرمز الدلالي؟ ..
وكأننا أمام مجموعة من الرموز والشفرات، فالمطر ليس حقيقيا، بل رمزا وشفرة للهزيمة، والأفعى وكليوباترا استدعاء يناسب حالة الهزيمة التي كان يعاني منها الوطن في هذه الفترة، وكأن البطل، ينتقم من سلطة الدولة (الأم / العشيقة) بسبب الهزيمة والنكسة، فيقتل عشيقته، التي تصورها كليوباترا، في حلم لم يتحقق، أفاق منه على كابوس الواقع ..
“..يبدو أنني غفوت قليلا.
– خلاص يا أستاذ .. الجنينة بتقفل الساعة تسعة والساعة دلوقتي تسعة ونصف.. وانا كمان عايز أنام .. عايز أحلم زي كل الخلق”
وأقف هنا عند تقنية مهمة، من تقنيات تيار الوعي، التي سأقوم بتفصيلها فيما هو قادم، ألا وهي التكرار، والتي تعد مؤشرا أسلوبيا، ينبه القارئ إلى دلالات ورموز وإشارات يريدها الكاتب، وهو ما يتيح للمتلقي، أن يجد نفسه أمام شخصية، في أعلى حالات اضطرابها؛ الساعة التاسعة والنصف التي نراها في هذا المقطع، قد تكررت في مقطعين آخرين، في قصتين منفصلتين، هما قصة (العبور إلى الجانب الآخر) وتحديدا صفحة 53 “الثلاثاء 10 أكتوبر .. الساعة الآن التاسعة والنصف، موعدي معها فوق ذلك المقعد الرخامي البارد في تلك الحديقة الباردة بجوار مسرح الجيب، لاشك أن العبور إلى الجانب الآخر يتطلب شجاعة منقطعة النظير”..
وكذلك في قصة ( السور والتمرحنة ) وتحديدا في صفحة 59 “ساعة المحطة تشير إلى التاسعة والنصف، الأضواء تزغلل العيون، رذاذ متناثر من النافورة يعلق بالوجوه، لماذا يبكي ذلك الطفل؟” ..
فتجد نفسك تعود للقصة الأولى (الحصان الأبيض) التي كان يلتقي بطلها مع حبيبته على ذلك المقعد الرخامي أمام مسرح الجيب، ويحكي لها عن الطفل الذي يبكي، وتركه أبواه..
فلا يسعك إلا أن تحاول، ربط كل هذه المتناثرات التي تشظت ، عبر صفحات المجموعة، كي تكتشف أن الطفل الذي يبكي، هو ذات البطل المنهزمة،الطامحة لبلوغ الحصان ،الأبيض ، بعدما رأى الهزيمة، تتمكن منه ابتداء من بيته / وطنه، مرورا بحبيبته ، التي لا تعدو كونها معادلا موضوعيا،لصورة الأم الخائنة، وهو لا يعدو معادلا موضوعيا معاكسا، لصورة السلطة الأبوية، الصامتة على ضياع الأم..
التقنيات السردية
التقنيات السردية المستخدمة : إن النصوص المعتمدة على أسلوب تيار الوعي، لابد لها من تقنيات تصويرية، ولغوية. هذه التقنيات لا تعتمد أساسا على الفكرة المطروحة ،مهما كانت درجة بساطتها؛ لان الهدف ليس الوصول للفكرة، بل الهدف هو تحليل هذه الفكرة، وتفتيتها ، في القارئ نفسه. للاتساق مع الحالة النفسية للبطل، وحالة الصراع الداخلي، التي يخلقها النص، وبالتالي، فالعقدة أو الأزمة ، كائنة خلال مسار الحكي..
