محمود قرني يكتب عن فيلم ” البحث عن رفاعة ” لصلاح هاشم وتكريم الطهطاوي ” مونتسكيو” العرب في مارسيليا
تراث
تكريم رفاعة الطهطاوي في مرسيلياRifa’a Rafi al-Tahtawi (1801 – 1873), Egypt
السنة الخامسة والعشرون – العدد 7563 – السبت/الأحد 12/13 تشرين الاول (اكتوبر) 2013 – 7/8 ذو الحجة 1434 هـ
جريدة القدس العربي
محمود قرني
تكريم رفاعة الطهطاوي في مرسيليا : لماذا تقدم الاوروبيون وتأخر العرب ؟
القاهرة ـ ‘القدس العربي’ ـ من محمود قرني: نظم ‘متحف الحضارات الأوروبية والمتوسطية ‘المعروف باسم موسم’ MUCEM’ في مرسيليا احتفالا كبيرا لرائد نهضة مصر الحديثة رفاعة رافع الطهطاوي بعنوان ‘رفاعة رافع الطهطاوي مونتسكيو العرب’.
وبدأ الاحتفال بمحاضرة للدكتورة ليلى داخلي ‘أستاذة علم التاريخ في جامعة أكس أون بروفانس، وذلك للتعريف بانجازات الطهطاوي الفكرية التنويرية الرائدة في التعليم ونهضة مصر والعرب والآثار التي خلفها مؤلف ‘تخليص الإبريز في تلخيص باريز′، حيث عقدت د. داخلي مقارنة بينه وبين المفكر والفيلسوف الفرنسي الكبير مونتسكيو مؤلف كتاب ‘روح الشرائع′ وأحد أعظم فلاسفة التنوير في فرنسا، وتعتبر أن رفاعة رافع الطهطاوي هو ‘مونتسكيو العرب’ بحق وعن جدارة.
وعقب المحاضرة عرض الفيلم الوثائقي ‘البحث عن رفاعة’ وزمنه 105 دقائق، سيناريو وإخراج صلاح هاشم مصطفى وتصوير ومونتاج اللبناني سامي لمع وإنتاج الكويتية نجاح كرم وموسيقى الفنان يحيى خليل والفيلم من إنتاج 2008. والمعروف أن ‘متحف موسم’ MUCEM للحضارات الأوروبية والمتوسطية افتتح حديثا في مرسيليا في شهر يونيو الماضي بمناسبة الاحتفال بمرسيليا عاصمة للثقافة الأوروبية هذا العام، ويعتبر أهم مركز ثقافي في مارسيليا على نسق مركز جورج بومبيدو في باريس ..
والفيلم الذي يناقش رحلة قوامها قرابة قرنين هي رحلة رفعت رفاعة الطهطاوي الشهيرة إلى فرنسا، يسير المخرج المصري صلاح هاشم في شريطه على خطى صاحب ‘تخليص الإبريز في تلخيص باريز′، معيداً طرح السؤال ذاته: لماذا تأخّر المسلمون وتقدّم غيرهم؟
وكان الرئيس الفرنسي ‘فرانسوا أولاند’ قد افتتح في نهاية يونيو الماضي متحف الحضارات الأوروبية والمتوسطية، الذي أقيم بمدينة مرسيليا الواقعة على البحر المتوسط جنوبي فرنسا.ويفتح المتحف أبوابه هذا الأسبوع أمام الزائرين الذين يتوافدون على مدينة مرسيليا عاصمة الثقافة الأوروبية للثقافة خلال العام الجاري 2013. والمتحف الذي تمت إقامته على مساحة ما يقرب من 45 ألف متر مربع يضم ثلاثة مواقع ويجمع بين العلوم وعلم الاجتماع والتاريخ والفن، كما أنه يعكس تعدد الحضارات، التي ساهمت في بناء العالم المتوسطي منذ فترة ما قبل الميلاد وحتى اليوم. ومن المقرر أن يضم متحف الحضارات الأوروبية والمتوسطية العديد من التظاهرات الثقافية والندوات وعرض الأفلام والحفلات وورش العمل.
