11 سبتمبر فى الثقافة الشعبية والهندسة الأمريكية لإعلام الشرق الأوسط
على مدى عقدين، برز تأثير «الحرب على الإرهاب»، التى تديرها الولايات المتحدة منذ 11 سبتمبر 2001 بدعم من المملكة المتحدة، على الأدب والثقافة الشعبية فى جميع فروعهما وتشعباتهما. فمنذ الهجمات كان هناك نمط من الإكراه على استعادة لحظات الرعب وقت الهجمات تمت ملاحظته بشدة فى الأعمال الفنية والسينمائية والأدب. لم تدخر أمريكا وداعموها جهدا فى تسليح الثقافة الشعبية الغربية بالسياسة لخدمة أهدافها. وامتد هذا التسليح أيضا لوسائل الإعلام بالشرق الأوسط.
يستكشف كتاب «إعادة صياغة أحداث الحادى عشر من سبتمبر: السينما والثقافة الشعبية والحرب على الإرهاب»، الذى حرره كل من جيف بيركينشتاين، آنا فرولا، كارين راندل ، تأثير أحداث 11 سبتمبر على عمليات التكوين الثقافى من خلال فهم الذات وتمثيلها بالعالم عبر الوسائل الثقافية. فمثلا فى ألعاب الفيديو ألهم مشروع القرن الأمريكى الجديد،الذى استخدم كخلفية وأساس أيديولوجى لسياسة جورج دبليو بوش للهيمنة العالمية، استراتيجيات التصميم التى تركزت على العنف ،العنصرية والقتل، يعتبر الكتاب أن ألعاب الفيديو الخيالية كانت بمثابة «الحلفاء الأيديولوجيين» لـ «مشجعى» الحرب على الإرهاب، لافتا إلى أن غالبيتها تم إنشاؤها بالتعاون الفعلى مع أجهزة الأمن والجيش الأمريكية. على الرغم من أنها تعكس الخوف الاجتماعى من الإرهاب وتتصور سيناريوهات مروعة ، فإن هذه الألعاب غالبا ما تكون متفائلة بشكل متناقض لأنها تقدم خيالا يصحح الواقع الفوضوى بأفغانستان والعراق وأماكن أخرى.
وبدعوى مشاركة المستخدم، تعمل هذه الألعاب على الأبعاد العاطفية للذاتية الثقافية ، وتسعى لإثارة التماهى بين اللاعب و«الأبطال» الأمريكيين فى الكفاح العالمى من أجل «الحرية» و«الديمقراطية» .
منذ تلك الهجمات الإرهابية ،كانت الثقافة الشعبية فى طليعة الهجوم السياسى الحيوى على نمط الحياة الأمريكية خاصة والغربية عامة . كان المناخ الثقافى بعد 11 سبتمبر مشبعا برعاية الدولة للترويج للخوف وعدم اليقين مما طور آلية للاستيلاء العاطفى باستخدام وسائل الإعلام كأسلحة لحرب نفسية ومعلوماتية ، لذا لم يكن من المستغرب أن الاستثمار الحكومى الأمريكى فى الإنتاج الثقافى كان جزءا من التكتيكات السياسية لتعديل وترجمة المشاعر والرغبات المتصورة إلى معايير ثقافية وقواعد سلوكية مقبولة. قدمت وسائل الإعلام الأمريكية والغربية الدعم لهوية وطنية ناشئة تتناسب مع الشخصية الأخلاقية الأمريكية وخطاب الخلاص فى قيادة وتوجيه أمريكا للعالم فى طريقه عبر دهاليز الإرهاب الجديد. أسهم ذلك بشكل أو بآخر فى توحيد توثيق تلك الهجمات بالذكريات الثقافية، وأكد الدور الذى لعبته وسائل الإعلام والثقافة الشعبية كأسلحة رئيسية.
