السينما والرواية.”شمس” مصر تشرق على لاروشيل. بقلم صلاح هاشم



admin شخصيات ومذاهب, نزهة الناقد 0
سينما إيزيس أهم موقع سينمائي عربي للمحترفين على شبكة الإنترنت ؟
سينما إيزيس موقع سينمائي تأسس في باريس .فرنسا عام 2005 ويعني بـ ” فكر ” السينما المعاصرة وفنون الصورة، ” ويطرح ” رؤية ” للثقافة والحياة .
المؤسس ورئيس التحرير الناقد المصري صلاح هاشم المقيم في باريس.فرنسا
5 مقالات على القمة بتاريخ السبت 27 أغسطس 2022
تبين من مراجعة” الإحصائيات” لموقع (سينما إيزيس) في الساعة 12.47 اليوم مايلي :
* عدد زوار الموقع ،حتى الساعة المذكورة اليوم 56 زائز – عدد الزيارات للصفحات في الموقع 492 صفحة.
* عدد زوار الموقع بالأمس الجمعة26 أغسطس : 115 زائز. عدد الزيارات : 306 صفحة
سينما إيزيس أهم موقع سينمائي عربي على شبكة الإنترنت ؟
**
5 مقالات علي القمة
وتبين من مراجعة قائمة ” المقالات الأكثر زيارة” اليوم ( أي منذ تأسيس الموقع الجديد ” سينما إيزيس ” الجديدة، في ديسمبر 2019 وحتى اليوم ) الخمس مقالات التالية :
1- فيلليني يسافر الى مصر. صورة عن قرب بقلم صلاح هاشم
2- مراجعة نقدية لتاريخ الأفكار الحداثية وما بعدها بقلم د.نبيل عبد الفتاح
3 – عن الطاقة الروحانية ، بقوة الضوء، التي تمنحنا لنا السينما بقلم صلاح هاشم
4 – فيلم ” رأس السنة ” تعيش كل طايفة من التانية خايفة بقلم مجدي الطيب
5 – سحر السينما المصرية الخفي في فيلم مصري.فرنسي بقلم ولاء عبد الفتاح
صلاح هاشم
المؤسس ورئيس تحرير موقع ( سينما إيزيس ) الجديدة
عنوان الموقع
www.newcinemaisis.com
admin اصدارات كتب, شخصيات ومذاهب 0
الكاتب والناقد صلاح هاشم
كان يا ما كان في حكم ذاكرة الأحياء وتاريخ المكان
السينما الفرنسية: تخليص الابريز في سينما باريز” لصلاح هاشم
استكشاف للمشهد السينمائي الفرنسي، وتعريف باضافاته وفضائله
صدر حديثا للكاتب والناقد السينمائي المصري الزميل صلاح هاشم المقيم في باريس، كتاب جديد بعنوان ” السينما الفرنسية.تخليص الابريز في سينما باريز “، عن العلاقات الثقافية الخارجية، بوزارة الثقافة في مصر، ويقع الكتاب في240 صفحة من القطع المتوسط،ويقدم بانوراما عريضة ،للمشهد السينمائي في فرنسا، بافلامه ومهرجاناته، واحداثه واجوائه وظواهره، ويضم مجموعة كبيرة من المقالات والدراسات،، التي كتبها صلاح هاشم عن السينما الفرنسية، من واقع معايشته لها في باريس. فرنسا، محل عمله واقامته
،
جان لوك جودار
وذلك علي طريقة وباسلوب، رائد التنوير في مصر ، الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي، ومؤلفه الكبير ” تخليص الابريز في تلخيص باريز” ،الذي صدر عام 1834 من مطبعة بولاق في القاهرة. اذ يقدم صلاح هاشم في كتابه، استكشافا للسينما الفرنسية، واضافاتها الي التراث السينمائي العالمي، كما فعل الطهطاوي، حين حضر مع اول بعثة مصرية تعليمية، ارسلها محمد علي الي فرنسا،في اواخر القرن 18،فراح يكتب عن مشاهداته، ويقارن بين مايحدث في فرنسا، ومايحدث في مصر، ويطالب المصريين، بالانفتاح علي الآخر، والاخذ باسباب رقيه ونهضته،
وهكذا فعل صلاح هاشم في مؤلفه، فكتب عن السينما الفرنسية، التي عاش فيها وخارجها، وبين ماذا تستطيع السينما العربية ان تكتسب، كتجارب وخبرات، من هذه الافلام الفرنسية الفنية المتميزة، التي تحترم عقل المتفرج – عكس السينما التجارية الامريكية بعنفها وخزعبلاتها ودمويتها للتسلية والترفيه- و تدفع بنا الي التأمل والتفكير واعمال الذهن، وتصبح اداة، لرفع مستوي وعينا، وادراكنا بمشكلات وحياة مجتمعاتنا،
و لذلك ينحاز المؤلف، كما انحاز الطهطاوي الي تقاليد ومظاهر رقي وحضارة بعينها في المجتمع الفرنسي ،الذي اختلط بأهله، ينحازصلاح هاشم في كتابه الي افلام فرنسية بعينها، مثل افلام الواقعية الشاعرية القديمة، كما في افلام جان رينوار، وافلام موريس بيالا الجديدة، التي تصدمك بواقعيتها، والافلام التي تجعل السينما (أداة تفكير) في مشاكل عصرنا، وتناقضات مجتمعاتنا الانسانية، كما في افلام المفكر والمخرج السينمائي الفرنسي الكبير جان لوك جودار،
كما ينحاز هاشم الي سينما الموجة الجديدة ،في فترة الخمسينيات، ويعلي من قيمة الفضول المعرفي لدي الفرنسيين، الذي يجعلهم في فرنسا، وطن السينما، يحبون ان تكون افلامهم مثيرة للجدل، ويدفعهم الي الاقبال علي مشاهدة افلام السينمات العالمية الاخري، ومن ثم يتحمسون لجديدها، في الصين وايران وكوريا وتونس والمغرب والبرازيل وغيرها، كشاهد علي حضارة، وكتعبير عن ثقافة وهوية، في مرآة السينما، ويفتحون لها ابواب التوزيع علي مصراعيها ،في فرنسا.
كمايضم الكتاب مجموعة من الحوارات ،التي اجراها المؤلف مع علامات شامخة من مشاهير السينمائيين الفرنسيين، من امثال الناقد الفرنسي الكبير جان ميتري شيخ النقاد السينمائيين في فرنسا، والمخرج بول جريمو صاحب فيلم( الملك والطائر) اول فيلم فرنسي طويل بالرسوم المتحركة، و المخرج الفرنسي من أصل يوناني كوستا جافراس ،مخرج ” هانا ك”، و المخرج جاك دومي صاحب الافلام الموسيقية مثل ” مظلات شيربروغ “، لخلق اساطير عصرية، وغيرهم،
ويعرج هاشم في كتابه علي افلام السينما العربية، التي حققت نجاحا، حين خرجت للعرض ،في الصالات التجارية الفرنسية، مثل فيلم ” يد الهية ” للفلسطيني ايليا سليمان، وفيلم و” بغداد اون- أوف ” للعراقي سعد سلمان، و فيلم “في انتظار السعادة” للموريتاني عبد الرحمن سيساكو، ويشرح هاشم لماذا اقبل الجمهور الفرنسي علي هذه الافلام، واعجب بها، وحصدت الجوائز في العديد من المهرجانات الفرنسية، ويتحمس هو ايضا لها،
ثم يروح يشرح، لماذا تحتفي فرنسا بالعديد من السينمائيين العرب، من امثال صلاح ابو سيف، ويوسف شاهين، وفاتن حمامة، وسامية جمال، وغيرهم في مهرجاناتها واحتفالاتها السينمائية، في ” لاروشيل ” و” نانت ” و” مونبلييه “، ويتساءل في كتابه، لماذا تعرض (كنوز مصر الخفية) في اعمال المخرجين التسجيليين الكبار ،من امثال عبد القادر التلمساني، وهاشم النحاس ،وعلي الغزولي، وغيرهم، لماذا تعرض في فرنسا،وخارج البلاد في المهرجانات الدولية، ولاتعرض في التلفزيون المصري، ويحرم الجمهور ،من مشاهدة نلك (الكنوز) السينمائية، التي تظل حبيسة العلب، في مخازن التلفزيون، حتي تفسد ؟
إصلاح السينما المصرية يبدأ من عند تأسيس ” السينماتيك ” دار الأفلام
كما يتساءل هاشم في مكان آخر من الكتاب، لماذا توجد دار الافلام ” السينماتيك ” في فرنسا مثلا، ولاتوجد في مصر، ويكتب عن اهمية تأسيس ارشيف للافلام المصرية، ليحافظ علي تاريخها ،وذاكرتها، ويعتبر ان تأسيس مثل هذه الدار، التي لايقتصر عملها علي حفظ الافلام من التلف وترميمها فحسب، بل يمتد الي عرض الافلام، ونشر الثقافة السينمائية، عن طريق الاصدارات والمطبوعات، وتنظيم الاسابيع والمهرجانات واللقاءات السينمائية،
ينبغي ان تكون مشروعا وقضية قومية، لابديل ولاغني عنه،وذلك قبل التفكير في أي عمل آخر، للنهوض بصناعة السينما في مصر، واعادة الاعتبارمن جديد الي روائع افلام السينما المصرية، بالابيض والاسود، التي صارت الآن للأسف بحوزة اسرائيل، وبعض رجال الاعمال من الاثرياء العرب، الذين اشتروا باموالهم التراث السينمائي المصري، او معظمه، وتركوا للجان السينما المصرية المتعاقبة،، تبحث من دون جدوي، عن اساليب للخروج ،بالفيلم المصري ،من النفق المظلم الذي صار اليه،
في حين يصرف ببذخ في مصر علي الاحتفالات، ولايجد المرء فيلما واحدا حديثا، صالحا لتمثيل مصر في المهرجانات السينمائية، ان داخل البلاد، او في الخارج. وكان مهرجان الاسكندرية السينمائي، عقد ندوة في دورته العشرين المنصرمة بعنوان ” البحث عن فيلم مصري ” لبحث هذه المشكلة، التي صارت تجلب وجع الدماغ، للمهرجانات السينمائيةالمصرية والعربية، بعدما فقدت السينما المصرية ريادتها، وكادت تصبح في خبر كان.
ويهدي المؤلف كتابه و”سندبادياته” في السينما الفرنسية، يهديها الي ” هنري لانجوا ” HENRI LANGLOIS مؤسس السينماتيك الفرنسي، والي ذكريات سينما ” ايزيس ” CINEMA ISIS في شارع مراسينا ،في حي السيدة زينب بالقاهرة، التي كانت اول دار عرض ،يشاهد فيها هاشم افلام السينما الامريكية في الخمسينيات، ثم تحولت بعد الانفتاح الاقتصادي، في فترة الثمانينيات، الي انقاض،
كما يهدي كتابه، الي زمن الستينيات السينمائي الجميل في مصر÷ الذي عايشه هاشم قبل سفره الي الخارج، وقد ذهب على مايبدو زمن السينما الجميل، و انقضي الي الابد،
لكنه لايفقد الامل، في ان” تعيد الينا سينما الغد، ذكريات تلك الايام الجميلة، التي مضت، والايام القادمات، التي سوف تكون حتما، كما يقول الشاعر التركي العظيم ناظم حكمت، أكثر جمالا ورونقا “
والمعروف ان صلاح هاشم ،الذي مازال يمارس “سندبادياته” السينمائية من موقع عمله واقامته في باريس، عرف في مصر ،كأحد أبرز كتاب القصة القصيرة في مصر في فترة الستينيات، وصدرت له مجموعة قصص قصيرة بعنوان ” الحصان الابيض “، عن دار الثقافة الجديدة،
و شارك هاشم كناقد، في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية العالمية، مثل مشاركته في لجنة تحكيم مسابقة ” الكاميرا الذهبية” في مهرجان ” كان ” السينمائي الدولي عام 1989، التي ترأسها الممثل الايطالي الكبير رالف فالون،
ولجنة تحكيم الفيلم الفني ،في سلوفاكيا عام 1999 ، التي ترأسها الاديب والمخرج السينمائي الفرنسي الكبير آلان روب جرييهALAIN ROBBE-GRILLET وكان هاشم، بحكم عمله ،كمندوب لمهرجان الاسكندرية في باريس، صاحب فكرة دعوة جرييه ، وتكريمه في مهرجان الاسكندرية السينمائي العشرين،
كما ترأس صلاح هاشم لجنة تحكيم النقاد، في مهرجان مونبلييه للسينما المتوسطية في فرنسا، وصدر له عدة كتب في موضوع الهجرة العربية، مثل كتاب ” الوطن الآخر.سندباديات مع المهاجرين العرب ،في اوروبا وامريكا ” الذي صدر في ثلاثة أجزاء، عن دار ” الآفاق الجديدة “في لبنان،
الجزء الأول من ثلاثية ” الهجرة العربية في أوروبا وأمريكا “
ويضم الكتاب تحقيقات صلاح هاشم الميدانية ،عن المهاجرين العرب في اوروبا وامريكا ،وكانت هذه التحقيقات، تنشر بانتظام ،في باب ” العرب في العالم ” الذي كان يشرف عليه ويكتبه صلهاشم، في مجلة ” الوطن العربي “، في فترة السبعينيات،
وكتاب ” السينما العربية خارج الحدود” الصادر عن المركز القومي للسينما في مصر( الكتاب رقم 11 في سلسلة “ملفات السينما” التي كان يشرف علي اصدارها د.مدكور ثابت) وكتاب ” السينما العربية المستقلة.أفلام عكس التيار “، الذي صدر في الدوحة.قطر،
رفاعة رافع الطهطاوي رائد نهضة مصر الحديثة
كما اشرف هاشم بتكليف من مهرجان ” لاروشيلLA ROCHELLE السينمائي في فرنسا، علي اعداد وتنظيم احتفالية سينمائية لتكريم المخرج المصري الكبير صلاح ابوسيف عام 1992،وبحضور صلاح أبو سيف، وبتكليف من مهرجان الفيلم الفنيART FILM FESTIVAL في سلوفاكيا، أعد هاشم تظاهرة مماثلة، للاحتفال بـ” نور مصر “، في اعمال مدير التصوير المصري الكبير الفنان رمسيس مرزوق، عام 1999وبحضور رمسيس مرزوق.
موقع جريدة ” إيلاف” رئيس التحرير عثمان العمير
بتاريخ 30 سبتمبر 2004
admin اصدارات كتب, شخصيات ومذاهب 0
غلاف الطبعة الثانية من المجموعة : لوحة للفنانة المصرية هيام عبد الباقي
مجموعة قصصية للكاتب والمخرج المصري صلاح هاشم المقيم في باريس.فرنسا تعكس أجواؤها ظلال هزيمة 1967، وتفاصيل الحياة اليومية في الحارة المصرية.
