غطرسة القوة في مواجهة القانون الدولي الإنساني بقلم نبيل عبد الفتاح
تبدو انتهاكات إسرائيل الفاضحة لقواعد القانون الدولى العام، وقانون الحرب، والقانون الدولى الإنسانى، كاشفة عن لا مبالاة الطبقة السياسية الإسرائيلية -فى الحكم والمعارضة- بقواعد الشرعية الدولية المنظمة للعلاقات بين دول الأحتلال ، وبين الشعوب المحتلة، وذلك تحت ذريعة الدفاع الشرعي عن النفس، تأخذ بهذا المبدأ، وتتناسى القواعد المنظمة له ، وغيره من القواعد القانونية الدولية المنظمة لقانون الحرب . ويثير بعضهم أن ما قامت به حركة حماس، والجهاد الإسلامى فى عملية فيضان الأقصى هو عدوان على إسرائيل، نظراً لأن قطاع غزة تديره حركة حماس، منذ الانتخابات التشريعية فى مطلع عام 2006، ثم نشوء الانقسام بين السلطة الفلسطينية، وسلطة حماس 2007! يتناسى أصحاب هذه الوجهة من النظر أن الأراضى الفلسطينية فى الضفة، والقطاع منذ العدوان الإسرائيلى فى الخامس من يونيو 1967، واستيلاء إسرائيل على الضفة، والقطاع، كل الأراضى الفلسطينية باتت تحت الاحتلال، وأن كلا المنطقتين، لا تزالان تحت هذا الوصف القانونى، وأيضا سلطتى الضفة، وقطاع غزة يشكلان معا أراضى محتلة حتى تحت الحكم الذاتى -بعد اتفاق أوسلو-، وأن إسرائيل تمارس سلطاتها فى التدخل العسكرى فى الضفة الغربية، فى القتل والاعتقال للأشخاص، والسماح بتمدد العمليات الاستيطانية، وتسليح المستوطنين، وعرقلة أى مسعى لإقامة حل الدولتين!
لم يقتصر الأمر على الممارسات اللا شرعية فى قطاع غزة، وإنما امتدت لعمليات قتل، واغتيال بعض كوادر حماس من خلال القصف الجوى لبعض السيارات، والمنازل لهؤلاء القادة! من ناحية أخرى فرض الحصار الكامل على القطاع منذ 2007 برا وبحرا وجوا مع اغلاق المعابر-باستثناء نسبي لمعبر رفح علي الحدود بين مصر والقطاع -، ثم سياسة العقاب الجماعى بين الحين والأخر وهي أمور محظورة قانونا !
من هنا دولة الاحتلال يتعين عليها احترام قانون الحرب، والقانون الدولى الإنسانى، خاصة أن حماس والجهاد الإسلامى، تعد نشاطاتهم المقاومة فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى، تعد شكلا وموضوعا من أعمال المقاومة المسلحة المشروعة ضد المحتل الاستيطانى الإسرائيلى، على الرغم من أن حماس تمثل سلطة حكم ذاتى فى قطاع غزة.
من ناحية أخري القطاع محاصر منذ 2007 بريا وبحريا وجويا ، مع اغلاق المعابر باستثناء معبر رفح مع توقفه بين الحين والآخر . هذا الحصار يعد محظورا في القانون الدولي الإنساني . وهذا مايذهب إليه بعض المسؤلين في المنظمات الدولية المختصة . في هذا الصدد ذهب مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك في بيان له إلي أن ” العقاب الجماعي يعرض المدنيين للخطر من خلال حرمانهم من السلع الأساسية للبقاء علي الحياة ، محظور بموجب القانون الدولي الإنساني “.
