مهرجان ” كان ” 77 يعلن عن جوائزه بقلم صلاح هاشم
يوم السبت الماضي25 مايو، وقبل أن تعلن لجنة تحكيم مهرجان ” كان ” السينمائي في دورته 77 التي تترأسها الممثلةوالمخرجة الأمريكية جريتا جريفيغ – مخرجة فيلم ” باربي ” – عن جوائزها، وقبل أن يبث “حفل ختام المهرجان”والإعلان عن تلك الجوائز عبر القناة الثانية في التليفزيون الفرنسي في الثامنة مساء.ولم يكن لدي أي أمل يقينا، في اللحاق بذلك الحفل، ومشاهدته على القناة المذكورة، بعد أن حجزت تذكرة عودة لي، على القطار الفرنسي السريع رقم75856 الذي ينطلق من محطة قطار مدينة ” كان ” الساعة15.32 ويصل الى باريس الساعة 20.38 مساء، وحالما أصل الى البيت في ضواحي باريس بالمترو، يكون حفل الختام، قد إنتهى ياسعيد..
رحت استعيد، بعد أن إنطلق القطار، مشاهد تلك الأفلام الرائعة التي سعدت بمشاهدتها في الدورة 77، وبخاصة في قسم “المسابقة الرسمية” لعام 2024 التي ضمت 22 فيلما، القادمة من أنحاء العالم، وبعد أن تم اختيارها من بين أكثر من 2000 فيلم ،وصلت الى إدارة المهرجان، وهي تحكي عن حال العالم مع الألم والأمل، والحياة والموت، والسلام والحرب، وأتأمل في معاني تلك الأفلام، وهي تفلسف وجودنا الحي، وتفتح لنا سكة للخلاص، وفهم العالم، وتجارب ودروس الحياة، وبدأت أسرح ، ثم وإذا بهاتفي المحمول يرن، ترن ترن، وإذا بها “أم دنيا ” زوجتي، تتصل بي، لتطمئن على أني لم آخذ القطار الخطأ، لأجد نفسي – كما حدث لي من قبل – أصل من محطة ” كان “، حيث أخذت القطار، أصل الى مارسيليا، وليس باريس.. وأخذنا نضحك..
ثم أنها كالعادة، وحين تتصل بي في المهرجانات التي أحضرها، لأكتب عنها، سألتني كيف وجدت الدورة77، التي خطفتني لمدة 12 يوما، وجعلتني أنسى- وأنا أتطلع مأخوذا ومدهوشا كطفل، الى أعمال السحر، التي تعرض على الشاشة الفضية – أنسى عيالي والدنيا، وماهي الأفلام التي أعجبت بها أكثر من غيرها، في قسم المسابقة الرسمية للدورة 77 – وماهو حظها من نيل جوائز، عند الإعلان عن جوائز مسابقة الدورة 77..خلال ساعات..
ثم ماهى أخبار الفيلم المصري ” رفعت راسي للسما” الذي أعلن عن فوزه بجائزة ” العين الذهبية “، وماذا عن هذه الجائزة التي تمنح لأفضل فيلم وثائقي كما يقال في جميع أقسام المهرجان..
فاعتدلت في جلستي، وأخذت وضع الإنطلاق، للحديث عن هؤلاء الحكواتية الكبار ،من المخرجين العظام، الذين يرون لنا ” قصة الأرض ” الذين جمعتهم المسابقة الرسمية، مع جملة من مواهب السينما العالمية الجديدة ،التي سوف تصنع ” سينما الغد ” في المستقبل…
أعتبر يازوجتي العزيزة – أجبتها قائلا – وبخاصة بعد أن انتهيت في التو ، من مشاهدة الفيلم الهندي البديع ” كل ما يمكن أن نتخيل كضوء ” ALL WE IMAGINE AS LIGHT– للمخرجة الهندية ” بايال كاباديا، الفيلم الأول لمخرجته، المشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان،وهو بمثابة “عودة مظفرة “للسينما الهندية الى المهرجان،بعد غياب دام 30 سنة، وحسنا فعل المهرجان بحجب الفيلم ،لحين عرضه فقط اليوم، ليكون مفاجأة سارة، ترفع من معنوياتنا، بسبب تراكم مشاعر الإحباط والقلق واليأس والملل لدينا،من مشاهدة العديد من “الأفلام الضعيفة” ، بتوقيع مخرجين كبار، في المسابقة الرسمية للدورة77..
