أخطاء يمكن تجاوزها في القاهرة السينمائي 42 بقلم علا الشافعي في ” مختارات سينما إيزيس
مرت أيام الدورة الـ42 لمهرجان القاهرة السينمائي (2ديسمبر وحتى 10 من الشهر نفسه) بحلوها ومرها، ففي ظل تلك الظروف الاستثنائية التي نعيشها، أصبحت إقامة أي مهرجان أو احتفالية فنية أو سينمائية أو ثقافية هو حدث يستحق الاحتفاء به، ودعم صانعيه، خصوصا وأن هناك الكثير من الأنشطة والمهرجانات الكبرى التي توقفت في العالم.
وما أنجزه مهرجان القاهرة السينمائي يؤكد على حقيقة واحدة، أن البشر ينتصرون للحياة في مواجهة الموت الذي يحمله الفيروس القاتل “كوفيد 19” الذي يتنقل بحرية وينتشر بسرعة. ورغم ذلك كانت هناك طوابير ممتدة أمام منافذ الحجز وأمام قاعات العرض، خصوصا في عروض الأفلام ذات السمعة والصيت العالمي، والتي حصل بعضها على جوائز من كبريات المهرجانات مثل فينسيا وبرلين وتورنتو، وتلك المرشحة لتمثيل بلدانها في مسابقة الأوسكار، ولم يكن أمام من انتصروا لإرادة الحياة بدلا من الخوف والاختباء، سوى الالتزام بالإجراءات الاحترازية التي فرضت في محاولة أكيدة على التقليل من المخاطر.
هل نجح المهرجان؟
سؤال يجب أن نطرحه على أنفسنا، والاجابة: نجح المهرجان رغم تلك الظروف الاستثنائية الصعبة، ورغم بعض المشاكل الإدارية، والتي تمثلت أكثر في سوء تقدير حجم الإقبال الجماهيري، وهو ما انعكس على حجز الأماكن ومدى توافرها، حيث عانى الكثيرون من رواد المهرجان من عدم توافر تذاكر في الكثير من العروض، ورغم المحاولات الفردية من جانب بعض القائمين على إدارة المهرجان ولكن بالطبع أمام الإقبال المتزايد يصعب احتوائه فقط بالمحاولات الفردية، إضافة إلى بعض التفاصيل الأخرى والتي عكست بشكل أو بآخر تضاربا في اتخاذ القرارات بين مسؤولي الإدارة.
عام بعد عام يزداد الإقبال على حضور المهرجان وفعالياته، وهذا يتطلب آلية عمل مختلفة من إدارة المهرجان ووزارة الثقافة، خصوصا وأن الجميع كان يعلم أن القاعات المتاحة للعرض مثل المسرح الكبير والصغير والهناجر، والمسرح المفتوح تعمل فقط بنصف طاقاتها، إضافة إلى أنه آن الأوان لضرورة التفكير الجدي في مقر دائم لمهرجان القاهرة السينمائي والذي صار يبلغ الـ42 من عمره.
وفي ظني أن هذا الأمر لو تحقق سيكون إنجازاً حقيقياً، ولكن هذا حلم طال انتظاره منذ سنوات مختلفة، وإدارات متعاقبة.
“تحيا السينما”
ورغم الأخطاء سيظل شعارنا دائما “تحيا السينما “فهي الباقية في الوجدان والمحرضة على التأمل والتفكير، وأيضا هي التي تتيح لنا مشاهدة حيوات مختلفة من كافة بلدان العالم، والمفارقة التي حملتها أفلام المهرجان هذا العام في أكثر من مسابقة وليس فقط المسابقة الدولية في آفاق السينما وغيرها. يلمح المتابع أو الباحث عن “ثيمة” الكثير من القضايا الإنسانية ولكن ما لفت نظري هو الحضور الطاغي لشخصية الأب في الكثير من العروض بدءا من فيلم الافتتاح “”THE father” أو الأب”، وأفلام أخرى منها المغربي “خريف التفاح” مسابقة أفاق السينما العربية، “وذهب ” في أسبوع النقاد، و”ازرع الريح” من نفس المسابقة، و”التربة الحمراء ” من أفلام العروض الخاصة، والمصري “حظر تجول” المسابقة الرسمية.
وتنوعت الصور التي ظهرت عليها صورة الأب ما بين المريض والذي يعاني من مرض الألزهايمر، أو صاحب الشخصية القوية والمسيطرة، أو ذلك الأب الفاسد والمتواطئ، أو المتحرش.
