سينما إيزيس تتوسع بقلم ولاء عبد الفتاح
admin شاشة باريس, شخصيات ومذاهب 0
admin Uncategorized, رئيسية, شاشة باريس 0
من أجمل الأفلام التي خرجت مع مطلع العام الجديد 2024 للعرض في باريس، فيلم ” أنا القبطان ” للمخرج الإيطالي الكبير ماتيو جارون – من مواليد روما في 16 أكتوبر 1968- الذي سبق أن أتحفنا بمجموعة من الأفلام الروائية الطويلة الرائعة،التي حصلت على العديد من الجوائز، في مهرجانات سينمائية عالمية، مثل فيلمه ” جومورا” الذي يحكي فيه عصابات المافيا الإيطالية، وحصل على جائزة الإخراج في مهرجان ” كان ” السينمائي عام 2008..
ماتيو جارون مخرج فيلم ” أنا القبطان “
وربما كان ماتيو جارون أحد أشهر المخرجين الآن في إيطاليا بعد ناني موريتي، لقدرته الفائقة التي تكشف عن نفسها في فيلمه الجديد، في تحويل الحكايات التي يرد ذكرها في ” أخبار الحوادت” الى “أساطير”، بقوة الضوء، وسحر السينما الخفي، الذي لم يكشف أحد بعد عن كنهه،كما في هذا الفيلم، الذي يمكن أن يصحح “النظرة الرجعية” المتخلفة ،التي تتبناها حكومة جورجيا ميلوني اليمينية في إيطاليا.، بل و ” فكرة ” الإيطاليين أنفسهم أيضا ، بخصوص ” مأساة ” و واقع الهجرة الحقيقي..
حلم مراهق أفريقي أسود و رجال بيض أوروبيين
فيلم ” أنا القبطان “يصور الوقائع “المأسوية” المذهلة، التي يتعرض لها المهاجرون الافارقة، من فئة الشباب خصوصا، من خلال رحلة بطل الفيلم” سيدو ” وهو شاب افريقي مراهق أسود من مدينة داكار في السنغال، لايتجاوز عمره 16 سنة، ويحلم بأن يصبح مطربا عالميا مشهورا،من خلال أغنيات من نوع ” الراب “، يؤلفها ويغنيها بنفسه أو المجموعة، ويجعل الرجال البيض الأوروبيين من فرط شهرته، يتهافتون على الحصول على توقيعه، وعليه إذن أن يرحل خفية الى أوروبا، الفردوس المفقود، في صحبة صديقه وإبن عمه ويدعى ” موسى ” – يقوم بدوره ممثل سنغالي شاب يدعى مصطفى فال – ومن دون أن يخبر أمه التي تعول أسرة كبيرة العدد..
ويكشف الفيلم عما مايتعرضان له هما الإثنان في رحلتهما، من ضياع وموت في الصحراء، وتعذيب وقتل في السجون، وأقسى أشكال ” العبودية ” والتمييز العنصري، وربما كان أهم مايميز فيلم” أنا القبطان “عن الافلام الروائية والوثائقية، الطويلة والقصيرة، التي صنعت ولحد الآن عن الهجرة،هو أنه لم يكتف بتصوير جزءا صغيرا فقط من الرحلة الكبيرة ، أي رحلة العبور بالقوارب فقط ،من الساحل الافريقي الى إيطاليا، ومايتعرض له المهاجرون البؤساء في رحلتهما الصغيرة هذه ،عبر المتوسط – مقبرة المهاجرين – من غرق وعذابات، وتكدس وتناحر، وازدحام في القوارب وتقاتل تفوق الوصف، وغالبا ما اكتفت أعمال السينما الوثائقية والروائية ،التي تعالج موضوع الهجرة، بالتركيز فقط على تصوير هذا الجزء الصغيرمن الرحلة، أو آخر محطة – إن شئت – في رحلة الأهوال..
” أنا القبطان ” وموسيقى أفريقية حديثة في الخلفية
بل صور فيلم ” أنا القبطان ” رحلة “سيدو ” المراهق السنغالي الأسود الفقير اليتيم ” الذي تعوله أمه مع 5 فتيات صغيرات،من عند ” داكار ” موطنه الأصلي في السنغال – اي صور “الرحلة الكبيرة “- INTEGRAL– المكتملة، وبكل تفاصيلها المرعبة – بدءا من تصويره أولا مع أسرته، وهو ينام مع أخواته على الأرض، ويكذب على أمه، ويقوم بإخفاء أجرته كعامل بناء، ويدفنها في الرمل، ثم يعزف على الطبول في إحتفال افريقي ليلي ،في ماهو أشبه مايكون بالعيد، مما يجعل ” أنا القبطان ” أقرب الى أعمال السينما الوثائقية، ونوع “أفلام الطريق ” – ROAD MOVIES– الروائية، مرورا بثلاث محطات – أو مخاطر – أساسية في مغامرة الرحلة..
مرورا أولابعدة دول افريقية ، متنقلا مع صديقه عبر الحافلات، ثم عبور الصحراء الكبرى، ثم محطة الهبوط في سجون ليبيا، ثم المحطة الأخيرة، أي عبور البحر المتوسط بزورق، يقوده هذا الشاب المراهق الافريقي الأسود، الذي لم يتعلم السباحة، و لم يسبق له أن قاد زورقا في حياته، وهو يحمل أكثر من 250 مهاجرا من الرجال و النساءالحوامل والشباب والأطفال الى الفردوس الأوروبي، وياللهول،مما يعزز أيضا في رأينا من حدة عنصر” التوتر “و ” التشويق “في الفيلم – SUSPENSE– دعنا نرى ماذا نرى – ويجعلنا نحبس أنفاسنا ، وكأننا نتفرج على فيلم بوليسي،أو فيلم من أفلام الرعب ،من إخراج ألفريد هيتشكوك..
كما يتميز الفيلم بـ “بطولة جماعية”، حيث يعرض لعدة ” أبطال ” أوشخصيات في الفيلم، مثل شخصية الأم، وشخصية ” موسى ” إبن العم رفيق الرحلة،وشخصيات تجار الموت والجريمة المنظمة، الذين يعاملون الافارقة بلا شفقة أو رحمة مثل الكلاب والعبيد، وبأن مخرجه اعتمد في فيلمه الروائي هذا ، من أعمال الخيال ، على قصة حقيقية،وقعت بالفعل، وبطلها مهاجرمن غينيا يدعى – AMARA FOFANA – لكن مخرجنا الايطالي، أضاف الى القصة بعضا من محسناته البديعية السينمائية من بنات الخيال، فصور مايعتمل في ذهن البطل، عندما يفشل في إنقاذ سيدة تسقط من الإعياء في قلب الصحراء الموحشةـ، والممتدة الى مالانهاية، وتموت..
