صلاح هاشم يقدم خارطة موسيقية سينمائية لموسيقى الجاز بقلم داليا عاصم
في تقديم لصفحة ” كتب ” في جريد ” الأهرام ” العريقة كتبت الصحافية هبة عبد الستار المشرفة على الصفحة تقول ” ..
فى صفحة “كتب” بالأهرام اليوم، نستكشف ماهى الهشاشة البيضاء، وما علاقتها بالعنصرية ؟ وهل يمكن أن يؤدى ارتفاع مبيعات كتب العنصرية، منذ مقتل جورج فلويد، إلى تغير ثقافى واجتماعى؟ وكيف تأثرت صناعة الكتب والنشر باحتجاجات “حياة السود مهمة” ؟. ونبحر بين نغمات موسيقى الجاز”هدية السود” إلى أمريكا، لنتتبع جذور الجاز الأفريقية، وتحولاتها الثقافية والاجتماعية، وارتباطها بقضايا التحرر ومكافحة العنصرية، ولا نغفل تداول تلك النغمات الساحرة، واندماجها فى الفن والموسيقى المصرية. وفى الأدب، نرصد اثنين من أبرز الروايات الأمريكية وأكثرها مبيعا حاليا ،والتى تناولت موضوع العنصرية والعلاقات بين البيض والسود، لنرى كيف يمكن للأدب، أن يعكس بدقة، التحولات الاجتماعية. وأخيرا نبرز مجموعة من الأعمال الأدبية المهمة، التى تهدف لتمكين الأطفال، وغرس قيم التقبل والتنوع داخلهم ،دون تشويه نظرتهم لذاتهم.”.وهنا ماكتبته داليا عاصم، عن كتاب “موسيقى الجاز.نشأة وتطور موسيقى السود في أمريكا ” لصلاح هاشم في الصفحة..
**
صلاح هاشم يقدم خارطة موسيقية سينمائية لموسيقى الجاز
بقلم
داليا عاصم
“الجاز هدية الزنوج إلى أمريكا.. وهدية أمريكا للعالم” هكذا كانت الأديبة الأمريكية الراحلة توني موريسون الحاصلة على نوبل، تصف موسيقى الجاز ذات الجذور الأفريقية. وبهذه المقولة يقدم الناقد الفني صلاح هاشم لكتابه “موسيقى الجاز.. نشأة وتطور موسيقى السود في أمريكا”..
لموسيقى الجاز سحر آخاذ، هي الأنغام ذات الإيقاعات الارتجالية، التي عرفت كيف تحول المعاناة والألم ،لألحان تشبع الروح بالبهجة والاسترخاء ،لتفرض أنغامها عالميا ،وتنصهر مع المقامات الموسيقية عبر القارات..
يتتبع المؤلف بأسلوب ممتع، تاريخها من نهايات القرن التاسع عشر، مشيرا إلى أنها : “..تلخص رحلة العبد الأفريقي، المختطف في العالم الجديد، ثم نضالاته من أجل الحصول على حريته ،وحقوقه المدنية إسوة بالأمريكي الأبيض، ومن هنا صار الجاز صوتا لحرية، شعب أمريكا الزنجي المضطهد، وتصويرا لمأساة العبودية، التي عاشها، ومازالت جرحا لم يندمل بعد.. مازالت مظاهرات الاحتجاج ضد القمع البوليسي، الذي يمارس على شعب أمريكا الأسود، ووصل إلى حد القتل، تهبط بين الحين والحين إلى الشارع، وما زال الجرح الأمريكي ينزف.”..
بغلاف يظهر ملك الجاز الأمريكي لوي أرمسترونج، يعزف الجاز لزوجته تحت سفح الهرم ،مواجها رأس أبو الهول، وعبر 155 صفحة من القطع المتوسط ، يأخذنا المؤلف في رحلة، تبدأ من القرن السادس عشر ،حين بدأ البرتغاليون استكشاف أفريقيا ،ومن ثم العالم الجديد ما وراء البحار، حيث بدأت تجارة العبيد من أفريقيا إلى أمريكا. ويرى هاشم، أن الجاز اقتطع من موطنه الأصلي أفريقيا ،وحمل قهرا إلى أمريكا ،ويروي في سرد يمزج التوثيق الموسيقي بالسينمائي، تاريخ فن الجاز متتبعا رموزه مثل: لوي أرمسترونج، ونينا سيمون، ومايلز ديفيز. ويلفت إلى أن للجاز بصمة ، في عالم السينما؛ فأول فيلم ناطق في تاريخها كان فيلم” مغني الجاز” عام 1928..
