صلاح هاشم يكتب لجريدة ” القاهرة ” من ” كان ” 76 عن الأفلام والشخصيات التي صنعت مجد ” كان ” وأعادت إليه ” عالميته ” .
مقال صلاح هاشم في جريدة القاهرة العدد 1194 الصادر بتاريخ 6 يونيو 2023
حصاد مهرجان ” كان ” السينمائي 76
أفلام وشخصيات صنعت مجد ” كان” 76،وأعادت إليه “عالميته”
بقلم
صلاح هاشم .باريس .فرنسا
ترى ما هي الأفلام والشخصيات السينمائية، التي صنعت مجد ” كان “، وجعلت من دورته 76 دورة تاريخية ، وأشبه ما تكون بـ ” بعث ” جديد للمهرجان، عن إستحقاق، و جدارة ؟
لاشك أن أهم ماتحقق لمهرجان ” كان ” في دورته 76 التي إقيمت في الفترة من 16 الى 27 مايو، هو خروجه بسلام، من أزمة وباء الكورونا، التي إستمرت لفترة 3 سنوات وكادت تهدد بإيقاف وموت المهرجان،وإستعادته في دورته 76 لعالميته، ألقه وتوهجه..
ولذا يصح القول بأن الدورة 76 كانت بأأفلامها ونجومها ووقائعها وأحداثها، كما عشناها وتلبسناها وهضمناها، ،أشبه ماتكون في رأينا بـ ” بعث ” جديد للمهرجان ، كما “العنقاء”، التي تولد في قلب اللهب..
ونحن نركض في المهرجان من قاعة الى قاعة ، ولانشبع أبدا من ” وليمة ” كان الحافلة، زهوها ووفرتها وتنوعها الهائل – أكثر من مائة فيلم -، بل ونطلب المزيد، ومع كل فيلم جديد من كل تلك الأفلام الرائعة التي شاهدناها في المهرجان، كنا نزداد نهما ودهشة ، من فرط متعة الفهم ، والاستكشاف والفن..
الأفلام التي صنعت مجد ” كان ” 76
وزعت لجنة تحكيم المسابقة الرسمية في المهرجان برئاسة المخرج السويدي جوائزها على مجموعة من الأفلام، فمنحت جائزة السعفة الذهبية – الخطيئة الكبرى للجنة – لفيلم لايستحقها في رأينا، هو فيلم ” تشريح لسقطة ” للمخرجة الفرنسية جوستين ترييه الذي لم يعجبنا ، وهي المرة الثالثة التي تحصل فيها إمرأة على الجائزة في تاريخ المهرجان، ووجدناه بطيئا ومملا ، ولايحمل هما ولا قضية، بل إدعاءات فارغة، خارج الفيلم، وتصريحات جبارة،فتذكر مخرجته مثلا في حديث صحفي معها ، بأنه ” أكثر أفلامها ” شخصية”، وهو أمر لايعنينا، بل يخصها وحدها، إذ يحكي الفيلم عن سقوط رجل من حالق من الدور الثالث في بيت ” شاليه ” وسط الثلوج، أثناء قضاء أجازة مع زوجته وإبنهما في فرنسا، ولانعرف إن كان سقط سهوا، أم أن هناك من دفعه للسقوط – وربما تكون زوجته والشروع في جريمة قتل – وتطلب زوجته للتحقيق، وعليها أن تثبت براءتها خلال ” محاكمة ” تصبح بتفاصيلها ومصطلاحتهاالفنية والقضائية، الشغل الشاغل لمخرجتنا، وهذا ترف لانقدر عليه، حيث تدور ماكينات عرض الأفلام في القاعات ، ومن العبث أن لايخرج الناقد من فيلم كما فعلت، بعد أن شاهد الساعة الأولى من فيلم لم يعجبه ، و في مهرجان حاقل بالأفلام الرائعة، ويبحث عن فيلم آخر ..
ولاشك أن لجنة التحكيم الموقرة في رأينا، ربما تكون تعرضت لضغوطات ومناورات وتدبيرات، من قبل بعض أعضاء لجنة التحكيم ذاتها، خلف الستار، لمنح الجائزة لهذا الفيلم الفرنسي، الذي يبحث في مشاكل شخصية فردية، ووجودية ، من ضمن مشاكل الطبقات البرجوازية المستغلة الحاكمة، في مجتمعات الإستهلاك الرأسمالية الليبرالية الكبرى..