كما صور حلم “سيدو “، الذي يسافر في الحلم، في صحبة ملكة افريقية ليطلب من أمه أن تغفر له أنه رحل ،من دون أن يخبرها، وتصفح عنه، وهاتان اللقطتان من أجمل المشاهد المؤثرة في فيلم ” أنا القبطان ” البديع، ، وتحوله من مجرد ” سردية ،تحكي تفاصيل ” حادثة ” أو ” واقعة “ما في أخبار الحوادث، الى” أسطورة”تجعلنا نتعاطف مع أبطال الفيلم، وندخل في لحمه، وتكثف بعاطفيتها ،من قوة وصلابة، “واقعيته” الصلدة..
ماتيو جارون يعرض لموضوع الهجرة من وجهة نظر أفريقية
كما يحسب للفيلم – بشريط صوت موسيقى أفريقي متميز – أن مخرجه ماتيو جارون، إعتمد على أناس عاديين، للتمثيل في الفيلم، والاضطلاع ببطولته، واختار بطل الفيلم ورفيقه في الرحلة من الشارع في مدينة داكار عاصمة السنغال، ولم يكن أي من المشاركين في الفيلم ، أو أبطاله، قد وقفوا أمام الكاميرا ومثلوا في حياتهم من قبل، مما عزّز من “مصداقية “الفيلم، وواقعيته، وشرعيته أيضا.
وجعله يمثل في رأينا ” إضافة “- CONTRIBUTION-غنية الى مدرسة “سينما الواقعية الإيطالية الجديدة “- نيو رياليزم – التي أرسى دعائمها المخرجين الايطاليين العظام ، من أمثال روسوليني – في فيلم روما مدينة مفتوحة – وفيتوريو دوسيكا – سارق الدراجات – وبازوليني – ماما روما – وغيرهم في فترة مابعد الحرب العالمية الثانية في إيطاليا، وللأسباب التي ذكرناها آنفا إستحق الفيلم فوزه بجائزة الأسد الذهبي في مهرحان فينيسا الماضي 2023 ،كما منح بطل الفيلم جائزة مارشيلو ماستروياني للممثل الشاب السنغالي ” سيدو سار” -لبراعته في أداء أول أدواره في السينما، والجدير بالذكر أن الفيلم ومنذ أن خرج للعرض التجاري في ديسمبر 2023 في إيطاليا، حقق نجاحا كبيرا، وشاهده أكثر من 800 ألف متفرج، من ضمنهم مندوبي دول برلمان الإتحاد الأوروبي الذين صفقوا له طويلا..
تحية الى ماتيو جارون على فيلمه البديع، الذي نجح في أن يقدم فيلما واقعيا وفريدا من نوعه، ليحكي فيه عن مشكلة الهجرة، من وجهة نظر الأفارقة ، وليس من وجهة النظر الأوربيةالقاصرة، وليكشف فيه ،عن أهوال تلك الرحلة ” الكابوسية ” المرعبة التي تقشعر لها الابدان،وقد كانت تلك” الحقائق” الخاصة بتلك الرحلة ، وبتفاصيلها المرعبة، غائبة للأسف، على ما أظن،في كل الأفلام التي تناولت موضوع ” الهجرة الإفريقية ” ولحد الآن.وقد تنسى كل شييء في فيلم ” أنا القبطان ” – MOI CAPITAINE– الذي يستحق المشاهدة عن جدارة، لكنك ربما لن تنسى ابدا مثلي، طالما حييت، اللقطة التي يصيح فيها ” الشاب الأسود “سيدو”في نهاية الفيلم ، وطائرة عامودية من طائرات الإنقاذ تحلق فوق الزورق، يصيح ..وهو غير مصدق إن : ” ..نحن هنا، وأنا القبطان، نعم أنا القبطان”ثم ينفطر الدمع من عينيه.من فضلك لاتدع مشاهدة هذا الفيلم ” الضروري ” – التحفة – تفتك بأي ثمن ..
بقلم
صلاح هاشم . باريس
صلاح هاشم مصطفى كاتب وناقد مصري مقيم في باريس.فرنسا. رئيس تحرير ومؤسس موقع ” سينما إيزيس ” عام 2005 في باريس.فرنسا.
***
عن جريدة ” القاهرة ” العدد 1226 الصادر بتاريخ الثلاثاء 16 يناير 2024
admin Uncategorized, رئيسية, شاشة باريس, كل جديد, مهرجانات 0
باريس.سينما إيزيس
فيلم ” إن شاء الله ولد ” في السينماتيك الفرنسي
فيلم الإفتتاح
أفلام تظاهرة ” إسبوع النقاد ” الموازية في مهرجان ” كان ” 76، تعرض أفلامها – ومن ضمنها فيلم ” إن شاء الله ولد ” من الاردن وفيلم ” عيسى ” من مصر في ” السينماتيك الفرنسي” في باريس في الفترة من 7 الى 12 يونيو
تعرض تظاهرة ، إسبوع النقاد ” الموازية التي عقدت دورتها 62 في مهرجان ” كان ” 76 كل أفلامها- أكثر من عشرين فيلما – في ” السينماتيك الفرنسي ” في قلب باريس في الفترة من 7 الى 12 يونيو، من ضمنها 7 أفلام دولية شاركت في مسابقة الفيلم الروائي الطويل ، ومن بينها فيلم ” إن شاء الله ولد ” للمخرج أمجد الرشيد من الأردن ، و10 أفلام شاركت في مسابقة الفيلم القصير من ضمنها فيلم ” عيسى ” للمخرج المصري مراد مصطفى، بالإضافة الى فيلمي الإفتتاح والختام، وثلاثة أفلام في قسم عروض خاصة بالتظاهرة.
فيلم” إن شاء الله ولد ” من الأردن، العمل الأول للمخرج الأردني أمجد الرشيد، الذي شاهدناه وأعجبنا كثيرا في كان 76 ، يعرض يوم 8 يونيو في السينماتيك الفرنسي الساعة20.30، بنما يعرض الفيلم المصري ” عيسى ” لمراد مصطفى- فيلم قصير .مدة العرض 25 دقيقة مع 5 أفلام قصيرة من الأفلام المشاركة في المسابقة يوم 12 يونيو الساعة 15.00.