المعجزة أنتوني هوبكنز
فيلم “الأب ” الذي يقوم ببطولته النجم المخضرم “أنتوني هوبكنز”، والمتألقة أوليفيا كولمان” والفيلم يعد صورة شديدة الشاعرية عن تلك المرحلة العمرية المتقدمة في السن، وخصوصا من يعانون من مرض “الألزهايمر” وقد يكون من أفضل الأفلام التي قدمت مؤخرا عن الشيخوخة منذ فيلم “”Amour الذي عرض قبل ثماني سنوات في عام 2012.
الفيلم يقدم معالجة شديدة الذكاء والحساسية لتلك الحالة المرضية من خلال سيناريو يحمل الكثير من الدهشة والتفاصيل إضافة إلى الحيل والألعاب التي يقوم بها كاتب السيناريو مع المشاهد، للدرجة التي تجعلنا نتساءل كيف استطاع كاتب النص أن يصيغ السيناريو بتلك الطريقة فالكتابة تشبه التداعي في ذهن بطلنا المريض، ما يأتيه من الذاكرة القريبة من أشياء يتذكرها، أو من الذاكرة البعيدة، أو تلك الأحداث التي يتعمد نسيانها ومنها حادثة وفاة ابنته الصغيرة، في تلك المساحة المحدودة داخل الشقة، وحجرة المستشفى وطرقاتها نري حياة ذلك الأب والذي نتعاطف معه في لحظة لأننا نظن أنه ضحية ابنته حسبما يروي فهي تريد الحصول على شقته، ابنته التي ينسي أحيانا ملامحها لتتداخل مع ملامح الممرضة التي ترعاه، نفس الحال مع زوج الابنة، هذا السيناريو البديع يضعنا في ذهن شخص يفقد عقله ويفعل ذلك من خلال الكشف عن هذا العقل وما يدور فيه والقدرة على عكس التدهور الذي يصيبه.
التغير والتبدل المستمر لم يكن على مستوى الشخصيات فقط بل على مستوى المكان أيضا، فنراه يتحول من شقة إلى غرفة في أحد المستشفيات وعيادة خاصة، تتزعزع مصداقية كل شيء، ذلك التشويش والارتباك والتناقض في بعض الأحيان يجعلنا ندرك أن هذا هو العالم من منظور أنتوني، مجرد صور ضبابية.
إضافة إلى استغلال لمخرج لكل مساحة ممكنة في المنزل واللعب بالألوان وأثاث المنزل ليعكس حالة البطل وفي لحظات تشعر وكأن الشقة تتحول إلى خشبة مسرح يصول فيها البطل العجوز الواهن وابنته، والحوار المكثف شديد الذكاء والذي رغم إعادة بغضا من جمله إلا أنه في كل مرة تكون هناك معلومة أو تفصيله جديدة تساهم في تصاعد الدراماـ إضافة إلى المونتاج المحكم، كل تلك العناصر الفنية في فيلم يعد واحدا من أجمل أفلام العام وينافس من خلاله أنتوني هوبكنز على أوسكار أحسن ممثل حيث يقدم أداء مذهل أقرب إلى الاعجاز الفني حيث هناك الكثير من المشاهد التي قدمها هوبكنز وتدرس في فن الأداء والفيلم هو أول اخراج رائع للمؤلف المسرحي فلوريان زيلر”.
أما الفيلم المغربي ” خريف التفاح” للمخرج محمد مفتكر فيعكس صورة لجيلين مختلفين الأب الكسيح المريض والذي تقوم زوجته بمساعدته وعمل كل شيء من أجله مع حفيدها، وهناك الأب المتسلط والذي يعاني من ذكورية بغيضه في علاقته بابنه الفيلم والذي يشعرك من خلال أحداثه أنه مستوحى من روح قصة آدم وحواء، ولكن البطل هنا أحمد يعاقب حواء أو عائشة على خطيئتها معه ويرفض الاعتراف بابنه ولا يتردد عن صفعه وتهديده في أكثر من مشهد.
وتدور أحداث الفيلم في قرية تبدو كبقايا جنة ذلك البيت الواسع وشجرة التفاح أمام المنزل وعائشة الجارة المفعمة بالجمال والحيوية، ونري كل الأحداث من عين الطفل الذي يعاني من أزمة حقيقية في علاقته بوالده، الفيلم رغم تميزه بصريا وعلى مستوى التشكيل في “الكادراج “وزوايا الكاميرا، وتميز بطل الفيلم الطفل الصغير أدائبا إلا أنه شديد البطء في إيقاعه وهو ما أفقده الجاذبية.
