صلاح هاشم يكتب من باريس الى جريدة “القاهرة” عن 10 أفلام هزت العالم في حصاد 2023 السينمائي
أسماء المدير
من أبرز الأفلام العشرة ، التي صنعت في رأينا “مجد “السينما في العام 2023 وهزت العالم، مجموعة من الأفلام ،التي أتينا على ذكرها، بعد مشاهدتها ، والحديث عنها ،في معرض تغطياتنا لمهرجان ” كان ” السينمائي 76 لجريدة ” القاهرة ” ومن ضمنها :
أسماء المدير : ” أيقونة ” سينمائيةمغربية ولدت في ” كان”76
1 – فيلم ” كذب أبيض “ للمخرجة المغربية الشابة أسماء المدير، الذي كتبنا عنه، وقلنا أنه فيلم عبقري وأصيل، ويتواصل من خلال نزاع حميمي وشخصي، بين المخرجة وجدتها، مع تاريخ وذاكرة المغرب، ويخرج بذلك من العالم المصغر – عائلة المخرجة – الى عالم المغرب الكبير،وتوقعنا أن يكتسح المهرجانات السينمائية العالمية،وقد كان بالفعل، وصدقت توقعاتنا، فقد شارك الفيلم في عشرات المهرجانات،وحصد العديد من الجوائز، وحظى بأرفع التكريمات، وأشكال الترحيب والحفاوة، ولعل أهمها فوزه بالجائزة الكبري في مهرجان ” مراكش” السينمائي، في بلده،ووسط أهله،وناسه.وكانت مخرجته- كما هو معروف – اشتغلت على فيلمها أكثر من 9 سنوات، ليخرج الى النور، ويتسامق بفنها،ويؤكد أنها سوف تنضم الى مواليد ” كان ” – BORN IN CANNES – من بين المواهب السينمائية، لتي تم إكتشافها في المهرجان – إن من المخرجين أو الممثلين ،من أمثال المخرجة النيوزيلندية جين كامبيون، التي كانت أول مخرجة تحصل على سعفة ” كان ” الذهبية في تاريخ المهرجان- وكان سببا في إطلاق شهرتهم في العالم، تلك المواهب ،التي سوف تصنع في رأيي” سينما الغد ” في العالم ، عن إستحقاق وجدارة..
فيلم ” كذب أبيض ” عرض في قسم ” نظرة ما ” في ” كان ” 76، وحصل على جائزة الإخراج في مسابقة القسم، وهو فيلم فذ ، وبديع، بفكرته وفنه ومعالجته، كاشفا عن العلاقة بين الديكتاتور – وتمثله الجدة في الفيلم – التي تذكر حفيدتها أسماء دوما ،بأنها مجرد ” صحفية “، و ليست ” مخرجة سينمائية “،وبين المحكومين – أي جميع أفراد أسرة أسماء في الفيلم ، وذلك في إطار الأنظمة القمعيةالإستبدادية، التي لاتتورع، عن إعتقال الأبرياء، وتعذيبهم، وحبسهم في السجون، وتقوم الجدة في الفيلم بإخفاء الصور، وحجبها عن حفيدتها أسماء، لمحوها تمامامن تاريخ شعب، ذاكرته ونضالاته، و يعتبر ” كذب أبيض ” في رأينا ،وديناصورات النقد السينمائي،من النقاد والكتّاب من أمثالنا،” إضافة” ثرية- A CONTRIBUTION – الى تطور فن السينما الوثائقية والروائية، ليس فقط في العالم العربي – بل في العالم ، ولكل العصور..