مثل فيلم” ميجالوبوليس ” ’MEGALOPOLIS” – للأمريكي العرّاب فرانسيس فورد كوبولا، وفيلم ” أنواع من الطيبة ” – KINDS OF KINDNESS– للمخرج اليوناني الكبير يورغوس لانتيموس ،وفيلم “ثلاث كيلومترات لنهاية العالم” للمخرج الروماني إيمانويل بارفو..وفيلم ” بارتينوب “- PARTHENOPE – للمخرج الإيطالي الكبير باولو سارانتينو، وفيلم ” أكفان “- SHROUDS– للمخرج الكندي الكبير دافيد كورننبيرغ وغيرها..
حيث بدا لنا – يازوجتي العزيزة – أن بعضها كان ، ورغم إسم مخرج الفيلم الكبير، وأبطال الفيلم من النجوم الكبار، من المشاهير، والحاصلين – بعضهم – على جوائز أوسكار – كان مجرد ” تدريبات في الأسلوب ” أو ” ترف فكري عبثي عقيم ” و ” حصاد الهشيم ” مع الإعتذار لمولانا الأديب المصري العظيم عبد القادر المازني، وفوق مايمكن أن تتصور..
ميلاد مخرجة هندية عظيمة
أعتبر إذن ، وقبل الإعلان عن جوائز المهرجان في حفل الختام الليلة، ليكون ذاك الفيلم الهندي الرائع، وكما يقول المثل الفرنسي بمثابة ” ثمرة الكريز” التي تعتلي “تورتة المهرجان”..
أن الدورة 77 لمهرجان ” كان ” الذي نتابع أعماله منذ عام 1982، كادت أن تتكرس بأكملها – من خلال أفلامها ووقائعها وأحداثها في دورته 77 ، للدفاع عن حرية المرأةضد جميع أشكال العنف التي تمارس عليها، ومساواتها بالرجل، وتضامن المهرجان الرسمي – الذي تترأسه سيدة – كليا، مع حركة ” أنا أيضا ” – ME TOO – الفرنسية، بعد ظهورها في أمريكا منذ سبع سنوات مضت -ضد التحرش بالنساء واغتصابهن ،من قبل مخرجين وممثلين فرنسيين معروفين، في الوسط السينمائي الفرنسي، مثل الممثل الفرنسي الكبير جيرار دوبارديو.وقدظهر ذلك جليا، في العديد من الأفلام،التي شاركت في المسابقة الرسمية، وضمت 22 فيلما، ومن ضمنها ذاك الفيلم الهندي التحفة – A REAL MASTERPIECE– الذي أعتبره “ماسة المهرجان” الحقيقية، ولو كنت يازوجتي العزيزة عضوا في لجنة التحكيم الرسمية للدورة 77 التي تترأسها الممثلة والمخرجة الأمريكية جريتا جيرفيغ مخرجة فيلم ” باربي “، لمنحته ” سعفة كان الذهبية “، بل وكل جوائز المسابقة الرسمية للدورة 77
صورة بومباي في السينما ،وحال البشر مع الألم والأمل
حيث ينتصر الفيلم ،لمذهب “الواقعية” في السينما، ويطرح صورة تشبه الهند ، وهو يعرج ،ومنذ أول لقطة، على حياة الناس الشغالين، في مدينة بومباي – مدينة الأحلام أو بالأحرى ” الأوهام “- التي يجب أن نصدقها، كما تقول بطلة الفيلم، التي تعمل ممرضة، في مستشفى في بومباي،نصدق بومباي ونصدق أحلامها، أوهامها، وإلا ..أصبحنا مجانين..
وتذكر بطلة الفيلم- الممرضة،وهي متزوجة، تزوجت من رجل لاتعرفه، وفرضه أهلها عليها،ثم سافر زوجها للعمل في ألمانيا،وإنقطعت عنها أخباره، حيث لم يعد لديه مايقوله لها، أنها لاتستطيع ، وهي على الرغم من أنها عاشت في بومباي أكثر من 23 سنة ، أن تسميها بلدا، أو وطنا..