ويعتبر رفاعة رافع الطهطاوي (1216 هـ/1801 – 1290 هـ/1873) من قادة النهضة العلمية في مصر في عهد محمد علي باشا. وُلد في 15 أكتوبر 1801، بمدينة طهطا إحدى مدن محافظة سوهاج بصعيد مصر، ونشأ في أسرة كريمة الأصل شريفة النسب، فأبوه ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، وأمه فاطمة بنت الشيخ أحمد الفرغلي، ينتهي نسبها إلى قبيلة الخزرج الأنصارية.
لقي رفاعة عناية من أبيه، فحفظ القرآن الكريم، وبعد وفاة والده رجع إلى موطنه طهطا، ووجد من أخواله اهتماماً كبيراً حيث كانت زاخرة بالشيوخ والعلماء فحفظ على أيديهم المتون التي كانت متداولة في هذا العصر، وقرأ عليهم شيئا من الفقه والنحو. التحق رفاعة وهو في السادسة عشرة من عمره بالأزهر في عام 1817 وشملت دراسته في الأزهر الحديث والفقه والتفسير والنحو والصرف.. وغير ذلك.
بدأ المنعطفُ الكبير في سيرة رفاعة الطهطاوي مع سفره سنة 1826 م إلى فرنسا ضمن بعثة عددها أربعون طالبا أرسلها محمد علي على متن السفينة الحربية الفرنسية (لاترويت) لدراسة العلوم الحديثة.
وكان الشيخ حسن العَطَّار وراء ترشيح رفاعة للسفر مع البعثة كإمامٍ لها وواعظٍ لطلابها، وذهب كإمام ولكنه إلى جانب كونه إمام الجيش اجتهد ودرس اللغة الفرنسية هناك وبدأ بممارسة العلم، وبعد خمسٍ سنوات حافلة أدى رفاعة امتحان الترجمة، وقدَّم مخطوطة كتابه الذي نال بعد ذلك شهرة واسعة وهو ‘تَخْلِيصُ الإِبْرِيزِ فيِ تَلْخِيصِ بَارِيز′
عاد رفاعة لمصر سنة 1247 هـ / 1831 مفعماً بالأمل منكبّاً على العمل فاشتغل بالترجمة في مدرسة الطب، ثُمَّ عمل على تطوير مناهج الدراسة في العلوم الطبيعية.
وأفتتح سنة 1251 هـ / 1835 م مدرسة الترجمة، التي صارت فيما بعد مدرسة الألسن وعُيـِّن مديراً لها إلى جانب عمله مدرساً بها، وفي هذه الفترة تجلى المشروع الثقافي الكبير لرفاعة الطهطاوي ووضع الأساس لحركة النهضة التي صارت في يومنا هذا، بعد عشرات السنين إشكالاً نصوغه ونختلف حوله يسمى الأصالة أم المعاصرة.
كان رفاعة أصيلاً ومعاصراً من دون إشكالٍ ولا اختلاف، ففي الوقت الذي ترجم فيه متون الفلسفة والتاريخ الغربي ونصوص العلم الأوروبي المتقدِّم نراه يبدأ في جمع الآثار المصرية القديمة ويستصدر أمراً لصيانتها ومنعها من التهريب والضياع.
وظل جهد’رفاعة’يتنامى بين ترجمة وتخطيط وإشراف على التعليم والصحافة، فأنشأ أقساماً متخصِّصة للترجمة (الرياضيات – الطبيعيات – الإنسانيات) وأنشأ مدرسة المحاسبة لدراسة الاقتصاد ومدرسة الإدارة لدراسة العلوم السياسية.
وكانت ضمن مفاخره استصدار قرار تدريس العلوم والمعارف باللغة العربية (وهي العلوم والمعارف التي تدرَّس اليوم في بلادنا باللغات الأجنبية) وإصدار جريدة ‘الوقائع′ المصرية بالعربية بدلاً من التركية، هذا إلى جانب عشرين كتاباً من ترجمته، وعشرات غيرها أشرف على ترجمتها.