أ ) الوصف التفصيلي: يتم استخدام لغة السيناريو، لوصف المشهد، بشكل تفصيلي، كي يقوم القارئ، بتشكيل صورة للمشهد الذي يقرأه، وقد تكون هذه التفاصيل مبتورة، وغير مكتملة، وقد تتناثر عبر فضاءات النص ذاته؛
فيقول في صفحة 32 في قصة ( هلال وثلاث نجوم ) “الطرقات المتأخرة في الليل .. صوت مفتاح يولج في مزلاج. حدقت فيّ بعينين صفراوين، لم أرهما من قبل في حياتي. أخذت أحدق في عينيها في صمت. كانت تقف فوق كومة من القمامة سوداء كسقف الحجرة تماما.. تنبش في القاذورات.. وتقضم بأسنانها قطعة عظم…” أو كأن يقول في نفس النص صفحة 33 “حلم: كان يقف على بعد خطوات مني …”
ب) الجمل الفعلية القصيرة (سرعة الإيقاع): إن استخدام الجمل الفعلية القصيرة ، للتعبير عن التدفق السردي للوعي، هو الأسلوب الأمثل، لتدعيم حالة اللهاث، وراء التدفق والتيار السردي الذي يستخدمه الكاتب، كما انه يساعد ، في تدعيم حالة الإيقاع السريع ، لنص لا يجب أن يكون إيقاعه بطيئا، نظرا لعدم اعتماده على الأسلوب النمطي في السرد..
وقد كانت لغة صلاح هاشم، تتميز بالجمل القصيرة ، حتى وإن كانت جملا اسمية، فالمجموعة لا تخلو أي صفحة فيها، من الجمل الفعلية القصيرة ، والإيقاع السريع؛ فعلى سبيل المثال كان الحوار الذي ابتدأ في صفحة 33، واستمر حتى صفحة 36 ، كان عبقريا في سرعة إيقاعه، وتصاعده الدرامي، الذي انتهى بجملة فارقة، تؤكد المعنى الذي يلح صلاح هاشم على وجوده
“….
– بالأمس سقط المطر؟
– أجل وبغزارة
– ومن المسؤول عن سقوطه؟
– لا أدري
– ومازالوا يبصقون في وجهك؟
– أجل وبإصرار عجيب
– لم يفعل والدك شيئا؟
– كلا .. ظل صامتا كعادته .. كنت أنا وحدي الذي يعلم بالأمر
– رأيته يتسلل من غرفتها .. وقررت أن تخبره بالأمر .. لكنك لم تفعل
– أجل
– لماذا؟
– لأنها كانت تصطحبني كل يوم إلى الحديقة التي تقع إلى جوار مسجد أحمد بن طولون وتشتري لي الحلوى
– وعندما أدرك أبوزيد الهلالي حقيقة الأمر
– لم يفعل شيئا
– لماذا؟
– لا أدري
– انظر هناك
نظرت .. فوجدت الليل أسود قاتما كئيبا ..
سألني: – هل هناك نجوم؟
منكسرا قلت : أجل ثلاث نجوم وهلال” .
وعلى ذكر النجوم والهلال ، فقد تم ذكر هذه النجوم والهلال، حينما وصف صورة الأم، التي كانت ترتدي ثوبا أخضر، وإيشارب منقوش عليه هلال وثلاث نجوم، وكأنه وضع القارئ،، في رمزية الهلال، ونجومه الثلاث، التي كانت على علم مصر الأخضر القديم، ورمزية الأم التي خضعت، وركنت للرذيلة، والانكسار الذي حدث له، حينما كان الليل أسود قاتما كئيبا، ولم يكن فيه سوى هذا العار بالهزيمة ، رمز الأم الوطن..
ت) الجملة هي وحدة بناء القصة: فالكاتب ليس معنيا، ببناء حبكة درامية متماسكة، وشخصيات حقيقية، من لحم ودم، تدور في فضاء زمكاني محكم، بل تقوم قصة تيار الوعي، على وحدة بناء مغايرة، ألا وهي الجملة، التي تكون مع بقية الجمل، لوحة من الفسيفساء المبعثر، الذي يحتاج من القارئ تفكيكه، وإعادة تنظيمه، بالشكل الذي يتسق مع تأويله للنص..