صلاح هاشم
صدرت حديثا الطبعة الثانية من كتاب “الحصان الأبيض”، المجموعة القصصية للكاتب والناقد والمخرج السينمائي المصري صلاح هاشم المقيم في باريس.فرنسا عن “دار إيزيس للفنون والنشر” في مصر.
وتضم”المجموعة 9 قصص قصيرة، نشرت في فترة الستينيات في جريدة “المساء” التي كان يشرف على صفحتها الأدبية الأستاذ عبدالفتاح الجمل، الذي يعتبر الراعي الرسمي لجيل الستينيات، والمفجر الحقيقي لطاقاته الإبداعية الأصيلة ومواهبه الأدبية الجديدة في القصة القصيرة والشعر والنقد والفلسفة، التي أثرت في الحياة الثقافية المصرية في ما بعد، بأفكارها ومواقفها وكتاباتها المتوهجة من أمثال: إبراهيم أصلان وجمال الغيطاني وأمل دنقل وعبد الرحمن الأبنودي ومحمد كامل القليوبي وصلاح هاشم وعبده جبير وسيد سعيد وزين العابدين فؤاد وغيرهم..
تتفجر الرؤيا عند صلاح هاشم، أحد أبرز كتاب القصة القصيرة في مصر والعالم العربي، في مجموعة “الحصان الأبيض” وفي ظلال هزيمة 1967 وانعكاساتها، من الدخول في تشابكات الواقع وكوابيسه، و الخروج من مناطق “اللافعل”.. والدخول في دوامة الخلق والتمرد. إنها صرخة، أمام العذابات المستكينة، والإهانات المتصلبة، والعيون المترصدة.أمام الرعب المتغير ، والغربة في وطن الأسياد والعجائز، ملّاك الديار ، المكتظة رعبا، حيث يكون التخفي أحيانا، في مناطق الظل، محاولة يائسة، لرصد ميلاد الفعل، وحين ذلك، يكون هو “الفعل”، وبلا تردد.
ويهدي صلاح هاشم مجموعته إلى زهرة اللوتس وطنه مصر:
” إلى زهرة اللوتس، وهي تتطهر في الماء المقدس، من تسلط الأشياء القديمة العالقة، وروائح المستنقعات العفنة، وتدخل في النسيم. إلى الأقدام ، وهي تتحسس للمرة الأولى الأرض المتشققة، فتسري قشعريرة كل البدايات الأولى المترددة. إلى الرغبة في التوحد والتحليق، يسكنان فينا رحم الروح. لاقيمة للقطة، لاتظهر فيها السماء ، والسحب الراحلة. وكيف تمضي أنت؟”.
كتب د.غالي شكري عن القاص صلاح هاشم ومجموعته التي حصلت على جائزة في القصة في أول مؤتمر للأدباء الشبان يقام في مصر عام1969:
“عرفت صديقي الكاتب الشاب صلاح هاشم في أواخر الستينات، ضمن الموجة الهادرة من الكُتاّب الجدد الذين ولَّدوا فينا غداة الهزيمة في العام 1967، وربما كنت شخصيا مسؤولا على إطلاق “أدب الستينيات” على هذا الجيل الجديد الوافد على العمل الثقافي-السياسي، من بين جدران الجامعة، متمردا على أسباب الهزيمة، صارخا في وجوه الجميع.. أين الأمل؟
كان صلاح هاشم واحدا من هذا الجيل، يكتب القصة القصيرة بإتقان وحرارة، تجمع بين أصالة التراث القصصي في مصر الحديثة، ومعاصرة التجديد في الآداب الغربية التي كان يقرؤها في الإنكليزية، فهو أحد خريجي قسم اللغة الإنكليزية بكلية الآداب. ولكن ما يميز صلاح هاشم هو معايشته الحارة الغنية بالتجربة الإنسانية في بلاده، فلم يستغرقه الإغراب والتغريب ولم يجنح إلى الغموض والتجريد، بل كان ذا صوت خاص فريد في التقاط الزوايا والشخصيات والمواقف والجزئيات والتفاصيل والدقائق الصغيرة في حياة الشعب الذي ينتمي إليه”.
والمعروف أيضا أن فترة الستينيات في مصر التي أنجبت “الحصان الأبيض وقصصه، كانت فترة صعود وتألق القصة القصيرة كنوع أدبي في تاريخ الأدب، وصدور الأعداد الخاصة بالقصة القصيرة مثل عدد مجلة الهلال في أغسطس 1968 وتألق مجموعة كبيرة من أبرز كُتّاب القصة القصيرة في مصر..”.
وفي مقال للناقد عبد الرحمن أبوعوف بعنوان “مقدمة في القصة القصيرة” في كتابه “بانوراما نقدية في الأدب والفن والسياسة” الصادر عام 2008 عن الهيئة العامة للكتاب، يقول في صفحة 40 في ما يخص زمن الحضور المعاش وظلال عدوان 5 يونيو على الإبداع القصصي:
“إن المحاولة القصصية الحالية والتي تهتم بحريات غير محددة لم تعرفها المراحل السابقة لأنها تغوص بجرأة في هوة يختلط فيها الكلام والسكوت والحياة والموت فحضور الواقع المصري الذي أعقب هزيمة 5 يونيو بقتامته وصمته واستفزازه.. كان الإطار والجو الذي تنفست فيه إمكانات الإبداع المختزنة لدى جيل أدبي كامل.. ودراسة هذه القضايا تصبح أكثر وضوحا واكتمالا عندما نناقش التجربة الجريئة بكل سلبياتها وإيجابياتها التي يقدمها من كتاب الأجيال السابقة والمعاصرة كل من نجيب محفوظ ويوسف إدريس وبعض من كوكبة الكتاب الجدد أمثال محمد روميش ومحمد البساطي وجمال الغيطاني وإبراهيم عبد المجيد وإبراهيم أصلان ومجيد طوبيا وعبده جبير ويحيى الطاهر وضياء الشرقاوي وصلاح هاشم وعبد الحكيم قاسم وبهاء طاهر وحسني عبد الفضيل… إلخ، وليس لترتيب الأسماء أية علاقة بالتقديم أو التأخير..”.
بقلم
داليا عاصم
داليا عاصم صحافية وكاتبة مصرية تقيم في القاهرة .مصر
عن موقع جريد ” العين ” الإخبترية بتاريخ 8 أكتوبر 2018
admin شخصيات ومذاهب, مهرجانات 0
النجمة المصرية الكبيرة لبلبة
قرر مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، تكريم الفنانة الكبيرة لبلبة، بمنحها جائزة الهرم الذهبي التقديرية لإنجاز العمر.خلال فعاليات دورته الـ 44، المقرر إقامتها في الفترة من 13 إلى 22 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
ويأتي ذلك التكريم تقديرا لمسيرتها المهنية التي انطلقت منذ نعومة أظافرها وامتدت لسنوات قدمت فيها العديد من الأعمال الهامة والتي تنوعت ما بين السينما والمسرح والتلفزيون والاستعراض،
الفنان الكبير حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي 44
وعلّق الفنان حسين فهمي، رئيس مهرجان القاهرة السينمائي، على ذلك التكريم قائلا “إنه تكريم مُستحق لفنانة أفنت عمرها في تقديم عشرات الأعمال السينمائية – أكثر من 88 فيلما – بكل حب وإخلاص، وبذلت أقصى جهدها ليكون ما تقدمه جديرا بأن يعرض لجمهور عشق ظهورها على الشاشة الساحرة، ورغم عطائها على مدار سنوات حياتها إلا أنها ما زالت تثري الصناعة بمشاركاتها وما زال لديها الكثير لتقدمه، ولي الشرف أنني شاركتها ذلك المشوار من خلال عدة أعمال جمعتنا سابقا”.
المخرج المصري أمير رمسيس مدير مهرجان القاهرة السينمائي 44
أضاف المخرج أمير رمسيس، مدير المهرجان، أن لبلبة مكسب حقيقي لكل مخرج وإضافة لكل عمل تشارك فيه، وذلك لقدرتها الهائلة على تقديم الأدوار بتلقائية شديدة وبمهارة متقنة وبكاريزما مُحببة للجمهور.
فيما عَبرت لبلبة، عن سعادتها بالتكريم حيث قالت إنه رغم تكريمها في العديد من المحافل الدولية والمحلية، إلا تكريم مهرجان القاهرة له طابع خاص بالنسبة لها، حيث وصفته بأنه بمثابة الجوهرة التي تتوج مسيرتها الفنية، وبخلاف كونه أحد المهرجانات الدولية الكبرى، فالوقوف على مسرحه كأحد المُكرمين هو حلم وشرف كبير يتمنى كل فنان مصري أن يناله، على حد قولها.
والمعروف أن لبلبة، اسمها الحقيقي نينوشكا مانوج كوباليان، ويعود الفضل في منحها إسمها الفني ” لبلبة ” إلى لمخرج المصري الكبير نيازي مصطفى،، و تنتمي لبلبة لنفس عائلة الفنانتين فيروز، ونيللي، وكانت نيللي كُرمت من قِبل المهرجان بنفس الجائزة العام الماضي في دورته الـ 43.
برعت لبلبة في التمثيل والغناء والاستعراض وتميزت بموهبة فريدة ظهرت ملامحها منذ أن دخلت المجال الفني كطفلة بعمر 5 سنوات، حيث شاركت في العديد من الأعمال السينمائية من بينها “حبيبتي سوسو” لنيازي مصطفى عام 1951، “البيت السعيد” لحسين صدقي في 1952، “يا ظالمني” لإبراهيم عمارة 1954، وفي نفس العام شاركت في فيلم “أربع بنات وضابط” الذي ألفه وأخرجه الفنان الكبير الراحل أنور وجدي، والذي تصدرت أفيشه باعتبارها إحدى بطلاته بجانب كل من أنور وجدي، والفنانات نعيمة عاكف، رجاء يوسف، عواطف يوسف، كما شاركت أيضًا عام 1955 في فيلم “الحبيب المجهول” لحسن الصيفي، الذي تعاونت معه مرة أخرى من خلال فيلمي “النغم الحزين” 1960، “قاضي الغرام” 1962.
تعد لبلبة من الفنانين القلائل الذين وثقت شاشة السينما تطور ملامحهم عاما بعد عام، فبعد أن أَلف الجمهور وجهها طيلة فترة طفولتها، شهد أيضًا مرحلة مراهقتها وشبابها، حيث شاركت عام 1964 في فيلم “نمر التلامذة” لعيسى كرامة، و”إجازة بالعافية” لنجدي حافظ، “آخر العنقود” لزهير بكير عام 1966، وجددت تعاونها مع حسن الصيفي عام 1967 من خلال “شنطة حمزة”، و”المليونير المزيف” 1968، فيما قدمت أيضًا عام 1970 فيلمي “برج العذراء” لمحمود ذو الفقار، “رحلة شهر العسل” لزهير بكير، وفيلمي “بنت بديعة” لحسن الإمام، و”زواج بالإكراه” لنجدي حافظ عام 1972.
استمرت لبلبة في نشاطها السينمائي، بل وازداد كثافة عام 1973، حيث شاركت في 4 أفلام هي “الشياطين في أجازة” و”البنات والمرسيدس” لحسام الدين مصطفى، “شيء من الحب” لأحمد فؤاد، “السكرية” لحسن الإمام، والمأخوذ عن قصة الكاتب الكبير الراحل نجيب محفوظ، والذي يعد أيضًا أحد أهم أفلام السينما المصرية.
وقدمت في عام 1974، 6 أفلام هي “البنات والحب” لحسام الدين مصطفى، “24 ساعة حب” لأحمد فؤاد، “عريس الهنا” لمحمود فريد، “في الصيف لازم نحب” لمحمد عبد العزيز، وفيلمين لحسن الإمام هما “عجايب يا زمن”، و”حكايتي مع الزمان” الذي شارك في بطولته كل من رشدي أباظة ووردة.
في نفس الفترة –السبعينيات- جسدت العديد من الأدوار، حيث شاركت عام 1975 في “مولد يا دنيا” لحسين كمال، “احترسي من الرجال يا ماما” لمحمود فريد، “مين يقدر على عزيزة” لأحمد فؤاد، والذي يعد أولى مشاركتها مع الفنان الكبير حسين فهمي، الذي شاركها فيما بعد بطولة “ألف بوسة وبوسة” لمحمد عبد العزيز 1977، فيلم “حب فوق البركان” لحسن الإمام 1978، و”شيطان من عسل” لحسن الصيفي عام 1985.
وكان لها العديد من الأعمال الناجحة الشهيرة بمشاركة الفنان الكبير عادل إمام، أبرزها “البعض يذهب للمأذون مرتين” 1978، “خلي بالك من جيرانك” 1979، “عصابة حمادة وتوتو” 1982، وجميعهم للمخرج محمد عبد العزيز، بالإضافة لفيلم “احترس من الخط” لسمير سيف 1984.
كما شاركت العديد من الفنانين الكبار أعمال أخرى من بينهم سمير غانم، من خلال 3 أفلام متتالية هي “إنهم يسرقون الأرانب” لنادر جلال 1983، و”إحنا بتوع الإسعاف” لصلاح كريم 1984، “محطة الأنس” لحسن إبراهيم عام 1985.
هذا بخلاف مشاركتها الفنان محمد صبحي في بطولة فيلم “الشيطانة التي أحبتني” لسمير سيف 1990، والفنان أحمد زكي في “ضد الحكومة” لعاطف الطيب 1992، والفنان نور الشريف في فيلم “ليلة ساخنة” أيضًا لعاطف الطيب 1995، وحصلت بفضل ذلك الفيلم على جائزة بينالي السينما العربية من معهد العالم العربي في باريس كأحسن ممثلة عن دورها فيه.
ويعد عام 1999 عام التجارب المميزة في مشوارها الفني، إذ قدمت فيلم “جنة الشياطين” للمخرج أسامة فوزي، والذي قام ببطولته الفنان الكبير محمود حميدة، كما شاركت أيضًا في فيلم “الآخر” للمخرج الكبير الراحل يوسف شاهين، ولا يعد ذلك العمل هو التجربة الوحيدة التي جمعتهما سويا، إذ شاركت عام 2004 في “إسكندرية نيويورك”.
وشاركت في العديد من الأعمال السينمائية المهمة من بينها “معالي الوزير” لسمير سيف 2002، مع أحمد زكي، وفي نفس العام شاركت مصطفى شعبان دور البطولة في “النعامة والطاووس” لمحمد صلاح أبو سيف.
عام 2004، جددت لبلبة تعاونها مع عادل إمام من خلال فيلم “عريس من جهة أمنية” لعلي إدريس، وتلاه في 2008 فيلم “حسن ومرقص” لرامي إمام، والذي يعد من أهم أفلام السينما المصرية التي عبرت عن تلاحم طبقات المجتمع المصري، وشارك في بطولة العمل نخبة من النجوم أبرزهم الفنان الكبير الراحل عمر الشريف.