تبدأ التظاهرة عرض أفلامها مساء اليوم 7 يونيو في السينماتيم الفرنسي الساعة 20.00 حيث يعرض فيلم الإفتتاح ” آما جلوريا ” للمخرجة ماري آماشوكيلي
تظاهرة ” إسبوع النقاد ” LA SEMAINE DE LA CRITIQUE من تنظيم النقابة الفرنسية لنقاد السينما – SFCC
إن كنت في باريس العاصمة الفرنسية لاتدع مشاهدة أفلام هذه التظاهرة تفتك
للمزيد ” : إنظر رابط موقع السينماتيك الفرنسي على الرابط المرفق :
https://www.cinematheque.fr/cycle/semaine-de-la-critique-2023-1097.html
admin Uncategorized, افلام, شاشة باريس, مهرجانات 0
لقطة من فيلم ” حورية ” الجزائري
يحسب لمهرجان ” نوافذ عربية ” الذي يقدم بانوراما لسينمات المغرب العربي ومنطقة الشرق الأوسط في ضاحية سان دوني الباريسية وهي من أكثر الضواحي التي تحتشد بالعديد من الجنسيات المهاجرة الى العاصمة من افريقيا وآسيا- وأمريكا اللاتينية – أكثر من 80 جنسية ” أنه عرض في الفترة من 10 الى 21 مارس
مجموعة كبيرة من الأفلام – أكثر من 20 فيلما، بعضها يعرض للمرة الأولى في إطار المهرجان ، مثل فيلم ” حورية ” للمخرجة الجزائرية منية المدور،قبل خروجه للعرض التجاري في فرنسا لاحقا – من العديد من البلدان العربية، من الجزائر والمغرب وتونس وفلسطين وإيران وغيرها
التي تعالج المشاكل التي يواجهها المهاجرون العرب في فرنسا، ومن ضمنها مشكلة ” الهوية ” والإندماج أو الإنصهار في المجتمع الجديد، في أجواء صعود التيارات والأحزاب اليمينية المتطرفة في فرنسا ،التي تنشر الحقد والكراهية والعتصرية ضد المهاجرين والغرباء في المنفى
كما في فيلم ” ناظر المدرسة “- LE PRINCIPAL – للمخرج الجزائري شاد شنوجة، وبطولة الممثل والمخرج الفرنسي من أصل عربي رشدي زيم
فيلم ” ناظر المدرسة ” بطولة رشدي زيم
الذي يناقش مشكلة “تعليم “أبناء الأسر العربية المهاجرة، وبخاصة إذا كان ناظر المدرسة التي يتعلم فيها الإبن من أصل عربي- يلعب رشدي زيم دور الناظر – ويحرص على أن يتحصل الإبن على أفضل تعليم، حتى يتمكن من الإندماج بنجاح في المجتمع الفرنسي كما حدث للإب، ومهما كان الثمن، أو مهما كانت التضحيات.
ولنا وقفة قريبا مع مجموعة من الأفلام المتميزة التي عرضها المهرجان روائية ووثائقية ” خلال دورته 18 في الفترة من 10 الى 21 مارس
صلاح هاشم مصطفى
كاتب وناقد سينمائي مصري مقيم في باريس.فرنسا.مؤسس ورئيس تحرير موقع ” سينما إيزيس الجديدة “
admin رئيسية, شاشة باريس, كل جديد, مختارات سينما ازيس 0
admin رئيسية, شاشة باريس, شخصيات ومذاهب 0
سابين أزيما في لقطة من فيلم ” يوم أحد في الريف” لبرتراند تافرنييه
أحببت الفنان والمخرج والمؤرخ والمنتج والموزع والمفكر السينمائي الفرنسي الكبير برتراند تافرنييه ، من مواليد مدينة ” ليون” وسط فرنسا في 24 ابريل عام 1941، وتوفي في قرية سان بول اقليم الفار في 25 مارس2021 عن عمر يناهز 79 سنة،
أحببته من أول لحظة التقينا فيها، وكان ذلك منذ أكثر من عشرين عاما، في قلب سفارة أندونيسيا في باريس. ومن هنا تبدأ الحكاية..
فقد كانت السفارة أقامت حفلا لتكريم الممثلة الاندونيسية الكبيرة كريستين حكيم، بسبب حضورها الى فرنسا، ومشاركتها بفيلم من بطولتها ،في مهرجان( القارات الثلاث ) في مدينة نانت الفرنسية،وكانت كريستين، التي حضرت عرض فيلمها في نانت، وأجريت معها حوارا طويلا لمجلة ” كل العرب” الاسبوعية التي كانت تصدر من باريس آنذاك في فترة التسعينيات،
دعت فقط لحضور حفلها،من بين كل النقاد والصحافيين، الذين التقتهم في المهرجان،دعت- لدهشتي – برتراند تافرنييه،وكاتب هذه السطور،وكان لقاء تافرنييه، الفنان الحكاء، والمخرج اللطيف المهذب، أجمل ماوقع لي في ذك الحفل التاريخي البهيج ..
فقد بهرني تافرنييه، ليس بجسده العملاق، وقامته،بل بأدبه الجم، وتواضعه النبيل،وأخلاقه العالية،وخجله الكبير،وإنسانيته الجمة،ومعارفه السينمائية الواسعة،وبهرني أكثر،عندمااقتربت منه،وصرناأصدقاء،بسبب ثقافته السينمائية الموسوعية المذهلة..
ليس فقط،في مايخص السينما الفرنسية،ونجومها ومخرجيها، وتاريخها وذاكرتها وأسرارها، وتفاصيلها، بل في مايخص أيضا السينما الأمريكية الكبيرة،والأدب الأمريكي، وموسيقى الجاز وأعلامها،
وربما كان فيلم ” حول منتصف الليل “AROUND MIDNIGHT الذي أخرجه تافرنييه، من أهم الأفلام التي صنعت،عن موسيقى الجاز والسينما، وعلاقة موسيقى الجاز،وارتباطها ومنذ نشأتها، بتاريخ العبودية ،في أمريكا، ونشأة السينما كفن، في الربع الأول من القرن العشرين..
الأب الروحي للسينما الفرنسية
برتراند تافرنييه
ولم يكن تافرنييه الذي أخرج أكثر من 30 فيلما، وعرفته وأحببته، وأحببت أفلامه التي تحكي جميعها عن “الأسرة “، أو المجموعة الإنسانية ، و قيمة الحب في حياتنا،والكيفية التي يمكن من خلالها، أن نتجاوز مشاكل وأزمات وتناقضات مجتمعاتنا ونناضل، وبكل تلك القيم التي يفاخر بها الإنسان، لكي نسمو بإنسانيتنا،خارج مجتمعات الاستهلاك المادية الكبرى ونرجسيتها المقيتة، وفقط عندما نستشعر، بأن الإهانة التي تلحق بإي إنسان في العالم ،هي إهانة للإنسانية جمعاء..