ذهبت أيضا منظمة العفو الدولية “الأمنستي” في بيان لها – من أنييس كالاماردا الأمينة العامةا – إنه ” يجب علي السلطات الإسرائيلية أن ترفع الحصار غير القانوني الذي تفرضه علي قطاع غزة منذ 16 عاما . إن العقاب الجماعي للسكان المدنيين في غزة يرقي إلي مستوي جريمة حرب فهو أمر وحشي وغير إنساني ” . وذهبت أيضا أنييس كالاماردا الأمينة العامة لأمنستي في ذات البيان إلي ” إن إسرائيل ، بأعتبارها القوة المحتلة أن ترفع الحصار غير القانوني الذي تفرضه علي قطاع غزة منذ 16 عاما . أن العقاب الجماعي للسكان المدنيين يرقي إلي مستوي جريمة حرب فهو أمر وحشي وغير إنساني وإن إسرائيل بأعتبارها القوة المحتلة ، لديها التزام واضح بموجب القانون الدولي بضمان تلبية الأحتياجات الأساسية للسكان المدنيين في غزة ” .
مفاد بيانات مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ، والأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أن حصار قطاع غزة منذ 16 عاما يخالف وينتهك القانون الدولي الإنساني ، ومن ثم يشرعن اشكال المقاومة الفلسطينية في القطاع – والضفة الغربية – ومن ثم الحق في مقاومة الأحتلال الاستيطاني الإسرائيلي ، وأن الحكم الذاتي ، لايعني ان سلطتي الحكم الذاتي هما سلطتان مستقلتان لدولة ذات سيادة ، وإنما تحت سلطة دولة الأحتلال ، وسياسة العقاب الجماعيه ، ومن ثم تمنح السكان تحت الأحتلال الحق في المقاومة المشروعة .
ان الحصار الجماعي ومنع وصول الغذاء وقطع المياه والكهرباء والوقود والأدوية والمعدات الطبية بل والاعتداء علي المستشفيات – بل ودخول الدبابات والمدرعات إلي مستشفي الشفاء وترويع المرضي والأطفال الخدج مؤخرا صباح الأربعاء 15نوفمبر 2023- ودور العبادة علي نحو ما تحظره المادة 33من اتفاقية جنيف الرابعة /1949 وذلك تحت بند المسؤلية الفردية والعقوبات والنهب والأنتقام ” لايجوز معاقبة أي شخص محمي علي جريمة لم يرتكبها هو شخصيا . (وفق مبدأ أن الجريمة شخصية في العدالة الجنائية المعاصرة) وتحظر العقوبات الجماعية (مبدأ شخصية العقوبة ) ، وكذلك جميع تدابير الترهيب والإرهاب ، وتحظر الأعمال الأنتقامية ضد الأشخاص المحميين ” . هذه البيانات وغيرها التي أوردتها وسائل الاعلام الدولية والعربية مثل ال بي بي سي وسكاي نيوز عربية وغيرهم ، تشير إلي جسامة وخطورة السياسة الإسرائيلية وإنتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني ، وخاصة مع الجحيم النيراني في القطاع ، وخاصة سياسة الفصل العنصري التي تمارسها منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية بعد 5يونيو1967 ، ثم التهجير القسري من شمال القطاع إلي جنوبه ، في إطار عملية السيوف الحديدية والغزو البري ومحاولة تصفية حركة حماس والجهاد الإسلامي .
أن المذابح الإسرائيلية على مدن غزة، أدت إلى تدمير ما يقارب أكثر من أربعين بالمائة من المبانى تحطيماً كاملاً – حتي الآن-، وسقوط القتلى والجرحى. 11240 قتيل ، و4630 من الأطفال ، 3100 امرأة ومصابين اكثر من 28 الف اخرين حتي كتابة المقال -، وقصف المناطق المجاورة للمستشفيات، بل وإصابة بعض أجزاءها، على نحو، ما تم فى مجمع الشفاء الطبي واقتحامه ، وغيره، وإخراج مستشفيات شمال القطاع من الخدمة، لغياب الوقود، والمواد الطبية والإغاثية، والتهجير القسرى لغالب سكان شمال القطاع إلى جنوبه، وهو ما يخالف نص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، التى تفضى على أن ” يحظر النقل الإجبارى للأفراد والجماعات بالإضافة إلى إبعاد الأشخاص المحميين من الأرض المحتلة إلى أرض السلطة القائمة بالاحتلال أو إلى أرض أى بلد آخر، محتلة أو غير محتلة، بصرف النظر عن دافع ذلك.