إنها بومباي ..مدينة لكل الغرباء. مجرد محل للسكن والعمل، وعلاقات الحب المحرمة فيها، الحب بين هندي مسلم ، وهندية هندوسية، وسكان ناطحات السحاب في بومباي الذين يريدون أن يعاملوا -باقترابهم من السماء – كآلهة،واذا لم تكن لديك أوراقا رسمية ، تثبت أنك كنت تسكن في شقة ما، فانت محكوم عليك في بومباي ناطحات السحاب، بالطرد الفوري من المكان، ولا وجود لك، إن كنت بلا أوراق، في المدينة، في سجلات الحياة.. ..
ساتيا جيت راي، والضوء القادم من بلد طاغور
كما يذكرك الفيلم المقدس – كما في فيلم ” ،الذي يحكي عن الحياة، والرغبة، والألم ، والإيروس، والغربة والحب،والكرامة، والصداقة – بشفافية وعذوبة ورقة-” يذكرك بأعمال المخرج الهندي العظيم ساتيا جيت راي السينمائية، وهو إمتداد له، بروح ” طاغورية ” قدسية، نسبة الى رابندرانات طاغور، شاعر الهند العظيم، تطهرنا من كل أدراننا، وربما كانت القيمة الأسمي للسينما ، هي أنها تنجح أحيانا في أن تكون بمثابة نوع من ” التطهير ” الذي يغسلنا من أدراننا، وبلسما يشفينا، وهو يطببب جروحنا، ويربت على أكتافنا، ويعيد إلينا، بهجة الحياة والفرح بالحياة، وبالدنيا ..
كإمتداد أفلام صلاح إبو سيف العظيمة ، كما في فيلمه ” الفتوة ” و” بداية ونهاية “، لرائد الواقعية في السينما المصرية، المخرج الكبير كمال سليم، في فيلمه ” العزيمة ” من إنتاج 1936.كما يحيل الفيلم، الى علاقة السينما بالضوء، و”الطاقة الروحانية” بسحر الضوء، وأفلام الواقعية الجديدة في إيطاليا ، وتجليات “الخطاب الصوفي” – كما أحب أن أسميه – عند روسوليني ،كما في فيلمه العظيم ” رحلة في إيطاليا ” بطولة السويدية إنجريد برجمان، أو فيلم ” روما مدينة مفتوحة ” بطولة الإيطالية آنّا مانياني..، ويعلن هكذا، يازوجتي الحبيبة، ومن ذلك المنظور، عن ميلاد مخرجة هندية عظيمة، في ساحة مهرجان كان في دورته 77، كما نرشح بطلته للفوز بجائزة أحسن ممثلة في أفلام المسابقة الرسمية، عند إعلان الجوائز الليلة..
السينما المصرية رفعت عيوننا للسما
كما برزت بعض أفلام السينما العربية في المهرجان – وعندما أتحدث عن المهرجان فأنا أعني ليس المهرجان الرسمي فقط ياحبيبتي، بل التظاهرتين الرسميتين الموازيتين ” إسبوع النقاد ” و ” نصف شهر المخرجين ” والآن تغير إسم الأخيرة الى” نصف شهر السينمائيين”، ومن ضمنها الفيلم المصري الرائع ” رفعت راسي للسما ” لندى رياض وأيمن الأمير ، أو “بنات النيل ” ، المشارك في تظاهرة إسبوع النقاد..
وهو فيلم وثائقي ، يحكي عن مجموعة من الفتيات المصريات، اللواتي عشن معا ،تجربة تكوين فرقة مسرحية، تقدم عروضها في شوارع قرية “برشا “بمحافظة المنيا، في صعيد مصر الجواني العميق، لتكشف عن أحلام الفتيات الشابات المصريات الصغيرات المجهضة، والأوضاع المأسوية، التي تمارس عليهن ويعشنها، من قبل الأسرة ،،والمؤسسة الدينية، والعادات والتقاليد، وليس فقط في برشا ،وصعيد مصر، بل في أنحاء الوادي ، والنهر والجبل. إنه فيلم وثائقي فذ حقا ، بمنحي واقعي روائي ،ويتسامق بفنه، وبما فيه فقط من سينما، حين يسأل النهر – وهو ينساب بإيقاع متمهل، وعذب،ويعقد ” محاكمة” للكبار وسط الشارع في برشا وضواحيها – إن متى الخلاص إذن، والتحرر، من قبضة واقع العصور الوسطي في بلدنا مصر، من تخلف وكبت، وقمع وجهل وإهمال،التي مازالت مهيمنة، ونحن نعيش في القرن 21، وسلطة الدين، والحكومة والحلال والحرام..
