الفنانةعزة أبو السعود: حواربين براءة وبهجة الألوان وحلكة الظلام. قراءة في الفن التشكيلي المصري المعاصر بقلم فكري عيّاد
حوار بين بهجة وبراءة الألوان، وحلكة فَحِيم الظلام حولها.” كلمات تدفقتْ سائرة مع رحلة الفنانة التشكيلية “د. عزّة أبو السعود ” رحلة في أدْراجِ مسيرة العمرِ.
د.عزة أبو السعود
رَقَشَت أولى خطواتِها في براءَة طفولَتِها. نَقَّطَت في سجيَّة حالِمة.. خَطّ..رَسَمَ.. من وعي بصيرتها. مرآه تعكس غَرَام الرسم في كُرَاسَتِها. وجدانِهاشَغَفٌ يسيل في صَبَابَة، من عبقِ محبرتِها. نَمَّقَت زَخرَفَتْ ما تراه في نغمات أوتارٍ وخطوط. تنسج أحلامِها في تَحَيُّر ودَهْشَة وذُهُول العيون. ما أجملها من رَوْعَة.. دَوَّنَتها في لهفة في اولى خطواتِها. تدفقتْ وَنَبَتَتْ سائرة معها في أدْراجِ العمرِ. تُجَسِدها في حبكة وبراعة أنفاس مخيِلَتِها. نَمَّقَت دَبَّجَت..رَسمت.. دَوَّنَ أن تدري. وَكَأنَّ دَبِيب وَحَبْوُة شَغَف وعشق الفنون. في صَدْرِها يناديها منذ الصِغَرِ.
أمسكت بتلالِيب الخطوط.. وغزلت بمهارة ثياب اعمالِها. تُخَاطِبها تُحَاورِها،في حنايا ظِلَالِها. تناقشها.. في جُرْأَة وَحَمَاسَة، لا مثيل لها. ترَشّفَت وإسْتَنْشَقَت، من عمق روَّاد أسماء أساتذة حولها. في هَوًى وَهُيَام وَوَجْدٍ وَعِشْقِ. “خطوط” وَإيحاءات تكويناتها. من كل بستان قطفتِها ونَسَجَتِها. لملمت سحر الحروف، جدائل مُحْكَمُة. و جمعتها في باقة الإبداع.
في مشوار مسيرتها. أمسكت أناملها بمجداف الرِياح. ولا تنتظر أو تنظر إلى أين تجري أنفاسِها . مشاعرها تُرَفْرِف حولها، مُرهَفه تحمل فَوْرَة خيالِها. وشفقُ غرامِها في رشاقة النخيل. داعبته وتسلقت ضِلُوعه. وعلى أغصانِه الشاهقة،ألقت شباكِها.
تتطلع إلى النجوم، والضحى والغيوم، وشجار ومُشاكَسَة الأبيض والأسود،. والظلال مُصَالَحَة حائرة بينهما. الطيور تُلَاحِقَها تداعب بريشها ريشَتِها . الفنانة “عزَّة ” في أَصَالَة وشكِيمَة ومَكَانَة. تمسك عصا المايسترو لتعزف سيمفونية مُتَألِقَة. وصوت الأبواق ترتل معها مُتَعَجِبة. نبضات اعمالِها، تَتَمَايل وتتراقص وتصيح. يا خطوطِي.. ياوحي التراث … يا تاريخ..
أنا في ربوعِ بلادي عاشِقة. بهاء أمجادِها مُقْمِرٌ وَمُنيرٌ بَرَّاقٌ في فكر باطِني. وذكريات فرشاتي في حواريها هائِمة. يا فلسفة يا ألواني المُتَعَطِشَة. يا قلق المعرفه.!! أنا في هواكم تَجَمَعَتْ وتَأَجَّجَتْ وتَلأْلأَت، ملفات فَنِّي وحكاياتي.
