مع نهاية رمضان يكرم المرء أو يهان. تقييم نقدي بقلم مجدي الطيب
* الأعمال التي أيقظت الوعي وواجهت «أهل الشر» احتلت المراكز الأولى في السباق الدرامي الرمضاني
* «الإختيار 2» رفع شعار «كي لا ننسى» وأن مقولة «عفا الله عما سلف» لا تُجدي مع السفاحين والقتلة باسم الدين !
.. وانتهت «حرب تكسير العظام الدرامية»، ولم يعد هناك من الوقت، ما يسمح بالتعويض، بعد أن جرى وضع النقاط فوق الحروف، واحتل كل مسلسل المركز الذي يرى أنه يليق به، وبذل من الجهد ما يؤهله لاحتلاله، وجاء الجمهور ليُرجح كفته، أو يُقصيه إلى المكان الذي يؤمن أنه يستحقه !
لا جدال أن المنافسة كانت شرسة للغاية؛ بعد ما احتدم الصراع بشكل مُبكر، نتيجة تواجد عدد كبير من النجوم في حلبة السباق؛ على رأسهم : يحيى الفخراني في «نجيب زاهي زركش»، يسرا في «حرب أهلية»، أحمد السقا في «نسل الأغراب»، محمد رمضان في «موسى»، منى زكي في «لعبة نيوتن»، أحمد عز وهند صبري في «هجمة مرتدة»، يوسف الشريف في «كوفيد 25»، نيللي كريم في «ضد الكسر»، كريم عبد العزيز وأحمد مكي في «الاختيار 2 : رجال الظل»، عمرو سعد ومصطفى شعبان في «ملوك الجدعنة»، طارق لطفي، خالد الصاوي وفتحي عبد الوهاب في «القاهرة : كابول»، ياسمين عبد العزيز في «اللي مالوش كبير» وغادة عبد الرازق في «لحم غزال». لكن ما ينبغي التوقف عنده أن المنافسة اتسمت بالإثارة؛ لأنها لم تكن مقصورة على هؤلاء النجوم، وإنما اتسعت لتضم أجيالاً أخرى مثل : ياسر جلال في «ضل راجل»، جمال سليمان في «الطاووس»، هاني سلامة في «بين السما والأرض»، روجينا في «بنت السلطان»، أمينة خليل في «خلي بالك من زيزي»، زينة في «كله بالحب»، ريهام حجاج في «وكل ما نفترق»، دينا الشربيني في «قصر النيل»، صبري فواز، رانيا فريد شوقي ووفاء صادق في «ولاد ناس»، واثنين من المطربين هما : حمادة هلال في «المداح»، ومصطفى قمر في «فارس بلا جواز» وكوميديان هو علي ربيع في «أحسن أب».
لم تكن محسومة
ربما خُيل للبعض أن وجود النجوم وحده يكفي لحسم السباق منذ اللحظة الأولى، لكن ما حدث، على أرض الواقع، كان مُغايراً، بل نقيضاً لهذا التخيل؛ فباستثناء محمد رمضان، كريم عبد العزيز، احمد مكي، منى زكي، طارق لطفي، خالد الصاوي، فتحي عبد الوهاب، نيللي كريم وياسمين عبد العزيز، ومفاجأة حمادة هلال، عانى النجوم الكبار : يسرا، يحيي الفخراني، أحمد السقا، مصطفى شعبان، عمرو سعد، ياسر جلال، أحمد عز، هند صبري ومصطفى قمر من الحفاظ على مكانتهم، وثقة جمهورهم، وفي حين تصدر مسلسل «الاختيار 2 : رجال الظل»، القمة، منذ انطلاق السباق، ولم يتخل عنها طوال الشهر الفضيل، ظلت حلقات «لعبة نيوتن»، تُزاحم على احتلال المركز الأول، باستثناء أيام محدودة احتل فيها مسلسلا «القاهرة : كابول» و«موسى»، المركز الأول، وخاب أمل الجمهور في «نسل الأغراب»، «كوفيد 25» و«ملوك الجدعنة»، وسعت مسلسلات : «نجيب زاهي زركش»، «حرب أهلية»، «ضد الكسر»، «قصر النيل» و«هجمة مرتدة»، حتى اللحظة الأخيرة، لاستعادة الثقة، بينما لم تحظ مسلسلات : «وكل ما نفترق»، «كله بالحب»،«لحم غزال»، «ضل راجل» «بنت السلطان»، و«ولاد الناس» بالالتفاف الجماهيري المتوقع، في حين، وعلى غير توقع، حظيت مسلسلات : «الطاووس»، «خلي بالك من زيزي»، «النمر»، «المداح» و«اللي مالوش كبير» بشغف جماهيري، وترقب يومي .
