شهر سقوط الأقنعة والأصنام بقلم مجدي الطيب
مُخطيء من يظن أن «شهر الدراما الرمضانية»، كان مقصوراً على الترفيه، والإمتاع، والتسلية؛ فالأمر الذي لا شك فيه أن دراما هذا العام كانت جد مختلفة؛ بحيث يمكن القول إن رمضان كان، بحق، «شهر سقوط الأقنعة والأصنام»؛ فمن دون اتفاق مُسبق، أو عقد مكتوب، نجحت مسلسلات عدة، في فضح القتلة والسفاحين، المتدثرين بعباءة الدين، وحشد، وتعبئة، الجمهور، بالمصداقية، وقوة الحقائق، والوثائق الدامغة، لإجهاض المؤامرات، التي تستهدف التغرير بالسذج، والبسطاء، ومواجهة الأفكار المنحرفة، التي يتم تمريرها بواسطة المتاجرون بالدين !
بالطبع كان للتوقيت دوره المهم، في إنجاح «عملية إسقاط الأقنعة والأصنام»، نظراً لما هو معروف عن شهر رمضان، من ارتفاع نسبة المشاهدة، وجاذبية ما يُقدم، وقوة تأثيره، الأمر الذي سهل كثيراً «معركة المواجهة»، والتصدي للإنحراف الإخواني، وتكريس الدور الوطني، وظهر هذا بجلاء في الحفاوة الجماهيرية، والمردود النقدي، التي قوبل بها مسلسل «الإختيار 2 : رجال الظل»؛ إذ نجح المسلسل في دفع قطاع كبير من الجمهور إلى كراهية هذه الطائفة الضالة، واليقين بأن الغدر، والخيانة، متأصلان لديها، وأكبر الظن أننا بصدد مرحلة فاصلة بين زمنين : «ما قبل الإختيار 2» و«ما بعد الإختيار 2»؛ فما رصده المسلسل من وقائع حية، وشهادات موثقة، سيدفع الملايين إلى قناعة تامة باستحالة الصلح أو التسامح مع طائفة تلوثت أياديها بالدم، وأن ما جرى سيظل جرحاً لن يندمل، في بيوت المصريين جميعاً، مهما طال الزمن .
وإذا كانت «المواجهة»، في مسلسل «الإختيار 2 : رجال الظل»، كشفت دموية الطائفة الضالة، وتعطش أفرادها لسفك الدماء، وإزهاق الأرواح، بدماء باردة؛ فالمواجهة اتخذت لها بعداً آخر في مسلسل «لعبة نيوتن»، الذي كشف زيف أفكارهم، وتفكيك ذهنيتهم، وطرائق تفكيرهم، وتلاعبهم؛ وهي الرسائل التي تجسدت في شخصية «مؤنس» (محمد فراج)، اللزج، الثعباني، الذي تقطر سلوكياته بالخبث والخسة، والكلام المعسول، الذي يوظفه للمتاجرة بالدين؛ وطوال الوقت يخالجك شعور بأنه شخص غير مُريح، مُخادع، مُزعج، كاذب، ومُضلل، كمئات الدعاة «الكاجوال»، الذين أبتلينا بهم، في السنوات الأخيرة، لكنهم، تحديداً، يجدوا كل حفاوة، وترحيب، في أميركا، وبريطانيا، على غرار ما حدث مع هذا «المؤنس» اللزج !
هي «معركة وعي»، بمعنى الكلمة؛ بدليل أن «الحرب» في مسلسل «القاهرة : كابول»، كانت متعددة الجبهات، ولم تستهدف «رمزي» (طارق لطفي)، فحسب، وإنما البيئة، التي أفرزته؛ ممثلة في شخصية أستاذه «غريب» (محمد عز)، الذي لقنه، في طفولته، وصباه، كيف يكره أهله، قبل أن يُكفر مجتمعه، وهي البيئة نفسها، التي أنتجت جيل الشباب المُحبط، والمكتئب، الذي تحول إلى فريسة سهلة في براثن التكفيريين، وكتب التطرف، التي تُعد دساتيرهم، وتترجم أفكارهم التكفيرية؛ مثل : «معالم في الطريق» و«في ظلال القرآن»، لسيد قطب، «دعاة لا قضاة»، لمرشد الأخوان حسن الهضيبي، و«الملل والنحل»، لأبي الفتح الشهرستاني، ورغم هذا يتم تداولها على الأرصفة، وفي طرقات المقاهي، في حال من التواطؤ الجماعي للمجتمع، والصمت الذي كان سبباً في إفراز شخصية «الشيخ عوض» (محمود الليثي)، الذي كان زوجاً لامرأة تخيلت أنه سيحقق طموحاتها، كونه يغني في الأفراح الشعبية، ولما فشل، تركته، وارتبطت بغيره، وتسببت في دخوله السجن، وبسبب تعرضه للظلم تحول إلى «الشيخ عوض»، الذي يزعم التقرب إلى الله، ولا يفارقه السكين !
وفي تنويعة على نفس اللحن يرصد مسلسل «وكل ما نفترق» شخصية شيخ الجامع «مواردي» (طارق عبد العزيز)، رجل الدين، الوصولي، الانتهازي، الذي يبرر للعمدة الطاغية نزواته، وأطماعه، وقراراته، التي تُخالف الدين، بشكل يُذكرك بشخصية «شيخ البلد» (حسن البارودي)، في فيلم «الزوجة الثانية»، وعلى النسق نفسه جاءت شخصيتا «صابر» (المطرب حمادة هلال) و«الشيخ مُصباح» (محمد الصاوي)، في مسلسل «المداح»؛ فالأول يستخدم الدين كستار للتعتيم على أعمال السحر والأعمال السفلية، من أجل فتح المقابر للاستيلاء على الآثار، بينما الثاني يتربح من الدين، عبر القناة الفضائية، االتي يملكها، على غرار الدعاة «الكاجوال»، ولا يتورع عن بيع نفسه، وفتاواه، لرجال الأعمال، وكبار الأباطرة، ليعطي شرعية لأفعالهم الحرام !
شخصيات درامية لا تملك سوى أن تكرهها، من قلبك، بعد ما تُدرك أنها «حثالة» و«نفاية»، يأكل الجهل عقولها، والحقد قلوبها، ويحركها الغل والكراهية حيال مجتمع هو بالنسبة لها «طائفة كافرة»، لكن المُفارقة المُثيرة أن الشخصية الأكثر إثارة لغضب وحفيظة البعض، كانت شخصية «ملك» (تارا عماد)، شقيقة «سلمى» (نيللي كريم) في مسلسل «ضد الكسر»، التي اتهمها زوجها بالخيانة، ورفع عليها دعوى قضائية لنفي نسب مولودهما، بعد أن أثبتت اختبارات تحليل الحمض النووي DNA عدم تطابقها مع الأب، فبدلاً من أن ينظر الغاضبون، والمتحفظون، إلى الزوجة الخائنة، بوصفها شخصية درامية واقعية في مسلسل اجتماعي محض، انبروا غاضبين بحجة أن الزوجة الخائنة ترتدي الحجاب، وفي هذا إثارة للفتنة، وتشويه، وإهانة، لشخصية المتدين الإسلامي، وحرب تُشن على الدين الإسلامي، كما طال الهجوم الغاضب «مؤنس» في مسلسل «لعبة نيوتن» !
مجدي الطيب
مجدي الطيب كاتب وناقد سينمائي مصري مقيم في القاهرة.مصر
عن موقع ( سكاي نيوز عربية ) لباب ” مختارات سينما إيزيس “