لم يكن برتراند مخرجا- أفلام ” يوم أحد في الريف “UN DIMANCHE A LA CAMPAGNE و ” ساعاتي حي سان بول ” و ” فليبدأ الحفل ” وغيرها فحسب، بل كان أيضا مؤرخا – فيلم ” رحلة في السينما الفرنسية ” فيلم وثائقي طويل ورائع،يستغرق عرضه أكثر من 4 ساعات، ويعد في مجمله، “تحية حب وتقديس وتكريم :للسينما الفرنسية وتنوعها الهائل، كما في تنوع DIVERSITY أفلام تافرنييه ذاته، الذي جرب كل أنواع الأفلام – في ما عدا أفلام نوع الوسترن ،ونوع الكوميديا الموسيقية –والذي أطلق من خلال أفلامه شهرة مجموعة كبيرة من الممثلين والممثلات الفرنسيين في الع
فن إدارة الممثل
لقطة من فيلم ” إزالة ” COUP DE TORCHON تظهر فيها ايزابيل أوبير وفيليب نواريه
والقائمة هنا طويلة جدا ،وتضم أسماء كثيرة مثل فيليب نواريه، وسابين ازيما، وايزابيل أوبير وناتالي باي وغيرهم، وقد كان تافرنييه أيضا مؤلفا – كتاب ” السينما الأمريكية في خمسين سنة ” ومنتجا – من خلال شركة ” الدب الصغير ” التي أنشأها – وكاتب سيناريو، لغيره من المخرجين،، ومدافعا عن التراث السينمائي الفرنسي، وضرورة الحفاظ عليه من الضياع والاندثار- شغل تافرنييه منصب رئيس “معهد لوميير” السينمائي في مدينة ليون،
للحفاظ على تراث الشقيقين لومير اللذين اخترعا السينماتوغراف- كما كان مناضلا ضد الحروب، والكلونيالية- الاستعمار، كما في فيلمه البديع،أو بالأحرى من وجهة نظرنا، رائعته ” (COUP DE TORCHON ) وتنعي حرفيا ضربة خرقة بمعنى تنظيف أو إزالة – إزالة كل وسخ المستعمرين الفرنسيين الأجانب في الفيلم الذكي – و كذلك العنصرية البغيضة في فرنسا، والفاشية المنظمة، وضياع الشباب الفرنسي، الذي يريد أن يصل بسرعة، من دون ثقافة أوخبرة وتمرس، وأن يحصل على المال بأي وسيلة، كما في فيلمه الأثير ” الطعم ” LAPPAT – حتى صار تافرنييه “الأب الروحي” LE PARRAIN للسينما الفرنسية بالفعل – كما وصفته جريدة الفيجارو- وعن إستحقاق وجدارة.
وحيث تقف معظم أفلامه ” الكلاسيكية ” التقليدية، من نوع ” سينما الجودةQUALITY ” في فترة الخمسينيات، وقبل ظهور حركة ” الموجة الجديدة ” في السينما الفرنسية.تقف في خندق الدفاع عن المرأة، وحقها في الحرية ،والمساواة ،وقد تمثلته وأحببت أفلامه ” الإنسانية الواقعية ” من خلال أبطالها،وأعجبت بفن تافرنييه الكبير- الذي تجري فيه السينما مجرى الدم في العروق- في ” إدارة الممثل ” – على طريقة المخرج الأمريكي العظيم إليا كازان، كما في فيلم ” رصيف الميناء” ،الذي يدير كازان فيه الممثلين الشامخين العملاقين مارلون براندو ورود ستايجر،وعشقه الكبير تافرنييه للمسرح، والممثلين المسرحيين..
ويظهر ذلك الفن- فن إدارة الممثل عند تافرنييه – في أبلغ صوره، في رأيي، في فيلم ” القاضي والقاتل ” الذي يلعب بطولته الممثل الفرنسي فيليب جالابرو، فعلى الرغم من أن جالابرو، كان يصنف كممثل كوميدي، ويشارك في أفلام ليو دو فينيس الكوميدية، مثل فيلم ” جندرمة سان تروبيزا” ، استطاع تافرنييه أن يحدث انقلابا رهيبا ،في مسيرة جالابرو السينمائية ومنحاه في التمثيل، حين جعله يضطلع ببطولة فيلم درامي تاريخي، يثير الكثير من الجدل( القاضي والقاتل ) وينجح ويبرز فيه بتمثيله، ويحصل على عدة جوائز ، ويفتح تافرنييه هكذا لجالابرو، الممثل المسرحي الكبير،سكة جديدة..
” السعادة ” بعد مشوار السينما الطويل
في كتاب بعنوان” برترند تافرنييه . السينما في الدم. محاورات مع برتراند تافرنييه ” للكاتب والناقد السينمائي الفرنسي نويل سومسولو، ويحكي فيه عرّاب أو الأب الروحي للسينما الفرنسية، عن مسيرته السينمائية الكبيرة، وعن هذه السينما الفن الرائع، الذي يفتح لنا سكة للفهم والوعي، على درب التنوير، وهو يعلي، ويذكي فينا، من قيمة الفضول، يسأل نويل تافرنيه..
“.. ماهو تعريفك يا تافرنييه.. لـ ” السعادة ” ..وماذا تعني لك ؟” ..
فيرد تافرنييه- الدرويش، المخرج الفرنسي، من الحكائين والمشائين الكبار، وأعظم الحكواتية في عصرنا ، يرد قائلا :
” ..السعادة الحق يانويل، أن تستيقظ صباح كل يوم، وتجد نفسك مازلت على قيد الحياة، ياللمتعة، فتأمل أن يكون يومك، أجمل من الأمس ، وأنت تدلف الى بحر الحياة، من دون خوف، أو وجل. لاشييء.. سوي السينما “..
وداعا تافرنييه..
صلاح هاشم
برتراند تافرنييه يتسلم جائزة الأسد الذهبي لمجمل أعماله من مهرجان فينيسيا
صلاح هاشم
ناقد سينمائي مصري مقيم في باريس.فرنسا ومؤسس موقع سينما إيزيس عام 2005 في فرنسا
admin رئيسية, شاشة باريس, شخصيات ومذاهب 0
admin Uncategorized, رئيسية, شاشة باريس, كل جديد 0
تنظم ” أكاديمية فنون وتقنيات السينما الفرنسية” حفلها السنوي السادس والأربعين، لتوزيع جوائز السيزار- الأوسكار الفرنسي – يوم الجمعة الموافق 12 مارس الساعة 9 مساء، وهي المرة الأولى ،التي يعقد فيها حفل السينما الفرنسية الكبير – تأسس عام 1976 – تحت إدارة جديدة، برئاسة السيدة فيرونيك كيالا – الرئيس السابق لكل من قناة ” آرتيه ” ،و المركز القومي للسينما في فرنسا، ونائب الرئيس، المخرج الفرنسي إيريك توليدانو..
