صلاح هاشم من باريس الى مكتبة الأسكندرية بقلم عاطف الصبروتي
يوم الأربعاء الذى وافق 19 ديسمبر 2018 كنت أنتظره بشغف شديد , ومازلت أتذكره – وسوف أتذكره بحب كبير . حرصت أن أكون متفرغا – رغم مشاغلى الحياتية – فى مساء ذلك اليوم . هذه ليست المرّة الأولى التى أذهب فيها إلى مكتبة اسكندرية لحضور حدث فنى , فقد حضرت فيها عشرات وعشرات من الأحداث والأنشطة الفنية والأدبية المختلفة . لكن ، كان لهذه المرّة لها أهمية خاصة . لماذا ؟ لأن فيها شخص أعرفه من سنوات بعيدة , عندما كنت شابا منذ ربع قرن – رغم أن وقتها كان اللون الأبيض قد بدأ يزحف ببطء إلى شَعرى الأسود قبل أن يحتله تماما فى الوقت الحالى -هذا الشخص هو الأستاذ صلاح هاشم الناقد السينمائى ومخرج الأفلام التسجيلية ومؤسس مهرجان ” جاز وأفلام ” والكاتب الأدبى. إنه فى ذلك اليوم – الأربعاء – فى مكتبة اسكندرية سوف يلقى محاضرتين عن ” تاريخ موسيقا الجاز ”
أعرف صلاح هاشم من مقالاته التى كان ينشرها فى مجلة ” الفيديو العربى ” التي كانت تصدر في لندن في فترة الثمانينات ، والتي كنت فى شبابى أتابعها بشوق ولهفة وانتظر وصولها عند باعة الصحف فى مدينتى – اسكندرية -حتى اشتريها فى الحال , وكانت هذه المجلة تصدر شهريا من لندن، ومتخصصة فيما يمكن أن نطلق عليه ” ثقافة الصورة ” , الصورة المتحركة , السينماوالفيديو , والصورة الثابتة التصوير الضوئى وكانت فى ذلك الوقت إحدى أهم نوافذى التى أطل منها على عالم السينما الرحب من خلال محتواها العميق والمتنوع والرشيق, وجمال ألوانها ، وطباعتها وورقها . وكان الأستاذ صلاح هاشم هو المسؤول عن رئاسة تحريرها , والأستاذ سامى لمع هو المسئول عن تصميمها . ومنذ ذلك الحين وانا حريص على قراءة أعماله, وحاليا اتابعه فى جريدة ” القاهرة ” .
صلاح هاشم يكتب من باريس لجريدة ” القاهرة ” وكنت تشرفت بلقائه شخصيا مرّة سابقة، عندما استضافته إحدى الكيانات الثقافية الخاصة فى اسكندرية منذ عام تقريبا . وأردت أن أسعد برؤيته، والحديث معه مرة أخرى فى ذلك اليوم بمكتبة اسكندرية. كان عدد الحاضرين يوم 19 ديسمبر فى قاعة المحاضرات لابأس به ، نظرا لبرودة الطقس، وشدة الرياح واستعدادات الطلبة لأداء إمتحانات نصف العام .
أبحر صلاح هاشم بالحاضرين فى رحلة ممتعة إلى ضفاف موسيقا الجاز , حيث مكان الارهاصات الاولى , والأسباب التى ساعدت على بدء نشأتها , الذيوع والانتشار , و الخصائص والسمات , وغير ذلك من الامور المتعلقة بهذا النوع من الموسيقا . ووصف هاشم المصريين في محاضرته بأنهم ” جازيون بالفطرة ” لحبهم لموسيقا الجاز , واستخدام بعض المخرجين المصريين مقاطع منها فى بعض الافلام المصرية القديمة . اسمتع الحاضرون لعمل موسيقى جازي بعنوان ” مدار ” MADAR اشترك فيه عازفون من جنسيات مختلفة: يان جارباريك من المانيا ساكسفون وذاكر حسين من باكستان على الطبلة، وأنور ابراهيم عازف العود من تونس . وتطرق هاشم أيضا إلى موسيقى ” البلوز ” , ووجه الإختلاف بينها وبين موسيقا ” الجاز ” الصفحة الرقمية للمكتبة، الأخبار المنشورة عن هذا الحدث الفنى الموسيقى، لم تشر إلى عرض أفلام، لكن كان داخلى إحساس، أنى سألتقى فى تلك القاعة الجميلة بمعشوقة صلاح هاشم الأولى , السينما . أو على الأقل سيتحدث عنها . فى المحاضرة الأولى من 5 الى 6.30 مساء عَرض صلاح هاشم فيلما تسجيلىا من إخراجه عنوانه ” وكأنهم كانوا سينمائيين. شهادات على سينما وعصر ” يمثل الجزء الأول من ثلاثية فيلمية بعنوان ” سحر السينما المصرية الخفي “وفيه حوارات بمثابة شهادات من أهل السينما المصرية الأساتذة بكر الشرقاوي ود.صبحي شفيق ود. رمسيس مرزوق عن السينما المصرية،.. وعن حب الصورة .
فى المحاضرةالثانية من 7 الى 8.30 مساء بعد إستراحة قصيرة عرض هاشم جزءا من فيلم ” روح إنسان ” THE SOUL OF A MAN للمخرج الألمانى الكبير فيم فيندرز , ومن إنتاج المخرج الأمريكى مارتن سكورسيزى . الفيلم يمزج مابين التسجيلى والتشخيصى ،من خلال محاكاة لأحداث وقعت لأحد رواد غناء البلوز يدعي سكيب جيمس .
لم يكن هذا اللقاء عرضا تأريخىا لموسيقا ” الجاز ” ولا موسيقى البلوز فقط , وإنما هو بمثابة قبلة على جبين الموسيقا , قبلة على جبين السينما . بل حضن للفنون، الفنون التى تصنع بحب , بحب يسعد صانعيها، ويبهج متلقيها . الحب أعظم قوة فى الدنيا . الموسيقا حركة , والسينما حركة، والحركة تعنى حياة . والفنون حياة . هذه السطور ليست ” تلخيصا ” ولا ” تغطية ” ولا ” متابعة ” للمحاضرتين , بل أكتبها هنا كى أعبرعن سعادتى بلقائه صلاح هاشم للمرة الثانية , وأكرر هنا شكرى له ، على مجهوداته القيمة الجميلة، القديمة والمستمرة – ومنذ أكثر من ربع قرن – فى التعريف بمعشوقته الأولى ” السينما ” , ومعشوقته الثانية ” الموسيقا ” . أدام الله عليه هذا الحب
صلاح هاشم في مكتبة الأسكندرية يوم 19 ديسمبر 2018 عدسة عاطف الصبروتي
عاطف الصبروتي