من أبرز مشاركتها أيضا فيلم “فرحان ملازم آدم”، للمخرج عمر عبد العزيز 2005، الذي قدمت من خلاله دور “إحسان” أمام كل من سامي العدل، حسن حسني، فتحي عبدالوهاب، وغيرهم من النجوم.
هذا بخلاف مشاركتها البطولة لعدد من النجوم الشباب خلال هذه الفترة من بينهم محمد هنيدي في “وش إجرام” لوائل إحسان 2006، ومحمد سعد في “بوحة” لرامي إمام 2005، ومحمد إمام في “البيه رومانسي” لأحمد البدري 2009، وحسن الرداد وحورية فرغلي في “نظرية عمتي” لأكرم فريد 2013، وكريم عبدالعزيز في “الفيل الأزرق” لمروان حامد 2014، ويعد فيلم “كازابلانكا” الذي تم إنتاجه عام 2019، هو آخر الأعمال السينمائية التي عرضت لها حتى الآن.
بدأت لبلبة فصلا جديدا في مشوارها الفني بفضل الفنان عادل إمام، الذي شجعها على اقتحام مجال التمثيل التلفزيوني عام 2014، من خلال مسلسل “صاحب السعادة” للمخرج رامي إمام، الذي قدمت معه أيضًا مسلسل “مأمون وشركاه” في 2016، هذا بخلاف تعاونها مع المخرج مجدي الهواري من خلال عملين هما “الشارع اللي ورانا” 2018، و”دايما عامر”، الذي عرض في الموسم الرمضاني لعام 2022.
وكان الجمهور محظوظا أيضًا بتقديمها للعديد من الأغنيات والمونولوجات التي اشتهرت فيها بتقليد الفنانين والشخصيات البارزة، وبلغ عدد هذه الأغاني ما يزيد عن 200 أغنية.
من ناحية أخرى، شاركت لبلبة، كعضو لجنة تحكيم في عدة مهرجانات دولية من بينها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، هو أحد أعرق المهرجانات في العالم العربي وأفريقيا والأكثر انتظاماً، ينفرد بكونه المهرجان الوحيد في المنطقة العربية والأفريقية المسجل ضمن الفئة A في الاتحاد الدولي للمنتجين في بروكسل (FIAPF).
القاهرة .سينما إيزيس
admin اصدارات كتب, رئيسية, شخصيات ومذاهب 0
بيير باولو بازوليني
أفيش فيلم إنجيل متى لبيير باولو بازوليني
أجري الحوار التالي الصحافي الإيطالي فوريو كولومبو، مع المخرج السينمائي الأيطالي الكبير بيير باولو بازوليني، قبل أن ترتكب جريمة قتله البشعة بساعات، ونشر الحوار أولا في ملحق “توتوليبري”، ملحق جريدة الإستمبا الإيطالية اليومية، يوم 8 نوفمبر 1975 ، وهو يحمل عنوان ” نحن جميعا في خطر “..
ثم صدر في كتاب عن دار نشر ” افجاليانو ” في روما عام 2005، بعنوان ” الحوار الأخير مع بازوليني “، تأليف فوريو كولومبو ، وجيان كارلو فيراتي، وكان الأخير ، كتب تقديما للكتاب،بعنوان ” 16 عاما من الذكريات مع بازوليني 1959 – 1975″، ويتضمن الكتاب في نسخته المترجمة الى اللغة الفرنسية، التي ترجمنا عنها هذه المقدمة، والصادرة عن دار نشر ” آليا” في باريس.فرنسا عامي 2010 و2014 ، لكنها تحتل هنا الجزء الثاني من الكتاب،بينما يحتل الحوار مع بازوليني الجزء الأول الذي نكتفي هنا بترجمته وحده..
**
نحن جميعا في خطر
إستهلال
دار هذا الحوار مع بازوليني مساء يوم السبت الموافق 1 نوفمبر عام 1975 بين الساعة 4و6 مساء، قبل ساعات من قتل بازوليني، وأحب أن أوضح هنا أن العنوان ” نحن جميعا في خطر ” الذي يتصدر الحوار، هو من كلمات بازوليني، وليس من كلماتي، فما حدث هو أنه في نهاية الحوار، وكما يحدث عادة في الحوارات التي أجريتها مع بازوليني، تكون هناك إختلافات في الآراء و القناعات ووجهات النظر، لذلك طلبت من بازوليني في نهاية حوارنا هذا ، أن يختار عنوانا له، ففكر بازوليني قليلا، ثم قال أن الأمر ليس مهما، ثم غيّر موضوع الحديث، ثم أن شيئا ما ،جعلنا نتطرق الى الحديث عن الموضوع الأساسي ، الذي طالما يدور ” الجدل ” بشأنه ، في كل إجابات بازوليني عن تساؤلاتي..” دعنا نناقش البذرة، لب الموضوع، وأساسه، في العمق – هكذا قال -إنك لاتعرف حتى من يدبر أمر قتلك !، لذا دعنا نضع عبارة ( نحن جميعا في خطر )لتكون عنوانا للحوار..”..وهكذا كان.
الدق المستمر على مسمار يؤدي الى إنهيار بيت
* في كل كتاباتك ومقالاتك ياسيد بازوليني، تمنحنا دوما نماذج متنوعة، للأشياء التي تكرههاوتمقتها، بعد أن إخترت طواعية الإلتزام بالنضال، النضال وحدك، ضد الكثير من الأشياءوالمؤسسات،والقناعات،والأشخاص والسلطات،ومن دون الدخول في تعقيدات، بشأن ما أريد قوله هنا..أتحدث عن ” الوضع ” LA SITUATION وأنت تعرف بالطبع، ماذا أعني بذلك. أعني بإختصار ” المشهد العام ” الذي تناصبه العداء، وتناضل ضده، ومن أجل تغييره. والآن دعني أعترض على موقفك من هذ الوضع ، لأن هذا الوضع يا سيد بازوليني،وبكل مافيه عيوب، هو الذي سمح لك بأن تكون بازوليني المخرج السينمائي الكبير، و المتعدد المزايا، والمواهب والإهتمامات ،والذي نعرفه ؟أوليس الوضع، كما نعرف،هو الذي يملك ،ويتحكم في، كل الوسائط الإعلامية، من دور نشر، وشركات إنتاج سينمائي، ومؤسسات ومنظمات الخ؟
.والآن دعنا نتخيل، أنك أصبحت فجأء صاحب قدرات سحرية هائلة، وتستطيع بحركة واحدة منك فقط،أن تجعل كل الأشياء تختفي عن الأنظار، ويختفي معها كل الأشياء التي تمقتها وتبغضها وتكرهها، ألن تجد نفسك ،بعد إختفاء ذلك” الوضع “يا سيد بازوليني وحيدا، ومن دون ” وسائط “، أعني وسائط تعبيرية ، وعاطلا عن العمل؟
– أجل.فهمتك. لكني لن أسعد فقط، بتجربة تلك الطاقة السحرية الهائلة، بل سأؤمن بها أيضا، ليس بالمعني الإعلامي، بل بالمعنى الإيماني، إن صح التعبير، لأني أعرف أننا نستطيع ،بالدق المستمر على ذات المسمار ، أن نهدم بيتا. ولدينا مثالا من خلال تجربة لأربعة راديكاليين فقط ،أربع قطط إيطالية – من رجال السياسة الحقراء- إستطاعوا تغيير ضمير أمة، وأنت تعرف أنني لا أناصرهم ، ومع ذلك أجد نفسي أسير – ياللعجب -في الطريق لحضور موتمرهم..
الذين قالوا لا دخلوا التاريخ من أوسع باب
إن التاريخ يمنحنا العديد من الأمثلة ،التي تثبت صحة ما أقول، فقد كان ” الرفض “يمثل دائما عبر التاريخ، موقفا أساسيا، للكثير من القديسين والرهبان والمثقفين كذلك.
إن العدد القليل من الرجال، الذين صنعوا تاريخ العالم، كانوا في الأصل من الرافضين، هؤلاء الذين قالوا ” لا “وليسوا من التابعين، من حاشية وخدم، الأسياد والأعيان والكرادلة.
ولكي يكون ” الرفض ” فاعلا، ومؤثرا ،يجب أن يكون يقينا رفضا كبير وقاطعا وشاملا، وليس رفضا صغيرا، ومحددا، ومرتبطا فقد بعدة نقاط عبثية، فالمؤكد أن الشييء الذي أدى الى هلاك الضابط الالماني النازي ” إيخمان “- المسئول عن أفران حرق اليهود في معسكرات الاعتقال النازية ” الهولوكوست”- هو أنه لم يكن يملك القدرة على قول ” لا ” لقادته العسكريين في القمة، على الرغم من أنه كان يقوم – من وجهة نظره – بعمل إداري وبيروقراطي، وعادي جدا. بل وربما كان بإستطاعة ” إيخمان “، أن يهمس لبعض المقربين من أصدقائه، بأن ” هملر ” مثلا لم يكن يعجبه، بكل هذا القدر..
كان بإستطاعة إيخمان أن يهمس، كما يهمس هؤلاء االمثقفين، الذين يتعاملون مع أجهزة الإعلام، ودور النشر، ونواب القادة والمدراء السياسيين. أجل كان يمكن لإيخمان، أن يحتج، بأن هذا القطار أو ذاك ،من القطارات التي كانت تقوم بترحيل اليهود الى معسكرات الإعتقال، لم يكن يقف إلا مرة واحدة فقط في اليوم ،لكي يهبطوا منه لقضاء الحاجة، وإبتلاع قضمة خبز، وشربة ماء..
بينما كان من المفيد إقتصاديا،لو أنهم فكروا قليلا، أن يقف القطار أكثر من مرة في اليوم، غير أن إيخمان، للأسف، لم يحاول ابدا، عرقلة سير ماكينة الهلاك ” الهولوكوست، ، أو إيقافها.
والآن ،لدينا في الواقع ثلاثة تساؤلات. ترى ماذا نقصد بـ ” الوضع “؟ وماهي الأسباب التي تدعونا الى إيقافه أو تدميره ؟، وماهي سبل تحقيق ذلك ؟
* حسنا ، صف لنا إذن ياسيد بازوليني هذا ” الوضع ” من فضلك، أنت تعرف أكيد أن كلماتك ومداخلاتك ولغتك،يكون لها دوما تأثير شعاع الشمس، الذي يخترق حجب التراب، ليشرق علينا بنوره، ..ويالها من صورة جميلة حقا، غير أنها في الواقع، لاتسمح لنا للأسف، برؤية أو فهم ، الشييء الكثير من كلامك..
المأساة التي نعيشها اليوم في إيطاليا
– أشكرك أولا على تشبيه كلامي بصورة الشمس المشرقة.والآن أريدك فقط، أن تتطلع من حولك، لكي تتأمل في، وتعي حجم المأساة، التي نعيشها اليوم في إيطاليا..
عن أي مأساة أتحدث ؟.عن مأساة، أنه لم يعد لدينا بشر الآن ، لدينا فقط، “ماكينات غريبة” ،تصطدم ببعضها البعض، بينما ننشغل نحن المثقفون، بتصفح جداول مواعيد القطارات في العام الماضي، أو مواعيدها، منذ عشر سنوات مضت،، ثم تجدنا نضرب كفا بكف، ونردد ، إن عجبا، كيف لقطارين، في ميعادين مختلفين، أن يصطدما ،وبشكل مروع هكذا ؟، إما أن يكون سائق القطار قد جن،..أو أن في الأمر ، جريمة ما مدبرة ، بمعنى أن هناك مؤامرة..
نظرية المؤامرة ومسئولية مواجهة الحقيقة بمفردنا
و ” نظرية المؤامرة ” في رأيي ،هي الأرجح، إنها هي التي تجعلنا نهذي وبجنون. لأن ” نظرية المؤامرة” سهلة ، ومريحة جدا لنا، لأنها تجعلنا نتحرر في الواقع،من عبْ ء وثقل، المهمة الملقاة على عاتقنا، في مواجهة الحقيقة، بمفردنا..
وياسلام، لو كان أحدهم يدبر في الخفاء، داخل جحر او كهف، ونحن منهمكين في الحديث، خطة ما، لكي يتخلص منا.وياله من أمر بسيط وسهل..
لابد من المقاومة.أجل .سوف نفقد بالطبع في تلك المواجهات بعض الرفاق، لكننا سنعيد تنظيم أنفسنا، لكي نشن بدورنا، حربا شعواء على أعداءنا، ونتخلص منهم بدورنا، أو ..مارأيك في، أن.. نذبحهم.. واحدا بعد الآخر.؟
أنا أعرف، أنه في كل مرة يعرض فيها التلفزيون فيلم ” هل تحترق باريس “، سوف تراهم- المثقفون – يذرفون الدمع، ويرغبون – بجنون – في أن يعود التاريخ، الى الوراء، يعود جميلا كما كان ، فميزة الزمن، أنه ” يغسل ” الأشياء، مثلما يغسل المطر واجهات البيوتات والدور.
وياله من أمر أمر سهل حقا، أن أكون أنا في خندق أو جانب، وتكون أنت في جانب أو خندق آخر.
أنا لا أمزح هنا ، حين أحكي عن الدم، وعن الألم ، وعن الثمن الذي دفعه هؤلاء، حتى تتاح لهم فرصة، أن يختاروا، بأنفسهم، عندما تجد نفسك، تصدع دماغك من التفكير عند ساعة، أو دقيقة معينة في التاريخ.أجل.لقد كانت عملية ” الإختيار” في التاريخ، دوما وأبدا، مأساة.
في الماضي،كان من السهل على الإنسان العادي في إيطاليا، أن يختار- بفضل شجاعته وضميره – النضال ضد الفاشية، في حكومة سالو..وهكذا إستطاع رد االفاشيين في حكومة سالو ، ومقاومة ضباط هتلر النازيين.. لكن لقد تغير كل شييء الآن.
