سهرة مع باليه “بحيرة البجع” في لندن بقلم فكري عيّاد
رحلة رحبة في قاعة خيال طيف “أمير الموسيقى” ولمسات الابداع وشاعريه النبضات. “تشايكوفسكي” في غفلة ليلة حالمة وروحه الهائمة في سريان وتواصل مع حلم ذابت نغماته في أنامله، إيقاعات متنوعة وقصة عشق وبهجة، تجسدت مع عبقريته في حالة نادرة. يهبط على أوتار القلوب يدق رنين الجواهر ويسبح بأعذب الألحان . موسيقى” كسارة البندق” و”الأميرة النائمة” و”الجمال النائم” وفتنة الألحان ” بحيرة البجع”. مازالت قبلات الأضواء تتلاقى في أحضان بعضها، دافئة ساخنه وناعمة، تأخذ في ضيها عيوننا الناعسة، تغسل احاسيس لوثت أنفاسنا، زفرات ضباب من الوان زرقاء متناغمة، يحلق ويستدير يحوم من حولنا. “فارس الألحان” حائر يطرق دبيب الحياة، جفت وضاعت ورحلت همسات القلوب، تمايل واختال في غنج الدلال، علي الأوتار الرومانسيه، والحب يتنهد بخفقات ساهرة. ، طالت ليالي العشاق تستعذب أناتها ساهدة. تنتظر لمحة خاطفة من ميلاد سيمفونية وأنغام خالدة. تنافس بهاء أضواء القمر في عيون الحسان، تداعب رموش الأحلام والرؤى، في الخيال تستحي نائمة. “تشايكوفسكي” أيها الفارس المغوار في السابح في قمة الفضاء. كيف أيقظتنا، وسحرت آذاننا.!؟
ترنخت على وسادة قلوبنا، وأبدعت وصعدت بحواسنا إلى عرش الأنغام، غرست أنات الٱهات في وجداننا، في لحن الخلود سيمفونيه نادرة. البجعات الراقصات تتمخطر في سكرة وجدانك ونغماتك يداعب ريشها نسمات الهواء، في هيام مستسلمة. جسدت الاحلام تناغي وتداعب أوتار قلوب العشاق، وشفاه الطيور حولك شاردة.! ترنمت وسكنت ، تدفقت بسكون وهدوء في شريان وجداننا، وريش هفهاف من البلابل يداعب عيوننا بدقات متناغمة. هللت وتجمعت طيور البجع الأسطورية الساحرة البيضاء. تلتف وتلتقط الدر والؤلؤ من البحيرة الزرقاء. تتراقص في وهج الحب راقصة، ومضات تسابق ومضات، آهات وتنهدات بلسم الروح للعشاق، في صحبة ثرية من جوقة متناسقة الٱداء. همس حفيف هفهاف من لمسة الاقدام ، يسلب العقول المتغيبة. “أوديت” أميرة القلوب ملكة البجع، إستيقظت وعيونها مازالت ناعسة. تراقب الضياء، لمحات خافتة من النجوم الراقصه، على حفيف “بحيرة البجع”تهللت أجنحة الفراشات الحسناوات، تتغني وتغرد في تناسق الالوان وعبق الورود وشفق من الأنوار البهية متلألئة. تحيط خصرها بزهور “إغلانتيريا” الوردية النادرة. و”الأوركيدا’ تتنافس في غيرة ، تفرش عطرها في الأجواء. وشدو البلابل والكناري والعندليب والوقواق جوقة شرف تجمعت في الفضاء سابحة متهللة. أميرة الحسن والبهاء، تنظر حولها تستقبلها أحضان البجعات الراقصات على سيقان ملساء، أوراق “اللوتس” ترفرف تتهامس بأناملها حفيف هفهاف على بساط رقراق المياه . وجه” أوديت” جميلة الجميلات، محاط بريش البجع الأبيض الملتصق بشعرها. وإكليل من ورود ذهبية، وضفائر تتغزل في بعضها، تتجمل من فتنة البهاء حسناء فاتنة. تاج من نور لامع يشع فوق جبين عروس البجعات من منارة الضياء. تتطاير خصلات شعرها مع هزات النغمات في ريشها. يدغدغ مشاعر الأرواح في سكون الليل صامتة . تتباهى في ألوانها الوردية، تتموج في براءة برداء مثير شفاف. يلامس نضارة وحيوية يتحسس نعومة جسدها. تنهدت القيثارة الراقصة في ٱسى الأحزان تناجي الماضي والذكريات، قطرات من دموع الأم بحيرة من الحزن والٱسى، تجمعت البجعات حولها، آهات وموجات تحتضن ٱهات. الأوتار مشدودة، دقات الطبول تتسارع دقاتها، رشاقة الجوقة والعازفين في حالة سباق، تشابكت خيوط أنغامها، سابحة في الفضاء تعانق السحاب. دوائر ،دوائر من البجعات تدق على الأرض الزرقاء. أنفاس البجعات تلعق الهواء، وريقات الأجنحة البيضاء، ترفرف تمتزج مع رنين الألحان. زفرات وتلوينات وتكوينات زخارف متنوعات. عبيرها رحيق الزهور، يعبق كل الأركان. صفوف عيون تترقب في لهفة وشوق وغرام اللقاء، صحوة الأميرة مهجة القلوب، ملكة البجعات ‘أوديت” يانعة في رشاقة غزاله شاردة.