والمعروف أن الإدارة الجديدة، تم إنتخابها في فبراير عام 2020 بعد نشوب ” ثورة ” على الإدارة القديمة المتهالكة، التي كانت تنحاز لـ ” خيارات ” محددة بعينها ،لمجموعة صغيرة من الاداريين والمخرجين والنجوم ، من أصحاب النفوذ ، ضمن الأعضاء القدامى في الاكاديمية، وقد تم على أثرها، طرد رئيس أكاديمية السيزار القديم، بسبب تدخله وتورطه شخصيا،في منح جائزة أحسن مخرج، للمخرج الفرنسي من أصل بولندي رومان بولانسكي، على الرغم من أن بولانسكي، كان ومازال، متهما في قضايا إغتصاب و تحرش جنسي، ومطلوبا للمحاكمة، كما تم اختيار إدارة جديدة للأكاديمية،تتحقق معها شروط ” المساواة” بين المرأة والرجل ، في جميع هياكلها الجديدة..
يترأس حفل السيزار في دورته 46 يوم الجمعة القادم، الممثل والمخرج الفرنسي من أصل عربي رشدي زيم، وقد تم اخنيار الممثلة مارينا فوس لتقديم وإدارة الحفل، والمغني بنجامان بيولا رئيسا للأوركسترا..
والمعروف أن أكثر من 150 فيلما فقط من انتاج 2020 تتنافس على الفوز بجوائز السيزار – ويقل عدد هذه الأفلام بنسبة مرتين، عن عدد الأفلام المشاركة كالمعتاد في كل دورة ، على الرغم من أن دور العرض في فرنسا، تعرضت للاغلاق لفترة تزيد على 162 يوما – أكثر من 5 شهور – بسبب انتشار وباء الكورونا، حتى أن بعض السينمائيين الفرنسيين إعتبروا أن الاصرار عل إقامة الحفل يوم الجمعة القادم ،هو أمر “غير شرعي” بالمرة..
حيث أن الظروف الصحية التي تمر بها البلاد، لم تسمح بخروج عدد كبير من الأفلام، التي كانت جاهزة بالفعل للعرض، ولم يستطع أصحابها – للأسف – ترشيحها ، أوالمشاركة بها في المنافسة على جوائز الأكاديمية السينمائية الفرنسية العريقة..
في حين أصرت الأغلبية، على ضرورة تنظيم الحفل، لارتباطه بمصالح وحقوق، قطاعات واسعة من العاملين في السينما الفرنسية،من موزعين ومنتجين وممثلين،وغيرهم،والمساهمة هكذا، بقدر المستطاع، مع إقامة حفل السيزار46، من الحد من دفع أعدادا متزايدة من العاملين في الوسط السينمائي الفرنسي الى ساحة ” البطالة “..
كاميليا جوردانا
ويتنافس على جائزة أحسن فيلم في حفل السيزار 46 ، مجموعة من 6 أفلام تم اختيارها من ضمن ال150 فيلما التي تم ترشيحها، من ضمنها فيلم ” أقوال وأفعال ” من إخراج إيمانويل موريه، وفيلم ” ADN ” للمخرجة مايوين، وفيلم ” صيف 1985 ” لفرانسوا أوزون..
ومن ضمن الممثلين الفرنسيين المرشحين للفوز بجائزة أحسن ممثل في حفل السيزار 46، الممثل الفرنسي من أصل عربي سامي بوعجيلة،، كما تنضم أيضا الممثلة الفرنسية من أصل عربي كاميليا جوردانا ، الى قائمة الممثلات المرشحات للحصول على جائزة أحسن ممثلة، وهما الإثنان من أبناء وبنات المهاجرين العرب الى فرنسا، وسوف تقوم قناة ” كنال بلوس” الفرنسية التاسعة مساء الجمعة 12 مارس، ببث فقرات حفل السينما الفرنسية الكبير،الذي يقام في فاعة الغناء ” الأوليمبيا ” الشهيرة ، التي غنت بها كوككب الشرق أم كلثوم، في العاصمة باريس..
باريس – صلاح هاشم
صلاح هاشم ناقد سينمائي مصري.مؤسس موقع سينما إيزيس عام 2005 في باريس.فرنسا ورئيس تحرير الموقع
admin افلام, رئيسية, شاشة باريس 0
بعد إغلاق دور السينما والمسارح والمعارض في فرنسا،خلال فترة “العزل الصحي” الثانية التي تعيشها حاليا – والتي انطلقت يوم 30 اكتوبر وتستمر لمدة إسبوعين- في محاولة لإيقاف حالات الإصابة بوباء الكورونا، التي وصلت الى معدلات غير مسبوقة، وأصبحت تثير الهلع والخوف في البلاد..
شرعت منصات بث الأفلام البديلة ومن ضمنها التليفزيون ” القناة الخامسة”- في محل دور العرض المغلقة – في إخراج مافي جعبتها من أفلام، كانت محجوزة للعرض التجاري،ومن ضمنها فيلم وثائقي بديع ، عرضته القناة الخامسة الفرنسية المذكورة حديثا، بعنوان ” إكتشاف لغز مقبرة توت عنخ آمون “اخراج بول برادشو-انتاج بريطاني- مدة العرض 50 دقيقة..
يعرض- ولأول مرة بالألوان الطبيعية، وليس بالأبيض والأسود – للأسباب الخفية التي جعلت عالم المصريات الانجليزي هوارد كارتر، يحقق “أعظم إكتشاف أثري، ليس فقط في القرن العشرين، بل ولكل العصور” الا وهو إكتشاف مقبرة فرعون الملك توت عنخ آمون ، من الأسرة 18 في وادي الملوك بمصر، عام 1922..
حيث يأخذنا هذا الفيلم الساحر، الذي يحبس الأنفاس، في رحلة مثيرة أولا الى مدينة اكسفورد، حيث يقع “معهد جرفيث” ،الذي يحتفظ بكافة الخطط والوثائق والصوروالمذكرات الشخصيةالتي تركها هوارد كارتر بعد وفاته، ومن خلال مذكراته، يقول لنا الفيلم ،من هو كارتر، وكيف استطاع أن يحقق هذا الاكتشاف الاثري العالمي العظيم، وكيف تغلي على كل العقبات والمصاعب التي واجهته، في ظل الظروف السياسيةالتي عاصرها،ومن ضمنها نهاية الحرب العالمية الأولى،وظهور القومية المصرية، ومصر واقعة تحت الاحتلال البريطاني..