الآن ستجد أحدهم، يلجأ اليك، وهو يرتدي قناع صديق، ويتظاهر بأنه مؤدب ولطيف، ويقدم اليك نفسه، فيقول أنه ” يتعاون ” فقط مع التليفزيون، لأنه يريد أن يكسب لقمة عيشه، وهي بالقطع ليست ” جريمة “، ثم يأتي اليك آخر- أو آخرون – ويواجهونك،بكافةإطروحات الإبتزاز الايديولوجية، ويلوحون لك بلافتاتهم وشعاراتهم، فتشعر بأنهم قد صاروا، يشكلون تهديدا، وتجد نفسك تتساءل، حسنا.. إن كان الأمر كذلك، ترى ما الذي يفصلهم عن ” السلطة ” ؟
السلطة تعني نظام تعليم
* ماذا تمثل ” السلطة ” بالنسبة إليك ؟ مم تتكون ؟ وأين توجد ؟ وكيف يمكنك تفكيكها لنا ؟
– السلطة هي نظام تعليم، يؤدي الى تقسيمنا الى سادة وعبيد، حاكم ومحكوم، ولكن لاحظ أن نظام التعليم هذا، يفرض نظام تعليم واحد للجميع، منذ تشكل ما نطلق عليه، بالطبقات الحاكمة، وطبقة المحكومين الفقراء. ولهذا تجد الآن أن الجميع يريدون ويرغبون، في ذات الأشياء، ويتصرفون جميعا ،بنفس الطريقة، فلو وقع في يدي مجلس إدارة إستعملته، ولو دخلت في مناورة في البورصة، أدرتها بمعرفتي ، لكن لو كنت أقبض على قضيب من الحديد، فسوف أستخدمه في الحصول على ما أريد بالقوة والعنف. لكن لماذ أريد ماذا أريد ؟ . لأنهم قالوا لي أن ما..أريده هو ” حسن ” جدا لي، وسوف أسعد بإمتلاكه،والحصول عليه. وعندما أتحصل علي ما أريد، سأكون حسب تعليمهم، تحصلت هكذا على حقوقي، وهو شييء أشبه مايكون عندهم بإنجاز ” فضيلة ” ما ، ولا يهم وقتها ، أن أكون قد أصبحت رجلا عاقلا وطيبا ، وقاتلا وسفاحا ، في ذات الوقت
* لقد إتهموك بأنك لاتفرق بين ماهو ” سياسي ” ، وماهو ” إيديولوجي “، ولم تعد تجد فروقا عميقة – لاشك أنها موجودة بالقطع – بين الفاشيين وغير الفاشيين، وبخاصة عند جمهور الشباب
– ولهذا السبب كنت أتحدث عليك منذ قليل عن دفاتر مواعيد القطارات، هل سبق لك مشاهدة تلك العروض الفكاهية التي يضحك لها الصغار كثيرا عندما تعرض فيها العرائس الماريونيت لجسمها، فيكون الرأس في ناحية ، والجسم في ناحية أخرى ؟ أعتقد أن الممثل الفكاهي الإيطالي ” توتو نجح في أن يفعل ذلك بجسمه في ” نمرة ” فنية في أحد عروضه، وأنا أري “قطيع المثقفين” الإيطاليين الجميل هكذا أيضا، أجسامهم في ناحية ، ورؤؤسهم في ناحية أخرى. تقع أحداث كثيرة في ناحية، بينما تتطلع رؤؤسهم الى الناحية الأخرى. أنا لا أقول.. لاتوجد فاشية. أنا أقول، لاتحدثوننا عن البحر، ونحن في الجبل. أنا أتحدث هنا عن ” وضع ” و” مكان ” آخر مختلف. مكان يجلعنا نشعر فيه، بالرغبة في القتل. إن هذه الرغبة في القتل، هي التي توحدنا جميعا هنا في إيطاليا، مثل مجموعة من الأخوة المتضررين، بسبب ذلك الفشل الفظيع الكئيب، لنظام إجتماعي بأكمله..
وأنا أيضا ،أحب أن أعزل نفسي عن هذا القطيع القذر من المثقفين الإيطاليين، الذي أراه جيدا جدا، أرى أصحابه، جميعهم، أعرفهم واحدا واحدا، ولحد السأم، حتى صرت أردد على صديقي الكاتب الروائي الكبير ألبرتو مورافيا، أن الحياة التي أخترت أن أحياها وسطهم، سوف أدفع ثمها غاليا جدا ، في مابعد، فقد كانت هذه الحياة هي ” الهبوط الى الجحيم ” – جحيم دانتي – بعينه. ولكني عند عودتي – إن كتبت لي عودة- من الجحيم، الذي شاهدت فيه أشياء مختلفة ، وبكثرة. أنا لا أطلب منك أن تصدقني. أطلب فقط منك، تغيير موضوع الحديث بإستمرار، لنتلافى مجابهة “الحقيقة” ..
فشل النظام الإجتماعي الإيطالي
* وماهي الحقيقة في نظرك ؟
– آسف لإستخدام هذه الكلمة ” الحقيقة ” ، أردت أن أقول ” البراهين ” التي تؤكد على فشل النظام الاجتماعي الحالي. دعني أضع الأشياء في موضعها الصحيح..والحديث عن تلك المآسي التي نعيشها في الواقع، وأولها مأساة التعليم العام الإجباري والخاطييء، هذا التعليم الذي يدفعنا دفعا – مثل جيش غريب وجرار ومكفهر– الى داخل تلك الحلبة التي يمسك فيها البعض بالقوانين في أيديهم، بينما يقبض البعض الآخر فيها على قضبان الحديد. وهذا هو أول ” تقسيم ” كلاسيكي من نوعه، تقسيم ” البقاء مع الضعفاء ” ، لكن أنا أقول إننا جميعا ضعفاء وبالتالي فنحن جميعا ” ضحايا “، و ” مذنبون” في ذات الوقت، و نحن أيضاعلى إستعداد للدخول وعن طيب خاطر في لعبة المذبحة، وبشرط أن يكون التعليم الذي تلقيناه، يتلخص في ثلاثة أفعال : أن تملك ، وأن تسعي للحصول على هذا وذاك، ، وأن تدمرDERRUIRE..
* دعنا نعود الى بداية الحوار، و السؤال الأول الذي طرحته عليك. دعنا نتخيل أنك بقوة ساحر، ألغيت كل شييء. ألغيت الكتب، التي تعيش من دخلها، وألغيت القراء من المستهلكين الذين يشترونها، وحرمت الناس، من سوق “المنتجات الثقافية” التي يعيشون على إستهلاكها ، وأنت تعرف ماذا أعني ،فأنت مخرج سينمائي وصانع أفلام، وبحاجة الى جمهور كبير، بل لقد ثبت من نجاح أفلامك ، وشعبيتها، أنك أصبحت ” مادة للإستهلاك “، وهناك جمور ينتظر بشغف، خروج أفلامك للعرض التجاري ، لإستهلاكك أيضا، أسألك ياسيد بازوليني ، ماذا سوف يحدث، وماذا سوف يتبقى لك ، لو ألغيت بلمسة من سحر، هذه الماكينة الصناعية الكبيرة، بكافة تنظيماتها ومؤسساتها وتقنياتها ؟
سوف يتسع العالم ونجد أمامنا ” بريخت “
– سوف يتبقى لي كل شييء، أعني ..سوف تتبقي لي روحي، وحياتي، وأن أكون في العالم، لكي أرى وأعمل وأتنفس، وأفهم وكل شييء. وسوف يتبقى أيضا، لو ألغيت هذه الماكينة الصناعية الإستهلاكية الجبارة، مائة طريقة لرواية قصة، ومائة طريقة للانصات الى لغات أخرى، ومائة طريقة لإختراع لهجات، ومائة طريقة لإقامة عروض لمسرح العرائس..
وسوف يتبقى الكثير الكثير، لأشياء أخري كثيرة، وسوف يتبقى أيضا للآخرين الكثير، فبعضهم مثلا – إن كان متعلما، أو جاهلا مثلي – سوف يعارضني، أو قد يوافقني في الرأي، وسوف يتسع العالم، و تسعي كل الأشياء، الى الإنتماء إلينا، و سنحد أنفسنا لسنا بحاجة الى ” بورصة ” أو مجالس إدارات ، أو قضبان من حديد..لكي نعيش..
وفي ذلك العالم ،الذي من الممكن ،أن تكون أغلبية البشر- من ضمننا – قد حلمت به، سوف يتواجد باترون – صاحب عمل- تنهمر الدولارات من جيبوب، وأمامه تقف أرملة مسكينة تطالب بالعدالة، لها ولأولادها، كما في مسرحية من مسرحيات الشاعر الألماني العظيم برتولت بريخت، وبإختصار.. سوف نجد عالم بريخت أمامنا..
* يبدو لي أنك تشعر بالحنين الى هذا العالم
كلا.أبدا. أنا أشعر بالحنين الى الفقراء، الذين يكافحون من أجل إسقاط صاحب العمل، ويشعرون بأنه ليس من الضروري، أن يصبحوا هم أنفسهم باترونات، لقد كانوا مقصيين عن كل شييء ،ولم يستعمرهم أحد، وأنا أكره السود الذين يتمردون على صاحب العمل، لكنهم يشبهونه كثيرا في ذات الوقت، مثل رجال العصابات، الذين يريدون كل شييء بأي ثمن،.. هذا ” العناد ” الضار، الذي يدفعنا الى طريق العنف الشامل، والذي يدفع أي شخص يكون على وشك الموت في المستشفيات، الى الإهتمام بمعرفة حظه من البقاء على قيد الحياة ، بواسطة الأطباء، أكثر من إهتمامه – عن طريق الشرطة – بمعرفة آليات – ميكانيزمات – الجريمة..
لقد توقفت منذ زمن عن البحث والتفتيش عن سبب فشل النظام الاجتماعي الإيطالي ومن يقفون ورائه، ومن يكون الفاعل، والمذنب الأكبر، وأعتقد أننا قمنا بتعريف ، بما كنا نقصده بالـ- ” وضع ” LA SITUATION – الذي يشبه كثيرا وضع مدينة ما ، عندما تمطر السماء فجأة، وتغرق فتحات المجاري ،ويبدأ الماء في الإرتفاع..
ماء بريء، مجرد ماء مطر بسيط ، فلا هو يثور ،كما تثور مياه البحر ، ولا هو يؤذي ، كما تؤذي مياه تيارات النهر، التي تسبب الضرر، و هكذا تظل مياه المطر في المدينة – لسبب ما مجهول – تصعد ، ولاتهبط، بإستمرار..
إ‘نها ذات المياه، التي احتفلت بها، بعض الأغنيات الشاعرية الطفولية، لفيلم ” الغناء تحت المطر “، لكن مياه مطر هذه المدينة ، مدينتنا، كان من نوع خاص جدا، نوع لايهبط، بل يرتفع دوما ،ويؤدي الى الغرق ، وإذا كنا وصلنا معه ، الى هذه الدرجة من الخطورة ، فعلينا الآن أن لانضيع وقتنا، في لصق” إتيكات” بمسميات، هنا وهناك، لتعريف وتحديد الأشياء، دعونا الآن نقوم فورا، بتصريف مياه هذه المجاري القذرة، وإلا غرقنا جميعا..
* .. وعلينا الآن، لكي تنجح في مسعاك.. علينا أيضا أن نتحول- في رأيك – الى ” رعاة ” غنم صغار وسعداء، و يعشش الجهل في رؤؤسهم، بعد أن حرموا من ” تعمة ” التعليم الرسمي الإجباري العام..أليس كذلك ؟-
الهبوط الى الجحيم وحرّاس النظام
– هذا تفكير غبي، لوعبرت عنه، بهذه الطريقة. غير أن هذه المدرسة الإجبارية التي تتحدث عنها، مازالت تنتج ، ليس فقط رعاة غنم ، بل تنتج مصارعين أيضا، كما أن الجماهير تتكاثر، ومعها يرتفع الغضب، وينتشر اليأس..
دعنا نفترض أنها – فكرة أن نتحول الى رعاة غنم – كانت دعابة ، وهذا غير صحيح ..قل لي أنت ، كيف ترى الحل. إننا نسمعهم يقولون عني.. بازوليني يشعر بالندم ،لعدم قيام ثورة المحرومين الأنقياء المعذبين في الأرض، ثورة تحريرهم، التي ستجعلهم من أصحاب العمل، هم أنفسهم، في ما بعد..
نسمعهم يقولون، أن بازوليني يتخيل أن لحظة ثورية مثل تلك ، يمكن أن تحدث في التاريخ الإيطالي، وفي تاريخ البشرية جمعاء، وتاريخ العالم، وأن أفضل ما في فكري، يمكن أن يكون من وحي قصيدة ما، من قصائدي في المستقبل..و..
لكن، دعني أقول لك، إنني قد هبطت بالفعل الى الجحيم ، وأعرف أشياء كثيرة، لا تستطيع أن تهز شعرة، من شعر سلام البعض..
لكني أقول لكم حذار ، لأن الجحيم، سوف يهبط في قعر دوركم. حذار لأنه يستطيع أن يتنكر للدخول في لباس لايخطر أبدا على بالكم، ويستطيع أن يخترع الكثير من المبررات، والمؤكد بالفعل أن رغبته في ، وحاجته الى العنف، والعدوان، والقتل، قوية وحقيقية ، ويتقاسمها الجميع معه..
ثم لا تتركوا أنفسكم نهبا لـ ” الأوهام “، فأنتم بالفعل ، مع المدارس و والتلفزيون وصحفكم، الحراس الكبار، لـهذا ” النظام الاجتماعي المرعب” القائم على فكرة الملكية وفكرة التدمير..
وإليكم ،يا من تسعدوا بفكرة الثقافة الجماهيرية، القائمة على وضع إتيكيت جميل، على الجرائم التي ترتكب، بإسم الثقافة، إن عجزكم عن إيقاف حدوث أشياء بعينها، يجعلكم تبحثون عن السلام والأمن، من خلال لعبة ترتيب الأشياء، فوق أرفف، أو وضعها في أدراج..
* لكني أعتقد أن المنع يعني بالضرورة الخلق، إذا لم تكن من ضمن المدمرين، قل لي أنت ،ماذا سوف يكون مصير الكتب مثلا ؟ .أنا لا أريد أن أبدو هنا ،كمن يبكي تأثرا على ما وصل إليه حال الثقافة اليوم في إيطاليا، أكثر من تأثره لحال الأفراد من المواطنين..
ثم ماذا سوف يكون مصير هؤلاء الناس البدائيين، الناجين من الغرق، الذين تصورهم لنا في كتاباتك وأفلامك ؟.يجب أن نكون دقيقين، في إستخدام كلماتنا، ومثلا في مجال الخيال العلمي، كما في النازية ، كانت مسألة حرق الكتب، تمثل إشارة البدء في الإبادة، قل لي ، إذا أغلقت المدارس وأطفأت شاشات التليفزيون، من ياترى سوف يرعى الأطفال في الروضة ؟
– أعتقد أنني شرحت ماأعنيه بكلمة ” إغلاق ” في نقاش لي مع البرتو مورافيا، وأعني بها ” تغيير “. المطلوب تغيير حاسم، بمقدار درجة اليأس التي وصلنا إليها ،في توصيف الوضع الراهن، وقد إختلفت مع مورافيا وبعض المثقفين الإيطاليين ممثل ” فريبو “، وتبين لنا أن موضوع التغيير ، يتطلب مشاركة جميع الأطراف في نقاش جدلي عام، وإكتشفنا أننا لانرى نفس الأشياء، ولا نعرف نفس الأشخاص، ولا نستمع الى ذات الأصوات الخ..