حيث شاركت ثلاثة أفلام فرنسية من صنع مخرجات، في المسابقة الرسمية التي ضمت 21 فيلما، فمنحت جائزة ” السعفة الذهبية ” لفرنسا، وكان هذا الفيلم المذكور الذي كتب النقاد الفرنسيون والغربيون عنه الكثير، وبالغوا الكثير جدا في مدحه والإعلاء من شأنه، ، كما لوكان ” تحفة ” من تحف المخرج السويدي العظيم إنجمار برجمان، وهو منها براء..
الحشائش الجافة
لكي تمنحه اللجنة سعفة ” كان ” الذهبية، وتسعد فرنسا بحصولها على السعفة، في حين خرج صوت مجهول لكن مسموع، وسط تصفيق الجمع الحاشد، في لحظة تسليم الجائزة في حفل الختام محتجا، صوت شخص مجهول- صوت ” الضمير ” ؟ – إستنكر أن تذهب السعفة الذهبية – كما كتب الناقد الفرنسي الكبير إيريك نيوهوف في جريدة ” الفيجارو ” الفرنسية الصادرة بتاريخ الإثنين 25 مايو – لفيلم لم يكن يستحقها، ونحن نشاطره رأيه، بل لقد إعتبر أن منح الجائزة لفيلم ” تشريح سقطة ” للمخرجة جوستين ترييه ” جريمة” في حق لجنة التحكيم، التي لم توفق في خياراتها، و التي وزعت جوائزها كالتالي :
السعفة الذهبية: ذهبت للفيلم الفرنسي “تشريح سقوط” ANATOMIE D’UNE CHUTE للمخرجة جوستين ترييه. ولم يكن يستحقها في رأينا ، في فيلم بلا هم ولاقضية ” جماعية” ،كما أوردنا.
–
الجائزة الكبرى: فيلم “منطقة الاهتمام” The Zone of Interst للمخرج البريطاني ريتشارد جلايزر. فيلم رائع ورصين، يعرض لمأساة ” الهولوكوست – الهلاك، ومستعمرات الإعتقال النازية، ومن دون أن يكشف عنها،حيث يظهر دخان أفران حرق اليهود فقط في الفيلم الفني البديع، لمخرج متميز جدا، و في كل أفلامه. وكان يستحق نيل جائزة السعفة الذهبية.
–
جائزة أفضل مخرج: ذهبت للمخرج الفرنسي- الفيتنامي تران أنه هونج عن فيلم “شغف دودان بوفان” LA PASSION DE DODIN BOUFFANT. فيلم عادي جدا ، وبطل الفيلم “وليمة”.فوز غير موفق و مستحق في رأينا.
–
جائزة لجنة التحكيم: الفيلم الفنلندي “أوراق الشجر المتساقطة” Fallen Leaves للمخرج أكي كوريسماكي. فيلم بديع وطريف يتسامق بحسه الفكاهي العالي، من ضمن الأفلام التي صنعت مجد كان 76 ، ومصنوع بنفس إسلوب المخرج الفنلندي الكبير، الذي ينحاز كما في جل أفلامه، للمهمشين العاطلين عن العمل، في مجتمعات الإستهلاك الرأسمالية الكبرى، ويلهج الفيلم بالثناء على و”عشق السينما “الحلال، من خلال التذكير في الفيلم ،بالأعمال السينمائية العظيمة لجودار وجيم جامروش وغيره التي صنعت مجد السينما، إن في هذه الدورة ولكل العصور، مثل فيلم ” بييرو المجنون “، والطريف أن الكلب المصاحب للبطلة في الفيلم يدهي بشارلو، للتذكير أيضا في الفيلم بشارلي شابلن، فنان السينما العظيم الذي يعتبرة كوريسماكي، أعظم فنان سينمائي ومخرج في العالم.
–
جائزة أفضل سيناريو: للكاتب ساكاموتو يوجي عن فيلم “وحش” Monster للمخرج كوريدا هيروكازو . فيلم عصى على الفهم، فيلم يبحث عن ” وحش ” لايوحد أصلا في الفيلم ! ، ولم نعرف ماذا يريد المخرج أن يقول لنا من خلال فيلمه الممل العبثي.