فقد كان هذا الاكتشاف المثير، بتمويل ورعاية من اللورد كارنارفون، كما تقول د. هبة عبد الجواد من جامعة لندن في الفيلم ..كان بمثابة تأكيد على ” الهوية المصرية “، وبما يعني أيضا كما تضيف، على أننا شعب ،لايمكن أن يحكمه الغرباء..
admin رئيسية, شاشة باريس, شخصيات ومذاهب 0
بعد هجرة دامت عشرين عاماً تعود عزة جنينى إلى المغرب فى موكب موسيقى فولكلورى حافل : سبعة أفلام من أصل تسعة أفلام موسيقية تسجيلية تشكل الفيلم الوثائقى الضخم ” المغرب أجساداً وأروحاً ” المخرجة المغربية أنجزت هذا العمل السينمائى الوثائقى فى إطار مشروع حفظ التراث الموسيقى العربى الذى شاهدت منه ثلاثة أفلام حتى الآن “عيطة” و”مديح” و”عيدان وملذات” فما هى حدود هذا المشروع وماذا فى هذه الأفلام؟
المخرجة والمنتجة المغربية عزة جنيني على اليسار مع المخرج المغربي سهيل بن بركة
من أبرز القضايا التى تطرحها مؤتمراتنا الموسيقية العربية التى تعقد هنا أو هناك بين الحين والحين ، قضية التراث الموسيقى العربى ، غناه وتنوعه ، وكيفية الحفاظ عليه من عوامل الفناء والاندثار ، إذ أن الغالبية العظمى من التراث الموسيقى الشعبى الفولكلورى ، مازالت تتناقل من جيل إلى آخر بالطرق الشفهية السمعية ، ولحد الآن لم تستغل الجهات المسؤولة والمعنية بذلك التراث امكانيات السينما التسجيلية الهائلة فى توثيقه وحفظه ، بالقدر الكاف . ومن الأشياء الغريبة التى تعكس التخبط الحاصل فى هذا الموضوع ، أن تبحث عن وثيقة فيلميه مثلا عن فن من فنوننا الموسيقية الشعبية ، فلا تجدها الا فى مكتبة الكونغرس ، أو فى متحف فى برلين أو قسم الوثائق الشرقية فى المكتبة الوطنية أو السينماتيك فى باريس . والغريب هنا أن يكون الأجانب أكثر حرصا منا نحن أصحاب التراث على جمعه وحفظه وتصنيفه وتحليله ودراسته وأرشفته . الا أن بعض المؤسسات الثقافية العربية تحاول الآن أن تتدارك هذا الخطأ والتقصير عن طريق المشاركة فى تمويل بعض المشروعات السينمائية الخاصة بتسجيل تراثنا الموسيقى العربى وقد كان فيلم ” المغرب أجساد وأرواح ” من اخراج المغربية عزة جنينى عبارة عن سلسلة من الأفلام التسجيلية القصيرة ( 9 أفلام – أنجز منها 7 أفلام حتى الآن ) من أبرز هذه المشروعات ، التى شاركت أيضا فى تمويلها وزارة الشئون الثقافية والمركز القومى للسينمما فى المغرب ، وقد عرض هذا الفيلم فى التلفزيون الفرنسى و على الجمهور الفرنسى بمناسبة الاحتفال فى فرنسا بعام المغرب .
من هى عزة جنينى ؟ وما هى القيمة الحقيقية لهذا الفيلم ؟ عزة جنينى – من مواليد المغرب عام 1942 – تعيش فى فرنسا منذ أكثر من عشرين عاماً ، دلفت إلى الوسط السينمائى الفرنسى واستطاعت أن تخلق لنفسها وللسينما المغربية حضوراً متفرداً ، فمنذ سنوات طويلة وهى تعمل كمندوية فى فرنسا للمركز القومى للسينما فى المغرب الذى يشرف عليه المخرج سهيل بن بركة ، وإلى جانب عملها فى الدعاية للسينما المغربية ، أسست مع المخرج الفرنسى الشهير لوى مال شركة لانتاج الأفلام ، وبعد أن انتهت من دراستها اللغات الشرقية فى ” السوربون ” تفرغت للانتاج السينمائى ، فأنتجت الفيلم التسجيلى عن فرقة ” ناس الغيوان ” الموسيقية المغربية ، وشاركت فى انتاج فيلمين مغربيين هما ” زفت ” للمخرج المسرحى المغربى الطيب صديقى ، وفيلم ” حادة ” لمحمد أبو الوقار ، وقامت بتوزيع العديد من الأفلام المغربية والإفريقية فى البلدان الناطقة باللغة الفرنسية ، قبل أن تقدم على انتاج واخراج فيلمها الموسيقى الأخير الذى استغرق العمل فيه ما يقرب من ثلاث سنوات كاملة ، قبل أن يصبح جاهزا للعرض هذا العام فقط
كما الفت عزة جنينى كتابا سياحيا مصوراً عن المغرب بعنوان ” المغرب ” صدر عن دار نشر ” ريشير هواكى ” فى فرنسا عام 1988 . “المغرب أجساد وأرواح ” يعتمد على فكرة أساسية تشكل الأرضية الفكرية لهذا العمل الفنى السينمائى المتميز
أن المغرب بطبيعته وبتاريخه هو بلد الصور المتعددة والانماط الموسيقية المتنوعة . بلد لا يمثل عالما واحدا بل عدة عوالم فى آن واحد . بلد تلاقحت فيه الحضارات والثقافات الإسلامية والإفريقية والأندلسية من دون أن تفقده شخصيته الفريدة . هذه ” الهوية ” المغربية المتميزة التى يعبر بها الإنسان المغربى عن ” أصالته ” وحضوره المؤثر فى العالم ، تنعكس فى سلوكه اليومى ، وأسلوب حياته ، كما تنعكس أيضا فى فنونه الموسيقية المتعددة التى تشده دائما إلى الأرض المغربية ، وتكشف عن حرصه على تقاليده وتراثه .
يقدم فيلم ” المغرب أجساد وأرواح ” هذه الأنماط والأشكال الموسيقية المغربية فى مناخها الطبيعى وجوها على أرض المغرب ، وهو عبارة عن رحلة على حلقات أو مراحل بالصور والألحان الموسيقية العذبة ، إلى أرض السحر فى المغرب ، وفنون هذا البلد فى شكل ” بورتريهات ، قصيرة ، وتستغرق كل رحلة ما يقرب من 26 دقيقة ، وتركز من خلال ” النوع ” الموسيقى على اقليم ما أو مدينة ما أو ” حدث ” معين . شاهدنا من السلسلة ثلاثة أفلام فى معهد العالم العربى .