لا تبعد السلطة القائمة بالاحتلال ولا تنقل جماعات من سكانها المدنيين إلى الأراضى التى تحتلها “. ومع ذلك تشكل سياسة التهجير القسرى والتطهير العرقي من شمال القطاع إلى جنوبه انتهاكا صارخا لهذه المادة.
أن العدوان الذي حطم مباني قطاع غزة ، وحولها إلي رماد واطلال محظور علي سلطة الأحتلال القيام بأعمال القصف والتدمير ، وذلك وفقا لنص المادة 53 التي تنص على حظر تدمير الممتلكات، والمباني من سلطة الاحتلال، حيث ذهبت إلى أن ” يحظر أى تدمير من قبل السلطة القائمة بالاحتلال العقارات أو الممتلكات الشخصية المملوكة للأشخاص العاديين ملكية فردية أو جماعية، أو المملوكة للدولة أو لأية سلطة عامة غيرها، أو لمنظمات اجتماعية أو تعاونية، إلا إذا كان لهذا التدمير ضرورة مطلقة بسبب العمليات العسكرية”.
أن نظرة على تدمير ما يقارب من نصف مبانى قطاع غزة حتي الآن تشير إلى أننا إزاء حالة انتهاك واسع المدى للقانون الدولى. ناهيك عن القتلى والجرحي، وهو ما يخالف المادة (23 من اتفاقية جنيف 12 أغسطس 1949) التى ذهبت إلى انه “في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولى فى أراضى أحد الأطراف السامية المتعاقدة، يلتزم كل طرف فى النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية:
1- الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة فى الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأى سبب آخر، يعاملون فى جميع الأحوال معاملة إنسانية دون أى تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أوالمعتقد أو الجنس أو المولد أو الثروة، أو أى معيار مماثل آخر ولهذا الغرض تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقى محظورة فى جميع الأوقات والأماكن.
أ- الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية والتعذيب.
ب- أخذ الرهائن.
ج- الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة.
2- يجمع الجرحى والمرضى ويعتني بهم. ما سبق قامت إسرائيل بانتهاكه بل وتحطيم هذه البنود كافة على نحو ما يشاهد العالم فى غزة كل يوم. وأيضا لاتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين فى وقت الحرب (12 أغسطس 1949)، ونص المادة الثالثة، الذى جاء حصرا وفق نص المادة سابقة السرد.
ونظراً لارتفاع معدلات القتلى والجرحى من الأطفال والنساء والمسنين جاءت المادة (16) من الباب الثانى ، حول الحماية العامة للسكان من بعض عواقب الحرب، تنص على أن “يكون الجرحى والمرضى وكذلك العجزة والحوامل موضع حماية واحترام خاصين. وبقدر ما تسمح به المقتضيات العسكرية، يسهل كل طرف من أطراف النزاع الإجراءات التى تتخذ للبحث عن القتلى أو الجرحى، ولمعاونة الغرقى وغيرهم من الأشخاص المعرضين لخطر كبير ولحمايتهم من السلب وسوء المعاملة.
وتنص المادة (17) على أن “يعمل أطراف النزاع على إقرار ترتيبات محلية لنقل الجرحى والمرضى والعجزة والمسنين والأطفال والنساء النفاس من المناطق المحاصرة أو المطوقة ولمرور رجال جميع الأديان، وأفراد الخدمات الطبية والمهمات الطبية إلى هذه المناطق”.