وقد تتميز هذه النوعية في الكتابة، بعدم اكتمال الجمل وتبعثرها. وقد امتلأت المجموعة بهذا الأسلوب الفني، في بناء القصص؛ فعلى سبيل المثال يقول الكاتب صلاح هاشم في صفحة 58 “السحب تعود مرة أخرى، الشاطئ يبدو برتقاليا هذه المرة، طفل صغير يقفز مرحا، فوق الفراش أرقد ممددا، أيقظتني مبكرا هذه المرة، أعددت حقيبتي، وجمعت ما أحتاجه من ثياب” هذه الجمل القصيرة المتلاصقة والمتناثرة، والتي يبدو للوهلة الأولى عدم وجود رابط بينها، هي وحدة البناء الرئيسة، في هذا النوع من الكتابة..
وهذا الأسلوب، هو ما يجعل القارئ، يتحول من مجرد مستهلك للنص الأدبي، إلى مشارك في إنتاجات متعددة لنفس النص.
ث) الانتقالات الزمنية المكانية المفاجئة. (التداعي): إن استخدام أسلوب تيارالوعي، يستلزم بالضرورة ، وجود ما يسمى بالتداعي، وهو “إحداث علاقة بين مُدركتين، لاقترانهما في الذِّهن بسببٍ ما” و وجود التداعي، يستلزم في تيار الوعي الانتقال زمانيا ومكانيا، لما تم استدعاؤه في الذهن، وكثيرا ما كان يقوم صلاح هاشم، بعمل انتقالات في الزمان والمكان، فيقول على سبيل المثال في صفحة 59 “أحبها بجنون لكنها لم تلتفت إليه، دورة مياه، في المرآة المشروخة كان وجهي شاحبا، سيحبسونك في قفص زجاجي، … تمسح يا بيه؟ غدا تتسكع في الطرقات مللا، ليس هناك ماتفعله، مازالت إيثاكا بعيدة… قلت لك ألف مرة لا تتسلق السور. الصفير حاد.. لابد أنها ترقد الآن في فراشها، لماذا يبكي ذلك الطفل؟ ساعة المحطة تشير إلى التاسعة والنصف”.
ج) الشخصية الواحدة المحورية (تركيز البؤرة السردية): إن شخصيات المجموعة، تتكرر من قصة لأخرى، أو بالأصح تتشظى، في كل القصص تقريبا، فيما عدا قصتين، نفس البطل ،ونفس المعاناة، بتنويعات مختلفة، ويمكن الاستدلال على ذلك ،من خلال ملاحظة التكرارات، التي يمكن رصدها على طوال صفحات المجموعة، سواء لجمل بعينها، أو شخصيات بعينها ، أو لأحداث بعينها: – احك لنا حكايةصفحة 57- 61 – بائع الكتب القديمة صفحة 57- 58 – تسلق السور صفحة51 -56- 57- 59 – الميدان والفقراء صفحة43- 64- 68 – صاحبة البيت صفحة 30-37- 76-77-78 – أرقد فوق الفراش أحدق في السقف متوقعا أن ينهار فوق رأسي صفحة 30 – 61 – 79 – لاحظت أن أسنانها صفراء 19 – 60 – قالت إنها تصدقني في كل ما قلت وأنها لم تكن تظنني جريئا إلى هذا الحد 16 – 75 ح)..