لم تكن محاولات تسليح الإنتاج الثقافى لأغراض سياسية، والاستثمار الحكومى الأمريكى فى ذلك الإنتاج مقصورا على المحتوى الموجه للداخل الأمريكى والغربى بل كان هناك تلاعب أيضا فى المحتوى الموجه لمواطنى الشرق الأوسط، خاصة فى أماكن الصراع وعدم اليقين الاقتصادي، وهو ما يكشفه مات سيانكافيتش فى كتابه «القوات الجوية الأخرى: جهود الولايات المتحدة لإعادة تشكيل وسائل الإعلام فى الشرق الأوسط منذ 11 سبتمبر»، الذى يكشف فيه كيف ضخت أمريكا ملايين الدولارات فى برامج التليفزيون والإذاعات المحلية، على أمل توليد تيارات مؤيدة لها على موجات الأثير بالشرق الأوسط، فى سعيها لكسب قلوب وعقول المواطنين بالمنطقة.
يوضح الكتاب أن منتجى وسائل الإعلام بالشرق الأوسط الذين يعتمدون على هذه الأموال ليسوا دمى أمريكية بالكامل، لكنهم يسهمون بتلك الخطة بأجنداتهم السياسية والإبداعية عبر قبولهم العمل ضمن القيود الأمريكية. يسلط الضوء على الإنتاج التلفزيونى والإذاعى فى أفغانستان والعراق وفلسطين. يستكشف سيانكافيتش كيف تنتهج الولايات المتحدة الأساليب الناعمة فى جهودها الإعلامية لتشجيع البرامج الترفيهية، مثل النسخ المتعددة لبرامج
The Voice و The Apprentice. يرى سيانكافيتش أن أمريكا فهمت اللعبة جيدا لذا أصبح تشكيل الوسائط الإعلامية وبث المحتوى الصديق للسوق له الأسبقية على الترويج العلنى المباشر للخطاب السياسى الأمريكي. ويبرز ذلك بشدة فى ساحات القتال الخطابية وصراع السرديات فى فلسطين وأفغانستان عبرالجمع بين إستراتيجية القوة الناعمة الأمريكية وعمليات الحرب النفسية العسكرية، وهو ما يعبر عنه المصطلح «Soft-psy»، وتتضمن تلك الاستراتيجية توفير الدعم المالى والإنتاج المحلى غير الخاضع للإشراف بدعوى دعم التنافسية الاقتصادية.
ومن النماذج الناجحة لوسائل الإعلام «الهادئة» بالشرق الأوسط بحسب سيانكافيتش، تأتى «أرمان إف إم» و«تولو تى فى» بأفغانستان، وشبكة «معا» الفلسطينية. ويلفت إلى اختلافهم عن منتجى وسائل الإعلام الذين سيطرت عليهم المخابرات المركزية خلال الحرب الباردة فهم «إعلام هادئ بتمويل أمريكي»؛ لم يخفوا علاقتهم بالحكومة الأمريكية والتمويل الذى تطور عبر تفاعل الرأسمالية العالمية والمنظمات غير الحكومية الدولية ومنتجى وسائل الإعلام المحلية. يوضح المؤلف كيف يتم إخفاء الاحتلال فى الأفلام والمسلسلات التليفزيونية التى تنتجها شبكة «معا»، وبسبب «الحساسيات الأمريكية»، كان محتواها تاريخيا يدور حول أى صراع ما عدا الصراع الإسرائيلى الفلسطيني. أيضا يضرب المثل ببرامج مثل «إيجل 4» على قناة «تولو تى في»، وهى تكييف أفغانى لقناة فوكس، تم إعداد البرنامج لتشجيع التصورات” الإيجابية” حول الأجهزة الأمنية، وإضفاء الشرعية على عنف الدولة باعتباره ضروريا «للسلامة العامة».
وهناك أيضا التوسع السريع لوسائل الإعلام العراقية إلى ستين محطة تليفزيونية فضائية بعد وقت قصير من تدمير خدمات البث الوطنية، وتطوير أول محطة تلفزيونية فلسطينية خاصة «تليفزيون نابلس فى الضفة الغربية» من قبل طالب جامعى لقيادة الطريق لمزيد من المحطات التلفزيونية الصغيرة التى أصبحت قواعد حاسمة للتدخل الأمريكى الهادئ بالإعلام الفلسطينى.
عن صفحة ” أدب وكتب ” إشراف وإعداد هبة عبد الستار بجريدة الأهرام ، لباب ” مختارات سينما إيزيس “
بتاريخ سبتمبر 2021