من وجهة نظرك كما يبدو لي، لايمكن لحادث أن يكون قد وقع، إذا لم تكتب عنه الجرائد ،ويتم إخراجه في مقال جميل، وبعنوان يجذب الأنظار. لكن ماذا عن محتوى المقال. آه هناك شييء ناقص إذن ، ولابد لنا من جرّاح لتشريح المحتوى، والتأكد من أنه ليس سرطانا، بسبب شكل المقال، وفرحتنا فقط بشكله الخارجي.
. أعتقد أننا يجب أولا أن نرى ذات الأشياء. ثم كيف يمكن أن نطلق على مريض، أنه يشعر بالحنين الى الماضي، إذا كان المريض يريد أن يستعيد صحته السابقة على مرضه، حتى لو كان غبيا وتعسا، قبل أن يصاب بمرض السرطان ؟..
أجل . لابد أولا أن نبذل جميعا قصارى جهدنا ،لكي نري جميعا عندما نفحص ” الوضع ” نفس الشييي.نفس الصورة.
.أنا في الواقع أكاد أجن، عندما أستمع الى رجال السياسة في إيطاليا ، وهم يتحدثون عن بعض وصفات العلاج الصغيرة، للوضع القائم، فهم لايعرفون عن أي بلد يتحدثون، والمسافة التي تفصل بينهم، وبين بلدنا إيطاليا، أبعد من المسافة التي تفصل بين الأرض والقمر..وليس رجال السياسية وحدهم، بل أضم إليهم علماء الاجتماع ، و أيضا الخبراء في أي مجال، وأي فرع من فروع المعرفة..
* لماذ تعتقد يا سيد بازوليني ، أنك الوحيد الذي يفهم كل شييء، وأنك تفهم بعض الأشياء ،بشكل أكثر وضوحا من أي شخص آخر ؟
– يجب أن أتوقف هنا عن الحديث عن نفسي، بل لربما كنت تحدثت عن نفسي كثيرا في هذا الحوار، يعرف الجميع أنني أدفع ثمنا، لكل تجاربي، وثمنا لكل كتبي وأفلامي، من حياتي الشخصية، وربما كنت أنا المخطأ، لكني مازلت مصرا، على أننا نعيش جميعا في خطر..
* بازوليني ..إذا كنت ترى الحياة بهذا المنظار، لا أعرف إن كنت تقبل، أن تجيبني على هذا السؤال: كيف يمكنك تلافي هذا “الخطر ” المحدق بنا ؟
كان الليل قد هبط ، ولم يكن بازوليني أضاء نور الصالة، ولذا لم أكن قادرا على تدوين ملاحظاتي، وقرأنا معا جملة الملاحظات التي دونتها، ثم أنه طلب مني أت أترك له الأسئلة ،وقال :
– ” .. يبدو لي أن بعض الإجابات ،كانت مطلقة قليلا، دعني إذن أفحصها من جديد، وأترك لي بعض الوقت ، لكي أصل الى ” نتيجة “ما للحوار.لإن الكتابة عندي، أسهل من الكلام..في صباح الغد، ستجد بعض الملاحظات الإضافية بإنتظارك..” ..
في اليوم التالي ، وكان يوم أحد، كانت جثة بازوليني، مسجاة على طاولة ،في مشرحة شرطة مدينة روما.
بقلم
فوريو كولومبو
ترجم الحوار عن الفرنسية:
صلاح هاشم
صلاح هاشم كاتب وناقد سينمائي مصري مقيم في باريس.فرنسا
admin رئيسية, شخصيات ومذاهب, مهرجانات 0
المخرج المجري الكبير BELA TARR بيلا تار
القاهرة . سينما إيزيس
أعلن مهرجان القاهرة السينمائي عن تكريم المخرج المجري العملاق بيلا تارBELA TARR في دورته المقبلة 44 .وقال المخرج أمير رمسيس مدير مهرجان القاهرة، فخورون في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، بتكريم المخرج المجري الكبير بيلا تار في دورتنا المقبلة، نوفمبر 2022، إلى جانب التكريم ، سيقدم بيلا تار “ماستر كلاس” ” درس في السينما ” لجمهور المهرجان والمهتمين بصناعة السينما، وإشرافه على “ورشة عمل” مع مخرجين مصريين صاعدين، على مدار 10 أيام.
أمير رمسيس مدير مهرجان القاهرة السينمائي 44
من هو بيلا تار ؟
بيلا تار، BELA TARR هو مخرج ومنتج ومؤلف يعد أحد أهم صانعي السينما في المجر، وُلد عام 1955، وتخرج في أكاديمية المسرح والسينما في بودابست عام 1981، وبدأ مسيرته المهنية المليئة بالعديد من النجاحات في سن مبكر، من خلال سلسلة أفلام وثائقية وروائية وُصفت بأنها كوميديا سوداء،
لقطة من فيلم لبيلا تار
فأغلب أعماله تم إنتاجها بالأبيض والأسود واستخدم فيها لقطات بطيئة مطولة وقصص غامضة ذات نظرة فلسفية تشاؤمية للتعبير عن الإنسانية، ولجأ في أحيان كثيرة للاستعانة بممثلين غير محترفين لتحقيق أكبر قدر من الواقعية التي ميزت أعماله.
ومن أهم أعماله “Családi tüzfészek” عام 1979، “Panelkapcsolat” 1982، “A londoni férfi” عام 2007، “Damnation” 1988، “Satantango” 1994، “The Turin Horse” في 2011، “The Man from London” عام 2007، “Missing People” 2019، وغيرها.
في عام 1977 أصبح عضوا في أكاديمية السينما الأوروبية، وأسس عام 2003 شركة TT Filmmhely للأفلام المستقلة ،وترأسها حتى عام 2011، وفي 2012 أسس في سراييفو مدرسة السينما الدولية، كما عمل أستاذا زائرا في عدة أكاديميات سينمائية، وحصل على الدكتوراه الفخرية ، بجانب تكريمه بالعديد من الجوائز ،من قِبل عدة محافل محلية ودولية هامة
.
admin افلام, رئيسية, شخصيات ومذاهب, كل جديد, مختارات سينما ازيس 0
إستهلال :
في هذا المقال يسجل الكاتب والباحث والفنان فكري عياد إنطباعاته، بعد مشاهدة فيلم وثائقي طويل بعنوان ” وكأنهم كانوا سينمائيين. شهادات على سينما وعصر ” لكاتب هذه السطور.
ويمثل الفيلم الجزء الأول، من ثلاثية فيلمية بعنوان ” سحر السينما المصرية الخفي” ..ثلاثية تسال، كما في عنوان الفيلم، أين ياترى يكمن ” سحر ” السينما المصرية الخفي ؟ ، ويكشف عن علاقة السينما ، بصنّاع الحضارة ،في مصر القديمة، أجدادنا الفراعنة ، قدماء المصريين، الذين كانوا أول من يسجل صورا للحياة المصرية، يرسمونها وينقشونها، على جدران المعابد، حتى يخيل للمرء، أنهم كانوا سينمائيين بالفعل، ومخرجين سينمائيين مبدعين، لكن ..بدون كاميرا.
كانت كاميرتهم وقتها، أي منذ أكثر من 7000 سنة خلت، هذه ” اليد الإنسانية” التي صنعت الحضارة، و التي تذكرني دوما ،بالمشهد الافتتاحي لفيلم ” أوديسة الفضاء2001 ” للأمريكي ستانلي كوبريك، حين هبطت هذه اليد للإنسان البدائي الصيّاد، على الصخر لتهشمه، فإذا ببعض قطع الحجارة تتطاير ، وتصعد الى السماء، وتصبح إحدى القطع المتطايرة، “سفينة فضاء “، تسبح في الكون..اللانهائي.
كانت اليد المصرية الفرعونية، هي الكاميرا ، التي صور أو أخرج بها الفنان المصري القديم، أول فيلم ،عن أول حضارة في العالم، ومن يومها ، صارت تلك الحضارة المصرية العظيمة، – بسبب الفيلم الجميل؟ – في تاريخ نشأة وتطور الحضارات في العالم، مثالا وقدوة تحنذى..
أراد الفنان فكري عياد أن يسجل إنطباعاته، فإذا به يكتب قصيدة، في عشق السينما المصرية أفلامها ونجومها وأفكارها، و الزمن الجميل، ولتكون كلماته بالفعل كما كتب هنا ” لقطات ” من همسات الروح، تتهادى على شراع القلوب.
شكرا للشاعر والفنان التشكيلي فكري عيّاد
صلاح هاشم
***
وكأنهم كانوا سينمائيون..” توقفت أمام هذه العبارة، التي جعلتني في دَهْشَة وَتَحَيُّر وحَيْرَة.. كأَنَّ الغموض ، ينام في قاعة سطُورِها. من هم هؤلاء الذين كانوا..! ؟ وكيف أركض بشفاه الذُهُول، إلى أرض الحَيْرَة من أمرهم..؟ وكيف أَستبدل زَمَنيْ بزمانِهم..! َ تنوعات من علامات الاستفهام..
وكيف أنبش بعينِ خيالي، وأَنطلق من الزَمَنُ المكسور ،على أحوال الفنون، في حَاضِرنَا..! وَعضَّة القُنوط، تستكين في القلوب، من تلوث سمعي وبصري وفكري. في ضوضاء وصخب وضجيج يملأ باحة العيون.
أفيش فيلم ” شباب إمرأة ” من أفلام تلزمن الجميل لصلاح أبو سيف
نُعيد أحلامنا. الي رحابة “الزمن الجميل’.. عبارة تجيش وتفركها بعض الأحيان السنة اللهفة، الي ماضي الأيام ،التي تَزَيَّنَت بها مسيرة حافلة من أسماء الفنانات والفنانين ، عشقوا الفن السينمائي ، منذ إِسْتِهْلال وبَاكُورَة أيامه..
منذ طَلِيعَة ورَيَعَان بذرة الصحوة، في هذا المجال، الذي أصبح له دور كبير في نشر الوعي والمعرفة والثقافة الفنية والاجتماعية. يُحِيك بِدايَة خطواته ويُسبق عصره..
عُنْفُوان التطلع إلى آفاق جديدة، من مزهرة ورحيق رواد الفن الجميل..
إنها مسيرة السينما في أرض الكنانة.. تطوف في عتمة الحالمين أفكار مثيرة، وكأنها تهدم معابد الجهل ،وتشيد صرح المفاهيم، في كل ربوع أرض الوطن..
د.صبحي شفيق يدلي في الفيلم بشهادته
من أنفاس الإبداع الفنى السينمائي الفَتِيْ الرائع.. من إلهام الإسكندرية، المدينة الأسطورية، الي رحابة السماء والأرض، في كل مكان من البلاد والعباد، في دول العالم كله.. وكيف تمَاثَلت مع عاصمة النور “باريس ” في صحوتِهَا المُبَكِرَة. مَلأَت العوالِم من حولِها.. بفكرِها وظلاوة لِسَانِها. إنها مسيرة السينما المصرية..!
نهضة تُسَابِق الظِّباءِ في مَرَحِها.. وحلاوة وَبَشَاشَة، وَبَهْجَة حكاياتِها.. أفكار جديدة، وقصصية، وأحلام زَهِوَة من مزهرةِ
فيلم المومياء لشادي عبد السلام
كمٍ من كَوَاكِب ونجوم إزدهرت، بتميزها ، في براعة آدائِها. تكاملت بعضِها مع خطواتِهَا . سائرَة في تطور وحبكة، مع مواكب السنين.
عُدت الي العنوان، الذي كتبهُ الناقد السينمائي والأديب المؤرخ صلاح هاشم.. في واحدة من الثلاثية، التي يؤرخ بها مسيرة الزمن الجميل.. “وكأَنهُم كانوا سينمائِيون” وكَأَنَّني شاهدت أمس ماضينا، في هذه الاحتفالية.
وكأنه يتكلم مندفعًا بسنَاه ، شامخ في عطائِه. يزيل القشور، عن جوهر الحقيقة، والحقائق، وما خُفيَ في تلك الحقبة التاريخية الثريّة والثورية،مع بدايتَها الفنية.
يبث في تسلسل وسلاسة، لغَتِهَا ، وَبهجتها ومتاعها وحُسْنها ، وتَمُدَّنَّ بدايتِها. منذ أُولي حداثَتِها. تكادُ تمد عَيْنَيْكَ بشوقٍ وتلهف، في كل فقراتِهَا..
في لَهْفَةِ حَنِين تُشاهد مَا مَتَّعْنَا بِهِ.. في تسجيل هذه الصورة المرئية، التي تَزَيَّنَت بها مسيرة حافلة، في صبيَّة وزَهاوَة ، “الزمن الجميل” إنهم حقًا وَفِعْلاً وَأَبدًا .. “كانوا سينمائيون..” لكي تسبح معي أكثر ، في إشراقة ومضات ونبضات، تتراقص مع أنغام الإبداع الفنى، في المفهوم ،والقدرة علي التواصل ،بكل إصرار وتَصْمِيم وعَزِيمَة..
تشاهد معي هذا الفيلم الوثائقي.. وَتطوف بعينيك الحائرة، في أيام كانت أحلام.. أو رؤية خيالية، في ذَرَأ وَإبداع ، غير مسبوق ..!
نعيد الشريط من جديد، مع لمسات فنية، من المخرج والمؤَرِخ المتميز، في أفلامِهِ التسجيلية.. المخرج” صلاح هاشم ” حيث جَسَّدَ تسلسل، أعمال لا تُخصَى. وأسماء من مُختلف أطياف الشعب، نَقَشت أسمائِها ، بحروف من النور. نجوم وقمرات.. وأقلام وأفكار..! و مآثرَ أيام ،نَقَشَت على الجدران ،نسمات متوقّدة، ومازلت مُتنفِسة، مهما تغيرت، مراوغة المفاهيم..! في مناخ عصرِنا..
إنها لقطات حَيّوية من همسات الروح، تَتَهادى على شراع القلوب.. من ثخينة نسيج الماضي.. وإشعاع “الزمن الجميل”.. مع لَهْفَة لقائهِ.. سيظل مع مسيرة الأيام.. نهجْ وَحِذْوَة، ومَسْلَكْ. مَحْسُوسٌ ومَلْمُوسٌ ومُتعايش. في التعبير عن الواقعية الواعية. لكل من إِقْتَفَى أَثَرَهُ.. إنه..! الفن والفنانين والثقافة الفنية المصرية. منذ اولى خطوات السينما، مَهَّدَت طريقها في إصرار ليس له مثيل
فكري عياد
فكري عياد باحث وناقد وفنان تشكيلي مصري مقيم في لندن. المملكة المتحدة.
admin اصدارات كتب, رئيسية, شخصيات ومذاهب 0
أفيش فيلم ” إنجيل متى ” لبيير باولو بازوليني
ي
كتبت مجلة ” الكلمة ” – التي يترأس تحريرها د. صبري حافظ رئيس قسم الدراسات الشرقية بجامعة لندن.المملكة المتحدة – في عددها 183 الصادر في شهر أغسطس الحالي، تصديرا جاء فيه :
( .. يحتفل العالم بمئوية بازوليني، وبعد تقديم لحياته وأعماله، يترجم لنا الناقد المصري المرموق صلاح هاشم* هنا ، واحدا من أهم نصوصه، وأكثرها تعبيرا عن نفسه ورؤاه، نص تختلط فيه السيرة بالشعر، والسينما بالراوية والحياة، ويصب هذا كله ،في السياسة والالتزام ،والرغبة في تغيير الواقع الرديء إلى ،ما هو أبهى وأفضل ، بفضل الفن. ) .