الفيلم الأول بعنوان ” عطية ” تنتقل بنا كاميرا عزة جنينى إلى مدينة “الزمور” على شاطئ الأطلسى حيث يجرى الاحتفال بموسم مولاى عبدالله ، وتستقطب المدينة عشرات الفرسان وألاف المواطنين المغاربة ، وتنصب الخيام فى كل مكان . ويبدأ هذا الفيلم الذى يدهشنا منذ أول لقطة فيه بالصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، صرخة مجلجلة تنطلق من فم عجوز يقف وسط جمع من الفرسان فى الحلقة ، وكأنها دعوة إلى الاستيقاظ من سبات عميق عميق . ينطلق الصراخ كالرعد من حنجرة ذلك الشيخ العجوز وتنتقل الكاميرا عبر القطع الفورى على صوت جميل هو صوت المغنية فاطمة بنت الحسين ، التى تغنى فى صحبة فرقتها الموسيقية ( أربعة من النساء ومجموعة من العازفين على الآلات الموسيقي العربية التقليدية فى فرقة ” أولاد اغيدا ” )
هذا النوع الغنائى الموسيقى الذى يطلق عليه فى المغرب ” العيطة ” الذى تؤديه ” الشيرات ” ” CHIRATES ” وهن المغنيات اللواتى اشتهرن بهذا الاسم ، مثل شعراء التروبادور الجوالين ، يتجولن عبر المغرب ، من مدينة إلى مدينة ، ومن احتفال إلى احتفال . تغنى فاطمة داخل الخيمة الكبيرة فى صحبة نساء فرقتها وتقول للجمهور ” ها نحن قد عدنا إليك مرة أخرى يا جمهورنا الحبيب ” جذور ” العيطة ” التى هى أقرب ما تكون شبها بيكائيات الشجن العميق تمتد فى أرض المغرب على شاطئ المحيط الأطلنطى ، التى أنجبت فرسانا دافعوا عن العروبة منهم مولاى عبدالله .
فاطمة بنت الحسين هى من أشهر مطربات ” العيطة ” فى المغرب ، ” العيطة ” صرخة تحولت إلى غناء ثم صار ذلك الغناء نداء … نداء إلى الذاكرة وشهادة على الألم وأمل فى أن تكون الأيام القادمة ، حبلى باشراقات الفرح الحقيقى فى غد مزدهر . وتغنى فاطمة تحت الخيمة ، فى الوقت الذى تنسحب فيه الكاميرا إلى الخارج لتصور لنا هذه الخيام المنصوبة على شاطئ البحر والتى تمتد بعرض الآفق ، ونرى انعكاساتها على صفحة المياه ، تغنى فاطمة للفرسان : ” آتونا بالبندقية والبارود فها هم الفرسان الذين نتفاخر بهم قد وصلوا … وها هو الجواد الأصيل يخرج من قلب المياه ، صدى العيد دعانى ، وها هى الخيام فى الخارج قد ارتفعت ، أرنا أن كنت صياداً ، يا أبناء الدواخلة أنتم ابطالى ، هذه هى لحظة الاختبار الحاسمة ايها الفرسان ” وننتقل عبر مشاهد الفيلم من مناظر طقوس صب الشاى فى الكؤوس ، إلى ايقاعات ومناظر ذلك العيد – الاحتفالى فى الخارج . تحت الخيمة الكبيرة يرقص الفرسان بالبنادق ، فيما تتصاعد حدة ذلك الدق فجأة ، وتشرع النساء فى الرقص العنيف .
لا تقف الكاميرا فى هذا الفيلم الذى يحتشد بحركة ثابتة ، فى إطار اللقطة الواحدة ، وتترك للمتحدث الكلام . مثل هؤلاء الفرسان تركب عزة جنينى كاميرتها وتنطلق فى رحاب ذلك السهل الممتد إلى البحر ، لتفتح لنا مع ذلك الغناء الشجى الذى يتسلل إلى أعماق نفوسنا وتهتز له مشاعرنا ، نافذة على الحياة والبحر والناس .. تتجول فى الساحة مع فرسان العوينات وخيل الجعيدات وأولاد فريج وسيدى قاسم.
وفى لقطة من فيلم ” العيطة ” توجه المخرجة سؤالا إلى فاطمة بنت الحسين عن نوعية الجمهور الذى تغنى له مع فرقتها فتقول فاطمة ” فن العيطة يقبل عليه الجميع . أنه فن شعبى بالدرجة الأولى ، وبعض عشاقه من الرجال هجروا كل شئ ، من أجل الفوز بقلب هذه المغنية أو تلك ، وراحوا يتتبعونها فى كل مكان ” سارت فاطمة إلى هذا المكان منذ أكثر من 18 عاما ، وأخذت من تراث هذا النوع الغنائى المميز الذى صار كلاسيكيا . ومنذ ذلك الوقت وهى تدور فى انحاء المغرب ومدنه مع فرقتها التى اشتهرت بأعمالها القديمة ومنها ” رجانا فى العالى ” التى تقول كلماتها ” حبيبى هجرنى ولا أحد يشفق على . أوصدت الأبواب فى وجهى ولا أعرف للخلاص طريقا . رجاناً فى العالى “
وفى لقطة من الفيلم تجتمع عزة بالمغنيات المنشدات فى غرفتهن بالفندق وتغنى أحداهن دوراً من أدوار ” العيطة ” ويهبط المساء على المدينة المتألقة ، وتمر عزة جنينى بكاميرتها فى لقطة بانورامية على هذه البيوتات البيضاء الصغيرة المتلاصقة بجوار البحر وكأنها تمسح بمنديل من حرير دموع الأسى التى لما تزل عالقة بالنوافذ ، ثم تتوقف عند مشهد جليل نرى فيه فاطمة بنت الحسين أشهر مغنيات ” العيطة ” فى المغرب ساجدة على الشاطئ الرملى ، تصلى الفجر ، وينتهى هذا الفيلم المشغول بالحنان بلقطة لقرص الشمس البرتقالى يصعد من البحر ، ونستمع إلى تغريد الطيور قادماً من مكان بعيد ممزوجا بأغنية تغنيها الجوقة تقول ” يا مغرب .. يا بلدى الجميل ” هذا الفيلم تحضر فيه شخصية فاطمة بنت الحسين بشكل مؤثر عبر صوتها العذب الذى يهدهدنا ، وشخصيتها القوية ، كقائدة للفرقة ، وحاملة وحافظة لهذا التراث الغنائى المغربى الأصيل فى الفيلم الثانى ” مديح” ننتقل إلى اطلال مدينة رومانية فولوبوليس فى قلب المغرب وفى مواجهتها – بالقرب من مكناس – تقع مدينة مولاى أدريس الأول ” الذى أسس أول مملكة إسلامية فى المغرب . فى موسمه والاحتفال بذاكراه تتحول هذه المدينة الصغيرة الواقعة على جبل زرحون إلى ” بحر ” من الناس
ولمدة ثمانية أيام يعقد ذلك الاحتفال العظيم لمولاى ادريس الأول الذى يستقطب إليه الجمهور من انحاء المملكة من مكناس والرباط و ” الحمدوشية ” و ” العلمية ” وغيرها ، فإذا بهم يأتون إلى هذا المكان بهداياهم وعطاياهم وجماعات للانشاد الدينى فى مدح الرسول الكريم ، وتعقد هذه وتلك حلقاتها فى الساحة الكبرى وداخل المساجد ، وتجرى أسماء الله الحسنى على كل لسان ، وتتدفق شلالا من القلوب العامرة بالإيمان . نستمع فى لقطة من الفيلم إلى شيخ عجوز يشرح لنا ما هو الذكر ، الصلاة ذكر ، والحج ذكر فالذكر على وجه العموم فهو ترديد اسم من أسماء الله الحسنى ويعتبر من أهم الشعائر التى تؤدى فى المواسم والموالد .نشاهد فى لقطة من الفيلم شيخا عجوزا يقفز عالياً مثل شاب فى مقتبل العمر .