الأمير الشاب “سيجفرايد” ينصت سمعه وبصره وقلبه لأجنحة ترفرف وتسبح فوق رأسه. وصوت مزمار مع وتريات” الهارب” تترنخ مع رحيق الورود الراقصه بأنغام شجية. “أوديت” أميرة البحيرة، بريش الطاووس الابيض الفضفاض، تختال بفتنتها تتطاير أجنحتها فى طرب راقص، تغريد وصفوف محتشدة من فراشات الربيع تحط على حافة البحيره متناسقة. عروس الضياء تتمايل سيقانها في علياء، تكاد تقبل حافة السماء بخفقات فمها. لوحة.! من الفنانين برعوا في رسمها. قاعة” ألبرت هول” تسجل صفحة الابداع، وعلو شأنها ومجدها. لوحة.! هبطت من الفضاء، تأخذ الألباب في حضنها، متعة وهوى ولهيب العشاق، ذابت مشاعرها في روحها. عيون الأمير تتلصص في توهان . يحمل قوس “كيوبيد” العاشق الصغير الولكهان، يراقب لمحات الطيور حول البحيره في تناسق وتوافق وانسجام، البجعات الراقصات تتمخطر في حلتها البهية تتمايل اعوادها في غناج ودلال. طلة ضياء القمر يتباهى في خيلاء، أنوار شموع حمراء صفراء تتلاقي مع الزرقاء، زخارف مزركشة متعددة الألوان متعانقة في لوحة من نسج الخيال والبهاء . الألسنة الوترية تهلل في حوار متشابك في تناسق وتوافق وانسجام. صنوج تداعب نهود الدفوف ، البُزق يحاور الماندولين بنظرات ودية أو مشاكسة. سياق الوجود الكل فى سباق. “المايسترو” الفنان المجهول يراقب الميزان، وعصاه تلوح وتعيد روح الصفاء والنقاء. عذب الكلام من “القيثارة” بأنينها حيرانة، “الغيتار” و”الكمان” يستبق “الهارب” في الابداع يأخذ الألباب. حفلة استقبال الأمير الشاب “سيجفرايد” في رحلة صيد، ‘البجعات الراقصات” نشمة الجمال علي الخدود والشفايف تتلامس في رجفة خجل العذارى، ندى يمس رعشة الشوق في الشفاه ، وعيون زرقاء في استدارة مبهرة ، وسيقان ملساء، تقفز وتصطف تثب في خفة ومهارة، وبشاشة مفرحة . ياروعة! أين روعتك الآن!؟ من فتنة الحسان! أنامل ملساء ترتفع في الفضاء، تنافس الطيور الراقصه في العلياء. إرتعشت وتلاصقت روح البجعات، وانكمشت خائفة.!! نبال فضية، سهام نارية، في يد فارس يمتطي صهوة الاعتزاز ، بنظره ثاقبة يكتشف الخبايا في كل مكان. يلمح أميرة الحسن تحتضن هزات الجزع والرهبة والحيرة في جذعها. يسأل ” أوديت” المرتعشة التائهة في ريشها، وداعة صوت يسألها عن مابها.!! وكيف أصبحت وجه من نور في ثياب الريش بجعة إنسانية، حزينة حبيسة ريشها. أجابت في إستحياء مع هزات أعناق الوصفيات، وصوت متنهج من أخريات، وهدير الموج الصاخب وبخار ساخن يلفح صفحات المياه. الساحر الشرير “فون روتبارت” يطل على ضفاف البحيرة، برعد وعاصفة هوجاء. همست الأم من خلف الظلام، الساحر الشرير حول إبتي الفتية إلى ملكة للبجع، وأنها ستظل بجعة طوال مسيرة الليل والنهار، تتراقص في أحضانه، أسيرة قبضته الفولاذية، وميوله الماجنة الهوجاء. الطبول والدفوف والصنوج تتعالى وتتصايح في إضطراب ودوى في عنان السماء ، أظلمت الساحة الأنوار، ذابت الشموع وانكفأت على عودها، الأم تجترع اادموع ، وطافت مرارة البكاء من كفيها. وصيفات ،”البجعات الراقصات” تدب وتدق وتهز ريشها كرهط كواسر