د.صبري حافظ
رئيس تحرير مجلة ” الكلمة ”
***
بمناسبة الاحتفال بمئوية ميلاده الأولى
من أنا؟: شاعر الرماد
عرض وتقديم وترجمة صلاح هاشم
لقطة من فيلم ” نظرية ” THEOREME لبازوليني
دعونا أولا نسأل، قبل أن نقرأ هذه “الوثيقة” المهمة، التي تركها بيير باولو بازوليني المخرج الإيطالي الكبير (من مواليد 5 مارس1922) وعثر عليها بعد موته، ثم صدرت في كتاب بعنوان” من أنا“QUI JE SUIS عن دار نشر “آرليا” في فرنسا. ترى من يكون هذا الـ”بازوليني”، الذين يحتفلون هنا في باريس – عاصمة السينما في العالم ومن دون جدال – بمرور 100 سنة على ميلاده، ويخصصون له مهرجانا في إحدى دور العرض السينمائي في “الحي اللاتيني في قلب باريس، عاصمة النور، يعرض مجموعة من أبرز الأفلام التي أخرجها، وجعلته يدلف الى تاريخ السينما العالمية، من أوسع باب؟ ثم ماهي الإنجازات والإضافات، الفنية والفكرية، الجمالية والفلسفية، التي حققها بازوليني، من خلال كتاباته وأعماله، ليصبح هكذا، أحد أهم وأعظم المخرجين في السينما العالمية؟
أفيش بعنوان ( بازوليني 100 سنة ) لمهرجان لأفلامه ،في قاعة بسان ميشيل في وسط باريس
لم يكن بازوليني، الذي عثر على جثته- المشوهة – مقتولا في الشارع العام، وسط ركام من النفايات بجوار البحر، في منطقة “أوستي” القريبة من مدينة روما العاصمة، في ليلة الثاني من نوفمبر1975، وثبت من تشريح الجثة، التي كانت غارقة في الدم، أنه قد تعرض لضرب مبرح، بآلات حادة، في جميع أنحاء جسده، وأن جثته دهست، بواسطة سيارة، مرت على جسده أكثر من مرة، مما أدى الى انفجار كبده. ثم تبين من خلال التحقيقات الجنائية، أنه لقى مصرعه، على يد شاب مجرم متشرد في السابعة عشرة من عمره، يدعي بينو بيلوسي ، وكان بازوليني -المعروف بمثليته الجنسية- اصطاده من حانة، ليمارس معه الجنس، ثم اختلفا لأمر ما، وتعاركا. ولما سقط بازوليني، إثر ضربة عنيفة على الأرض، سارع الشاب الى الهرب، فأخذ سيارة بازوليني من نوع الفا روميا، وانطلق بها، غير أنه لم يكن يحسن قيادة هذا النوع، وفي محاولته التحكم في السيارة، دهس ومن دون قصد، أكثر من مرة، على جثة بازوليني، المنبطحة على الأرض، والغارقة في الدم.
فيلم “إنجيل متى” لبازوليني
فيلم ماما روما لبازوليني
فيلم ” آكيتون ” المتسول لبازوليني
فيلم لاراكوتا لبازوليني بطولة أورسون ويلز
بازوليني ممثلا في أحد أفلامه ” ديكاميرون “
بازوليني مع جودار وبرتولوتشي وفيلليني، ومع والدته
لم يكن بازوليني، الذي راح ضحية لهذه الجريمة الفضائحية البشعة- جريمة أم” مصيدة”، دعنا نرى؟ – وهو في الثالثة والخمسين من عمره، وروجت – أو بالأحرى صفقت -الصحافة البرجوازية اليمينية الفاشية لمقتله، من خلال نشر صورة جثته المشوهة، على صدر صفحاتها الأولى، والذي يحتفل العالم أجمع هذا العام 2022 ،بـ “مئوية” ميلاده الأولى، من خلال العديد من التظاهرات والفعاليات الفنية والسينمائية، في إيطاليا وفرنسا وأنحاء العالم.
بازوليني ..حياة في الشعر
لم يكن بازوليني، مجرد مخرج سينمائي إيطالي شهير، بعدما ارتبط اسمه بالعديد من الأعمال السينمائية العبقرية الشاعرية المتميزة، مثل فيلم ” آكاتون“ACCATTONE– المتسول، وفيلم ” ألف ليلة وليلة”، وفيلم – THEOREME – نظرية – وفيلم ” حكايات كانتربري ” – وفيلم ” ديكاميرون”، وفيلمه” إنجيل متى” البديع، سينما” الشعر المصفى “PURE POETRY – التي أضافت الى سينما” الواقعية الجديدة “في إيطاليا، وصارت من كلاسيكيات السينما العظيمة. بل كان يازوليني وأولا شاعرا ، من أعظم الشعراء، الذين أنجبتهم إيطاليا، على حد قول الروائي الإيطالي الكبير ألبرتو مورافيا، ولذا كان موته- أو بالأحرى قتله وسحله واغتياله، على يد السلطة الفاشية، سلطة الديمقراطية المسيحية، الحكومة والنظام – وبمنطق فليمت إذن لنستريح من شره – ” كارثة وخسارة كبيرة وفادحة، للفن والفكر والثقافة، ليس فقط على المستوى الإيطالي والاوروبي، بل على مستوى العالم، والإنسانية جمعاء. لكن لماذا؟
لأن بازوليني لم يكن فقط شاعرا إيطاليا كبيرا – والأعظم بين شعراء عصره – كما ذكر ألبرتو مورافيا…و..
. . .
البقية
في موقع ” الكلمة ” على الرابط المرفق
http://alkalimah.net/Articles/Read/22777
عن مجلة ” الكلمة ” العدد 183 .أغسطس 2022
ولاء عبد الفتاح
ولاء عبد الفتاح كاتبة وناقدة مصرية تعيش في القاهرة .مصر
***
صلاح هاشم*
صلاح هاشم كاتب مصري، وناقد ، ومحرج أفلام وثائقية ، مقيم في باريس.فرنسا
admin رئيسية, كل جديد, مختارات سينما ازيس 0
صحافة مصر .. بين ازمة اقتصادية عنيفة باتت السلطة أول من يعترف بها، وفتنة تطل برأسها مصدرها “الساحرة المستديرة” حيث النادي الأهلي أعرق القلاع الرياضية وجماهيره، يواجهان أشد محنة من نوعها، وجدت صحف أمس الخميس 4 أغسطس/آب الفرصة سانحة أمامها لجذب أنظار جماهير انصرفت عنها مؤخرا، بعد أن آثر كثير من الكتاب السلامة ورضوا بأن يضعوا أقلامهم في خدمة قوى بعينها.
شعار الحكومة الآن : إدفع علشان تعيش
وفي التفاصيل توجهت الأبصار صوب صندوق النقد الدولي، حيث يتوجس الخبراء وقبلهم الحكومة خشية أن ترفض المؤسسة الدولية التي لطالما كانت السبب في انهيار العديد من البلدان التي عرفت الطريق للاقتراض الاستجابة لصرخات “القاهرة” الباحثة عن مزيد من القروض.. الحكومة وأذرعها تخشى من أن تنتهي مساعيها برفض الصندوق فتح خزائنه أمام الحاجات الملحة للخزانة المصرية، إذ يتردد أن مصر طلبت من الصندوق قرضا هو الأكبر من نوعه منذ بداية تعاملات مصر مع البنك الدولي قبل عقود..
أما بالنسبة لمأساة “الشياطين الحمر” فقد بلغت محنة النادي العريق ذروتها حيث سيطرت حالة من الغضب الشديد على أعضاء مجلس إدارة النادي الأهلي، جراء الأخطاء التحكيمية الأخيرة التي تعرض لها الفريق أمس خلال مباراته أمام فاركو التي انتهت بالتعادل السلبي، خاصة بعد إلغاء الحكم هدف بيرسي تاو في الدقيقة 71 من المباراة. ويعقد مجلس إدارة الأهلي برئاسة محمود الخطيب اجتماعا طارئا.. بحضور ياسين منصور رئيس شركة الأهلي لكرة القدم، لاتخاذ بعض القرارات. وقد تعادل الأهلي مع فاركو سلبيا في المباراة التي أقيمت بينهما مساء أمس وقام الحكم بإلغاء هدف صحيح للأهلي. ويناقش مجلس الإدارة خلال اجتماعه اليوم الظلم الذي يتعرض له من قبل بعض الحكام خلال الفترة الأخيرة، الذي ساهم في ضياع العديد من النقاط، أدت إلى ابتعاده عن المنافسة على المسابقة.
ومن أخبار الحوادث: ألقت الأجهزة الأمنية في محافظة الدقهلية، القبض على ممرضة في مستشفى المنصورة التخصصي، بعد ثبوت قيامها بتصوير جثة نيرة أشرف طالبة جامعة المنصورة، أثناء وجودها داخل المستشفى.
أصواتنا لا تصله
تحيط الشكوك بالكثيرين بشأن حصاد منتظر من الحوار الوطني ومن بين المحبطين بسمة رمضان في “المشهد”: حينما شاهدت إفطار الأسرة المصرية الذي تحدث عنه العالم كله، خاصة بعد الترحيب الحافل والعناق الحار الذي حدث بين أبرز المعارضين للسلطة الحاكمة حمدين صباحي، ورئيس الجمهورية، اعتبرت ذلك بمثابة فتح صفحة جديدة مع المعارضة، خاصة بعد التحدث لأحزاب المعارضة لمعرفة مطالبهم التي تمثلت في خروج سجناء الرأي، واعتبر قطاع من الشعب أن ما حدث بمثابة فاتحة خير عليهم جميعا، خاصة بعد الظروف الاقتصادية السيئة التي مرّ بها الجميع مؤخرا. بكل أسف لم تأت الرياح بما تشتهي السفن وصدمنا جميعا بقرارات الحكومة مؤخرا، التي أدت لارتفاع أسعار السلع الغذائية، وتلتها تصريحات تؤكد ارتفاع أسعار تذاكر المترو والقطارات بعد وقت قصير، كان ذلك بمثابة صدمة خاصة في ظل التحضيرات “للحوار الوطني” القائم من الأساس على تخفيف العبء عن الشعب المصري وخروج سجناء الرأي،
لكن خروج سجناء الرأي يتم ببطء وكل يوم يزداد العبء على المواطن الفقير، وكأن الحكومة تحكم شعبا آخر. أثناء كل تحقيق صحافي اقوم به في الشارع، يسألني الناس ماذا سيفعل الحوار الوطني لنا، وما الحلول التي ستقدمها المعارضة لحل تلك الأزمات، فكل يوم يخرج علينا قرار جديد أسوأ من القديم وترتفع أسعار كل شيء ولا أحد يلتفت إلينا، وكل ما نراه هو صدور بيانات من قبل الأحزاب السياسية تعلن فيه رفضها واحتجاجها، لكن لا يشعر أحد بمعاناتنا ولا نعلم أين الرئيس من تلك القرارات، فهل لم يصله صوتنا؟ أم أنه لا يشعر بنا؟ وهل هو يعلم أن الرواتب ما زالت على حالها والأسعار كل يوم في زيادة؟
لا يمثلوننا
واصلت بسمة رمضان نقل شكاوى الناس: فماذا نفعل ولمن نشكو خاصة أن الإعلام المصري أصبح لا يمثلنا بقدر ما يمثل أصحاب التريندات والأموال الطائلة، وبكل أسف جميعنا أصبحنا نترحم على أيام مبارك
استوقفتني سيدة مسنة وقالت: أريد أن أعيش ما تبقي من عمري في سلام، على الأقل يكون بإمكاني الحصول على علاجي، وأستطيع أن آكل وأشرب، فمعاشي لا يغطي مصاريف علاجي وفي بعض الأيام أنام دون طعام..
لا أعلم ماذا أفعل لهؤلاء، ولست مسؤولة حتى أستطيع الرد على أسئلتهم، لكنني مسؤولة عن إيصال صوتهم للمسؤولين، وبإمكاني أن اقول إن هؤلاء الغلابة يمثلون غالبية، وأن فلل مراسي التي تم بيعها بمليارات الجنيهات لأناس لا يمثلوننا، فمن يعيشون على أرباح اليوتيوب ومن نشاهدهم ليل نهار يعيشون رفاهيه هم شريحة بسيطة من شعب كبير اسمه الشعب المصري، لذلك أدعو كل مسؤول إلى النزول للأحياء الشعبية ليشعر بمعاناة الفقراء، وأدعوهم أيضا للتوجه إلي المستشفيات الحكومية متنكرين ليروا المعاناة الحقيقة حتى يستطيعوا نقل الصورة كاملة للسيد رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي، لأنه بكل أسف ليس لديه طباخ ينقل له معاناة الشارع المصري، يجب على الجميع أن يعلم جيدا أن هناك قنبلة موقوتة اسمها الضغط على الشعب والضغط على أسر طفح بها الكيل من ارتفاع أسعار المدارس إلى الأكل والشرب والمواصلات والكهرباء ويظل القوس مفتوحا، فالحكومة الآن ترفع شعار “ادفع علشان تعيش” ولا تعلم أن لكل شخص طاقته، يا سيادة الرئيس لا تنس “الغلابة”.
أجندة سرية
مجرد ذِكر اسم الصندوق يثير فزعا وتوجسا من “أجندة” وصفها زياد بهاء الدين في “المصري اليوم” بالسرية تجلب موجة جديدة من ارتفاع الأسعار على نحو ما حدث في 2016.. ولكن من جهة أخرى فإن العديد من الخبراء والمتخصصين يؤكدون أن الاتفاق المرتقب مع الصندوق هو المخرج الوحيد من أزمتنا الراهنة، ودونه فلا أمل.