وتنطلق المواكب فى ساحات المدينة وهى تحمل اعلامها وشاراتها وطبولها ودفوفها وتصدح الموسيقى فى كل مكان ، ويشترك الجمهور فى الرقص ، وتشتعل المدينة بفرح عميق فتصبح وأهلها جسدا واحدا وروحا متشوقة إلى عناق السماء ، الأطفال يرقصون وهم يشاهدون هذا الموكب الاحتفالى العظيم ، من فوق أسطح البيوت وفجأة تسلط الكاميرا على طفل صغير فى السابعة من عمره اختفى فى الظلام فى زاوية أحد الأبواب . الكاميرا تكاد تلتحم بالأجساد فى لقطات مكبرة .
فى أول لقطة فى الفيلم الثالث وهو بعنوان ” عيدان وملذات ” ” DES LUTHS ET DELICES ” نرى مؤذن مدينة تطوان يؤذن للصلاة من فوق قمة المدينة التى عرفت باسم ” بنت غرناطة ” ثم نعرج على عدة أماكن فى المدينة ، قبل أن ندلف إلى ساحة هذا البهو فى قصر من قصورها . لكى نلتقى الأستاذ الموسيقار عبد الصادق شقارة – من مواليد تطوان عام 1931 – رئيس فرقة اوركسترا الموسيقار عبد الصادق شقرا بأن يكون أحد حفظة هذا التراث الموسيقى العظيم فحسب ، بل أنه علاوة على ذلك ، يطور فيه ، عن طريق تطعيمه بالحان النوع الموسيقى الشعبى المغربى ، وايقاعات الفلامنكو . والحقيقة التى يؤكد عليها هذا الفيلم هى أن المزاج العربى للسماع الموسيقى لا يختلف كثيراً من بلد عربى إلى آخر ، إلا بقدر اختلاف اللهجات الموسيقية ، التى تتباين بطبيعة الحال وتختلف باختلاف الحديث، على الرغم من أنها أيضا نابعة من أصل واحد . أن ” الوصلة ” الغنائية المصرية التى ازدهرت حتى أوائل الثلاثينات من هذا القرن ، تتكون من عزف جماعى لمجموعة الآلات الموسيقية ، ثم تقاسيم على الآلات العربية التقليدية ، العود والقانون والناى ) ثم غناء الليالى والموال ، وأحيانا غناء أحد الموشحات ، ثم تختم ” الوصلة ” بالدور الغنائى المصرى مع مراعاة أن جميع أجزاء الوصلة يجب أن تكون من مقام موسيقى واحد .
نفس هذا التقليد الأدائى يراعى أيضا فى ” النوبة ” الاندلسية التى تحمل الملامح الموروثة من حضارة العرب فى الأندلس ، والتى استقرت فى منطقة المغرب العربى فى تونس والمغرب والجزائر . وبرغم وجود اختلاف أيضا فى مكونات ” النوبة ” فى هذه البلاد فإنه غالباً ما تتكون النوبة الأندلسية – كما يقول مغنى الفرقة فى تطوان – من خمس إلى تسع أجزاء منها ” الاستفتاح” ( موسيقى تشبه التقاسيم وغير مقيدة بإيقاع ) ” والمصدر ” ( مقدمة موسيقية ) و ” الأبيات ” و ” البطايحى ” و ( يشبه الموشح ) و ” التوشية ” و ( هى قطعة موسيقية تعزفها الآلات ) و ” البراول ” و ( هى عدد من التواشيح لا يقل عن اثنين ) و ” الدرج ” و ” الانصراف ” (سلسلة الحان تؤدى بسرعة ورشاقة وحمسا ) و ” الملخص ” أو ” الختم ” و ( هو غناء سريع تختم به ” النوبة ” الاندلسية ) .
ويلاحظ أن هذه الأجزاء المكونة للنوبة الأندلسية تختلف قليلاً فى تونس عنها فى الجزائر أو المغرب ، إلا أن المقامات العربية تكاد تكون واحدة فى جميع الدول العربية ، والاختلاف يحدث فى الأسماء فقط ، فمثلاً كلمة ” مقام ” فى مصر ترادف تماما كلمة ” طبع ” فى تونس . الموسيقى الأندلسية كما يقول مغنى الفرقة لم تتغير قط لان نوباتها محصورة من الناحية الأندلسية فى 24 نوبة لم يتبق منها سوى 11 نوبة واندثرت البقية ، وقد ادخل المغاربة على هذه النوبات نوبات ذكر منها على سبيل المثال ” نوبة ” استهلال وهذا التراث كما يقول مغنى الفرقة ” تراث أصيل يشتمل على أنغام ونبرات موسيقية تهز النفوس .
هذا التراث الأصيل صنعه الرجال والنساء لأنه كان يرفه عنهم ” . تتجول الكاميرا هنا داخل القاعة حيث تعزف الفرقة التطوانية وتقوم الفتيات لكى يرقصن ، وتقطع الكاميرا على مشاهد الحفلات والزواج ، ثم تعود بنا إلى القاعة ونستمع إلى صوت الأستاذ عبد الصادق شقارة يغنى : ” سألتنى ما بال دمعك أسودا ، ووجهك مصفر وأنت نحيل ، فقلت لها أن الدموع تجففت وهذا سواد المقلتين يسيل ” . أجل الحبيب مضى ورحل وها هم الآن يسألون عن اخباره ” اود أن امنحه روحى العزيزة هدية . اعطنى ميعاد . حبيبى اعطنى ميعاد ” هكذا يطلب عبد الصادق شقارة وهو يعزف على كمانه فى آخر لقطة من فيلم ” المغرب اجساد وأرواح ” .
صلاح هاشم
صلاح هاشم ناقد ومخرج مصري مقيم في باريس.فرنسا.مؤسس ورئيس تحرير موقع ( سينما إيزيس ) في باريس عام 2005