فيلم ” شقراء ” BLONDE : مارلين مونرو أيقونة من صنع هوليوود. بقلم يوحنا دانيال
في البداية يجب أن نشير إلى أن غالبية الناس في العالم العربي، لا يعرفون اي شيء عن أفلام الممثلة الراحلة مارلين مونرو ، ولا عن تفاصيل حياتها .. سوى أنها انتحرت ، أو اجبرت على الإنتحار .. وانها كانت على علاقة جنسية وعاطفية مع الرئيس الأمريكي جون كينيدي ، وأخيه روبرت .. بالنظر لأن حياتها انتهت في مطلع الستينيات من القرن الماضي.
لكن رغم ذلك، فإن صورها وپوستراتها، والكتب التي تحكي عنها تحتل المشهد العالمي ،منذ أكثر من نصف قرن .. كأيقونة للشقراء التي يتهافت عليها الرجال على شاشات السينما وخارجها .. لكن لا أحد يأخذها بجدية، لا كانسانة ولا كفنانة .. وتطغي عليها صورة الدمية الجنسية فحسب ..
لذا عاشت حياة غير سعيدة على العموم ..حياة انهتها وهي في منتصف الثلاثينيات من العمر في نوبة كآبة .. وهي في قمة عطائها الفني..
هذه المقدمة وجدتها ضرورية لتهيئة مشاهدي فلم “شقراء Blonde” الذي يعرض حاليا على منصة نتفليكس .. وعلى مواقع المشاهدة المباشرة أيضا .. والمبني على سيرة تخيلية لحياة الراحلة مارلين مونرو .. أخرجه اندرو دومنيك عن رواية معروفة للكاتبة جويس كارول اوتيس من عام 2000 .. وقد استغرق العمل على الاعداد والتهيئة للفلم حوالي عشر سنوات .. وما ان عثر المخرج على الممثلة الأميركية من أصل كوبي آنا دي أرماس .. حتى قرر صنع الفلم بعد اختبار سريع لها ..وربما كان العثور على من يجسد دورها بإتقان وبراعة من أهم الامور ..
ويذكر أن الفنان براد بيت وهو أحد المنتجين أعجب بأدائها ايضا .. وأصبح هذا العمل هو الفلم المنتظر على نتفليكس.
لقد قام المخرج في فلمه بمزج التقنيات الوثائقية والروائية، وكذلك مشاهد الألوان والأسود والأبيض، وتلاعب بحجم الصورة .. كل هذا ليشير الى الخيالات والواقع، والى ماهو حقيقي تماما، وما هو تفسير أو تأويل من الروائية او من المخرج .. كل هذا من أجل الحصول على فلم سوداوي محزن .. وفي نفس الوقت هو نقد فمنستي أو نسوي حاد لهوليوود وصناعة السينما بشكل عام ..
هذه الصناعة التي تقوم على استغلال المرأة الجميلة بأبشع الطرق على الشاشة وخارجها أيضا. إذ ارتبطت السينما بالمرأة، بحيث يصعب أن نتصور فلما من دون امرأة جميلة.
فلم شقراء هو حكاية كل ممثلة جميلة مشهورة، وكيف كانت البدايات، وكيف كانت المسيرة الوعرة الى المجد. ان صناعة النجمات لم تكن بريئة أبدا منذ بداياتها، وحتى الى نهاية القرن الماضي. دائما كانت هناك مساومات من قبل المتنفّذين وتنازلات من قبل النجمات، خصوصا في بداياتهن، تنازلات لأصحاب النفوذ من منتجين ومخرجين وموزعين، الذين كانت لهم الكلمة العليا في تفضيل نجمة على أخرى، وفسح المجال لها لتتصدر الشاشة الى ان تبرز غيرها. ان معظم هذه التنازلات كانت جنسية الطابع، مهينة جدا، تجعل الممثلة تشعر بدونيتها وتفاهتها، وانها مجرد جسد أو لحم، يتمتعون به، ويرموه كما لو انها مومس. وهذا ما ينجح المخرج في ابرازه مع نورما جين التي تحولت إلى مارلين مونرو في نظر الناس،
لكنها في قرارة نفسها كانت تشمئز من هذه المارلين غير المحترمة، الرخيصة، كتلة اللحم التي لا يأخذها أحد بجدية. وحتى اسم الفلم “شقراء” .. يشير الى تشيؤ المرأة والجمال والفن .. من أجل أن يتم تسويقهم .. والسينما هي السوق العالمي الأعظم .. الذي يبيع الأوهام الممتعة للناس المتعبين، العاطلين، المحرومين. ومن المهم الإشارة إلى بعض الأحداث المهمة في الفلم وتفكيكها كي لا ينخدع المشاهد بها، وكي يفهم انها تأويل روائي سينمائي. وأولها هو المشاهد الجنسية الكريهة المذلّة مع رئيس الاستوديو في اول أفلامها ومع الرئيس الأميركي جون كنيدي، إذ لا يوجد أي دليل فعلي ومحايد يدل على حصولهما بهذه الطريقة. وهي كانت تقول دائما ان علاقتها بالرئيس كنيدي يسودها الاحترام والثقافة .. لكن الفلم يريد أن يؤكد قيم فمنستية – نسوية -معينة لهذا( يحوّر) الوقائع. كذلك لا يوجد أي دليل على علاقتها العاطفية الثلاثية Throble مع ابن تشارلي تشابلن وصديقه، لكنها عاشت قصة عاطفية بالفعل مع ابن تشارلي تشابلن وحملت على إثرها. وتظل طفولتها مع أمها والفترة التالية في دار الأيتام أمرا غامضا، لكنها كانت عاملا مؤثرا عليها طوال حياتها. وموضوع البحث عن الأب الغائب تحول في الفلم الى أمر مهم، مستندا الى عادتها في الاقتران بمن يكبرها في السن كثيرا، ومناداتها لهم بكلمة دادي، أبي، Daddy.
لقد اختلطت سيرة حياة مارلين مونرو دائما بالإشاعات والأقاويل والغموض، وخصوصا بعض علاقاتها وتفاصيلها، مما أدى اتهامات جدية بأن هناك جهات عليا قتلتها، وانها لم تنتحر كما صورها الفلم، لكن يبدو أن الروائية والمخرج متفقان ان موتها كان انتحارا، كنتيجة منطقية لحالتها النفسية المتفاقمة في السنوات الأخيرة من حياتها، وادمانها الكحول والمسكّنات والأدوية العصبية القوية، بحيث اختلط الواقع والخيال في حياتها تماما، فأصبحت مزعجة في العمل، مكروهة .. رغم أنها كانت قد أصبحت ممثلة محترمة. لكن بالنسبة لها، كانت قد أصبحت في نهاية طريق مسدود، وتكره الصورة المضحكة الداعرة، لمارلين على الشاشة الفضية واللافتات الضوئية الكبيرة، لصالح “نورما جين” الفتاة الباحثة عن الأب الغائب، وعن طفل سقط من رحمها، وعن أم أورثتها مرضا عقليا، وعُقَداً لازمتها حتى النهاية.
بقلم
يوحنا دانيال
يوحنا دانيال ناقد سينمائي عراقي مقيم في السويد