الأمر المميز في هذا الكتاب، أنه يبحر بالقاريء عبر تاريخ الجاز، إلى تاريخ العنصرية في أمريكا، ما يعطينا مقدمة عميقة، للجذور التاريخية، لأخطر قضايا المجتمع الأمريكي ، ويفسر خروج “الأفروأمريكيين” في أكبر احتجاجات يشهدها العالم حيال العنصرية، بالرغم من إلغاء تجارة العبيد، منذ أكثر من 150 عاما.
الجاز ولد تعبيرا فريدا عن الحرية، عبر الرقص والارتجال الموسيقي، وكبوتقة منفتحة على ألوان الموسيقى التقليدية العالمية، ويكشف هاشم إلى أن ثمة علاقة، بين الإسلام والجاز؛ إذ اعتنق الدين الإسلامي عدد كبير من موسيقي الجاز ومطربيه، ويذكرنا بأسماء بعضهم مثل عازف الساكسفون الأمريكي جون كولترين وعازف الكلارنيت الأمريكي يوسف لطيف، وعازف البيانو عبد الله إبراهيم، وهو أشهر موسيقار في جنوب أفريقيا ، وعرف بـ”مانديلا الجاز” حيث وظف أغانيه في محاربة نظام الفصل العنصري..
يؤكد المؤلف أن الجاز هو أسلوب وفلسفة حياة وينقب فيما كتبه المؤرخون عن نشأة هذا الفن ،مستشهدا بما كتبه المؤرخ الموسيقي جيمس لينكولن كولييه “..حمل الانسان الأفريقي الأسود معه أفريقيا في ذاكرته، وتقاليده الموسيقية، واستطاع أن يطوعها للظروف الجديدة، التي كان يعيشها في مزارع الدخان والقطن، فابتكر أغاني العمل، والأغاني الروحانية، وصيحات الحقول، ثم انبثقت أغاني البلوز”.ويلفت إلى أن استخدام الأبواق والطبول، كان محرما في الجنوب الأمريكي، فقد خشي أصحاب المزارع، أن تكون بمثابة إشارات بين العبيد، تدعوهم للتمرد والثورة..
ولدت موسيقى الجاز على نهر الميسيسبي، في مدينة نيو أورليانز، لتنتشر في الولايات الأمريكية في العقد الأول من القرن العشرين. وبدأت تتطور وتأخذ من ألوان الموسيقى الآخرى، التي كانت تعزفها الأقليات في أمريكا ومنها: موسيقى البولكا البولندية ،وموسيقى أمريكا اللاتينية، مثل السامبا والصلصا.وحرص المؤلف على اكتمال الصورة لدى القاريء، فقدم قراءة في سينما “الزنوج” ، وتوثيقها لأشكال المقاومة العنصرية بأنغام الجاز. وبحصافة الناقد السينمائي، قدم دليلا لأفلام هوليوود، التي تطرح قضايا الزنوج ،في إطار هيمنة الثقافة البيوريتانية” الانسان الأبيض”، لافتا إلى صنع هولييود ، صورة ذهنية سلبية عن الزنوج، ما أدى لظهور سينما طليعية خفية” أندر جراوند” من صنع الزنوج أنفسهم، والتي ارتبطت بالحركات التحررية السوداء في أواخر الستينات..
الكتاب الصادر عن مركز الحضارة العربية للنشر عام 2019، يجيب عن تساؤل هام ألا وهو: كيف توثقت العلاقة بين موسيقى الجاز، والسينما؟ ويتناول مع بعض الأمثلة، توظيف السينما لموسيقى الجاز، كجزء من السرد السمعي، عوضا عن الحوار بين أبطال الأفلام. فحضور الموسيقى هنا ، ركن رئيسي من أركان الفيلم ومن البناء الدرامي له..
ويتتبع المؤلف قصة موسيقى الجاز في مصر ،مع أيقونتها الموسيقار يحيى خليل، حيث وظفها في ألبوم ” شبابيك” للنجم محمد منير ،وحقق مبيعات فاقت الـ 300 ألف نسخة في مصر وحدها، والذي وظف فيه إيقاعات الجاز. ومن خلال حوارات سابقة للمؤلف مع يحيى خليل، نتعرف على مزجه بين الايقاعات الغربية والشرقية وعلى رحلته مع موسيقى الجاز..
وندلف مع صلاح هاشم لعالم الجاز، بقائمة أغنيات، لعمالقة موسيقى الجاز والأغنيات التي تعتبر كلاسيكيات، وروائع هذا الفن الارتجالي بامتياز..
ويشير المؤلف لأهمية موسيقى الجاز ،وأثرها في الثقافة العالمية/ ما دعا اليونسكو على إعلان اليوم العالمي لها في 30 إبريل من كل عام، اعترافا بقوة هذه الموسيقى ،في ترسيخ السلام والحوار بين الشعوب. وهو ما دعا المؤلف لإقامة مهرجان بعنوان” جاز وأفلام”. ويذيل الكتاب، ببعض المعلومات عن المهرجان وأهدافه..
داليا عاصم