مراجعة نقدية لتاريخ الأفكار الحداثية وما بعدها بقلم د.نبيل عبد الفتاح.
الخطاب النقدى حول دور الناقد الاكاديمى، فى تاريخ تطور الأفكار فى مصر والعالم العربى، لا يزال إلى حد ما، رهين الدرس التاريخى حول تطور الحركة النقدية المعاصرة، وبعض الأطروحات الجامعية حول بعض كبار النقاد، وبعضها يضع الناقد ضمن التطور التاريخى للنظريات والمدارس النقدية فى التقليد النظرى الغربى الوافد وتحولاته.
بعض الدراسات ركزت على أساتذة الأدب العربى، وبعضها الآخر درست بعض النقاد البارزين من خارج الدوائر الأكاديمية. لدورهم فى نقد الأجناس الأدبية من خلال المقاربة الانطباعية للنصوص، أو النقد الاجتماعى مع محمد مندور وتلامذته، ثم مع كتاب فى الثقافة المصرية لمحمود امين العالم، ومحمد أنيس. أو المدرسة النفسية مع أنور المعداوي، ودراسات الغنيمي هلال، أو الأدوار النقدية المهمة التى لعبها محمودالعالم ،وإبراهيم فتحى، وكتابات رجاء النقاش ، وعلي شلش ، فى عصر الصحف والمجلات الورقية. درس وضعية الناقد الأكاديمى المبدع تنظيرًا وتحليلًا للسرديات المصرية والعربية والعالمية فى إطار حركة الفكر المصرى، لا يزال دون المطلوب فى التعريف به، ودوره فى متابعة الإنتاج النظرى والتطبيقى المقارن والكونى الغربى، وغيره لأن الناقد المبدع هو القادر على استخلاص روح العمل الأدبى، عبر مقارباته التحليلية والتفكيكية من خلال إستراتيجيات التحليل والتفسير، ومطوعا للأطر النظرية الغربية، ومطبقا لها عبر أقلمتها مع الموروث اللغوى والأدبى، ومساراته، ومستخلصا عمق المشكل الإنسانى الوجودى، وشرطه، وخصوصياته، وتجاوزه للخاص البالغ المحلية، مستشرفا افاقه الانسانية التى تتجاوز حدود وتفاصيل المحلية.
النقد ابداع والنقاد بناة العالم
من هنا يبدو الناقد المبدع الصناّع، فريدًا فى عمله النقدى، ويتجاوز وظيفته الفنية واللغوية، ليغدو أحد بناة العالم، من خلال عمليات الهدم والتفكيك، والتفاصيل السردية. الناقد ليس وسيطًا بين المبدع الحقيقى، والقارئ، وإنما الناقد المبدع، يساهم فى تقويض، وهدم الأبنية النقدية، ويقطع معها نظريا وتطبيقيا، ويؤسس للأبنية الجديدة، وتخييلاتها، ولغتها، وفضاءاتها! هذا الدور البارز لعبه بعض النقاد الأكاديميين وغيرهم، الذين تجاوزوا الخطاب الأكاديمى المسيطر، ونسجوا عوالمهم النقدية على إبداعات الساردين والشعراء والمسرحيين الموهوبين كبارهم وشبابهم. من هنا كان بعض الأكاديميين في كليات الآداب روادًا فى عملهم المزدوج، فى الدرس الأكاديمى، والعمل النقدى التطبيقى المبدع. الأول: فى متابعة الفكر الغربي المقارن، والثانى: فى تمثله الخلاق وتطبيقه المبدع على الميراث الأدبى المختلف فى تاريخه الأدبى. الثالث: فى أقلمة هذا التنظير على نحو خلاق على الإنتاج الأدبى موضوع درسه التطبيقى، والنقدى. الرابع: إبداع تنظيراته المباشرة حول العمل السردى، والشعرى، والمسرحى. هذا الدور الخلاق للناقد الحصين والمبدع الصناع مارسه عديدون على قلتهم فى تاريخ النقد المصرى، والعربى داخل الحقل الأكاديمى، وخارجه. من بين هؤلاء النقاد بناة العالم من خلال عملهم، جابر عصفور، فى أعماله النظرية، والتطبيقية حول تراثنا الأدبى العربى، وتكوينه المتفرد فى المعرفة العميقة بخباياه، وجذوره، وإبداعيته من منظور نقدى، وكذلك الأمر بمعرفة اسرار اللغة العربية الفاتنة فى جمالياتها. عندما يعاد النظر فى خرائط البحث التاريخى والثقافى، والمعرفى لتطور نظم الأفكار، سيشمل نقاد الأدب الذين ساهموا بفعالية فى إغناء الفكر العربى المعاصر بالأفكار الجديدة، واللغة المختلفة والمقاربات المنهجية المتجددة والثقافة متعددة الروافد، وذات الطابع البيني لاسيما الفلسفة في تطوراتها الكبرى الي مابعد بعد الحداثة وفي ظل التحول إلي الثورة الصناعية الرابعة وقطعها المعرفي مع تاريخ الأفكار والنظريات والمعارف التاريخية للثورات المعرفية والصناعية مع الحداثة الي مابعد بعدها والثورات الصناعية الأولي والثانية والثالثة!. لاشك فى ان تاريخ الأفكار والمفكرين في عالمنا العربي ومصر ركز علي أدوار المفكرين الكبار ورجال الدين المجددين من أمثال محمد عبده والطهطاوي ومصطفي المراغي ومحمود شلتوت وخالد محمد خالد وعبد المتعال الصعيدي ومحمود بخيت ومحمد عبدالله دراز، ونسيان آخرين لعبوا دورا مهما في تطور الفكر الديني.
هناك أيضا من لعبوا دورا مهما تم الصمت حوله كنقاد ومفكرين من مثيل محمد النويهي وآخرين .
ثمة إغفال لدور المترجم في الثقافة العربية في بث الديناميكية داخلها منذ نهايات القرن التاسع عشر في عديد المجالات علي الرغم من ابتسارات بعضها وعدم دقة بعضها وخضوعها للمعجم العربي المترهل واحيانا للغة الأصولية والفقهية الدينية ومحاولة بعضهم تمرير الأفكار الأوروبية العلمانية من خلالها إلي العقل العربي من خلال نظام اللغة الديني والفقهي الوضعي. في مجال الفلسفة وعلم الاجتماع والنفس برزت أهمية المترجمين في رفد الفكر المصري بروافد نظرية وتحليلية بالغة الأهمية في إغناء الثقافة والوعي العلمي والاجتماعي المصري. في مجال الترجمات الأدبية الرصينة والجميلة رغم ابتسارات بعضها في الرواية والقصة القصيرة والمسرح التي أدت الي تأثر بعض المبدعين بالعوالم الروائية والقصصية ومحاولة استلهامها في الكتابات الأولي لهم والتي مثلت تمرينات في الكتابة القصصية والروائية ، ومهدت لظهور عميد الرواية العربية نجيب محفوظ .
د.نبيل عبد الفتاح
د.نبيل عبد الفتاح . كاتب ومفكر مصري
عن جريد ” الأهرام ” بتاريخ 7 إبريل 2022
لباب ( مختارات سيتنا إيزيس )