صناعة رفاعة : السينما المصرية تبحث عن مونتسكيو العرب في باريس بقلم صلاح هاشم
فيلم ” البحث عن رفاعة “
البطاقة الفنية
فيلم وثائقي طويل. سنة الانتاج 2008. مدة العرض 62 دقيقة.سيناريو وإخراج صلاح هاشم.تصوير ومونتاج: سامي لمع وصلاح هاشم. إنتاج : مجموعة نجاح كرم للخدمات الاعلامية.المنتج المنفذ: نجاح كرم.
ملخص الفيلم : يحكي الفيلم، من خلال رحلة بين باريس فرنسا، والقاهرة مصر، مرورا بأسيوط وطهطا في الصعيد، عن «ذاكرة» رائد نهضة مصر الحديثة رفاعة رافع الطهطاوي (1801 – 1873م) التربوية والتعليمية ، الذي يلخص مشواره الثقافي والعلمي، قصة مصر في قرنين، ويفتش الفيلم، عما تبقى من أفكاره وتعاليمه، التي جلبها الى مصر ،من رحلته إلى باريس عام 1826 إ، حين سافر مع أول بعثة تعليمية، أرسلها محمد علي باشا إلى فرنسا، لدراسة مصر الحديثة، وخروجها من جاهلية العصور الوسطى ، إلى نور الحداثة. كما يطرح الفيلم سؤالا: ترى إلى أي حد، استفادت مصر من تجربة الطهطاوي، التي كانت بمثابة ثورة فكرية تنويرية أصيلة.
كان العرض الأول للفيلم في جامعة لندن.قسم الدراسات الشرقية، بدعوة من الأستاذ د.صبري حافظ يوم 9 حزيران/يونيو 2008 .
وقبل أن ينطلق الفيلم في مابعد للعرض في عدد كبير المهرجانات السينمائية والمراكز الثقافية العربية والعالمية: مثل ” كرافان السينما العربية الأوروبية في الأردن، وسينما “الاتوال” في ضاحية لاكورنف باريس( بحضور السيدة ماجدة رفاعة، حفيدة الطهطاوي) ومتحف ” موسم ” – MUCEM- متحف الحضارات الأوروبية والمتوسطية في مارسيليا، في إطار إحتفالية بعنوان (” الطهطاوي.مونتسكيو العرب ” يوم 12 سبتمبر 2013، كما عرض في المعهد الفرنسي – المنيرة، وفي أوبرا الأسكندرية ، ومركز الثقافة السينمائية في القاهرة وفي كل المراكز الثقافية التابعة لصندوق التنمية الثقافية في مصر ومسرح الهناجر وغيرها
***
فيلم ” البحث عن رفاعة ” لماذا ؟
سألني البعض عن فيلمي الوثائقي الطويل -65 دقيقة- بعنوان“البحث عن رفاعة” الذي يعتبر كما كتب بعض النقاد في تقييمهم للفيلم أنه : ” ..أول فيلم وثائقي مصري، يتناول بإسلوب سينمائي متميز، وغير تقليدي، مسيرة الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي (1801-1873)” رائد نهضة مصر الحديثة، وينبّه بشكل غير مباشر، ومنذ عام 2008، تاريخ صنعه،ينبه إلى خطورة التيارات الدينية المتطرفة الفاشية،وصعودها واستفحالها في عهد الرئيس مبارك، وهويعرض لـ”أفكار” الطهطاوي الكبرى في الحكم والإدارة، والحرية والثقافة، والمرأة والتربية، لجيل المستقبل في مصر، مؤكداً ..على أن رحلة الطهطاوي، مازالت ابنة الحاضر، ولم تنته بعد.” ..