انا لست أبيع “الخطوط” في أسواقِ الزخرفه. أنا مُبْتَغى فِكْرَة. وَطَوِيَّة رحلة مَدِيدة. من مِدَادِ وحي أفكاري. أتجول وَأتَشَوَّق وَأتَطَلَّع في مرايا عُمري. وأنين رُوحي وشغف أحلامي. أبحث عن بريق، وطريق المعرفة. أطرحَهُ في أرْوِقَة أوراقي في غريزية عفوية. وإغفاءَة رُؤْيَة فنيَّة، لا إرادية. ولا أدري من أين تأتي. أشاهدها مثل جنين” فكرة”. يحبو أولى خطواته. ويمسِكُ مَلاَمِسُ نقطة تبحث عن بريق رَمَقْ خط أو دائرة. أنفاسَهُ حيَّة من سِجَال ومُجَادَلَة. مُحَاوَرَة ونِقَاش في غمضةِ عيني. بريقها “خطوط ” مُبْهِجَة. تزهو خارج رحم الأمنيَّة. تمرح في إنطلاقة ومُوَافَقَة. مُنَاقَشَة وحوار بين بهجة “الألوان” وحلكة فَحِيم وسوَاد الظلام حولها. وكأنَّ “البهجة” تشتكي..! من وَقِيعَة الأبيض مع غَطْرَسَة الأسود. تتراقص مُسْتَتِرة خفيَّة. زخارف ربيعيّة على أغصان نَدِيَّة. ودلال في رشاقة حسناواتِها. وجنات ناعمة، ،وسيقان ملساء، وعيون ناعسة. والصبايا أَنفاسًها مازالت خَائِفة.! من غدرِ شِدَّة دُجُنَّة “خطوط” متعرِجَة. سوداء تعاتب بيضاء متداخِلَة. تحيط بَهِيٌّ أنفاسِها مشاكِسة. كأنها طَحَالِب عنكوبتية. من دوامَة تَوَعُّك الأيام حول خَصْرِها. ألوان رَسَمَها تَعَافت من أطرَاحِها. قاومت وتَصَدَّت وتَمَرَّدَت على حُزنِها. ثَبَتَتْ أعوادِها مرحة ومُزْهِرَة…في سحرِ هوَاها عابثة. ألوان.. تزيل عتمة وظُلْمَة وَسُعار الأيام من حولِها. قارَعَت نفحة وسوداوية إفعوان ناوَشَ جسدِها. ألوان الأمل والتفاؤل..
أمْنِيَّة وردِيَة فنيَّة مُزَهْزَهَة.. بَرَّاقَة مُزَرْكَشَة مُتَلأْلِئة. مُضِيئة قمرية صافٍية. نثرت جواهِرِها وَزخارِفها. وتناسقت في أروقَةِ الحياة مُتألِفَة. أحلام وَمُبْتَغًى فنانة تشكيلية، من براءةِ طفولتِها. مازالت تُصَاحب فكر أعمالِها. مُتلائِمَةٌ متجانسة. أو خصومة وَتَحَالُّف. أو مُشَادَّة تحاول مُصَالَحَةٌ الوُدٌّ والألفَةٌ. وأحياناً سطوة قدرٍ مُخالِفًا ومُعاكِسًا. دائرة أفكار سِجَال وَجِدَال المعرفة..! تحالف مُرَاوِغ وَتَباغُض. الأبيض في ثياب الشفافية يُجَابِه عَصِيَ وَتَمَرَّد الأسود. والألوان تائهة، في نزق ورُعُونَة وسَفَاهَة دُنْيا عابثة.. ريشة متحفزة جمعت كل بهاء الرَّبيع في أورَاقِها. “خطوط”.. من حروف الهجاء، حفرت معالِمها. إِنْسِجَامٌ وتآلُفٌ، من عبق الأرض الطيبة. جَلَسَت رِيشتِها في الطرقات، تؤانس فكر أهلِها. وتحكي للطيور في العلياء سرِها. خطوط.. رشيقة القوام دائرية مُلتوية مُتداخلة. قصصية من ليالي الأحلام في الوجدان ذائِبة.. رَسَمَت الخيال في لحظه إلهام عابِرة. . .”فتياتِها”..كأنَّهُنّ، عَرُوس تنتظر يوم عُرْسِها. تَجَمَعنّ من أزهارِ زُهْرية نادرة لامثيل لها. رسومات خطواتِها على سَجِيَتِها. جريئَة عَطِرَةُ الرَّائِحَةِ. “الحلم”..ما أَجْمَلهُ وَأَوْسَمهُ من حلم..! مازال إِدْرَاكَه حيويّة يَقِظَة. في أنامل وَمَكَانَة الفنانة التشكيلية “عزَّة ” مُنطَلِقاً متَنَزِّهاّ في شُمُوخٍ سائِراً.. وَطَيْفُ الخيال فوق أغصانِ النخيل . في ليالِيها مُتَهَجِداً ساهراً.
فكري عياد
فكري عيّاد باحث وفنان تشكيلي مصري مقيم في لندن.المملكة المتحدة