وشكرا جزيلا لأصحاب الفيلم – الذي حضرنا عرضه الأول في تظاهرة ” إسبوع النقاد ” في كان ، وقوبل بتصفيق كبير، وحفاوة وإشادة بالغين، من قبل الجمهور والإعلام الفرنسي والعالمي – الذي أسعدنا ببنات النيل وأقباط مصر..
وهن يطرحن تساؤلات المصير الكبرى، في قارة مصر أم الدنيا،، في فيلمهن البديع، ويطلبن من فرط واقع الظلم، الواقع عليهن، أن نرفع عيوننا للسما، ،ونصلي من أجلهن – وهن إذا ذهبن – كما تصرح مخرجة وعضوة الفرقة في الفيلم، حين تعتزم السفر ، للالتحاق والدراسة بمعهد التمثيل في العاصمة القاهرة – هن إذا ذهبن فهن لن يعدن ابدا، ولا عودة لها – ولكل بنات النيل، إذا صممن على فعل ما، وإنطلقن للتنفيذ. أما جائزة ” العين الذهبية – ” LOEIL D OR – التي منحت للفيلم، فهي جائزة تمنحها لجنة تحكيم خاصة منبثقة، عن مهرجان كان الرسمي ومؤسسة السكامSCAM لحقوق المؤلف الفرنسية، تأسست عام 2019 في مهرجان ” كان “، ويترأسها حاليا مخرج الأفلام الوثائقية الفرنسي الكبير نيكولا فيلبر NICOLAS PHILIBERT، وقيمة الجائزة 5000 يورو تمنح لمخرج الفيلم.
سقوط القناع في فيلم ” الى أرض مجهولة ” الفلسطيني
كما برز – كما قلت لزوجتي -في المهرجان ،فيلم ” إلى أرض مجهولة ” للمخرج الفلسطيني مهدي فليفل، الذي يعيش في الدانمرك، والذي عرض فيلمه في تظاهرة ” نصف شهر السينمائيين الموازية للمهرجان الرسمي ، وأعجبنا – أحب أن أتحدث أحيانا هكذا بصيغة الجمع – كثيرا جدا.ويحكي الفيلم عن محاولة شابين فلسطينين، شاتيلا ورضا ،وهم أبناء عمومة للخروج من اليونان، والذهاب الى ألمانيا، وحلمهما بأرض وعمل ووطن، ويكشف الفيلم، الأشبه مايكون، بفيلم بوليسي واقعي مشوق، ويحبس الأنفاس، عن اضطرارهم لارتكاب جرائم السرقة، والكذب والإحتيال ،من أجل السفر الى المانيا بأي ثمن..
مهدي فليفل
ومن خلال التحايل على الحياة في اثينا، يسقط القناع، وتظهر حقائق الواقع الفلسطيني البائس ،في المنفى، بكل أوضاعه التراجيدية – النكبة – بكل دقائقها وتفاصيلها المرعبة، وحيث يرتفع صوت الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش في الفيلم، من خلال مهاجر فلسطيني شاعر ويطلق على نفسه إسم ” أبو الحب ” ، لإدانة – بعد أن سقط القناع – بعض الحكومات العربية – ،ومعاملتها للفلسطينيين كعبيد أو كلاب، ثم حرب إسرائيل على غزة..
كما أرشح – قلت لزوجتي – وقبل الإعلان عن جوائز المسابقة الرسمية في تلك الليلة- وعجلات القطار السريع تنهب الأرض في طريقها الى محطة جار دو ليون – محطة مدينة ليون – في باريس..