حسنا. لم يكن هدفي كمخرج،عندما إنتهيت عام 2008 مع مدير التصوير اللبناني سامي لمع، والاعلامية الكويتية نجاح كرم،من صناعة فيلمي الوثائقي الطويل ” البحث عن رفاعة ” عن رائد نهضة مصر الحديثة رفاعة رافع الطهطاوي- ـأو كما أطلق عليه الفرنسيون ” مونتسكيو العرب” وذلك في تظاهرة بإسمه، عقدت في متحف” موسم “- MUCEM – متحف الحضارات الأوروبية والمتوسطية في مارسيليا وعرض فيها الفيلم.لم يكن هدفي أن أضيف شيئا جديدا،الى السيرة الذاتية لجدنا الأكبر الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي، رائد نهضة مصر الحديثة، و جد كل المثقفين المصريين التنويرين، أو أن أحكي عن حياته.. فقد كان هناك، عشرات من الكتب والدراسات والمقالات، بالعربية والانجليزية والفرنسية، قد كتبت عنه..
مثل كتاب” رفاعة الطهطاوي. رائد فكر، وإمام نهضة ” تأليف دكتور حسين فوزي النجار، الصادر عن الهيئة العامة للكتاب عام 2008 ، وكتاب ” رفاعة الطهطاوي. رائد التنوير في العصر الحديث ” للدكتور محمد عمارة الصادر عن دار الشروق 1988 في طبعة ثانية، وكتاب ” عودة رفاعة الطهطاوي” للدكتور أنور لوقا الصادر عن دار المعارف في سوسة .تونس، كما صدر كتاب بالفرنسية بعنوان ” أبناء رفاعة “- LES ENFANTS DE RIFAA – للمفكر والفيلسوف اليميني الفرنسي جي سورمان، عن دار نشر فايار في باريس وغيرها، وكنت التهمتها أو وأتيت على أغلبها، قبل الاعداد لتصوير الفيلم في مصر عام 2008 ، ومن دون ” خطة سيناريو محددة “أو الحصول على تصاريح تصوير من الجهات الحكومية المعتمدة..
عملية ” البحث “
بل كان الهدف من “صناعة رفاعة” –كما هو مكتوب في بوستر ” ملصق” الفيلم، هو تصوير عملية ” البحث ” ذاتها، التي تمثل جوهر وعصب الفيلم..ومايكتنف هذه العملية،من إستكشاف.. لماضينا.. وذاكرتنا.. تاريخنا وحاضرنا، وأهم من ذلك كله. أن عملية البحث هذه، كانت تعني بالنسبة الي، بعد ان سافرت للدراسة عام 1970 الى أوروبا. وكنت قرأت كتاب الطهطاوي ” تلخيص الإبريز في تلخيص باريز” أثناء فترة الدراسة في الجامعة- قسم انجليزي آداب القاهرة – في فترة الستينيات المتوهجة ثقافيا وفكريا، وكانت من أخصب الفترات الثقافية، التي عاشتها مصر- فترة ” التلقين الثقافي ” عن جدارة لجيلنا، جيل كتّاب الستينيات في مصر، كما يصفها الأديب الشاعر و الروائي محمد ناجي، في فيلمي الوثائقي الطويل الخامس ” حكايات الغياب “- ترى لماذا لانقيم احتفالية فنية وأدبية وثقافية في مص،ر للتعريف بتلك الفترة وابداعاتها المتوهجة في الأدب والسينما والمسرح والقصة القصيرة، هكذا فكرت وأنا أكتب عن ” البحث عن رفاعة ” لماذا – لكن هذه قصة أخرى..
الى كل زهرة لوتس مسافرة
وكانت عملية البحث، تمثل بالنسبة الي ” عودة ” الى المكان الذي إنطلقت منه،أي مصر، لإعادة إستكشافه من جديد، وكأني أتطلع اليه للمرة الأولى.أتطلع الى ترابه وأرضه، وأهله ونيله، وسمائه وأشجاره وناسه، وأنا أعب من جماله- أثناء رحلة البحث- هذه، وأختلط فيه،بعد طول تجوال وترحال ،بالحشد الإنساني،لأعانق فيه وبعد طول غياب ..كل الكائنات والموجودات..
