فيلليني وأمريكا بقلم توماس جورجيسيان
لقطة من فيلم لاسترادا – الطريق
مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية – يوم الثلاثاء ٣ نوفمبر ٢٠٢٠ نصح الناقد السينمائي شان بيرنز قراءه ومتابعيه بمشاهدة فيلم فيلليني الشهير “لاسترادا” (الطريق) والذي تم إنتاجه من ٦٦ عاما في عام ١٩٥٤. وأشار الناقد الأمريكي الى أن مشاهدة هذا الفيلم الايطالي، تعد هروبا من الواقع المحيط بنا في الحياة الأمريكية ..أو قد تكون استراحة من الصخب الخانق المصاحب للانتخابات الرئاسية!!
فيلليني مع صوفيا لورين
وجاءت النصيحة أو الروشتة تحت عنوان: هل تشعر بالضغط النفسي المصاحب ليوم الانتخاب؟ انك ستجد السلوى والعزاء في فيلم فيلليني “لاسترادا” لأنه فيلم (حسب وصف بيرنز) سوف يسحبك من خضم المواجهة أو المصادمة السياسية الحادة التي كانت ـ ومازالت ـ تشهدها البلاد.
فيلم “لاسترادا” للمخرج الإيطالي الشهير فيديريكو فيلليني فاز بأوسكار أحسن فيلم أجنبي عام ١٩٥٦. والفيلم من بطولة جولييتا ماسينا (زوجة فيلليني) وأنتوني كوين.
وحصول فيلليني على أوسكار عن هذا الفيلم كان أول أوسكار له .. بعدها توالت جوائز أوسكار على أفلام أخرى له في أعوام تالية ـ عام ١٩٥٧ عن فيلم “ليالي كابيريا” وعن فيلم “ثمانية ونصف” في عام ١٩٦٣ ثم عام ١٩٧٥ عن فيلمه “آماركورد”. كما أن فيلليني حصل عام ١٩٩٢ على جائزة أوسكار الخاصة أو الفخرية ـ تقديرا لدوره ومكانته كأحد أسطوات الحكي على الشاشة السينمائية. وفي كلمته أمام الحضور ذكر فيلليني بأن بالنسبة له أمريكا والسينما تعنيان شيئا واحدا .. وأنه معهم في هذا المكان يشعر بأنه في بيته. وقد قامت بتقديمه في الحفل وتسليم جائزة الأوسكار له الممثلة الشهيرة صوفيا لورين. وكان بصحبتها على خشبة المسرح الممثل الشهير مارتشيللو ماستورياني. فيلليني توفى في ٣١ أكتوبر ١٩٩٣ بروما وكان في ال٧٣ من عمره.
المخرج الايطالي الكبير وهو يتحدث مع الكاتبة الأمريكية شارلوت شاندلر في كتابها عنه بعنوان “أنا فيلليني” يقول .. لقد رغبت دائما في عمل فيلم عن أمريكا.. ويذكر أيضا أنه كان يود القيام بذلك عن طريق إعادة بناء أمريكا في شنيشيتا (مدينة السينما في إيطاليا) ..وسبق لي أن تصورت مثل هذا المشروع سينمائيا في فيلم المقابلة ـ Intervista ـ حيث أنوي اعداد ما يحتاجه فيلم عن نيويورك في بداية القرن العشرين يقوم على رواية “أمريكا” للكاتب المعروف فرانز كافكا.
شارلوت شاندلر نشرت كتابها عن فيلليني عام ١٩٩٥. والكتاب يقع في ٤٢٠ صفحة وكما ذكر حينذاك فإن الكتاب كان حصيلة لقاءات وحوارات ممتدة مع فيلليني وزوجته وأصدقائه ومن عملوا معه. وقد حرصت الكاتبة على أن تقوم بتذكير القراء بأن فيلليني قال لها:”أنا لدى حياة واحدة .. وتلك الحياة رويتها لك. هذه هي وصيتي الأخيرة”
في هذا الكتاب الشيق والممتع نجد انطباعات وتأملات فيلليني حول مواقف عديدة عاشها خلال زياراته لأمريكا.. وخلال تعاملاته مع الأمريكيين خاصة أهل هوليوود. ونقرأ في الكتاب عن لقاء عابر لفيلليني مع المخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرج في إيطاليا وكان الأخير في بداية حياته الفنية وبالطبع منبهر بما أبدعه المخرج العظيم.. وأن فيما بعد في عام ١٩٩٣ حصل سبيلبرج على جائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي ـ وكان فيلليني حينذاك في المستشفى وعلى الرغم من حالته المرضية حرص على كتابة تهنئة لسبيلبرج.
