فيلم “صبحي شفيق.سينما مصر وسينما الهوية” لماذا ؟ بقلم صلاح هاشم
عندما التقيت د.صبحي شفيق في القاهرة يوم 7 أكتوبر عام 2007 ، بعد غيبة طويلة في باريس، أهداني كتابه ” صبحي شفيق الناقد الفنان. كتابات مختارة ” من إعداد وتقديم الناقد سمير فريد.وكان صبحي شفيق – قبلها – قد عرف بثقافته السينمائية الموسوعية، لأكثر من 50 عاما..
ولد شفيق في الخامس من أكتوبر تشرين الأول 1931 ، وتخرج في قسم اللغة الفرنسية في كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1955، وعمل في الصحافة منشغلا بالنقد السينمائي، وكان ضمن هيئة تحرير مجلة (المسرح والسينما) التي صدرت عام 1968 وكان من مؤسسي جمعية نقاد السينما المصريين في السبعينيات، ثم صار رئيسا لها.
ثم غادر شفيق إلى فرنسا وأصبح من المراجع البارزة لتيارات السينما الفرنسية كما ترجم سيناريوهات أفلام منها (عاشت حياتها) الذي أخرجه جان لوك جودار عام 1962..
كما أخرج شفيق أفلاما تسجيلية منها (الإيقاع) 1967 و(صناع النغم) 1968 و(القاهرة كما أراها) 2007 إضافة إلى مسلسلين تلفزيونيي،ن في مجال الخيال العلمي، هما (برج الهدهد) 1995 و(قمرة وأمورة) 1999..
كما كتب وأخرج فيلما روائيا طويلا واحدا عنوانه (التلاقي) بطولة عمر خورشيد ومديحة كامل عام 1972، ولكن الفيلم تأخر عرضه في السينما حتى عام 1977 “بسبب تعنت الرقابة” .
كما صدر لشفيق في نهاية 2015 كتابان هما (الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما.. 42 عاما) و(مدخل إلى المسرح الفرعوني الكوريغرافي الأوبرالي).
كتاب ” صبحي شفيق الناقد الفنان صدر عام 2001 عن الدورة السابعة لـ مهرجان ” الفيلم القومي ” في مصر ، بمناسبة تكريم صبحي شفيق فيها، ولم أحضرها أو أدعى لها بالطبع ، بسبب سياسات التعتيم ، التي كانت تعتمدها جماعة أو بالأحرى ” عصابة ” مهيمنة على الشأن السينمائي للأسف ،في مصر ، في ذلك الوقت..
د.صبحي شفيق
وكانت تحرص على عدم نشر أي أخبار، عن فلان أو علان من الناس ، أو دعوته في المهرجانات التي كانت تهيمن عليها، مادامت تتعارض مع مصالحها الضيقة النرجسية الأنانية، ولم تكن تلك سياسات بالطبع،تخدم ثقافة السينما في بلدنا ، وإنفتاحها على الآخر، ومد يد الى الجار والصديق – شعار مهرجان أوبرهاوزن في ألمانيا ، أحد أهم مهرجانات الفيلم الوثائقي في العالم – في حين كان صبحي شفيق “معلم أجيال، من النقاد، بعتبر ” قدوة ” ومثالا يحتذى ،في “حضارة السلوك الكبرى، أو السينما ” كما أحب أن أسميها..
من ناحية ترحيبه بالمواهب السينمائية المصرية الجديدة، من النقاد والمخرجين،حيث يساعدهم ويشجعهم، ولا يبخل عليهم بنصيحة، أو توجيه، أو تعليم..
فكان جزاؤه، بعد أن تدهورت أوضاعه الصحية والمالية والحياتية بشكل عام، التعتيم والإهمال ، حتى إذا ظهر في مكان ما – بعد عودته الى مصر، وكان قضى 17 سنة في فرنسا يكتب ويبدع ويتألق ،تحاشى البعض لقاؤه وتجنبوه ، وقالوا لقد بدأ صاحبنا يخرف، وبهذى بكلام، وصار صعلوكا فقيرا ومنبوذا، وعبروا – خشية لقائه- الى الطوار الآخر..
في حين كان صبحي شفيق، الذي إرتبطت وإياه بصداقة وثيقة ، إمتدت خلال العشرين عاما ، التي إشتغلت فيها كمبرمج أفلام ، وكمندوب لمهرجان الأسكندرية السينمائي في فرنسا، وفي صحبة وتحت إدارة ،قامات سينمائية مصرية عظيمة، من أمثال الأساتذة أحمد الحضري – مؤسس نادي سينما القاهرة والمؤرخ السينمائي الكبير – والأستاذ رؤؤف توفيق – الناقد السينمائي الكبير ورئيس تحرير مجلة ” صباح الخير “، والأستاذ أحمد صالح – الكاتب في الأهرام ورئيس مهرجان الأسكندرية السينمائي – ، وكذلك خلال ال17 سنة التي اعقيت ذلك..
حين قدم صبحي شفيق الى باريس، وعمل كمدير تحرير في مجلة “جون افريك” الفرنسية – افريقيا الشابة – ثم اشتغلنا سويا في مجلة “الوطن العربي” اللبنانية، من الصحف والمجلات ، التي انتقلت للصدور من باريس، بسبب الحرب الاهلية في لبنان ، وكان يستحق لمسيرته السينمائية والنقدية والإبداعية، كل إعتبار وإحترام ، وتقدير وتكريم..
وكان هذا هو الشييء، الذي جعلني أحرص على صنع فيلمي الوثائقي الثامن ” صبحي شقيق.سينما مصر وسؤال الهوية “. مدة العرض 58 دقيقة – إنتاج مصري لبناني مشترك – ليكون تحية الى أحد رواد النقد السينمائي الجاد – وعلى أصوله – في مصر والعالم العربي، ولأن آفة حارتنا النسيان ، كما يقول نجيب محفوظ..
كتب د.صبحي شفيق يوم 7 اكتوبر عام 2007 – ولم أكن بدأت أمارس اخراج الأفلام الوثائقية، بعد أن أنهيت دراستي للسينما في جامعة فانسان الشهيرة قسم الدراسات السمعية البصرية – كتب الإهداء التالي على الصفحة الأولى من الكتاب ، و يقول فيها ( ..إلى رفيق رحلة العمر. الى الفنان المبدع، والناقد الذي أنساه النقد أنه سينمائي مولدا. إلى صلاح هاشم ، تحية حب وتقدير.).توقيع د.صبحي شفيق.
صديقي، وأستاذنا، ورفيق رحلة العمر ، الناقد والمخرج ، والمفكر السينمائي التنويري الكبير د.صبحي شفيق، ثق إننا.. لن ننساك أبدا.
بقلم
صلاح هاشم
صلاح هاشم كاتب وناقد ومخرج مصري مقيم في باريس.فرنسا.مؤسس ورئيس تحرير موقع ( سينما إيزيس ) في باريس عام 2005
***
عن جريدة ” القاهرة الإسبوعية – رئيس التحرير طارق رضوان – الصادرة بتاريخ الثلاثاء 25 يوليو 2023