التناقض: ويقصد بالتناقض هنا، أن يقول الكاتب الشيء ونقيضه، بما يؤكد حالة الهذيان، وحالة كسر الإيهام، لدى القارئ، وقد قام صلاح هاشم بذلك مرارا ، داخل نصوص المجموعة، فقال على سبيل المثال في قصة( الأقواس ) “الجو حار بدرجة لا تطاق” صفحة 65على لسان البطلة، ثم قال “البرد شديد هنا”صفحة 68مرة أخرى على لسان البطلة، وهو ما يعني أن الشعور بالبرد أو الحر، شعور نفسي بحت، ليس حقيقيا، وكأنه يقول، لا تصدق أيها القارئ ما أصدره لك، الأمر كله محض رمز. كذلك ما يمكن رصده من تكرارات، لنفس الحدث بطرق مختلفة: – التاسعة والنصف(في مسرح الجيب مع الفتاة صفحة 53)–(وأمام محطة القطار وهو يتساءل “لماذا يبكي ذلك الطفل” صفحة 59) – “قلت لنفسي إن بقائي في الغرفة لن يجدي شيئا”صفحة 30 –”بقاؤك في الدار لا نفع فيه” صفحة 40 – (الكشك الخشبي) صفحة 14- 40- 41 – “كانت الساعة قد جاوزت الثانية بعد منتصف الليل”(موعد الدرس ص 10)–(مغادرة المقهى 72)
خ) المزج بين الضمائر: يحدث كثيرا في تيار الوعي، أن تختلط الضمائر؛ فيتشوش القارئ ، ولا يدري أي الشخصيات تتحدث، فيقول في صفحة 64 “تلتفت إلى صورتها المعلقة فوق الجدار وتشير إليها: أمك؟” فيرتبك القارئ حينما لا يعرف صورة من، التي التفتت إليها الفتاة، هل هي صورتها، أم صورة الأم؟ أم أن الاثنتين وجهان لعملة واحدة ، وقد قصد الكاتب أن يحدث هذا الخلط، كي يدرك القارئ، أن الأم صورة أخرى للعشيقة. كما كان ينتقل بين ضمير المتكلم المشارك ، وضمير المتكلم العليم، فيقول صفحة 65 “إيشارب لم أتبين لونه جيدا يلتف حول رأسها، تمسك بيدها عازف العود الضرير…” ثم يعود للخلط بين حدثه الذي يرويه مشاركا، والحدث الذي يرويه عليما صفحة 69 “أرقد في الفراش، أفكر في عازف العود الضرير، والفتاة الصغيرة، لابد أنها وهي ترقد الآن بين ذراعاي، لم تكن تدرك تماما ما يجول بخاطري…
د) استخدام الرموز: إن استخدام الرمز، كان ملمحا رئيسا في مجموعة( الحصان الأبيض ) بشكل كبير، فالمجموعة تتمرد على سلطة الواقع، وقيوده، لصالح الحرية، وتتمرد على الهزيمة والخزي والعار، لصالح الانتقام والانتصار، وتوقف النزيف الخاص بالجرح القديم..
وقد استخدم الكاتب العديد من الرموز مثل: – الأم:التي يحبها القبطان والمدرس وتنتظر بجوار النافذة، والتي طالما علقت صورتها على الجدار في صفحات 18 – 64 -64- 72- 72- 75- 79 – الأب الصامت المتخاذل: صفحات 31 – 35 – المطر – الهلال والثلاث نجوم صفحات 31 – 36 – الحذاء المؤلم صفحات 11- 13 – 41 – والقبقاب الخشبي المزعج صفحات 24 – 25 – الشمس: حمراء مؤلمة صفحات11 – 12 – ذهبية مشرقة صفحة 50- زرقاء كالموت صفحة 74 – ساطعة حارقة صفحة 77 – الدم الغزيرالمتدفق من جرح في جبهته صفحات 12- 66- 69- من أنفهصفحة50 – من فمه صفحة 57 – الألوان: الأحمر والأخضر والأصفر والأبيض والأسود..
الخاتمة: إن مجموعة الحصان الأبيض لصلاح هاشم، تعد صرخة عالية للحلم، في وجه الواقع الكابوسي المعتم، الواقع ذو السقف الأسود، في الغرفة التي تحمل صورة قديمة على الجدار، وتمتلئ بالشقوق، ويسكنها ذلك الطفل، الذي طالما نزف وجهه، وظل يعاني من أمراض ورثها، كالفقر والربو والحذاء الضيق اللعين، ويحلم بالحصان الأبيض، الذي يمتطيه على الشاطئ الذهبي، بعد أن ينجح في تسلق السور، دون أن يفشل، حيث يتوقف الطفل عن البكاء ، ويزور أوزوريس الحديقة، فتزهر زهرة اللوتس من جديد.
د. محمد مخيمر
—
هذا النص هو “مداخلة” الناقد الكبير د.محمد مخيمر في “ندوة ” مناقشة مجموعة (الحصان الأبيض ) في ” مختبر السرديات“- رئيس المختبر د.منير عتيبة– بمكتبة الأسكندرية التي عقدت يوم الثلاثاء 3 ديسمبر 2019..