دلال عبد العزيز..أن تترك أثرا من دون أن تحدث ضجة.رحيل فنانة كبيرة وسيدة عظيمة بقلم محمد عبد الرحمن
- طورت دلال عبد العزيز نفسها كممثلة ونجحت في تقديم أدوار مؤثرة
- الزواج والأمومة أبعدوها عن شباك التذاكر فعادت من نافذة التلفزيون
- “حديث الصباح والمساء” و”سابع جار” و” لا” علامات في المشوار.
- تألقت مع نجوم الكوميديا الجدد وكلمة السر “البساطة والإرتياح” .
ستمر الأيام وينسحب الحزن من الملامح والوجوه ويستقر في مكانه الأثير “القلب”، بعدها ستنتعش الذاكرة لتعطي لممثلة من طراز فريد حقها، الممثلة هي “دلال عبد العزيز” التي رحلت عن عالمنا السبت الماضي بعد معاناة مع المرض، رحلت وسط أحزان ودموع وآلام بسبب فقد سيدة بسطت محبتها على الجميع، أسرتها وصديقاتها وزملائها وناس لا نعرفهم هي تعرفهم، غادرت وهي لا تعلم أن زوجها رفيق مشوار الحياة الكوميديان المتفرد قد رحل قبلها بثمانين يوما، رافقها حياتها ولحقته هي في مماته، كل هذا الحزن لم يوف للممثلة دلال عبد العزيز حقها في أن تصنف كواحدة من الممثلات البارزات في العقود الأخيرة، خصوصا على مستوى الدراما، الكل ركز على أننا نودع سيدة غاية في الرقة والطيبة والجمال، لكننا في السطور المقبلة سنودع ممثلة غاية في التمكن والقدرة والإتقان.
“لحظة ميلاد الفرح كان في حبيب رايح” كلمات فؤاد حجاج الشهيرة من تتر مسلسل” حديث الصباح والمساء” استخدمها البعض لوداع دلال عبد العزيز دون انتباه إلى أن وجود دلال في هذا المسلسل، من أبرز العلامات على كونها ممثلة من طراز خاص، المسلسل الذي مضى على عرضه قرابة 20 عاما قدمت فيه دلال بامتياز شخصية “نعمة المراكيبي” وهي في عز نضجها الفني كممثلة، قبل ان تبدأ أدوار الأمومة التي حققت لها شعبية كبيرة، لكن لأن الأعمال التلفزيونية في تلك الفترة كانت تعتمد على اسم النجم الرئيسي أو على شهرة العمل نفسه لم يكن النقد وقتها يتوقف أمام المستوى الذي تظهر عليه كل ممثلة أو ممثل على حدة، دلال بدأت مشوارها الفني بسلسلة من الأدوار الخفيفة، سواء في السينما نهاية سبعينات القرن الماضي، أو على المسرح مع سمير غانم وجورج سيدهم في مسرحية “أهلا يا دكتور” أدوار الفتاة الجميلة البسيطة على الشاشة أو الفتاة التي تأتي ثالثة في الأهمية بعد الكوميديانات الكبار على المسرح لا تسمح للممثلة بأن تظهر كل ما لديها مبكرا، وبعد تشكيل الدويتو مع سمير غانم في سلسلة من الأفلام التي لم تحظى أيضا بتقدير نقدي وظلت قرابة 20 عاما محصورة في هذا الإطار، ممثلة معروفة زوجة نجم كوميدي شهير، وأم لطفلتين بمجرد أن كبرا قليلا عادت للتألق لكن من خلال شاشة التلفزيون.
