فيلم « يوم وليلة» .. الفقر والفساد وجهان لعملة اسمها التطرف. بقلم مجدي الطيب
إدارة الممثل فن انقسم حوله المخرجون أنفسهم؛ فمنهم من يرى أن سيطرة المخرج على الممثل، حتى لو جعله نسخة منه، منتهى النجاح، بينما يرى آخرون أن «التمثيل مسئولية كل ممثل». أما المخرج أيمن مكرم، فهو واحد من المخرجين، الذين يمتلكون قدرة كبيرة على تغيير شكل الممثل، وتوظيف موهبته، وقدراته، بالصورة التي تجعله مختلفاً؛ مثلما فعل مع أحمد عيد في فيلم «خليك في حالك» ومي عز الدين في فيلم «شيكا مارا»، ويفعله، مجدداً، مع خالد النبوي في فيلم «يوم وليلة» .
لقطة من فيلم” يوم وليلة” يهر فيها خالد النبوي بطل الفيلم
كثرت الاقاويل، والتكهنات، والمقارنات، حول المأزق، الذي وضع خالد النبوي نفسه فيه؛ بموافقته على تجسيد شخصية أمين الشرطة، بعدما أغلق الراحل خالد صالح الباب تماماً، في وجه كل من يفكر في أداء هذه الشخصية، بعد أدائه العبقري لها في فيلم «هي فوضى»، لكن خالد النبوي، بحماسة، ودعم، وقناعة من المخرج أيمن مكرم، ونص يحمل رؤية مختلفة للكاتب يحيى فكري، قبل التحدي، وقدم شخصية الأمين «منصور»، بشكل مغاير؛ إذ يبدو وكأنه صاحب وجهين، أو مُصاب بازدواج الشخصية؛ فهو ابن السيدة زينب : الجدع، الشهم، المتواضع، المحبوب من أهل حارته الشعبية، والخادم المخلص لهم، بينما هو، في القسم، طاغية، مُسيطر، بيده مقاليد الأمور، وممسكاً بكل الخيوط، في تناقض إنساني طبيعي للغاية؛ فهو بشر من لحم ودم، لديه ما يوجعه، ويؤرقه، ويُنغص عليه حياته؛ فالزوجة رحلت، تاركة الطفلة «فرح» (ميرنا ياسر)، التي تنتمي إلى ذوي الاحتياجات الخاصة، ويقتضي تعليمها الخاص مصاريف باهظة لا قبل له بها، ويعيش مع أمه (أحلام الجريتلي)، العاجزة عن فهم الطبيعة الخاصة لمرض طفلته، وتعاملها بغلظة، وقسوة، وشقيقته طالبة المعهد المتوسط !
توظيف الأغاني .. والنقد الاجتماعي
مزية أخرى تُضاف إلى رصيد المخرج أيمن مكرم، في فيلم «يوم وليلة»، تمثلت في التوظيف الأخاذ للأغاني؛ منذ الاستهلالة الرائعة لفرقة «أوسكاريزما»، وهي تعزف موسيقى أغنية “الفشار” Pop Corn، التي كتبها جيرشون كينجسلي، واشتهرت فرقة Hot Butter بتقديمها، في مطلع السبعينيات، و«منصور»، وهو يبدأ يومه، مُقبلاً على حياة يُحبها، ومندمجاً مع وردة، وهي تغني :«أنا لما صحيت على حبك .. وشفت الدنيا من عندك»، ثم غناء الممرضة «ميرفت» (دُرة)، أثناء مرور «منصور»، تحت نافذة شقتها المتواضعة، «ماتقولش أمين شرطة اسم الله»، بينما لا يمكن تجاهل أغنية «بانوا بانوا»، لسعاد حسني، التي تحمل الكثير من الإسفاطات ! هنا نتوقف، أيضاً، عند المؤلف يحيي فكري، الذي يستعرض أبطاله، حسب ظهور الشخصيات، وبينما يوحي وكأنه يمر عليها مرور الكرام، فإنه لا يهمشها، مطلقاً، وإنما يوفيها حقها بالكامل؛ فالممرضة «ميرفت»، مُطلقة، لديها طفلان، وتعيش مع شقيقها «عبد الله» (إسماعيل جمال)، لكن زوجته (جيهان أنور) لا تطيقها، و«محمود / حودة» (أحمد الفيشاوي)، عاطل، يعمل، ومعه «مصطفى» (أوتاكا)، لحساب البلطجي «بجاتي» (خالد سرحان)، أما «ايريني» (حنان مطاوع)، فهي الموظفة المسيحية، التي هجرها زوجها، وتفرغت لرعاية أمها، في حين أن شقيقها «ميشيل» (فاضل الجارحي)، مشغول