لهذا اسمحوا لي في هذا المقال بطرح بعض الأفكار عن علاقتنا بالصندوق ودوره بشكلٍ عام، لكيلا تختلط الحقائق بالأساطير، لا مدحا ولا قدحا. أما عن «الأجندة» السرية، فإن تطورا كبيرا طرأ على المنظمات المالية الدولية عموما – منها صندوق النقد – خلال العقود الماضية، خاصة في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي وتحول غالبية الكتلة الشرقية إلى الاقتصاد الحر والديمقراطية. من بعدها، صارت هذه المنظمات أكثر وضوحا وشفافية في تعاملاتها مع الدول المقترضة، لهذا فما يتوقعه صندوق النقد الدولي من مصر ليس سرا، بل هو أمر معلوم ومنشور في بياناته الرسمية وعلى صفحته الإلكترونية، وآخرها تقرير مجلس مديريه الصادر في (26 يوليو/تموز 2022)، حيث أكد ضرورة قيام مصر بتطبيق «سياسات إصلاحية أكثر عمقا من أجل تمكين القطاع الخاص من النمو، وتحسين الحوكمة، وتقليص دور الدولة». وهذه التوجهات العامة لا تزعجني شخصيا، لا من جهة تشجيع القطاع الخاص، ولا إضفاء المزيد من الحوكمة والشفافية في إدارة شؤوننا الاقتصادية، ولا الحد من الدور الذي تقوم به الدولة.. المشكلة مع ذلك ليست في هذه المبادئ وإنما في تفاصيلها. وهنا يأتي دور المفاوض المصري وأهمية ما يتوصل إليه من برامج تنفيذية وشروط للحصول على القرض بما يحافظ على التوازن الصعب بين تصحيح الهيكل المالي للدولة، وحماية الطبقات متوسطة ومحدودة الدخول من الآثار السلبية الناجمة عن هذا التصحيح، وهو توازن بالغ الدقة والصعوبة.
ورطتنا عنيفة
هل كون البرنامج المقترح من الصندوق معروفا، وفي مجمله إيجابي، يعني أن تنفيذه سوف يحل كل مشاكلنا ويخرجنا من الأزمة الراهنة؟ أجاب زياد بهاء الدين: بالتاكيد لا، بل الأمر يتوقف علينا تماما، فـ«صندوق النقد الدولي» يختص في الأساس – حسب تكوينه ودستوره – بتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي العالمي، ومساعدة الدول على بناء اقتصادات قوية عن طريق دعم التعاون النقدي بينها، وتنمية التجارة الدولية، وتحقيق استقرار أسواق الصرف العالمية. ومع أن الصندوق بات في العقود الأخيرة أكثر انتباها للجوانب الاجتماعية والبيئية، إلا أن تفاعله مع الحكومات يظل من منظور المساندة في تحقيق الاستقرار النقدي والمالي والاقتصادي بوجه عام، ودون الدخول في تفاصيل الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر فعليا في معيشة المواطنين. هذه مسؤولية الحكومة التي عليها إدارة الاقتصاد بكل مكوناته وسياساته وبرامجه. من جهة أخرى، فإن برنامج الصندوق الرامي لضبط الهيكل المالي للدولة لا يمكن أن يحقق تحسنا في حياة الناس إن لم تواكبه سياسات لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولنا في تجربة عام 2016 عِبرة، فقد أبرمت مصر وقتها اتفاقا مع الصندوق، وقامت بتنفيذ إصلاحات مهمة وصعبة لتحرير سعر الصرف وتطبيق الضريبة المضافة، وتخفيض دعم الطاقة، وكانت سياسات في تقديري سليمة تماما. ولكن ما حدث أن الحكومة لم تبنِ عليها ولم تستكملها ببرامج تجذب الاستثمار وتشجع القطاع الخاص على الإنتاج، كما كان مأمولا، فكانت النتيجة أن الناس دفعت الثمن مرتين: مرة في ارتفاع الأسعار الذي جلبته الإصلاحات المالية الضرورية، ومرة ثانية في عدم زيادة الاستثمار والتشغيل والتصدير الذي كانت فرصته سانحة. الخلاصة أننا في الغالب مقبلون على برنامج جديد مع الصندوق، خطوطه العريضة معروفة ولا بأس بها، ولكن تفاصيلها هي الحاكمة. والمهمة الملقاة على عاتق مفاوضينا ثقيلة. والاتفاق لن يكون نهاية المطاف ولا حلا لأزمتنا، بل الأهم هو ما يأتي بعده من إصلاح حقيقي لمناخ الاستثمار، وتشجيع للصناعة، ودعم للإنتاج المفيد، وتصحيح أولويات الإنفاق العام، والاستمرار في برامج الحماية الاجتماعية.
لو كان رجلا
نبقى مع الفقر وسنينه بصحبة فاروق جويدة في “الأهرام”: من أشهر وأصدق مقولات سيدنا علي كرم الله وجهه، لو كان الفقر رجلا لقتلته.. وفقر المال أرخص الأشياء وفقر الصحبة أصعبها.. وكثير من الناس خسر ماله وهناك من خسر صديقا، وخسارة الأصدقاء لا تعوض، لأننا لا نصنع الصداقة، إنها قدرنا وهي أجمل الأقدار.. وأصعب الأشياء أن تجد صديقا عزيزا يرحل أمام عينيك، وتجد نفسك وحيدا تستعيد ذكريات عمر يأبى أن يعود.. في سنوات قليلة رحل عني عدد كبير من الأصدقاء، وكل واحد منهم أخذ من عمري شيئا.. وجلست على شاطئ الحياة أسترجع صورا غابت وأحاول أن أحافظ على ما بقي مني.. الإنسان أحيانا يشعر بالغربة كلما فقد صديقا وأسوأ أنواع الغربة غربة الوطن وغربة الأصدقاء.. غربة الوطن هي الفقر الحقيقي، وغربة الأصدقاء تسرق منا العمر وحين يجف النهر وتسافر العصافير، وتذبل الحدائق تطل عليك أشباح تشبه الغربان.. ويحاصرك الخوف ويصبح النوم حلما بعيدا وتشعر ببرودة الأشياء وتتجمد الأحلام في شرايينك وأنت لا تدري لماذا تخاف، رغم أن الأبواب مغلقة.. وهناك ضوء شاحب يتسلل من بعيد وتبحث عن شيء يؤنس وحشتك وتسترجع صور أصدقاء رحلوا ولا تجد حولك غير الصمت والوحشة وتتمنى لو عادت الأيام واستيقظ الزمان قليلا، ورأيت وجها مضيئا يؤنس وحدتك حتى لو كان آخر الأصدقاء..
إذا بقي لديك صديق أو عدد من الأصدقاء لا تفرط في أحد منهم، لأنهم ثراؤك الحقيقي، وأنت بهم أغنى الأغنياء، حتى لو كان الوطن بخيلا.. لأن الأوطان كثيرا ما تبيع وكل ما يبقى لك فيها وجوه ترتاح معها وتأنس إليها وتجد لديها الأمن إذا حاصرتك أشباح الخوف والوحدة، صديق مخلص يحميك من عواصف زمان ظالم.. في وحشة الأيام أفتقد كثيرا رفقة أصدقاء غابوا وأحباب رحلوا، وأحاول أن أعيش معهم حلما حتى لو كان في الخيال.. أجمل الأشياء في الحياة وطن آمن، وقلب بلا خوف، وصديق يؤنس وحدتك، وزمان لا يستبيح أحلامك ولا يبدد فرحتك ولا يفرط فيك في أي مزاد..
لعله استراح
رحيل زعيم “القاعدة” يحظى باهتمام كثيرين من بينهم أسامة سرايا في “الأهرام”: في أول ضربة أمريكية ناجحة للإرهاب، في ذكرى مرور عام على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ـ الذي كان مخزيا، إلى حد كبير، للقوة العظمى وهي تنسحب، وتعيد تسليم كابل إلى طالبان، التي جاءت لتخليصها منها، وإقامة حكم ديمقراطي، بعد عقدين على احتلالها- صحونا على مقتل أيمن الظواهري رئيس تنظيم “القاعدة” الذي تسلم مهامه منذ عام 2011، بعد مقتل زعيم التنظيم السابق أسامة بن لادن في باكستان، والتخلص من جثمانه في بحر العرب، وهي عملية شبيهة بالعملية الحالية (يوليو/تموز 2022) في كابل مع الظواهري. عمليتان نوعيتان للأجهزة الأمنية الأمريكية قتلت فيهما بن لادن، والظواهري، اللذين شكلا، منذ 2002، بعد أحداث نيويورك وواشنطن، نموذجين للإرهاب الدولي، وبذلك يتشابه الرئيسان بايدن وأوباما في الإطباق على الظاهرتين (بن لادن، والظواهري). وإذا كان تنظيم “القاعدة”، ومن بعده “داعش”، شكلا عصب الإرهاب العالمي، بعد أحداث سبتمبر/أيلول الأمريكية، فإننا في المنطقة العربية كانت معاناتنا، وألمنا من هذا الإرهاب أقدم، وأكبر وأشد. أتذكر أن أيمن الظواهري عرفناه أول مرة في محاكمة قتلة السادات في أكتوبر/تشرين الأول 1981، فقد كان تنظيم «الجهاد» هو الذي قتل الرئيس أنور السادات في منصة العرض العسكري، وحُكم عليه 3 سنوات خرج بعدها إلى أفغانستان.. خرج أعضاء هذا التنظيم الإرهابيون لكي يخططوا للعودة إلى مصر، وتصوروا أنه بالتخلص من السادات، بطل الحرب والسلام، قد عادوا، ومنذ ذلك التاريخ ومعاركنا مع الإرهاب متجددة، ومستمرة. هذا التنظيم عاد، وكرر جريمته في مصر في سنة 1993، حيث قتل أعضاؤه خلالها 1200 مصري، وحاولوا قتل الرئيس مبارك، وحكمت المحكمة العسكرية على الظواهري بالإعدام غيابيا، وكان تنظيم “القاعدة”، والظواهري تحديدا، وراء ظهور الإخوان في مصر بعد 2011، وقتلهم المريع أبناء جيشنا في سيناء لإقامة إمارة أفغانية يحكمها الظواهرية بالتعاون مع الجماعة.. فهل يُسدل الستار على الإرهاب برحيل أسامة وأيمن.. لا أتصور، لأن الإرهاب يحتاج إلى سياسات عديدة للتخلص منه، أقلها تأثيرا العمليات التلفزيونية الأمريكية.
حرمة الموت
مأساة الطالبة التي نحرها حبيبها لم تنته بعد.. التفاصيل لدى حمدي رزق في “المصري اليوم”: فيديو نيرة أشرف من “جوّه المشرحة” دون تقطيع.. شاهد الآن المقطع كاملا مع كل الإصابات..».. رسالة وصلتني فذبحتني، وكأن طعنة سكين أصابت قلبي.. حتى حرمة الموت تُنتهك.. وصلت لتصوير الجثث؟ صحيح الموت ما بقالهوش جلال يا جدع مَن فعلها مش إنسان، ومش بني آدم، ومحسوب على البشر غلط، الجثة أمانة بين أيديكم، حتى الناس الطيبة يسمونها «أمانة» ترفيعا وتبجيلا واحتراما للجثمان المسجى.. الحمد لله تم حذف الفيديو من المنصات الإلكترونية، ولكن يظل وصف الطعنات التي طالت الجثمان ماثلة، وصف تفصيلي يجتذب طنين الذباب الإلكتروني، وجمهرة المتابعين النهمين لأكل الجثث الميتة، وتفرغوا لعد الطعنات، مع تعقيب وحشي مروّع تجاه القاتل، يستأهل الشنق، وفصل رقبته عن جسمه علنا.. ونتفرج عليها. من ذا الذي صوّر الفيديو ونشره؟ الكل يتبرأ بعد المشاهدة والمعاينة، والدكتور«حشيش»، مدير مستشفى المنصورة العام، يقطع: لم يتم تصوير الجثة داخل مشرحة المستشفى، ترك السؤال معلقا حتى انتهاء تحقيقات صحة الدقهلية.
بيت القصيد: المستهدف من تصوير الفيديو الرهيب ونشره ليس عفويا، بل المستهدف تشكيل رأي عام ضاغط بفعل عدد وشكل الطعنات الانتقامية التي أصابت الفتاة في مقتل، وتركت جروحا غائرة في القلوب.. رأي عام ضاغط في اتجاه الإعدام علنا، وفي أسرع وقت ممكن ليشفى غليلهم الانتقامي. حرمة الموتى آخر ما يفكرون فيه. انتهاك الحرمة لم يعد يشغل الضمائر. حجم التشيير وكأن قنبلة انشطارية ضربت في الفضاء الإلكتروني بفيروس التشفي والغل.
تبا لكم
كل يوم يمر والكلام ما زال لحمدي رزق من أيام هذه القضية يفضح عورتنا.. نفوس خربة متصحرة.. الوحشية تنضح من الصورة، مخيفة، صورة مكبرة من الحقد والغضب والثأر الذي سكن القلوب.. صورة للبشر المسعورة. شيوع هذه الصورة القبيحة مثل شيوع الفاحشة، وهي صورة فاحشة، وتُفرد لها المواقع والحوائط الإلكترونية مساحات فاحشة، فُحشا أخلاقيا، جريمة ضد الإنسانية.. الرِّدة إلى عصور الغاب، إلى عصور ينتهك فيها الشيطان حرمة البراءة مجسدة في مشرحة، دون وجل من ضمير، أو خشية من عقاب. هل هناك مقترح قانوني يلجم هذا؟ هل لا تزال هناك إدارة ممنهجة تحكم البشر وتتحكم في سلوكهم؟ متى يتحول الإنسان إلى شيطان؟ يقينا في مراجع العلوم الاجتماعية والإنسانية تفسيرات لهذا السلوك الشيطاني، يستوجب ألا تمر مثل هذه الطفرات الشيطانية في سياق البشر إلا بدراسات اجتماعية وإنسانية معمقة. في هذا الربع الخالي من الإنسانية سبقت حوادث من العينة نفسها، وغضضنا البصر وتغافلنا وتلهينا عنها عامدين أو متغافلين.. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْي. مقطع الفيديو الذي لفّ العالم، صورة لو تعلمون كافية ليشيح العالم المتحضر بوجهه عنا، يأنف فعلنا، ويدين صنيعنا.. وأمام أنفسنا: ألَا نخجل، ألَا نغضب، ألَا نستحيي؟ العالم كله شاهد الصورة، هل هذه صورة تشيّرونها بضاعة؟ بضاعتكم رُدت إليكم خسرانا تبا لكم وسحقا لأفعالكم، اِستحوا قليلا، ألا تخجلون من أنفسكم؟ انبذوا هذه الصورة القبيحة، العنوها والعنوا مصورها ومُشيّرها، وإلا صارت مثلا.