***
مارتين سكورسيزي : تحقيق في جريمة قتل وإبادة شعب
2 – فيلم ” قتلة فلاور مون “ – KILLERS OF FLOWER MOON– للمخرج الأمريكي الكبير مارتين سكورسيزي الذي حضر الى كان 76 ، ليعرض فيلمه خارج المسابقة – مع أبطال الفيلم من النجوم ،وعمالقة التمثيل في العالم، من أمثال روبير دو نيرو وليوناردو دو كابري،.ويحكي الفيلم المأخوذ عن كتاب لدافيد جران، عن تحقيق لمكتب الإستخبارات الفيدرالي الأمريكي، في واقعة قتل، وإبادة هنود ولاية “أوكلوهاما “الحمر ،على يد البيض الأمريكان، والإستيلاء على أراضيهم ، وما فيها من بترول، في فترة العشرينيات، وعودة فيلم من أفلام سكورسيزي الى قائمة الإختيار الرسمي، بعد مرور 37 سنة، على مشاركة فيلمه “AFTER HOURS ” في قائمة الإختيار الرسمية للمهرجان..
***
جودار : إهتم بأن يصنع ” فنا” أولا قبل الإهتمام بـ”حبكة”الفيلم
3 – فيلم ” حروب فكاهية ” – DROLES DE GUERRES– لجان لوك جودار، وهو فيلم قصير، عرض في مهرجان ” كان 76″ أيضا في إطار تكريم – – المخرج والمفكر الفرنسي الكبير بعد وفاته- الذي كرس كل أفلامه – كما كتب عنه أستاذي الناقد الفرنسي الكبير جان ناربوني رئيس تحرير مجلة ” كراسات السينما ” السابق – للحديث عن الحب والحرب – حيث عرض الفيلم في قسم ” كلاسيكيات كان ،مع فيلم وثائقي طويل عن حياة جودار ،أشبه مايكون بسيرة ذاتية للمخرج المبدع والمفكر السينمائي الكبير ، والتأثيرات ” الثورية ” التي أحدثها على فن السينما في العالم،، من خلال أفلامه الأولى،وبخاصة فيلم ” على آخر نفس” بطولة الفرنسي جان بول بلموندو والامريكية جان سيبيرج ، أو فيلم ” الإحتقار “- LE MEPRIS– بطولة بريجيت باردو وميشيل بيكولي – على فن السينما في العالم وتاريخه.هذا التاريخ الذي يبدأ حسب جودار ،من عند المخرج الأمريكي دافيد جريفيث – الذي صنع ” أبجدية ” للسينما – وينتهي عند المخرج الإيراني الكبير عباس كياروستامي..، ولم يكن جودار يهتم ، وربما في جل أفلامه، بالحبكة، وقصة الفيلم ، بل يهتم بأن يصنع ” سينما ” أولا ..ويحقق فنا، لتطوير وتأصيل، ” فن السينما ” ذاته..
***
نوري بيلغ جيلان : تشيكوف التركي
4 – فيلم ” الحشائش الجافة ” لتشيكوف التركي المخرج نوري بيلغ جيلان، الذي أضطلعت ببطولته الممثلة التركية ميرف ديزدار، وحصلت به على سعفة كان الذهبية لأحسن ممثلة في الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية للدورة 76، حيث يتتنافس مدرسان على حبها في الفيلم وينجذبان إليها ،بسبب مثاليتها ، ولإيمانها بقيمة النضال مع الأقلية الكردية في تركيا، وتشبثها دوما بالأمل، في تغيير الواقع، ومهما كانت التضحيات، على الرغم من أنها فقدت ساقها في حادث إرهابي، وتبرز ميرف كبطلة ” تشيكوفية ” – نسبة الى الكاتب الروسي العبقري أنطون تشيكوف – عن أصالة وجدارة ، وفي ” الحشائش الجافة ” تواصل روحاني مع الأرض والسماء والطبيعة، يجعنا في نهاية الفيلم، نتسامح مع أنفسنا والعالم، وحيث لاتتسامق السينما ،إلا حين تكون هناك قيمة، لكل لقطة، تظهر فيها السماء دوما، والسحب الراحلة ..
