سؤال الهوية في فيلم مصري عن المخرج الراحل صبحي شفيق بقلم كمال القاضي

المُخرج الراحل صبحي شفيق
دائماً ما تبحث السينما التسجيلية عن الكنوز الخفية في مجالات الإبداع المُختلفة، ولأنها معنية بالتوثيق وحفظ الذاكرة فهي لا تستثني صُناع الإبداع ورموز الفكر والفن بوصفهم جزءً أصيلاً من مراحل تطور الصناعة السينمائية، حيث لكل مُبدع بصمته المُميزة ودوره الخاص في إثراء الصورة والحوار والتكنيك وكافة مركبات الفيلم السينمائي على اختلاف أشكاله وتصنيفاته.

المخرج صلاح هاشم
في إبداع نوعي خاص قدم الكاتب والمخرج صلاح هاشم المُقيم في باريس والمُرتبط بالحركة السينمائية العربية رغم اغترابه منذ سنوات في بلاد أخرى، صورة حية لمسيرة أحد رموز السينما المصرية صبحي شفيق عبر فيلمه التسجيلي المهم «صبحي شفيق.. سينما مصر وسؤال الهوية». وكالعادة يحاول هاشم أن يربط خيوط فكرته الإنسانية بسؤال ليُثير اهتمام المُتلقي ويأخذه لأبعد مفهوم يُمكن أن تكون له علاقة بالحالة السينمائية التي يُقدمها.
وقد تؤدي فلسفة صلاح هاشم في بعض الأحيان إلى خلق مستويات موازية للفكرة التي ينطلق منها، حيث لا يُقيد نفسه بإطار مُعين بل يخرج في كثير من الحالات عن نص الكتابة ويُفاجئ المُشاهد بما لم يتوقعه، فهو لا يعترف بأحادية المعنى والمفهوم، بل يهوى المراوغة التي تعمل على تنشيط الحواس والبحث عن معان إضافية للإبداع السينمائي بين التفاصيل الصغيرة، فالجمهور من وجهة نظره شريك في صناعة الفيلم ويجب أن يُكمل ما يراه ناقصاً، فالاشتباك مع المُصنف الإبداعي هو الرسالة المُستهدفة منه حسب اعتقاده.
يطرح الفيلم عدة تساؤلات حول مفهوم السينما وأهميتها وما يُمكن أن يُحدثه تنوع الرؤى وتطور العلم السينمائي في ظل التحديات المُعاصرة، كما أنه يكشف جانباً مهماً من أنماط التفكير لدى السينمائيين المصريين عبر إبداعاتهم الخاصة، إذ يُشير صبحي شفيق وهو واحد من الرواد الكبار إلى الدروس المُستفادة من المُغايرة والاختلاف.
وهنا يلتقط المخرج وكاتب السيناريو صلاح هاشم دلالة المعاني المقصودة في كلام شفيق فيعوض عنها بمشاهد من أفلام يراها نماذج مُعتبرة للتباين الفكري المُتضمن في الصورة والحوار والمضمون والأداء التمثيلي والتوظيف اللائق للتقنيات والموسيقى وخلافه.
ويسترشد هاشم في هذا الإطار بمشاهد من فيلم «شباب امرأة» للمخرج صلاح أبو سيف وفيلم «إسماعيل يسن في البحرية» لفطين عبد الوهاب وفيلم «البوسطجي» لحسين كمال وغيرها من روائع وإبداعات السينما المصرية ليقترب بطريقته الخاصة من مفهوم الهوية الذي وضعه في عنوان فيلمه عن الراحل صبحي شفيق، ناقداً ومُخرجاً وأكاديمياً مهماً.
ولم يفُت المخرج وصاحب الرؤية صلاح هاشم أيضاً أن يُضمن الفيلم الوثائقي مشاهد من إبداعات البطل ذاته كفيلم «الإيقاع» وفيلم «صُناع النغم» و«القاهرة كما أراها» و«التلاقي» وأفلام أخرى عكست ثقافة الفنان الموسوعية وانفتاحه على ألوان الإبداع الفرنسية وتأثره الشديد بها خلال فترة إقامته الطويلة في باريس واحتكاكه بالكُتاب والمُخرجين والنقاد الفرنسيين.
ولعل تشابه رحلة صبحي شفيق السينمائية والحياتية مع مشوار صلاح هاشم الإبداعي هو ما دفع الأخير لصناعة الفيلم التسجيلي والتحمس له برغم مُعضلات الإنتاج التي صادفته، ولولا أن الفيلم أنتج بالشراكة المصرية اللبنانية لكان من المُمكن أن يتأخر ظهوره للنور كثيراً فهذه النوعية من الأفلام لا تتوافر لها عادة شروط الإنجاز بسهولة بوصفها أفلاماً نخبوية لا تُدر عائداً مادياً وليس لها حظ من الرواج التجاري.
هناك عنصران مُتميزان لفيلم صبحي شفيق «سينما مصر وسؤال الهوية» يتمثلان في التصوير والمونتاج فقد أبدعهما المصور والمونتير سامي لمع فاكسبا الرؤية التسجيلية طابعاً تقنياً خاصاً، فضلاً عن جمال الصورة التعبيرية واختزالها لكثير من المضامين الفنية والثقافية والعلمية في الزمن المُحدد للفيلم وهو 57 دقيقة.
ولأن الفيلم يُعبر عن روح الامتنان والولاء والوفاء ويحمل رسالة إنسانية فائقة الحساسية والرهافة من المخرج صلاح هاشم إلى الفنان صبحي شفيق فقد احتفت به جمعية النهضة العلمية والثقافية «جزويت القاهرة» بوصفة نموذجاً راقياً لسينما استثنائية، وأتاحت له فرصة العرض الخاص في حضور كوكبة من النقاد والصحافيين والسينمائيين، كان أبرزهم الكاتب والناقد الأدبي والسينمائي أسامة عرابي الذي أدار الندوة وألقى الضوء بكثافة على أهم محطات الراحل صبحي شفيق الإبداعية وربطها بموضوع الفيلم ربطاً قوياً ومنطقياً كان له بالغ الأثر في تفسير الكثير من الإشارات السينمائية الواردة في سياق الرؤية العامة للشخصية بتفاصيلها وانعطافاتها
بقلم
كمال القاضي

كمال القاضي كاتب وناقد سينمائي مصري مقيم في القاهرة .مصر
***
عن جريدة ” القدس العربي ” الصادرة في لندن بتاريخ 23 يوليو 2023