أرشح أخيرا مجموعة الأفلام التالية التي أعجبتني كثيرا، و المشاركة في مسابقة الدورة 77 الرسمية ،للحصول على جوائز:
1 – فيلم ” ايميليا بيريز ” – EMILIA PEREZ– اخراج المخرج الفرنسي الكبير جاك أوديار، وهو فيلم رائع ، ويستحق وعن جدارة ، الحصول على سعفة ” كان ” الذهبية ، للقضية التي يدافع عنها ، وهي حق كل إنسان، أن يكون ” النوع “- MtoF– الذي يرغبه، والهوية التى يريدها، وأن يختار ” عائلته ” بنفسه وليس عائلته التي ولد فيها، وحيث يتحول “تاجر مخدرات” عالمي في الفيلم الى إمرأة، لا لكي يستطيع البوليس العثور عليه، عند اختفائه، بل لأنها كانت تلك رغبته، وطوال حياته، أن يكون إمرأة، وبعد أن يجري عملية جراحية، بمساعدة محامية مكسيكية،علىى يد جراح إسرائيلي، ويرحّل زوجته وإبنائه من المكسيك، للعيش في سويسرا، يستبد به الحنين من جديد الى اولاده، ويكتشف أنه لايستطيع أن يعيش كأمراة في المكسيك من دون أن يكونوا بجواره ، فما العمل إذن ؟ ويكشف الفيلم أيضا عن كيف يتحول مجرم الى فاعل خير، يدير مؤسسة خيرية ثرية، تعيد جثثث ضحايا عصابات تجارة المخدرات ” الكارتلات ” الكبرى، الى أهاليهم، ولذا تتحول إيميليا بيريز- تاجر المخدرات الذي غير جنسه وإسمه -الى قديسة في المكسيك..
فيلم ” ايميليا بيريز ” يضرب – بحنكة اخراجية – عصفورين بحجر، فهو من ناحية يحقق إضافة، على مستوى نوع “الأفلام الموسيقية”، وينتصر لقضية الدفاع عن المرأة، وضد كل أشكال العنف التي تمارس ضدها، مثل قتل النساء في المجتمعات الذكورية الرجعية المتخلفة، والدول المتقدمة ايضا، حيث تقتل في فرنسا مثلا إمرأة واحدة متزوجة وأم لعيال ، بيد زوجها، كل 3 دقائق.
2 – فيلم ” مارشيلو أنا ” – MARCELLO MIO – للمخرج الفرنسي كريستوف أونوريه، وهو فيلم من أعذب وأمتع وأجمل الأفلام التي عرضها المهرجان في دورته 55، وأعجبتني كثيرا جدا، ويحكي مغامرة إمرأة ممثلة تدعى كيارا ماستروياني، تشبه والدها الممثل الإيطالي العالمي مارشيو ماستروياني، بطل مجموعة من أشهر الأفلام الإيطالية والعالمية، مثل فيلم ” الحياة اللذيذة ” لادولشي فيتا لفيلليني، وبسبب المتاعب التي تعاني منها، في حياتها المضطربة، وعلاقتها بأمها الممثلة الفرنسية القديرة كاترين دينوف، تفكر كيارا أنه من الأفضل أن تتقمص شخصية الأب، بل تصبح ماستروياني الأب ،في الحياة على الطبيعة ، ودعنا نرى ماذا نرى ، وأن أن تعيش في جلباب أبيها، وهو الأمر الذي يتمخض عنه عدة مفارقات ومفاجآت لطيفة ومثيرة، ويجعلنا نحب كيارا، ونتعاطف معها، بعد أن أصبحت ذلك الأب الذي لم تتعرف عليه كثيرا في حياتها ، لانشغاله بمهنته، وإنفصاله عن والدتها..وحرمانها من عطفه وحدبه وحنانه وأبوته..
فيلم ” مارشيلو مييو “، فيلم إنساني جميل، وارشحه للحصول على جائزة أحسن إخراج ، أو جائزة أخرى، وربما تحصل ممثلته كيارا أيضا، على أجائزة أحسن ممثلة في أفلام المسابقة الرسمية للدورة 77، ولقد كانت والحق يقال نجمة المهرجان ، ليس فقط بسبب براعتها في تقمص شخصة والدها، بل بسبب كل هذا الحب الكبير، الذي نحمله جميعا للممثل الإيطالي المتوسطي العبقري ماستروياني ..
ولن ننسيى ابدا اللقطة التي تنادي فيها السويدية أنيتا أكبرغ في مشهد النافورة في روما ، وهي تظهر في صورة ربة الجنس، و تنادي عليه إن مارشيلو مارشيلو تعال إلي، أين أنت ؟ في فيلم ” لادولشي فيتا . الحياة الحلوة لفيلليني ..