أما الفيلم الفرنسي ” تربة حمراء” إخراج فريد بنتومي فيقدم نموذجا شديد الجاذبية للأب “سليم أو سليمان” كما يناديه البعض من زملائه في مصنع الكيماويات الذي يعمل به، سليم أب يملك علاقات متميزة مع زملائه ورؤسائه وهو رئيس اتحاد العمال، والأهم أب شديد الحنان مع ابتيه صوفي ونور نور التي تعمل ممرضة طوارئ ولكنها تترك عملها في المستشفى نتيجة لوفاة حالة لامرأة عجوز حيث رأي البعض أنه رغم ضغط العمل إلا أنه كان هناك سوء تقدير منها للموقف، وتمكن والدها بعلاقته من الحصول لها على وظيفة داخل المصنع الذي يعمل به كممرضة للعمال، ولكن مع بداية العمل تكتشف نور أن والدها متواطئ مع الإدارة، ضد مصلحة زملائه والذي يعاني عدد منها من سرطان الرئة بسبب المواد الملوثة التي يعملون بها ويقومون بالتخلص منها .
والد نور مثل مئات العمال يخشون من البطالة لذلك فهم يتحملون ظروف العمل الغير آمنة، خوفا من تهدم حياتهم، نور التي تستمر في مواجهة والدها وعائلتها بالكامل ولا تتردد في كشف الحقائق بالتعاون مع صحفية تعمل على هذا الملف منذ فترة، سليم والذي يستفيق بعد تعرض ابنته للخطر ويفضح مسئولي المصنع والمتعاونين والمتواطئين معهم من مجلس المدينة.
الفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية، وهو فيلم شديد التقليدية في بنائه ولكنه في النهاية يتناول قضية خطيرة مرتكزا على ذلك الصراع بين الأب وابنته، والخوف الذي يتملك كل منهما هو خوفه من البطالة وهي خوفها على والدها من أن يصاب بالسرطان.
أما الفيلم المصري “حظر تجول” بطولة إلهام شاهين وأمينة خليل وكامل الباشا وأحمد مجدي وإخراج أمير رمسيس، فنحن لا نرى وجه الأب أبدا سوى من زاوية بعيدة تجعل ملامحه ضبابية، فهو أب تحرش بابنته ذات العشر سنوات وقتلته زوجته وقضت في السجن 20 عاما من عمرها، وخرجت لتجد نفسها في علاقة مرتبكة وملتبسة مع ابنتها نتيجة لفعلة هذا الأب، الفيلم لا يحمل تميزا حقيقيا سواء على مستوى الصياغة الدرامية أو المستوى البصري، رغم أن الفكرة كانت تستحق صياغة درامية تليق بها فالسيناريو يخلو من المنطقية في الكثير من أحداثه، إضافة إلى أن هناك تفاصيل تنسف الفكرة من الأساس، وقد تكون خبرة الهام شاهين هي ما تشفع للفيلم في بعض المشاهد.
وأعتقد أن الجملة التي خرجت من النجمة إلهام شاهين بعفوية وهي “أننا نقدم سينما تشبه واقعنا” هي خير معبر عن حال السينما المصرية والتي تشهد تراجعا ملحوظا أمام الإنتاجات الأخرى والتي نشاهدها من مختلف العالم.
بوكس 1
أفلام مهمة عرضت في القاهرة السينمائي: السعودي “حد الطار”، والمكسيكي ترتيب جديد، الخوف، المصري التسجيلي عاش ياكابتن، والفلسطيني المرشح للأوسكار غزة مونامور.
إقبال جماهيري كبير على الفيلم الأمريكي “أرض الرحل”.
ندوة تكريم الكاتب المبدع وحيد حامد من أكثر ندوات المهرجان حضورا على مستوي الجمهور والنقاد وصناع السينما.
21 فيلماً تحمل توقيع مُخرجات نساء في مسابقات مهرجان القاهرة المختلفة
20 فيلماً في عرض عالمي-دولي أول.
10 أفلام مصرية، تتنوع بين الروائي، والوثائقي والقصير تشارك في الدورة الـ 42
250 ألف دولار، يتنافس عليها 15 مشروعا، في ملتقي أيام القاهرة، بهدف “تمكين صنّاع الأفلام العرب” من إنجاز مشروعاتهم.
علا الشافعي
عن جريدة الأهرام العدد الصادر يوم الجمعة 11 ديسمبر 2020