من يحميهم؟
اهتم محمد احمد طنطاوي في “اليوم السابع” بفضح المتاجرين بقوت الشعب: لم يتوقف أصحاب المصالح عن التصريحات حول ارتفاع أسعار الأعلاف ودورها المباشر في رفع أسعار بيض المائدة، من أجل تمرير الارتفاعات غير المسبوقة في سعر هذه السلعة، حتى جاء رد المستهلك صادما مبددا كل هذه الأطماع، بعد المقاطعة الرشيدة التي تمت باحترافية شديدة، انخفض معها طبق بيض المائدة من 80 إلى 55 جنيها، وهذا لم يكشف فقط عن دور المستهلك وقدرته على التحكم في أسعار السلع والمنتجات، لكنه كشف أيضا حجم الاحتيال والمغالاة في التسعير من جانب أصحاب المصالح. في غضون 3 أيام فقط شهدت أسعار البيض انخفاضات غير مسبوقة، خاصة أنها سلعة سريعة البوار، عمرها العملي لا يزيد عن 7 أيام، وتفسد سريعا في ظل الظروف الجوية الحارة، ونتيجة اتجاه المواطن للمقاطعة وتقليل الاستهلاك، دفع تجار الدواجن والبيض نحو خسائر يومية بعشرات الملايين، ولحقت بمن حولهم من وسطاء وحلقات متعددة وصولا إلى المستهلك النهائي، وهذا كله بدعم من تحركات الأفراد عبر السوشيال ميديا، وانحياز بعض وسائل الإعلام لمصلحة المستهلك، الأمر الذي أسهم في انخفاض الأسعار بسرعة الصاروخ، وربما المزيد منها خلال الأيام المقبلة، حال استمرار الاتجاه في تقليل الاستهلاك.
حدثني أحد الأصدقاء المهتمين بتربية الدواجن وإنتاج البيض، حول حجم الاستهلاك في هذه التجارة الضخمة، وأخبرني أن الفرخة الواحدة تأكل يوميا ما يعادل 100 غرام من العلف، في حين يبلغ سعر طن العلف 10 آلاف جنيه بعد الزيادات الأخيرة، بما يعني أن الدجاجة الواحدة تستهلك بقيمة واحد جنيه يوميا، ولو تمت إضافة 50% من هذا المبلغ للعمالة والإنتاج والكهرباء والمصروفات المختلفة، ستصبح تكلفة البيضة الواحدة 1.5 جنيه تقريبا، ثم وضع هامش ربح بحوالي 35% وهذه النسبة تمثل حوالي 50 قرشا، بما يعني أن البيضة الواحدة تحقق مكاسب خيالية ـ 35% – سوف يصل سعرها إلى 2 جنيه فقط، ويصبح سعر الطبق 60 جنيها عند أقصى تقدير وبمستوى الأرباح المذكور، وليس 80 جنيها كما كان يباع منذ عدة أيام.
مجرد شكل
ما الذي استدعى الآن زيارة بيلوسي؟ هذا سؤال وصفه عبد الله السناوي في “الشروق” بالمربك في توقيته وأسبابه ودواعيه. لم يخف وزير الخارجية الروسي المخضرم سيرجي لافروف حيرته، قال إنه لا يفهم أسباب استفزاز الصين الآن بدت حيرته في محلها تماما. بالتوصيف السياسي فإن الصين حليف استراتيجي مفترض لروسيا في المعادلات الدولية المتغيرة، لكنها لم تنخرط في الحرب الأوكرانية بأي صورة مباشرة. اعترضت على التصعيد المتوالي للتحشيد العسكري والعقوبات الاقتصادية غير المسبوقة على روسيا من قبل التحالف الغربي وحلف «الناتو» دون أن تبدو طرفا مباشرا في الأزمة الدولية المتفاقمة. دعمت موسكو بقدر محسوب بلا تورط عسكري، أو صدام دبلوماسي، ولم تحاول أن تستثمر في فوضى البيئة الدولية لغزو تايوان، وضمها بقوة السلاح ــ على ما تكهنت أطراف غربية عديدة. إحدى الفرضيات الرئيسية لاستدعاء «العدو الصيني» إلى واجهة الأحداث الملتهبة باسم «الصداقة والشراكة مع تايوان»، أو بذريعة دعم الديمقراطية فيها، ضخ دماء جديدة من الثقة في شرايين الرأي العام في أداء الإدارة الأمريكية بأثر إخفاق مشروع «إذلال روسيا» واصطيادها في المستنقع الأوكراني والأزمات الاقتصادية الارتدادية، التي تعاني منها المجتمعات الغربية. بتلخيص ما فإن الزيارة عمل استباقي للانتخابات النيابية الأمريكية خريف هذا العام، التي تشير استطلاعات الرأي العام إلى أنه قد يلحق بالحزب الديمقراطي هزيمة كبيرة، تخسر بيلوسي بمقتضاها مقعدها على رأس المجلس النيابي، ويصبح الرئيس جو بايدن شبه عاجز عن تمرير القوانين التي يقترحها.
بانتظار جثة
رغم ما أبدته إدارة بايدن من تحفظات خجولة على زيارة بيلوسي مؤكدة التزامها بسياسة «صين واحدة» إلا أنها موضوعيا وفق رأي عبد الله السناوي تنتظر أن تسفر عن تحسن نسبي لفرص الحزب الديمقراطي في الانتخابات الوشيكة. بيلوسي رددت الالتزام نفسه بسياسة «صين واحدة» دون أن تدرك قدر التناقض بين ما تقول وما تفعل بدواعي استفزاز زيارة بيلوسي وجدت الصين نفسها مدعوة للرد بأقصى ما تستطيع دون أن تتورط فيما لا تريده. حاصرت قواتها العسكرية الجزيرة من جميع الجهات، فرضت ما يشبه الحصار البحري والجوي عليها، وأجرت مناورات بالذخيرة الحية، فيما تحركت في الوقت نفسه مقاتلات وسفن أمريكية إلى المنطقة تحسبا لأي اشتباكات محتملة. كان ذلك لعبا بالنار، قد تفلت شراراتها ويدخل العالم كله إلى جحيم حرب نووية. لم يكن ممكنا أن تصمت الصين دون رد يبدو قويا ومحدودا. من اللافت ـ هنا ـ ما أكده الرئيس الصيني شي جين بينج في قمة جمعته عبر «الفيديو كونفرانس» مع الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل الإعلان عن زيارة بيلوسي من أن: «علاقات الدول يجب أن لا تصل إلى مرحلة الصدام العسكري».. وأن «العالم لم يعد مكانا آمنا ولا هادئا وما يحدث في أوكرانيا لا أحد يريد أن يراه مرة أخرى».
كانت تلك رسالة صينية مبطنة، أنها لن تغزو تايوان ولا تسعى إلى صدام عسكري مع الولايات المتحدة. ولا كانت إدارة بايدن بوارد أن تفلت منها ألعاب النار لكنها جازفت، حيث لا تصح أي مجازفة. لا يعتقد أحد جادا أن الصين ذاهبة بأي مدى منظور إلى أي مواجهة عسكرية، فهي دولة لديها مشروع يعمل على نقل اقتصادها إلى المرتبة الأولى دوليا، تطلب الانفتاح على الغرب والشرق الأوسط وافريقيا، وحيث تستطيع أن تمد خيط مصالحها دون مشاحنات أو صدامات. الحكمة المتوارثة عند الصيني جعلته مستعدا، بطول نفس وقدرة على الصبر، أن ينتظر جثة عدوه طافية عند حافة النهر.
صالح أم طالح؟
السؤال أعلاه عن ملك مصر الراحل الذي سعى للتنقيب في سيرته كرم جبر في “الأخبار”: حكم الملك فاروق مصر في صيف 1938، وظل قرابة 15 عاما حتى خُلع من العرش بقيام ثورة يوليو/تموز 1952، وشهدت سنوات حكمه المخاض لنهاية الاستعمار البريطاني، وغروب شمس أسرة محمد علي، وحفلت البلاد بحركات ثورية وتحررية، تدعو للاستقلال وزوال الملكية. فاروق الذي وصفه البعض بـ«الفاسد» له إنجازات كبيرة، فهو الذي أبعد جميع العاملين الإنكليز من خدمة القصر، وألغى امتيازات السفير البريطاني، وأنشأ جامعة الإسكندرية ونقابتي الصحافيين والمحامين والمعهد العالي للفنون المسرحية، وعيد العلم وتكريم الأوائل، والجمعية المصرية للدراسات التاريخية. فاروق كان يسدد من جيبه الخاص مصروفات الطلبة غير القادرين، وأنشأ مصلحة الأرصاد الجوية ومجمع محاكم الجلاء، وسوق روض الفرج ومشروع الإصلاح الزراعي، وإطلاق أول صاروخ مصري بمساعدة الألمان وجامعة عين شمس، وأنشأ نادي القضاة ومجمع التحرير والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة والمحاسبات، وقرر مجانية التعليم الجامعي. الملك فاروق كان حكيما في مشهد الوداع الأخير، وهو يهم بركوب المحروسة، بعد قيام حركة الضباط الأحرار، وكان معه الحرس الملكي والقوات الملكية البحرية، ورفض بشدة حدوث مواجهة بينهما وبين الجيش، رغم ضغوط محيطيه بأن يستخدم القوة ضد الضباط الأحرار.
انحنى لإرادتنا
تابع كرم جبر رصد أيام الملك الأخيرة: صعد إليه محمد نجيب على اليخت الملكي المحروسة، وأدى التحية العسكرية لملك مصر، وقال له «جلالة الملك، لقد وقفنا بجانبك سنة 1942، عندما حاصرت دبابات الإنكليز القصر لإجبارك للتنازل عن العرش، لأن الشعب كان يريد ذلك، واليوم نطلب منك الرحيل والتنازل عن العرش، لأن الشعب يريد ذلك». انحنى الملك لإرادة الشعب والجيش ودشن ميثاقا وعهدا بأن الجيش لا ينحاز إلا للشعب،
وقال فاروق جملته التاريخية الشهيرة «نقطة دم مصرية أثمن عندي من كل عروش الدنيا، والرحيل أهون على قلبي من سفك دماء مصرية حفاظا على منصبي». أيا كان الأمر فالإنصاف يقتضي التعامل مع الأحداث التاريخية وسيرة زعماء مصر بموضوعية ومصداقية واحترام، صحيح أن هناك عادة فرعونية لطمس إنجازات السابقين ووضع الجالسين على العروش بدلا منهم، ولكن يجب أن تنكسر دوائر الانتقام. لم يكن ضروريا الصعود فوق جثته، والتنكيل به وتشويهه في الأفلام السينمائية والكتب المدرسية والتاريخية، وإرغام الجميع على أن يسبق اسمه بكلمة «فاسد»، وأن يكون الحكم عليه وعلى غيره منصفا. إذا كُتب تاريخ الأمم بالانتقام والافتراء، فلن ينجو أحد من تلك «اللعنة» التي هي أشد عقابا من لعنة الفراعنة، ويجب ألا تترسخ أبدا مفردات الخيانة والعمالة.
كنوز في داخلنا
معلومات قيمة اهتم بها الدكتور طارق الخولي في “الوفد”: قد لا يعرف الإنسان أنه يوجد في جسده خمسة معادن رئيسية هي الكالسيوم والفوسفور والبوتاسيوم والصوديوم والمغنسيوم وأحد عشر أخرى غير رئيسية هي الكبريت والحديد والكلور والفلور والكوبالت والنحاس والزنك والمنجنيز والموليبدنوم واليود السلينيوم (قد يزيد هذا العدد) وأن هذه المعادن قادرة على عمل تلف شديد في الأجهزة إذا زادت أو نقصت. قد يتساءل القارئ الآن «والحديد يا دكتور ماذا يفعل داخل جسدي؟» أو يسأل عن «حكاية الكالسيوم والمغنسيوم ومش كفاية الصوديوم» وهذه معادن يتردد ذكرها كثيرا، ولأنّ الحديد أكثر معدن في الكون من حيث الأهمية ويتصاغر أمامه أي معدن آخر، إلا أن نقصان أي واحد منها يشكل مشكلة كمثل أهمية الحديد تماما، والحديد يدخل في تركيب الهيموغلوبين الذي يحمل الأكسجين ويمثل الحياة للخلية الحية والإنسان والحيوان، ونقص الحديد هو ما يعرف بالأنيميا وأسبابه هي عدم تناول الحديد بكميات مناسبة، وهذا أمر نادر الوجود، أو أخذ مركبات تمنع امتصاصه مثل الشاي بعد الطعام، أما أن يكون الحديد موجودا في جسدك، ولكن لا تستطيع الانتفاع به كما يحدث في أمراض منها مرض الفشل الكلوي. والفلور والكلور والأول مطلوب في بناء الأسنان، أما الثاني فيحتاج الجسم إلى الكلور لتكوين العصارات المعدية، ويوجد أيضا مع الصوديوم في السائل المحيط بالخلايا. الكالسيوم معدن القوة والصمود وهو مهم في بناء العظام والأسنان عند الكبار وخاصة عند الأطفال وهام لحركة العضلات والأعصاب داخل المخ وخارجه ولا مقارنة مع غيره من المعادن.
مثقال بدينار
مضى الدكتور طارق الخولي محصيا مزيد من الكنوز داخل أجسادنا: عن الزنك فحدث ولا حرج ولم نكن نأخذه مأخذا مهما عند أغلب الأطباء إلا بعد ظهور كورونا وقليل منا من كان يعرفه قبل ذلك، أما الآن فأصبح «مثقاله بدينار» وهناك مركبات أخرى لا نعرفها كثيرا ولا نقترب منها أكثر ونسبتها في الجسم أقل من الحديد مثل النحاس، ولكن لا غنى عنها والنحاس يدخل في تركيب البروتين والسوائل داخل الجسد. كنت لا أعرف أن الفوسفور يشكل 1% من جسد الإنسان، وهو مهم لصناعة البروتين داخل الجسد ومصدر كبير في عمل الطاقة.
وما كنت لأسمع مطلقا عن السيلنيوم والكروميم، ولكنهما يوجدان داخل الجسم ولكن غير معلوم الوظيفة المحددة حتى الآن مثل غيرهما من بعض المعادن، وإن كانت كل الأبحاث تشير إلى أنهما يقيان من السرطان لأنهما مضادان للأكسدة، ولكن ليس هناك ما يؤكد ذلك. وبطبيعة الحال الكل يسأل: هل هذه المعادن هي أن الإنسان خلق من تراب، فلذلك هي في جسده وفي النسب نفسها التي تكون في التربة الطينية التي خلق منها الإنسان؟ والأغرب هي وظيفة هذه المعادن ولماذا يحتاجها الإنسان بهذه الكميات الضئيلة؟ وماذا لو حدث فيها خلل فهل ستكون المشكلة كبيرة تؤثر في حياة الإنسان؟ وهل توجد معادن أخرى لم نعرفها حتى الآن، فالجدول الدوري للمعادن Periodic table يحتمل أن تضاف إليه معادن أخرى تكتشف حديثا، وقد تتبدل كل هذه المعلومات التي نشأنا عليها من قبل بعد إضافة ما يتم اكتشافه من معادن. وأخيرا ماذا يفعل اليود داخل الجسم؟ واليود عنصر مهم للغاية داخل الجسد ومنه تنتج الغدة الدرقية هرموناتها ولا يصنع من غيره ودون هرمون الـ Thyroxine لا ينمو الطفل ويصاب بتخلف عقلى وضمور جسدي..
بقلم
حسام عبد البصير
عن جريدة ” القدس العربي ” بتاريخ الجمعة 5 أغسطس 2022
لـ ” مختارات سينما إيزيس “