بنفسه، ودروسه الخصوصية، وشقيقها الآخر «بيتر» (محمد قضا)، يحب المسلمة المحجبة «وفاء» (سلمى صبري)، زميلته في المعهد، والشقيقة الصغرى لأمين الشرطة، لكن المؤلف أفرط كثيراً في الاستعانة بالشخوص، التي أراد من خلالها، تناول العديد من القضايا الاجتماعية، والاقتصادية، بنظرة نقدية رصينة؛ فمن خلال «منصور» انتقد التعليم الحكومي والخاص، وانحراف، وتسيب، بعض أفراد الجهاز الأمني، وعبر «إيريني» فضح تدهور حال مستشفيات التأمين الصحي، وفشل الكنيسة في وضع حل لمشاكل الهجر والانفصال، كبديل للطلاق المحرم، ومن خلال الشاب «مجدي» (محمد عادل)، عرى «البيروقراطية»، والرشاوى الحكومية، ومن خلال «محمود» تناول ظاهرة التحرش، والبلطجة كسبيل للتخلص من البطالة، والفقر. أما «بجاتي» فهو رمز البلطجية المُقننة، بينما تعكس المذيعة (هاجر عفيفي)، حجم ما وصل إليه الإعلام من فساد وإنحطاط، والنائب «رضوان» (سامي مغاوري)، من تنامي ظاهرة التوريث، بينما تؤكد القوادة «محاسن» (زينة منصور)، تفشي ظاهرة الدعارة، وتوحشها، والمدرس السلفي «عبد السلام» (محمد جمعة)، والحب المستحيل بين المسيحي «بيتر» والمسلمة «وفاء»، مدى ما وصل إليه المجتمع من تطرف ديني، وطائفية ! كل هذه الأحداث، والقضايا، أوجزها الفيلم في «يوم وليلة»، انتهيا بالليلة الكبيرة لمولد السيدة زينب، ما أثقل كاهل الفيلم (مونتاج سالم درباس)، وكان سبباً في تهميش قضية الطفلة المعاقة، رغم أهميتها، والمرور بشكل متعجل على قضايا التطرف، والدعارة، والهجرة من الوطن، و«تكنيك»، وخبايا العمل الامني (كومندان الزنزانة «فرج» (حمزة العيلي) مرشد للأمين)، ورجل الدين المسيحي، الذي يرى نفسه «ظل الله في الأرض»، والتعليم، الذي تعرض لغزو السلفيين، والمتطرفين؛ ممن يلجأوا إلى تحطيم الكوب الزجاجي، لأن مسيحية شربت فيه، ويلعنوا الله لأنه جمعهم ومدرس مسيحي في حجرة واحدة !
الليلة الكبيرة
ربما باستثناء الإنقلابة غير المبررة، وثورة الأمين «منصور»، على أهل الحارة، التي لم يتم التمهيد لها، عقب محاولة اغتصاب ابنته المعاقة، في مشهد عبثي آخر، والعنصرية الفجة في مشهد «بجاتي» و«أوتاكا»، حين يخاطبه قائلاً : «لسه بتحشش يا أسود !»، والمونولوجات الطويلة ( ميرفت ومحمود ثم إيريني في سيارة الأسعاف)، والشخصيات العالة، التي لم يتم تعميقها بالشكل الكاف (المهندس «شريف» (علي شوقي) وزوجته «علياء» (فدوى عابد)، المشرف الزراعي «مجدي» (محمد عادل)، المرشد «فرج» (حمزة العيلي)، «محروس» (شادي أسعد)، و«بجاتي»، الذي أدار أعمال البلطجة من المقهى)، نجح خالد النبوي في الاهتمام بتفاصيل الشخصية، وامتلك زمامها، بشاربه الكث، وهيئته المهيبة، وانفعالاته وردود أفعاله، المحسوبة بدقة، كما جاءت لمسات، وإضافات، الستايلست ميساء عارف، لتُضفي الكثير من العمق الشكلي على الشخصية، وفي حين اتسم الحوار بالواقعية (الذراع الأيمن للبلطجي يخاطبه : «أنا بتاعك ومرسوم على دراعك» وكذلك مواجهة العاهرة وأمين الشرطة)، يتميز تصويرZbigniew Rybczynski ، في تسجيل وقائع ليلة المولد، وبانوراما القاهرة القديمة، وإن أفرط المخرج في الالتجاء إلى اللقطات المقربة جداً بغير هدف، وسارع بالتعجيل بالنهاية السعيدة، وكأنه استهدف لملمة الأحداث !