بيد أن هذه الشعلة سرعان ما خبت، مع تولِّى الخديوي عباس حكم مصر، فقد أغلق مدرسة الألسن وأوقف أعمال الترجمة وقصر توزيع الوقائع على كبار رجال الدولة من الأتراك، ونفى رفاعة إلى السودان سنة 1267 هـ 1850 م
وهكذا عَبَس وجه الثقافة، وعُوِّقَ رفاعة عن مشروعه النهضوي الكبير، بيد أن رفاعة لم يعبس ولم يعاق، فواصل المشروع في منفاه، فترجم هناك مسرحية تليماك لفنلون، وجاهد للرجوع إلى الوطن وهو الأمرُ الذي تيسَّر بعد موت الخديوي عباس وولاية سعيد باشا، وكانت أربعة أعوام من النفي قد مرَّتْ.
عاد رفاعة بأنشط مما كان، فأنشأ مكاتب محو الأمية لنشر العلم بين الناس وعاود عمله في الترجمة (المعاصرة) ودفع مطبعة بولاق لنشر أمهات كتب التراث العربي (الأصالة).
قضى رفاعة فترةً حافلة أخرى من العمل الجامع بين الأصالة والمعاصرة حتى انتكس سعيد فأغلق المدارس وفصل رفاعة عن عمله سنة 1278 هـ / 1861.
يتولى الخديوي إسماعيل الحكم بعد وفاة سعيد، سنة 1280 هـ 1863 م فيعاود رفاعة العمل ويقضي العقد الأخير من عمره الحافل في نشاط مفعم بالأمل، فيشرف مرة أخرى وأخيرة على مكاتب التعليم، ويرأس إدارة الترجمة، ويصدر أول مجلة ثقافية في تاريخنا ‘رَوْضَةُ المَدَارِسِ’، ويكتب في التاريخ (أَنْوارُ تَوْفِيقِ الجَلِيل في أَخْبَارِ مِصْرَ وتَوْثِيقِ بني إِسْمَاعِيل)، وفي التربية والتعليم والتنشئة (مَبَاهِجُ الأَلْبَابِ المِصْرِيَّةِ في مَنَاهِج الآدَابِ العَصْرِيَّةِ)، (المُرْشِدُ الأَمِينِ للبَنَاتِ والبنَينِ)، وفي السيرة النبوية (نِهَايَةُ الإِيجَازِ في تَارِيخِ سَاكِنِ الحِجَازِ) ومن مؤلفاته أيضاً (القول السديد في الاجتهاد والتجديد) و(تعريب القانون المدني الفرنساوي) و(مغامرات تليماك) و(قلائد المفاخر) و(المعادن النافعة) والكثير من المؤلفات الأخرى. بعد أن أمضى رفاعة في الأزهر ست سنوات، جلس للتدريس فيه سنة 1821، وهو في الحادية والعشرين من عمره، والتف حوله الطلبة يتلقون عنه علوم المنطق والحديث والبلاغة والعروض، ثم ترك التدريس بعد عامين والتحق بالجيش المصري النظامي الذي أنشأه محمد علي إماماً وواعظاً لإحدى فرقه، واستفاد من هذه الفترة الدقة والنظام.
في سنة 1826 قررت الحكومة المصرية إيفاد بعثة علمية إلى فرنسا لدراسة العلوم والمعارف الإنسانية، وقرر محمد علي أن يصطحبهم ثلاثة من علماء الأزهر الشريف لإمامتهم في الصلاة ووعظهم وإرشادهم. وكان رفاعة الطهطاوي واحدا من هؤلاء الثلاثة، ورشحه لذلك شيخه حسن العطار. بدأ رفاعة في أثناء ذلك تعلم اللغة الفرنسية ولذلك قررت الحكومة المصرية ضم رفاعة إلى بعثتها التعليمية، وأن يتخصص في الترجمة، وقبل أن يتقدم رفاعة للامتحان النهائي كان قد أنجز ترجمة اثني عشر عملاً إلى العربية. لقد رضي محمد علي ومعظم أبنائه الولاة عن الشيخ رفاعة الطهطاوي فقد بلغت ثروته يوم وفاته 1600 فدان غير العقارات وهذه ثروته كما ذكرها علي مبارك باشا في خططه، وقد توفي’رفاعة الطهطاوي’سنة 1290 هـ/1873.
محمود قرني
عن موقع جريدة القدس العربي
صحيفة القدس العربي هي صحيفة لندنية تأسست عام 1989.
للمزيد :