( ..كنت كتبت الى صديقي مدير التصوير اللبناني الفنان الكبير سامي لمع الذي يعيش في كوبنهاجن . الدانمرك بهذا الشأن- الشروع في عمل فيلم عن رفاعة، وكنت حدثته كثيرا عن مصر لسنوات طويلة، منذ ان التقينا في مزارع العنب في فرنسا عام 1970، ولم يكن زارها من قبل، فتحمس سامي كثيرا لخوض مغامرة صنع الفيلم معي، وبخاصة عندما عرف، من رسالتي اليه، من من هو الطهطاوي هذا، الذي أريد أن أوثق لحياته وذاكرته في فيلم، ووجدها فرصة رائعة، لزيارة “أم الدنيا”، وقام بشراء كاميرا جديدة وحضر الى مصر. )..
كان الهدف بعد أن درست السينما والأدب الإنجليزي وموسيقى الجازفي ” جامعة فانسان” الشهيرة في باريس، طرح سؤال السينما أيضا ،وبخاصة السينما الوثائقية من خلال الفيلم، وكيف يمكن توظيف إمكانياتها الهائلة، لخدمة قضايا التقدم والتحرروالهوية والوعي بالتراث، وتوظيفها كأداة للتأمل والتفكير في واقع مجتمعاتنا الإنسانية، وأن أغطّس وأغرّق رؤؤس الناس في بحر توهج الحياة في مصر والنهل من بهجتها..
فلم يكن السؤال عن رفاعة – سؤال التطور والتقدم، والى أين تتجه مصر- رايحة على فين ؟ يخص رفاعة وحده، بل يخص أيضا كل من التقيتهم في رحلة البحث عن رفاعة، وكل زهرة لوتس مصرية مسافرة، أو مهاجرة، قبل أن تودع الوادي، وتلقي نظرة أخيرة على النيل..
كان الطهطاوي هوعنوان الفيلم في الخارج، لكن لم يكن الطهطاوي هو بطل الفيلم، بل كان البطل هو “رحلة البحث” عن شخصه، والتفتيش في عوالمه، وكوكبه الفريد. والنظر الى عملية ” التحول” هذه التي مربها ،للتأمل من جديد في أفكاره بخصوص التعليم والثقافة والتقدم والنهضة.وكانت “عملية البحث”هذه هي همي الرئيسي، الذي أردت من خلاله، أن أوثق للواقع المصري العياني المعاش، في تلك السنوات، الجد عصيبة،التي مرت بها مصر والعالم..
مثل حرب أمريكاعلى العراق،وتصاعد وتعاظم سطوة الاعلام الوهابي الارهابي السلفي الفاشي وسيطرته على الاعلام العربي في أغلبه، ومن دون أن يغيب عن بالي ابدا،الإمساك بتوهج الحياة في مصر،بألفة الناس المصريين الطيبين، رغم قسوة وبشاعة الألم وظلم الواقع، في السنوات الأخيرة لحكم نظام الرئيس مبارك العسكري الاستبدادي، وقبل أن تطيح به ثورة 25 يناير 2011..وتسقط حكمه..
ولم يكن يهمني مطلقا حين شرعت في تصوير الفيلم ،أن يخرج أويكون في نهاية المطاف، فيلما من أفلام “سينما المؤلف “. فيلم ” شخصي”، عن ابن بطوطة جديد، من حينا العريق ” قلعة الكبش ” في السيدة زينب، وليس عن رفاعة..
فقد كان لدي قناعة بأن رفاعة، لو كان في مكاني، في وقت تصوير الفيلم، لكان طرح على نفسه من فرط حبه لوطنه مصر، ذات التساؤلات التي طرحتها في فيلمي. كنت أشعر، بأن الحافز لصنع الفيلم، الإشارة الى ، والتنبيه بحقيقة، لايمكن أن تكون اخطأتها عين..
حقيقة أن الظروف التي عاشتها مجتمعاتنا العربية، وبخاصة في مصر، خلال العشر سنوات السابقة على صناعة الفيلم، كانت تشهد انحسارا مروعا على مستوى التعليم،والثقافة والصحة والأخلاق والضمير الإنساني الصاحي، وتدهور الحياة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا بشكل عام..