مع الزعيم والفخراني
سرعان ما تحررت دلال من هذا الأمر أو لنقل سارت في اتجاهين متوازيين، تتواجد مع سمير على المسرح تؤدي دور الفتاة التي يحبها بطل العمل باستمرار، لكن عندما يأتيها دور متميز تؤديه كما ينبغي دون أن تنتظر لقب النجمة أو تحلم بشباك التذاكر، ولأن السينما كانت لها معايير مختلفة دائما ظل التلفزيون ومن بعده المسرح الملاذ الآمن لدلال عبد العزيز، وقبل حديث الصباح والمساء بعد سنوات قدمت واحدة من أهم أدوارها على الإطلاق، في مسلسل “لا” الشهير أمام يحيي الفخراني حيث الممثلة التي تتمتع بشهرة كبيرة في الأربعينات وتلتقى الرجل الذي خسر كل شئ وتحبه رغم أي شئ وتظل إلى جواره ليستعيد اسمه وكرامته وكذلك زوجته، مشاعر متناقضة لا تؤديها إلا ممثلة متمكنة، ومع الفخراني أيضا برعت دلال عبد العزيز في الفيلم التلفزيوني الشهير “مبروك وبلبل” أول أعمال المخرجة ساندرا نشأت .
مع عادل إمام قدمت الفيلم الشهير “النوم في العسل” عام 1996 دور غير رئيسي لكن مشاهدها في الفيلم لا ينساها الجمهور وكلها كانت مع الزعيم الذي عادت للوقوف أمامه مجددا في أخر مسلسلاته قبل عامين “فلانتينو” وقدم شخصية مديرة المدرسة الحازمة المسيطرة بتمكن كبير، وصلت من خلاله دلال عبد العزيز إلى الدرجة التي تدفعها لأن تعكس الشخصية كما تريد دون النظر لباقي عناصر العمل، وهي درجة يحصل عليها فقط الممثل المجتهد الراغب في تطوير نفسه والمنعزل عن منغصات النجومية والتترات والأفيشات وغير ذلك من مسببات تشتت انتباه إي فنان .
الأم والأخت والجدة
دراميا أيضا لا يمكن تجاهل مسلسل ذائع الصيت قدمت فيه شخصية الأم والشقيقة والجارة هو “سابع جار” وكان من الأعمال التي لمع من خلال اسم دلال في السنوات الخمس الأخيرة وقدم جيلا جديدا من الممثلين، وأنهت مشوارها مع التلفزيون أيضا في شخصية الأم لعمرو سعد في “ملوك الجدعنة” مع مصطفي شعبان وياسمين رئيس، بينما جسدت “الجدة” في أخر أفلامها “أعز الولد” والذي عرضه عبر احدى المنصات قبل عدة أشهر.
وفي أعمال كوميدية لا تقوم هي فيها بشكل مباشر بمهمة الإضحاك، نجحت دلال عبد العزيز بسبب البساطة التي تعاملت بها مع الشخصيات التي تؤديها وحكاية العمل ككل جعلت وجودها على الشاشة محببا أي كانت المساحة وجعلتها هي دافعا لبطل العمل في أن يخرج أفضل ما عنده، فعلي سبيل المثال لا يمكن المرور على تجربة أحمد مكي في أول ظهور لشخصية حزلقوم دون الالتفات لكون والدته في الأحداث هي دلال عبد العزيز، نتكلم طبعا عن فيلم “لا تراجع ولا استستلام ..القبضة الدامية” وسخصية “سميرة سمير” في فيلم “سمير وشهير وبهير”، ومع صعود نجومية دنيا وإيمي سمير غانم كان منطقيا أن تكون هي الأم الأكثر تكرارا في أعمالهما دون أن يعترض الجمهور على هذا التكرار وكأن حالة “الإرتياح” الموجودة في البلاتوه قد وصلت للجمهور في منازلهم، واللافت أن دلال عبد العزيز توفيت عن عمر 61 عاما ليكتشف البعض أنها تؤدي شخصية الأم بانتظام ربما قبل أن تصل للخمسين ودون أن تعترض على كونها “لسة صغيرة” على هذه الأدوار، ما أهلها لتكون خليفة شرعية لكريمة مختار لولا أن كورونا لم يهملها طويلا أو ربما اشتاقت سريعا لسمير غانم الذي سبقها للسماء دون أن يخبرها أولا عكس عادته طوال 35 عاما جمعت بينهم في منزل الزوجية.
محمد عبد الرحمن
ممحمد عبد الرحمن كاتب وناقد مصري مقيم في القاهرة.مصر و رئيس تحرير موقع إعلام دوت كوم