مجروحة من نسور الفضاء، مكسورة الجناح. أنياب هدير عاصف، وغضب من لهيب النار. يعصف في الهواء. “ساحر الشر” يحوم ويصول ويجول في غطرسة وصياح. “البجعات الخائفات”، متلاصقات ،تحيك سروال من الحنان وساتر من ريش ، تحمي “الملكة الحسناء” الساحر بقناع الزيف ووجه باهت يعربد في الفضاء، بفحيح يصم الاذان، يختال ويحتال في سترته وحلته السوداء، ريشها من خناجر مدببة في الخفاء . دقات الطبول في تواصل والدفوف تتعالى تعانق الاجراس. حلبة التنافس، صراع وسباق، مناظرة ضاربة قاسية، في بهو الخلاء. القلوب المضطربة، تتسآل من يفوز بلقب البجعة الصبية البيضاء.!؟
الأمير الشاب في ذهول وحيرة كيف ينقذ وردته الندية من يد “ساحر الشر” يحيطها بذراع فولاذية، وايد غليظة قاسية، أخطبوط يلتف حول خصرها يكبل سيقانها الهيفاء. يلهب الأجواء بعويل وصراخ الذئاب. أظافره تنهش طراوة بض جسدها، ونبضها يبكي، وريش يتناثر في الأجواء. هزات البجعات تدق على صدورها،وغزات ونحيب من الألم على حالها، والذئب الخاطف يطلق شهقات زفير وعواء. “الساحر الماجن” وجهه قناع من شراسة بوم الشؤم . ودموع الأم مازالت مستمرة خلف ستار الظلام. تتساقط في وحل البحيرة سالت مثل سيل من الدماء. إيقاع ونفير وصنوج تثقل الأذان، عويل البوق في نوبات متتالية، يصرخ ويعصف أشجانه في الهواء. أجنحة الفراشات تعاتب قدر عميت أقدامه، ومذاق الحياة ظلمة وقساوة ورجس وأنفاس ٱمنة أو غير عابئة أو مستسلمة !؟ فيض الخوف من براءة البجعات تسمر على الوجوه الشاحبة. وهزات الريش تسمرت، جفت الأصوات،وصمت الكلام، كل عيون الحضور خائفة والألسنة صامتة متلعثمة!
الأمير العاشق ينادي على” أوديت” ملكة الروح، وسهم الحب يلوح في جموح، والقوس فى يده يتطاير ويلوح. صوتها مجروح في حلقها،تتلوى في يد القدر تلتف حول جسدها. الأمير العاشق تأخذه جرعة من شجاعة نادرة، ودوي الصنوج النحاسية تلهب مشاعره ،فارس يمتطي صهوة الحب ينادي على محبوبته. ويطلق أسهم الحب لينال من عربيد الشر، يتلوي في غيبوبة ضامرة في سترته. عيون العشاق تتعانق، تستعذب مياه النقاء ولحن الصفاء علي ضفاف البحيرة . تتوالى الوتريات نسج الالخان،تطرز الفرحة في الأنغام. خفخفة طيور البجع تهلل بشائر النصر غنوة في الأفواه. تتعانق الاغصان في نشوة راقصة، تأسر بجمالها ورشاقة قوامها، حالم يتشابك ويتضافر في مشاهد متتالية متنوعه، إبداع يعانق إبداع، الطيور المحلقة أنطلقت في نوبة غناء . تتسابق الايادي في التصفيق الحار لأمير الألحان” تشايكوفسكي” ووحي وخيال المخرج الفنان. مهرجان رشاقة قوام حالم، مع فتنة فاتنة من البجعات، وإيقاعات ومهارة الراقصات . وعصا سحرية حاسمة من “المايسترو” في موجات وتنوعات. وجوجة موسيقية وأنامل ذهبية متعددة الٱلات والمهارات.. سهرة ساهرة وزاخرة بهفهفة الأجنحة ولمسات الاقدام الناعمة، مع ‘باليه” “بحيرة البجع” الأسطورية تحتضنها قاعة “ألبرت هول” التاريخية، ليلة حالمة وسياحة عيون سابحة مع وتريات الألحان الخالدة.
فكري عياد . لندن
فنان وكاتب مصري مقيم في لندن.المملكة المتحدة