مصر الى أين ؟ تأملات في بلد وعصر بقلم يسري حسين
خلال مرحلة الجفاف والتجريف الحضاري التي حاصرت مصر منذ عصر الرئيس المؤمن ،خلال تلك المرحلة السوداء ،التي لازالت تعاند بالبقاء والهيمنة ، ،سيطرت ثقافة الجهل والمنع والتخويف ،لهدف واحد هو قهر المجتمع خصوصا المرأة ،وخلال هجوم الإخوان على قصر الأتحادية في زمن مرسي الشرير ،تجرأ إخواني على المناضلة المصرية شاهندة مقلد وصفعها بالقلم .
تلك الصفعة، لم تكن لوجه شاهندة ،المجاهدة المصرية ،وإنما للحركة النسائية المصرية التي لمعت فيها أسماء مناضلات من هدى الشعراوي لجيل شوقية الكردي وأروى صالح وسهام صبري ،وتصديهن لحكم السادات الخائن ،الذي سًلم مصر للتيار الديني المتخلف ،ليرهق الحركة الوطنية كلها ويفكك المصانع ويعطي قيادة الوطن للسماسرة وأنصار التطبيع مع العدو.
محسنة توفيق، من رموز الحركة الوطنية تشبعت بدور الفنان المدافع عن الوعى والتقدم ،وكان عقابها السجن ،لكنها لم تهن وظلت ترفع أسم مصر الحرة عاليا ،وقد أختارها يوسف شاهين بذكاء في فيلم ( العصفور) وهي تقود الجماهير ،الرافضة للنكسة والمصًرة على المقاومة والحرب ورفض الخضوع.
اختيار شاهين لمحسنة توفيق، له دلالة رمزية ،اذ ذاقت قسوة المعتقلات والمطاردة ،لكن الوطنيين يرفعون راية الوطن وهو يواجه العدو ،ولا ينظرون للخلف ،فعندما يكون الوطن في خطر تتراجع كل الآلام الشخصية.
يضم تاريخ الجهاد المصري من اجل الحرية ووطن مستقل عشرات الأسماء التي اعتقلت وشاهدت قسوة أنظمة البطش والأستبداد ،ولم تنجب سوى الهزيمة ،ثم منحت الوطن هدية لأكثر التيارات تخلُّفا وإنغلاقا ،أعني ( الأخوان المسلمون) الذي فتح لهم السادات الدولة والصحافة ،
وقام نظامه بتصفية الصحافة والإعلام ،فكانت النتيجة ، ترويج الجدل والخرافة وتكوين لجيل لا يعرف تاريخه ويلهث وراء معرفة مدمرة ،روجت للكراهية والتخلف ،وروجت لحجاب المرأة المصرية التي كانت مثال للرقي والذوق والأناقة منذ بداية القرن الماضي.
الربة إيزيس أم المصريين
منح برنامج تلفزيوني مساحة ل( شهيرة) زوجة محمود ياسين فنطقت تخلُّفا ،وعبرت عن اضطراب لحق بمصر منذ العصر الساداتي الكريه.
ظهرت ( شهيرة ) وهي محجبة وتحدثنا عن الدين والهداية ،وتكشف المذيعة التي كانت ضمن مجموعتها ،التي تحرض على الحجاب واعتزال الفن ،كشفت المذيعة أن الممثلة المعتزلة كان لها دورها في أقناع ممثلات مثل شادية وسهير رمزي بالأعتزال.
ترددت شائعات عن أن حملة الضغط لأعتزال فنانات كان خلفها تمويل ،لأبعاد مصر عن وهج الفن الذي منحها تأثيرها وتألقها.
شهيرة ،وقفت وراء اعتزال سهير رمزي وفنانات آخريات ،والآن تتحدث عن عودتها للتمثيل ،من يريد عودتها ؟ لا احداذلم تترك حتى مشهد واحد يشًر لموهبة أو حب للفن
كشفت في اللقاءأن شيخا مما يفكون الأعمال السفلية ،خلصًها من عمل دبرته زميله لها ،اذ كانت لا تستطيع وضع مساحيق التجميل على وجهها.
ما هذا الأيمان الذي يعتقد بالسحر والبدع والأعمال الخفية؟ أنها ثقافة الدجل التي تم تمريرها ولم يقاومها العلم الذي أخذ إجازة في زمن عمرو خالد وزغلول النجار وعبد الكافي ووجدي غنيم.
تحتاج مصر التخلص من هذا الإرث كله ،الذي قاد البلاد لكارثة اذ خلط التقوى بالدجل والعلم بالفهلوة على طريقة مصطفى محمود ونظريته عن العلم والإيمان.
وقد ارادت المذيعة تصحيح حلقةشهيرة ،فجاءت إيناس الدغيدي ،المستفزة لأهل السلف ،ودعاة القبح ،الذين يرعبهم الجمال ،لأنهم يدعون ليل نهار للظلام والكراهية.
الدغيدي تتحدث بصراحة لأنها امرأة قوية ،وقوتها تعود لفهمها ونجاحها في عملها ،فهي مخرجة ومنتجة وتمرنت في معاهد السينما المصرية وواعية بوضع المرأة التي تعاني المهانة في عصر سيطرة عمرو خالد ،الذي نظرت لصورته بأشمئزاز ،وكادت تبصق عليه ،لما ارتكبه في حق نساء مصر ،اذ أقنعهم بدخول كهف الظلام ،بعد أن كانت الحركة النسائية تفرز محسنة توفيق وشاهندة مقلد وجهادهن ضد الأستعمار والأستبداد والفساد.
تقول الدغيدي ،أن كرامة المرأة في عملها وعلمها ،وتفضل الموت ولا ترتدي الحجاب ،لأن ارتداء هذا الزِّي لا علاقة له بالإسلام ،وإنما بحضارات قبائلية ،سادت فيها الغزوات والأستيلاء على النساء ،فكانت القبائل تضع النساء في المؤخرة ويضعن النقاب الأسود لأخفاء أنفسهن عن الغزاة.
مصر، دولة مختلفة ،لكنها انهزمت ،ليس أمام إسرائيل ،وإنما على يد جماعة الإخوان التي فرضت لباسها غير المصري على المصريين ،فخضع لها المجتمع بعد أقصاء المثقفين والمتعلمين
الخروج من هذا ألنفق يحتاج موجة شجاعة لا تخاف من إرهاب السلفيين ،الذي يقف ممثلهم في البرلمان لدعوة اختان البنات ،وهو اجراء همجي ضد القانون.
الخنوع أمام السلفيين يعمق من انكسار المجتمع ،وشجاعة إيناس الدغيدي تدفعنا للوقوف بجانب دعوتها ،ورفض إهانة المرأة المصرية التي عبرت عنها محسنة توفيق برفعها على الوطن وهو منكسر ،و تؤكد على روح مصر التي جسًدتها الأساطير في ازيزيس وحكايتها المثيرة عن البقاء والتحدي وليس الخنوع والتخفي.
الجمهور ،الذي يحتاج دفعة ثقة وأمل ،لا يحتاج لسماع امرأة منقرضة مثل ( شهيرة ) وإنما لآراء شجاعة للدكتور خالد منتصر وإيناس الدغيدي الذي هددها السلفيون أنصار الظلام ، بالقتل وظهرت تتحداهم ،كما تحدت محسنة توفيق العدو ،وقالت في فيلم يوسف شاهين ،ومصر مهزومة في معركة عسكرية ،حنحارب ولن نستسلم.
يسري حسين
يسري حسين كاتب وباحث سياسي مصري مقيم في لندن.المملكة المتحدة