” ثلاثية ” البحث عن رفاعة
،وأن كل المكاسب التي كانت تحققت – المزيد من الحريات الشخصية – وعلى كافة المستويات – مثل ” مجانية التعليم ” بسبب نضالات سابقة، كانت قد تأممت، أو دخلت المتاحف.ولذا كان الهدف من صناعة فيلم ” البحث عن رفاعة ” أول تجربة سينمائية لي كناقد – بعد تجربة فيلم الوثائقي الطويل الأول ” كلام العيون ” الذي أخرجته عام 1976 ( بالتعاون مع سمير محمود ومحمد توفيق) أثناء دراستي للسينما في جامعة فانسان، هو “تحريك الساكن”، والخروج من تلك ” الغيبوبة ” الفكرية التي كنا نعيشها، وعزلتنا كأمة وشعب. وطرح سؤال رفاعة، سؤال التطور والتقدم.وقد كان اقصى وجل طموحاتي – وبخاصة في هذا الجزء الأول من الثلاثية،” ثلاثية البحث عن رفاعة” كما أردتها وتمثلتها وهضمتها، خلال أكثر من عشر سنوات..
بحيث يكون الجزء الأول، عن الأفكار التي جلبها معه الطهطاوي من فرنسا، ويكون الجزء الثاني، بعنوان ” ذهب باريس” ،عن الخمس سنوات، التي تعلم فيها في فرنسا وقضاها هناك ،ليكون أول ” عين ” مصرية تشاهد حضارة الغرب ،وتتأمل في علاقة الحاكم بالمحكومين، وتتعرف على معاني ” المواطنة ” ودلالاتها العميقة في الدولة العلمانية، وحقوق الأفراد..
ولم يكن غريبا وقتها من هذه الزاوية، أن يقوم الطهطاوي بترجمة الدستور الفرنسي، وعلى أساس أن يتكرس الجزء الثالث من ” الثلاثية” بعنوان ” المنفى “لحال الطهطهطاوي عند عودته الى مصر، والانجازات التي حققها، في عهد الوالي محمد علي، ثم ماجري من نفي الطهطاوي الى السودان، عندما صعد الخديو عباس الى عرش مصر..
كان أقصى وأجل طموحاتي: “إثارة الفضول” فقط ،في كل مايتعلق بشخصية رائد فكر وإمام نهضة، رفاعة رافع الطهطاوي. والتحفيز على قراءة أعماله، أو حتى تصفح فقط رائعته ” المرشد الأمين في تربية البنات والبنين ” وأرجو أن أكون وفقت.
صلاح هاشم*
باريس.فرنسا. في 22 نوفمبر 2020
صلاح هاشم مصطفى *
كاتب وناقد ومخرج مصري مقيم في باريس.فرنسا. من مواليد 12 نوفمبر. قلعة الكبش.السيدة زينب.القاهرة. من “جيل الستينيات” في مصر. مؤلف مجموعة كبيرة من الكتب في السينما، والقصة القصيرة، والهجرة، وأدب الرحلات، من ضمنها كتاب ” الحصان الأبيض ” قصص قصيرة، و” الوطن الآخر .سندباديات مع المهاجرين العرب في أوروبا وأمريكا ” و ” السينما العربية خارج الحدود” وغيرها. ومخرج عدة أفلام وثائقية طويلة وقصيرة، من ضمنها فيلم ” كلام العيون “، و ” البحث عن رفاعة”، و ” وكأنهم كانوا سينمائيين . شهادات على سينما وعصر ” ، و” أول خطوة “، وغيرها. شارك كناقد سينمائي مصري في العديد من لجان تحكيم المهرجانات السينمائية العالمية مثل مهرجان ” كان “السينمائي – لجنة تحكيم الكاميرا الذهبية ، ومهرجان مونبلييه للسينما المتوسطية – لجنة تحكيم النقاد – ومهرجان الفيلم الفني في براتسلافا – لجنة التحكيم الرسمية – ومهرجان القاهرة السينمائي – لجنة تحكيم الفبريسي وغيرها، كما حاضر عن السينما المصرية تاريخها وذاكرتها وتراثها السينمائي العريق في باريس وميلانو وجربة.تونس وغيرها. مؤسس موقع ” سينما إيزيس – ” الذي يعني بـ ” فكر ” السينما المعاصرة وفنون الصورة – عام 2005 في باريس، ومهرجان ” جاز وأفلام ” في مصر عام 2015.