ما يمكن قوله إن «الإختيار 2 : رجال الظل»، كتابة هاني سرحان، وبطولة كريم عبد العزيز وأحمد مكي، وحشد من نجوم مصر، تصدر السباق، من دون منازع، ليس فقط لأن مخرجه بيتر ميمي اكتسب خبرة كبيرة من «الإختيار»، في جزئه الأول، بل لأن النضج كان كبيراً، سواء على صعيد الحس الإنساني، أو الحدس الفني؛ الذي مزج فيه المخرج، ببراعة، بين اللونين الوثائقي والدرامي؛ بحيث صار من الصعب على المتابع التفريق بين التمثيل، والتوثيق، كما نجح المسلسل في تعبئة الجمهور، ومساعدته، بالحقائق والمصداقية والوثائق الدامغة، في فضح القتلة والسفاحين، المتدثرين تحت عباءة الدين، وكأنه يهتف : «كي لا ننسى»، فما رأيناه، وذكرنا به المسلسل، من وقائع حية، وشهادات موثقة، يدفعنا للثأر لشهدائنا، ومهما طال الزمن، لابد أن نُدرك أن ما فعلوه بنا لا يُجدي معه صُلح أو تسامح أو غفران، من منطلق «عفا الله عما سلف»، وإلا نكون قد شاركنا في اغتيال شهدائنا مرتين؛ فلابد من الاستمرار في فضحهم، وكشف زيفهم، ودمويتهم، وهي النقطة التي التقى فيها «الإختيار 2 : رجال الظل» مع مسلسل «لعبة نيوتن»، الذي كتب له المعالجة الدرامية، وأخرجه تامر محسن، بينما صاغت السيناريو وأشرفت على الكتابة مها الوزير، وورشة سيناريو وحوار ضمت : سمر عبد الناصر، محمد الشخيبي وعمار صبري؛ فالمسلسل فضح، وعرى، بلغة فنية مُرهفة، ورؤية فكرية رصينة، شخصية لزجة، ثعبانية، تقطر بالخبث والخسة، وتتاجر بالدين بكلام معسول، يخالجه شعور أن من السهل عليه إقناعك، باسم الدين، بينما ينتابك يقين أنه مُخادع، مُزعج، كاذب، ومُضلل، كمئات الدعاة «الكاجوال»، الذين أبتلينا بهم، في السنوات الأخيرة. أما أهم ما تبناه مسلسل «لعبة نيوتن» أنه نجح في التحذير من خطورة الطلاق الشفهي، الذي يُدافع عنه البعض لمآرب خاصة، وكأن «كلنا هذا المؤنس» اللزج !
وتكتمل قائمة الأعمال الجريئة، التي احتلت المراكز الثلاثة الأولى، في معركة إيقاظ الوعي، ومواجهة «أهل الشر»،، بمسلسل «القاهرة كابول»، الذي نجح في أن يحجز له مكاناً في السباق الدرامي الرمضانية، من حلقته الأولى التي كرست مبدأ المكاشفة، والمواجهة، بين الأفكار، ووضعتنا أمام صورة إنسانية، وواقعية، خلابة، للأصدقاء الأربعة : «رمزي»، الإرهابي، «عادل»، عميد الأمن الوطني، «طارق» الإعلامي و«خالد» المخرج المغدور به؛ فالتمهيد كان ساحراً، بالدرجة التي تجعلك تؤمن، مع توالي الحلقات، أن كل ما تراه تنويعة على لحن الحوار الرباعي !
في «القاهرة كابول»،كما «الاختيار 2» و«لعبة نيوتن»، لا تملك سوى أن تكره، من قلبك، هذه النوعية من البشر، التي لا ترى فيها سوى «حثالة» بل «نفاية»، يأكل الجهل عقولها، والحقد قلوبها، ويحركها الغل والكراهية حيال مجتمع هو بالنسبة لها «طائفة كافرة» .. وكأنهم الأوصياء، الذن نصبوا أنفسهم «نواباً للرب»، وورثة للأنبياء والرسل، بينما الدين منهم براء !
مجدي الطيب
مجدي الطيب كاتب وناقد سينمائي مصري مقيم في القاهرة
عن جريدة ” القاهرة ” الصادرة بتاريخ 11 مايو 2021 لباب ” مختارات سينما إيزيس “