3 – فيلم ” فتاة الإبرة ” – THE GIRL WITH THE NEEDLE– وهو فيلم دانمركي لماجموس فون هورن، ويحكي عن آثار الحرب العالمية الأولى المدمرة على البشر، من خلال عاملة في مصنع يختفي زوجها الذي خدم كجندي في الحرب، ولا يعرف إن كان قد مات ولديها شهادة وفاته، ومن خلال علاقتها بصاحب المصنع – في غيبة الزوج – وارتباطها معه بعلاقة تصبح حاملا في طفل، وعندئذ يظهر زوجها ، وتتطور أحداث الفيلم، في محاولتها التخلص من الطفل، واعطائه لسيدة برجوازية ،تتكفل بتوزيعه مع اطفال آخرين على الأسر الارستقراطية ،من محامين وأطباء، حيث يمكنهم البقاء في رغد من العيش والحياة الكريمة، وهي في الحقيقة تتخلص منهم. وتقع أحداث الفيلم في مدينة كوبنهاجن عام 1918، وهو فيلم من أفلام الرعب، و مؤثر جدا، وأشبه مايكون بالأفلام الألمانية التأثيرية كما في فيلم ” مترو بوليس ” للمخرج الاألماني العظيم فريتز لانج،وارشح بطلته للحصول على جائزة أحسن ممثلة في أفلام المهرجان..
شكرتني أم دنيا كثيرا ،على معلوماتي القيمة،والرد على تساؤلاتها ،بإستفاضة، ثم إتصلت بي مرة ثانية، عندما أخذت المترو ، من محطة جاردوليون – محطة ليون – في باريس، لأصل الى بيتنا، لتقول لي – بشيء من الإعجاب والفخر والزهو، أنها شاهدت حفل ختام المهرجان، والإعلان عن جوائز الدورة 77، على شاشة القناة الثانية الرسمية، و قد صدقت بعض توقعاتي..وفرحت جدا بالطبع..
فيلم ” أنورا ” للأمريكي شون بيكر يخطف سعفة كان الذهبية
وعندما فتحت في التو صندوق بريدي الخاص، وجدت رسالة من إدارة المهرجان بقائمة الجوائز التي منحتها لجنة التحكيم الرسمية للدورة 77، وتنافس على جوائزها22 فيلما ، في المسابقة الرسمية للمهرجان، وجاءت كالآتي:
1 – حصد فيلم – ANORA– للمخرج الأمريكي شون بيكر جائزة السعفة الذهبية، وهي الجائزة الأكبر والأهم ضمن جوائز المهرجان .
2 – أفضل ممثل ذهبت لجيمس بليمنز عن دوره في فيلم – KINDS OF KINDNESS–
3 – افضل ممثلة تقاسمتها كل من كارلا صوفيا جاكسون، وزوي سالدانا، وسيلينيا جوميز، وأدريانا باز عن دورهن في فيلم – EMILIA PEREZ–
4 – افضل سيناريو حصلت عليه كورالي فارجيت عن فيلم – THE SUBSTANCE–
5 – أفض مخرج- ميجال جوميز ح عن فيلم – GRAND TOUR–
6 – مسابقة ” الكاميرا الذهبية ” لافضل فيلم أول في جميع مسابقات المهرجان – ذهبت لهافدان أولمان عن فيلم – AMAND–
7 – فاز المخرج الفرنسي جاك أوديار بجائزة لجنة التحكيم الخاصة بفيلمه – EMILIA PEREZ–
8 – فاز المخرج الإيراني محمد رسلوف بفيلمه – THE SEED OF THE SACRED FIG– على جائزة خاصة من لجنة التحكيم
9 – فازت المخرجة الهندية بايال كابديا بفيلمها الرائع – ALL WE IMAGINE AS LIGHT – كما توقعت -وعلى الرغم من أنه فيلمها الروائي الأول – وبعد غياب 30 سنة عن أي مشاركة هندية في قسم” المسابقة الرسمية” في المهرجان – بالجائزة الكبرى – للدورة 77، وهي الجائزة الثانية بعد جائزة السعفة الذهبية، في ترتيب جوائز المهرجان من حيث القيمة والسمعة والإشادة بسحر السينما الفن وجوائز كان الملهمة
ولنا وقفة قريبا مع أعمال المهرجان وأفلامه وشخصياته التي صنعت ” مجد ” الدورة 77
بقلم
صلاح هاشم مصطفى
صلاح هاشم مصطفى كاتب وناقد مصري مقيم في باريس.فرنسا.