سياسة الإغتيالات الإسرائيلية ومحاولة إستعادة الردع بقلم نبيل عبد الفتاح
منذ نشأة الدولة الإسرائيلية الاستيطانية، كانت نظرية الأمن القومى تعتمد على الحائط أو الجدار الحديدى الذى صاغه جابتونسكى، ثم حدد معالمه ديفيد بن جوريون، وارتكزت على تحقيق وظيفة الردع، والعمليات العسكرية السريعة ضد الدول الأساسية للدائرة البؤرية -مصر وسوريا والأردن- ودول دائرة الطوق. اعتمدت نظرية الأمن القومى على ما يلي:
– التفوق التكنولوجي، والعلمي، خاصة فى الصناعات العسكرية، وحيازة السلاح النووى مع التعاون العسكرى مع فرنسا، من خلال دور شيمون بيريز فى هذه المرحلة، والسعى للحصول على سلاح نووى للردع المطلق للدول الأساسية فى الصراع.
– الاعتماد على مصادر تسليح متطورة من الولايات المتحدة وبريطانيا، وفرنسا وألمانيا..إلخ، وإدخال تطويرات وتعديلات على أنظمة التسليح، بالإضافة إلى تطوير مستمر لصناعات التسليح الإسرائيلية، والربط بينهما، وبين التطورات العلمية فائقة التطور على نحو ما ظهر مؤخرا من استخدام الذكاء الاصطناعى فى الحرب على قطاع غزة، وإزاء حزب الله فى لبنان.
– الحرب الخاطفة ونقل العمليات العسكرية إلى أرض الخصم، بما يحقق الصدمة، والردع على نحو ماتم فى عدوان يونيو 1967، وهو مالم تستطع تحقيقه فى حرب اكتوبر1973.
– رفع مستويات الأداء العسكرى من خلال أنظمة التدريب، فى مختلف القوات البرية والبحرية والجوية، والاعتماد على نظام قوات الاحتياط، بالإضافة إلى البنية الأساسية للمؤسسة العسكرية فى مختلف قواتها، وتطوير صناعة المدرعات، والصواريخ، والطائرات المسيرة..إلخ.
– الارتقاء بمستويات التكوين المعرفى للضباط والقيادات فى جميع التخصصات فى العلوم الطبيعية والإنسانية من خلال البعثات إلى الجامعات الغربية الكبري.
– سياسة الاغتيالات لبعض قادة المقاومة البارزين فى حركة التحرر الوطنى الفلسطيني، ومنظماتها، وأيضا الكوادر القتالية، وذلك لتحقيق الردع على نحو ما حدث مؤخرا مع إسماعيل هنية، وفؤاد شكر القيادى الأبرز عسكريا فى حزب الله، وامتدت الاغتيالات لبعض قادة الحرس الثورى الإيراني، يمتد الردع إلى ما يطلق عليه محور المقاومة والمساندة بقيادة إيران. والردع هنا كوظيفة نفسية يتسع كرسالة لبعض القيادات السياسية العربية.
فى المراحل التاريخية للصراع العربى الإسرائيلي، شكل الردع والاغتيالات مكونا بارزا فى نظرية الأمن الإسرائيلى رغم الشروخ التى ألمت بها بعد حرب أكتوبر 1973. كان التركيز جيو سياسيا على الدائرة البؤرية، ودول الطوق، من خلال بعض العمليات النوعية ذات التخطيط الجيد، والذكي، والأداء المتمكن فى تنفيذ بعض العمليات، سواء بالضربات الجوية، أو عمليات التدخل البري، وهو ما حدث أثناء الحرب على لبنان،وإخراج عرفات وقيادات منظمة التحرير الفلسطينية،وإجبارهم على الانتقال إلى تونس -وبعضهم- إلى اليمن الجنوبى آنذاك.
سياسة الاغتيالات تم توظيفها فى سياق الحرب على قطاع غزة، والهجمات الجوية، وبالصواريخ، والمدفعية والمسيرات بينها وبين حزب الله، إلا أن ذلك لم يؤثر سياسيا على البنية القيادية لحماس، والجهاد وحزب الله فى ظل وجود فوائض قيادية داخل هذه المنظمات، واستمرارية أطول حرب فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى على نحو ما يشارف العام إلا أسابيع، وأدت إلى إنهاك نفسى وقتالى فى الجيش الإسرائيلى كنتاج لقدرة حماس على تجنيد اكثر من ثلاثة آلاف شاب بعد التدخل البرى فى القطاع وشماله ووسطه وجنوبه، وإلى تفاقم مشكلات سياسية وجودية، ستنفجر عقب الحرب. لم تستطع سياسة الاغتيالات أن تحقق الأهداف المرجوة من ورائها كاملة، على الرغم من توظيف بنيامين نيتانياهو لها داخليا فى رفع بعض من أسهمه، إلا أن إطالة أمد الحرب على القطاع، والعمليات فى الضفة الغربية، وجنوب لبنان والضربات الجوية فى بعض المناطق فى سوريا، أدت إلى تزايد بعض الضغوط من أهالى الأسرى الإسرائيليين فى عملية «طوفان الأقصي»، وتزايد المخاوف من عدم إتمام صفقة للإفراج عنهم، ووقف إطلاق النار.
سياسة الاغتيالات عقب صدمة «طوفان الأقصى»، لم تستطع أن تحقق أهدافها فى الردع لقادة المقاومة، ومحور المساندة، وتدفع بعض اليمين واليمين التوراتى المتطرف الى محاولة مواجهة حزب الله فى لبنان ، وهو أمر قد يدفع الى توسيع دائرة الحرب فى المنطقة!.
بقلم
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح كاتب وباحث ومفكر تنويري مصري ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية
**
عن جريدة ” الأهرام ” العدد الصادر بتاريخ الخميس 19 سبتمبر 2024 لباب ” مختارات سينما إيزيس “