–
جائزة أفضل ممثلة: ميرف ديزدار عن دورها في فيلم “عن الحشائش الجافة” لنوري بيلج جيلان. فيلم تحفة كما كتبنا هنا من قبل، وجائزة مستحقة لبطلة الفيلم الممثلة التركية الرائعة ميرف ديزدار
–
جائزة أفضل ممثل:كوجي ياكوشو عن دوره في فيلم “أيام مثالية” Perfect Days لفيم فيندرز. فيلم فلسفي بسيط وجميل – مثل قصيدة من قصائد “فلسفة الزن” اليابانية ،القريبة من تجليات ” الخطاب الصوفي الروحاني” عند المتصوفة العرب من أمثال إبن عربي وفتوحاته المكية – للمخرج الألماني الكبير، و نسافر معه الى اليابان، ونتعرف على عامل تنظيف دورات المياه في العاصمة طوكيو، وبحثه عن السعادة، ويعلي الفيلم من قيمة الإختيار، وحريتنا في صنع حياتنا، بالحب والبذل والعطاء والمشاركة، في حضن الطبيعة اليابانية التي يجمع العامل أغصانها ويعتني بها في شقته ويروح يصور الأشجار بكاميرته الصغيرة حين تداعبهاأشعة نور الشمس، ويقربنا كما في كل الأفلام العظيمة من إنسانيتنا، ونحن نستمع الى بعض أغنيات فترة الستينيات الموسيقية الرائعة من دفتر فيم فندرز الموسيقي الخاص..
” كذب أبيض” يوثق لتاريخ وذاكرة المغرب
فيلم كذب أبيض
كما وزعت مؤسسة سكام SCAM السينمائية الفرنسية لحقوق المؤلف ،جائزة ” العين الذهبية ” لأفضل فيلم وثائقي في مهرجان ” كان ” السينمائي في دورته 76، مناصفة بين المخرجة التونسية كوثر بن هنية صاحبة فيلم ” بنات ألفة ” الذي شارك في المسابقة الرسمية للمهرجان، وهو من الأفلام التي أعجبتنا ويستحق التأمل والمشاهدة عن جدارة ،والمخرجة المغربية أسماء المدير صاحبة فيلم” كذب أبيض ” الذي شارك في قسم ” نظرة ما ” في المهرجان الرسمي، ونعتبره من الأفلام الرائعة التي صنعت مجد الدورة 76 أيضا، بتوثيقه الفريد والعبقري، لتاريخ وذاكرة سنوات الرصاص في المغرب ، و هو تحية لشهداء المغرب من الناس البسطاء العادين، وقد إشتغلت مخرجته على الفيلم لأكثر من تسع سنوات لإنجازه وخروجه في مهرجان ” كان ” للنور.و قد جاء في حيثيات منح الجائزة، أن الفيلم الوثائقي يعنبر أداة مقاومة، وهو في ذات الوقت يعد معملا تجريبيا، لكل أشكال الفيلم – الأكثر حرية- في السينما، ووجهت لجنة التحكيم برئاسة كريستين جونسون، تحية تقدير للمخرجتين، لشجاعتهما في إبتداع طرق جديدة، في التعامل مع الواقع ، لإكتشاف ومواجهة الفوضى في العالم
غير أن الأفلام التي صنعت مجد ” كان ” 76 بالإضافة الى فيلم ” الحشائش الجافة ” للمخرج التركي الكبير نوري بيلج جيلان، الذي كتبنا عنه هنا، وإعتبرناه “تحفة بصرية وفلسفية جعلتنا نتصالح مع أنفسنا والعالم” ، وكان يستحق الفوز بجائزة السعفة الذهبية وعن جدارة، كانت كثيرة جدا، في مسابقة المهرجان وأقسامه مثل قسم ” نظرة ما “..
وكذلك في التظاهرتين الموازيتين للمهرجان الرسمي، ونعني بهما تظاهرة نصف شهر المخرجين، وتظاهرة إسبوع النقاد ، ونذكر هنا من ضمنها مجموعة من الأفلام العربية التي تألقت وشاركت في صنع مجد الدورة 76 ، مثل فيلم ” صحاري أو المثلث الخالي ” للمخرج المغربي الكبير فوزي بن سعيدي في تظاهرة نصف شهر المخرجين، وفيلم ” إن شاء الله ولد ” للمخرج الأردني أمجد الرشيد في تظاهرة إسبوع النقاد، وفيلم” وداعا جوليا ” للمخرج السوداني محمد كوردوفان” الذي شارك في قسم ” نظرة ما ” وحصل على جائزة القسم في الإخراج، كما ذهبت جائزة لجنة التحكيم – في ذات القسم – لأسماء المدير مخرجة فيلم ” كذب أبيض ” البديع.
غير أن الحديث عن الشخصيات التي صنعت مجد كان 76 أيضا تستحق وقفة في عدد قادم من ” القاهرة ” فإلى لقاء
صلاح هاشم .باريس.فرنسا
عن جريدة ” القاهرة ” الإسبوعية المصرية العدد ( 1194 ) الصادر بتاريخ الثلاثاء 6 يونيو – حزيران 2023