***
كوثر بن هنية : ” فتح ” سينمائي جديد
5 – فيلم ” ألفة وبناتها ” للمخرجة التونسية المتميزة كوثر بن هنية، التي حضرت الى مهرجان ” كان ” 76 لعرض فيلمها في قسم ” نظرة خاصة “،مع السيدة ألفة حمروني الشخصية التونسية الحقيقية، التي يحكي عنها الفيلم ، ويكشف في عمل سينمائي وثائقي ” تجريبي ” جيد ومؤثر، يزواج مابين الروائي والتسجيلي، عن مأساة ألفة، بعد أن هاجرت الى ليبيا للعمل وإعالة أسرتها المكونة من 4 فتيات، وكانت النتيجة، بالنظر إلى التحولات والمتغيرات التي شهدها المجتمع التونسي بعد الثورة، ومن ضمنها، صعود التيار الإسلامي التونسي السلفي، أن سقطت بنتان من بناتها، في “جب” داعش الإرهابي المرعب. ومن مشاهد الفيلم القوية، مشاهد التذكير للنسوة الداعشيات، بـ “عذاب القبر “بعد الموت، وقد كان من الضروري كما تقول مخرجة الفيلم، لفهم مأساة ألفة ،وبناتها، أو فهم أي قضية، أن تصنع – كما فعلت كوثر هنية من قبل في جل أفلامها – فيلماعنها، وأهمية عملية ” البحث “في صنع سينما عربية جديدة، مرتبطة بواقعنا العربي ومشكلاته ، كما في فيلم ” البحث عن رفاعة ” – LOOKING FOR RIFAA– المصري الوثائقي، لكاتب هذه السطور، الذي يحكي عن البحث عن رفاعة رافع الطهطاوي، رائد نهضة مصر الحديثة، في واقعنا المصري الحالي، وليس في واقع القرن التاسع عشر..
***
محمد كوردوفاني : مأساة إنقسام السودان
6 – فيلم ” وداعا جوليا “البديع للمخرج السوداني المتميز محمد كوردوفاني ،الذي يوثق من عند عام 2005 وحتى عام 2010 لتاريخ وذاكرة السودان، ويذكر بمأساة إنقسام السودان، وكيف كانت تأثيراته وتحولاته المجتمعية ،على شعب بأكمله، من خلال فيلم سياسي ميلودرامي موسيقي تاريخي مباشر، جميل وبسيط ،ومقنع، ومن دون إستدرار عواطفنا بخبط الحلل، أو الوقوع في مأزق” الثرثرات اللامجدية”كما في جل أفلامنا العربية الزاعقة، ولا علاقة لها بفن السينما، الذي هو فن تشكيلي بالأساس.وكان كوردوفاني صرح عند حصول فيلمه على جائزة ” الحرية ” ، في مسابقة قسم ” نظرة ما ” “بأنه فخور بإنتمائه الى جنسيته، وبلده السودان.
***
ولنا وقفة مع الأفلام المتبقية، من قائمة العشرة أفلام التي هزت العالم في عام 2023 ،وتضم فيلم ” شباب ” – JEUNESSE– للمخرج الصيني الكبير وانج بنج ، وفيلم ” أيام كاملة ” – PERFECT DAYS– للمخرج الألماني الكبيرفيم فندرز، وفيلم ” الأوراق الميتة ” –LES FEUILLES MORTES – للمخرج الفنلندي الكبير آكي كوريسماكي ، وفيلم ” شجرة الفراشات الذهبية ” – LARBRE AUX PAPILLON DOR– الحاصل على جائزة ” الكاميرا الذهبية ” في الدورة 76 ،وعودة هكذا الى المكان الذي انطلقنا منه، و”سحر السينما الاسيوية الخفي” من تاني، في عدد مقبل..
بقلم
صلاح هاشم
صلاح هاشم مصطفى كاتب وناقد سينمائي مصري مقيم في باريس.فرنسا، ومؤسس موقع ” سينما إيزيس ” على شبكة الإنترنت عام 2005 في فرنسا الذي يعد أحد أهم المواقع السينمائية العربية وأكثرها زيارة وتصفحا وتفقدا.
***
عن جريدة ” القاهرة – العدد 12 – الصادر بتاريخ الثلاثاء 9 يناير 2024