هذا النص، بدى وكأنه كثب فى الفراغ، حيث تقصف ويقنص رجال الخدمات الطبية، والمستشفيات على نحو ما أدى إلى خروج مستشفيات شمال غزة من الخدمة، وهو ما يتناقص كليا مع نص المادة (18) التى ذهبت إلى أن “لا يجوز بأى حال الهجوم على المستشفيات المدنية المختلفة المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء النفاس، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها فى جميع الأوقات”.
وذهبت المادة (19) إلى أن “لا يجوز وقف الحماية الواجبة للمستشفيات المدنية، إلا إذا استخدمت خروجا على واجباتها الإنسانية فى القيام بأعمال تضر بالعدو. غير أنه لا يجوز وقف الحماية عنها إلا بعد توجيه إنذار لها يحدد فى جميع الأحوال المناسبة مهلة زمنية معقولة دون أن يلتفت إليه”.
“لا يعتبر عملاً ضاراً بالعدو وجود عسكريين جرحى أو مرضى تحت العلاج فى هذه المستشفيات، أو وجود أسلحة صغيرة وذخيرة أخذت من هؤلاء العسكريين ولم تسلم إلى الإدارة المختصة”.
وذهبت المادة (20) إلى وجوب احترام وحماية الموظفين فى تشغيل وإدارة المستشفيات المدنية، والمادة (21) بخصوص احترام وحماية عمليات نقل الجرحى والمرضى..الخ، وهو ما تقصفه الطائرات والمدرعات الإسرائيلية فى القطاع كما بات الأمر موثقا مرئياً وتلفازيا وعبر الهواتف النقالة .
الأخطر أن قوات الاحتلال الإسرائيلى للقطاع تنتهك المادة (23) بعدم السماح بإمداد المستشفيات بالوقود والمواد الطبية، والتى نصت على أن “على كل طرف من الأطراف السامية المتعاقدة أن يكفل حرية مرور جميع رسالات الأدوية والمهمات الطبية ومستلزمات العبادة المرسلة حصرا إلى سكان طرف متعاقد آخر المدنيين حتى ولو كان خصما. وعليه كذلك الترخيص بحرية مرور أى رسالات من الأغذية الضرورية، والملابس، والمقومات المخصصة للأطفال دون الخامسة عشرة من العمر والنساء الحوامل والنفاس”.
أن غالب نصوص قانون الحرب، والدولى الإنسانى باتت موضوعا للانتهاك السافر والكامل من الاحتلال الإسرائيلى، وعدوان على القطاع والبشر، والحجر، وانفجار شلالات الدماء والأشلاء، والأخطر غطرسة، ووحشية القوة الغاشمة، فى مواجهة المدنيين الأبرياء، والمستشفيات، دون رادع دولى حتى هذه اللحظة، وعدم رفض وقف إطلاق النار، فى ظل سياسة العقاب الجماعى، والتهجير القسرى، والتطهير العرقى، ومع ذلك ثمة وقفة باسلة للمقاومة، وصمود للمدنيين الأبرياء سعيا وراء حل الدولة. الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقا لقواعد الشرعية الدولية ومقرراتها منذ القرار 242، وغيرها من القرارات النظيرة. وتتجلي نزعة التطهير العرقي في تصريح لوزير المالية الإسرائيلي بتسلإئيل سموتريتش أن إجلاء سكان غزة هو الحل الإنساني الصحيح لهم ، ووصل الأمر إلي تصريح وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو بضرب غزة بالقنبلة النووية ، وهو مايشكل حالة نفسية / سياسية مضطربة وتشير إلي بعض من عقل اليمين الإسرائيلي اليميني المتطرف الذي تسيطر عليه الميثولوجيا السياسية والدينية ولا يأبه بمنظومة القوانين الدولية التي تنظم الشرعية الدولية ، وهي حالة كاشفة عن ماوراء المذابح التي ترتكب كل لحظة ضد السكان المدنيين في قطاع غزة .
نبيل عبد الفتاح كاتب وباحث ومفكر تنويري مصر ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية