كاتب ورواية : عزت القمحاوي بقلم رانيا عبد العاطي
فى رحلة امتدت لما يقرب من العشرين عاما قدم خلالها الكاتب عزت القمحاوى ستة عشر عملا، تنوعت فى فنونها بين الرواية والقصة القصيرة والأعمال الأدبية غير الروائية مثل كتاب «الأيك فى المباهج والأحزان» الذى يعد تجربة مميزة فى تأمل الحواس، والاحتفاء بها، وهو الأمر الذى امتد أثره فى العديد من أعماله التى لم تكتف بـالتنوع فى الأشكال الفنية ولكنها استطاعت أن تقدم رؤى مختلفة مثل التجربة المميزة لكتابه فى السفر والترحال «غرفة المسافرين» الأمر الذى جعله عصيا على التصنيف. وقد تميزت أعماله بسمة أساسية تتعلق باهتمامه بفكرة المكان فهو لديه عنصر رئيسى تمكن من أن يتخذ لنفسه مساحة البطولة فى عدد من أعماله ليفرض نفسه على أحداثها وعلى عناوين تلك الأعمال. هنا نقدم قراءة فى أحدث أعمال القمحاوى «غربة المنازل»، كما نحاور صاحب «بيت الديب» الحاصلة على جائزة نجيب محفوظ، الذى فاجأنا أن عمله القادم الذى مازال تحت الإعداد سيكون عن العلاقة بين الكتابة والطبخ بأمثلة مستوحاة من ألف ليلة وليلة وأعمال نجيب محفوظ .
لماذا يبدو المكان كبطل دائم فى معظم أعمالك؟
يحمل المكان أهمية خاصة عندى خاصة الأماكن المغلقة، وقد استطاع النقاد التقاط ذلك العشق وذلك الاحتفاء المتكرر فى أعمالى بالمنزل والغرفة وهو الحب الذى حملته أسماء أعمالى مثل: «غرفة ترى النيل»، و«مدينة اللذة»، و«البحر خلف الستائر»، التى كانت ترمز إلى غرفة بفندق تطل على البحر وأظن أن ذلك الحب للأماكن المغلقة يعود بالأساس إلى ميلى للعزلة. بالنسبة لى الإنسان يكتمل بالوحدة، وأنا أكتمل بانعزالى فى عالمى بين الكتب.
ولماذا اخترت فى أحدث أعمالك «غربة المنازل» أن تعطى للمدن أسماء رمزية مثل مدينة الغبار ومدينة قلعة البحر؟
بالنسبة لى القراءة هى فعل تشاركى وتبادلى بين الكاتب والقارئ ووجود الرمز يقوم بتوسيع المعنى إذا لم يكن الرمز مغلقا، ولذلك ألجأ لاستخدام الرموز ليضفى إليها القارئ مفهومه وعندها يكتمل الكتاب فالكتب التى لاتحتاج إلى مشاركة القارئ هى كتب ضعيفة، وفى «غربة المنازل» عملية اكتشاف القارئ للمدينة المقصودة هو واحدة من عمليات المشاركة بينى وبين القارئ فقد يرى مثلا أحد القراء أنها مدينة القاهرة وقد يراها آخر أنها دمشق فمدينة الغبار هو رمز متسع المدن الصاخبة أينما كانت.
فى «غرفة المسافرين» كان الجمع فى العنوان بين الغرفة الثابتة والمسافر المتحرك فلماذا لجأت إلى اختيار ذلك العنوان فى كتابتك عن السفر؟
أفضل ألا يكشف عنوان الكتاب عن المحتوى إما باستخدام الحياد أو المراوغة ومن هنا كان اختيارى لعنوان «غرفة المسافرين» الذى يعطى ظلالا عن السفر وحرصت أن يكون بعيدا عن العناوين المعتادة للكتب التى تتناول فكرة الترحال فهو ليس كتابا عن السفر بقدر ما أنه كتاب فلسفى يحمل رغبتى فى إعادة النظر للطريقة التى يتم بها الكتابة عن فكرة السفر فقد أصبح لدى القارئ القدرة على رؤية الأماكن بضغطة زر واحدة لذلك يجب أن تتحول الكتابة عن السفر من المشهدية الوصفية إلى الكتابة الفلسفية التى تبحث عن المعنى وتغوص بالأعماق لتنقل للقارئ ما تعجز عن نقله الكاميرات، وهناك سبب آخر لهذا العنوان وهو الارتباط الذهنى لهذا المصطلح «غرفة المسافرين» فى الثقافة المصرية فقبل تعمق الفردية بالمجتمع كان فى منازل الأسر بالمدينة «غرفة المسافرين» لكل قادم من العائلة من الريف وهناك جيل تربى بمنازل الأقرباء فى هذه الغرفة.
للوهلة الأولى، تبدو رواية «يكفى أننا معا» كقصة حب بين رجل ستينى وشابة بالثلاثينات ولكن تحمل فى داخلها رمزا لمصر فى عهديها ما قبل الثورة ومابعدها. هل تعمدت ذلك؟
هذه الرمزية لم أفكر بها والقارئ حر فى قراءة ظلال المعنى، هكذا تتسع الرواية فالكتاب الذى يترك مساحة واسعة للقارئ للتأويل يتحول إلى عدد من الكتب بمقدار عدد قرائه وفى تعريفى للكتاب أقتبس تعريف ماريو بارغاس يوسا «الكتاب هو المطبوع الصالح للقراءة أكثر من مرة». ورواية «يكفى أننا معا» تحمل انشغالاتى بالحياة والخوف من الشيخوخة والموت وذلك الخوف هو ما أفسد العلاقة بين الحبيبين خاصة أن البطل تظهر به تأثيرات مهنته فى مجال القانون وأهمية فكرة العدالة لديه فكان أن يرى أن هذا الجمال الذى تحمله البطلة ليس من حق من هو فى عمره. كما أن البطلة فى الرواية جاءت لتحمل صورتى عن المرأة والتى تظهر فى معظم أعمالى هى فى هذه العلاقة لم تكن الفتاة الصغيرة المنبهرة بالرجل الأكثر خبرة لكنها كانت امرأة ناضجة وذكية تكافئه فى الخبرات وإن اختلف شكل تلك الخبرة فهو محامى ورجل خبير فى الكلمة وهى امرأة تحمل خبرة فى الفنون فعدم التكافؤ فى العمر عادله التكافؤ فى نواح أخرى.
تحمل «ألف ليلة وليلة» مكانة خاصة لديك فما الذى يجعلك شديد الارتباط بها؟
لدى قائمة أعمال المفضلة تحتل ألف ليلة وليلة رأس هذه القائمة يليها أعمال ديستوفسكى ونجيب محفوظ ومارسيل بروست. أؤمن أن الكاتب تلزمه متابعة الفن والصنعة الأدبية والحقيقة أن «ألف ليلة» تجمع كل التقنيات التى يمكن أن يحتاج إليها الكاتب مثل تعاملها مع العلاقة بين الرواية والتاريخ والعلاقة بين الفانتازيا والواقع فنجد أنه تعامل ساخر ونموذجى بنفس الوقت كما أن دروسها من أعظم الدروس. وهناك عمل قادم لى سيكون عن العلاقة بين الكتابة والطبخ بأمثلة مستوحاة من ألف ليلة وليلة وأعمال نجيب محفوظ الذى تعد أعماله بالنسبة لى «الأدب العظيم»، وهو الأدب الذى تكون روحه المجاز والبلاغة، ورغم أن نجيب محفوظ لم ينل مثلا نفس الشهرة العالمية التى نالها ماركيز رغم أنهما حصلا على جائزة نوبل فى فترة زمنية متقاربة إلا أن أعمال نجيب محفوظ أكثر انتشارا فى التاريخ من أعمال ماركيز بالمقياس الزمنى لقوة انتشار العمل الأدبى وليس بالمقياس الجغرافى، ورغم وجود الكثير من المعالجات السينمائية لأعماله إلى أنها لم تصل إلى عمق الأدب لديه وتناولت الموضوعات من السطح وتجاهلت تساؤلاته المهمة التى انشغل بها وكان يختبرها دائما فى أعماله مثل فكرة الحق مقابل القوة والوجود والعدم وفكرة الموت.
رانيا عبد العاطي
عن صفحة الكتب في جريدة ” الأهرام ” إشراف وإعداد هبة عبد الستار بتاريخ
سبتمبر 2021 لباب ” مختارت سينما إيزيس ” في موقع ( سينما إيزيس ) الجديدة
–