وحسب كتاب “أنا فيلليني” فإن سبيلبرج أبدى شكره لهذه التهنئة في رسالة كتبها لفيلليني بتاريخ ١٠ سبتمبر ١٩٩٣ ـ يقول فيها:” .. أرجو أن تقرأ هذه الرسالة وأنت على ما يرام. لقد كنت من المعجبين بك منذ استطعت أن أشاهد الأفلام .. كانت أفلامك مصدر الهام عظيم لي. فهي قد أسهمت أكثر من أية أفلام أخرى في تحديد مفهومي للفيلم والسينما كفن. أنا آسف لأنني لم تتاح لي فرصة رؤيتك في البندقية، غير أنني على ثقة من أن دربينا سوف يتقاطعان في المستقبل.”
واختتم سبيلبرج رسالته قائلا: “تقبل مني أطيب التمنيات وأنا أتابع مشاهدة أفلامك، واستلهم منها أكثر فأكثر”
_____
ويعترف المخرج الأمريكي الكبير مارتن سكورسيزي الذي احتفل مؤخرا بعيد ميلاده ال ٧٨ أن فيلليني وتحديدا فيلم “لاسترادا” كانا مدخله لعشق السينما وعالم الأفلام. “لاسترادا” كان أول فيلم شاهده سكورسيزي وكان في ال ١٢ من عمره. حينذاك ـ حسب قوله في حوار تليفزيوني ـ كانت الأفلام الأجنبية تعرض مدبلجة ـ ناطقة باللغة الانجليزية. وقد تأثر به كثيرا.. سكورسيزي المولود في نيويورك له أصول إيطالية. وهو كغيره من المخرجين الأمريكيين (مثل وودي آلان وسبايك لي) وقف بإعجاب أمام أفلام فيلليني ورأى فيها الشعر السينمائي .. وكما كتب تي اس اليوت : الشعر تشعر به قبل أن تفهمه. وقد وصف فيلليني بأنه “شاعر السينما”
وطبعا فيلليني ورؤيته الخاصة في تقديم الأفلام وتأمله المتميز للبشر أثار اهتمام عشاق السينما وصناعها على امتداد العالم .. وبالتأكيد في أمريكا أيضا ولأجيال متتالية. كما تم صياغة كلمة felliniesque كتعبير لما يمكن وصفه ب فيللينية الموقف أو المشهد أو عقلية ونفسية التعامل معهما ..
—————-
تم مؤخرا طرح مجموعة أفلام فيلليني في الأسواق الأمريكية بصيغة بلو راي. ويضم الصندوق المسمى Essential Fellini (فيلليني الأساسي) ١١ فيلما من أفلامه بعد ترميمها بالاضافة الى أفلام وثائقية عنه وعن ابداعه وتسجيلات صوتية ومرئية لعملية اخراجه للأفلام. ومواد أخرى فيلمية ومطبوعة تتعلق بعالم فيلليني المبهر. صحيفة “وول ستريت جورنال” وهي تحتفي بفيللينى وعالمه السينمائي الساحر وصفته بالأيقونة الايطالية كما أنها رأت في هذه المجموعة الصادرة حديثا من أفلامه “احتفالا بالسخرية ومشاعر التعاطف الإنساني التي جعلت أفلامه تبقى في الذاكرة.”
ولم تنسى الشركة المنتجة لهذا الصندوق التحفة أن تقوم بتذكير عشاق السينما وأفلام فيلليني بما قاله سكورسيزي عن المبدع الايطالي:
“.. لا يكفي تسمية فيلليني بأنه كان صانعا لأفلام .. لقد كان مايسترو. لقد كان سينما. أعمال فيلليني تعد كصندوق كنوز تفتحه فتشهد عالما من العجائب ـ رؤي مضيئة من الجمال والرعب والعبث .. حيث يصبح القديم والحديث واحدا.. حيث تتحطم جميع الحواجز بين الواقع والخيال.. أمام عينيك !!
توماس جورجيسيان. واشنطن
توماس جورجيسيان كاتب مصري مقيم في واشنطن.أمريكا