حمار حكيم بقلم فكري عيّاد
ما إسمك يا…
لا..لا أقصد ما دار في ذهنك!
دعنا نتخيل، ونتصاحب في وئام، بلا رَفَسْ أو عداء.
لماذا أنت دائما أَبْكَم صامت!
لا ترمح أو تبرطع تتَرَوَّح بلا نهيق، في سكون السماء ترفرف وتلعن في رغاوة فمك، تائه الذهن في صمتك ، شريد لا تعرف ما أمامك، ومن خلفك، وليس لك قول فم، أو إِختيار.
هل ثقلت الأحمال والإحتمال من بردعة الألسنة، ونعيق ٱلامك تزعج الأسماع.
تبلَّدَ ذهنك في مطلع ، وكأن سوط صاحبك، يلهب بغدر كُرْباج على ظهرك
أم أنت أبَكم ، أو خائف من ركز اللجام ووغز الأنياب.
أفصح وتكلم، لا تَكتّم هزات الجزع والتَّكَتم ونخز الأقدام ،خلف كمامة فوق فمك.
ولم يعد هناك معك، رغما عن أنفك أي صاحب أو ٱمان، في هذا الزمان.
هل فقدت السيطرة على غريزة الإحساس!؟
ولا تظهر حتى معالم الحزن على وجهك.!
مسكين يا صاحب الهمم والأحمال، ذبحوك في جنون وشهوة اللذات، من غباوة البطون ،أكلات شهية باعوا لحمك.
إندلعت حولك حماقة الفكاهات، وحملوك أكياس بقاياهم والسباخ، وحزمة “برسيم” هدية مجانية، تعلق في مقطف أذناك.
أخفوا عينيك بغمامات جلدية. لامعة لكي لا ترى عورة وهشاشة أعوادهم، ولا تسير عكس الإتجاه.
حالتك النفسيه تحزن كل الأشقاء، أنفاس حوافرهم مثلك خرساء.
طوب الأرض يتكلم فى حقك، من يساوى ومن لا يساوى يتندر بك..
“جحا” استخدمك بحرفية ،تَسَلَّى في دُعَابَات عَبَثبة بحكمة وسخرية، ولمحات ذكية،وبراعة وبلاغة فكاهية، تلاعب بالأذهان .
وأنت ترفض وترقص وترفص، وتحب وتكره، وتتلاعب بعقول البشرية.
تعديت كل المقاييس الزمنية، تمرغت مع حضارات زراعية، ومن باطن الغابات إلى أعالي الجبال، ودخلت موسوعة عالم التخبط والشقاء.
فضائلك في وداعة البقرة، مُتَجالِد مُتَحَمِّل في صَلاَبَة البغل، وطَاقَةالنمر، وذكاء يقارب أخاك.!!
دخلت خيال الأدباء وخلدتك أبيات الشعراء، كتبها “خوان رامون خيمينيث” عن حياة وموت الحمار بلاتيرو. “أنا والحمار”
و”احمد شوقي” لم ينساك. وأنشد فيك أبيات خلدت ذكراك.
“سقط الحمار من السفينة في الدجى.
فبكى الرفاق لفقده وترحموا.”
ياسعيد الحظ والأضواء العالميه، إصطحبك “توفيق الحكيم”، في حالة من الغمزات الدلالية، إصطحبك خلف ستائر المعاني “حمار الحكيم” يروي فيها صداقته معك، أحاديث وحكم، أبلغ من كلامه مع لغة وألفة البشر.
والأدباء والشعراء والمفكرين والفنانين، تجمعوا في ندوات ومؤتمرات ومحاورات، وأعضاء جمعيات، في بطاقات تحمل إسمك.
أساطير وأحمال، تجرها حوافر أقدامك، بلا أنيننَ أو نحِيب، تؤانس شغف بني الإنسان بلا تذمر ، من تباب الصين، إلى إله الخمر في اليونان، و جولات خرافية في القارة الهندية، وفي الكتابات السومرية نقشوا إسمك، قبل بداية الأعوام. تغلبت يا …. على شهرة فصاحة وهندام ورشاقة الحصان.
منبعك من الأرض الطيبة الأفريقية، و في البرديات المصرية، قصة جنون وغيرة “ست” في حالة حقد وغيظ قتل أخاه، واستولى على الأختام . شاهدت بعينك كل ما كان.
وإله الشر رأى صمتك، أو غفلة رؤيتك والإهتمام، وضعك في خبث وسخرية في مثابة الآلهة.
عاصرت خصامات وحروب بينه وبين “أوزوريس” سنوات تأكل سنوات، وأنت تتساءل في براءة أو طرشان، يابطل زمانك وأيامك، خدعك مكر الكهان، وألبسوك صولجان الخلود، على جدران المعابد الفرعونية، رسموك ” ياحمار” رمز الإله “ست” وانت طَائِش غير دريان.
تنهق وتبرطع، من مواء القطة الناطقة من حولك، وفي لسانها قطعة من لحم ودم، “أوزوريس”.
هربت وتواريت خلف ضربات النعال.
وبفطنة “إيزيس” جمعت الأشلاء، وعادت الروح التائهة الشاردة في الفضاء.
مراتع حكاياتك غرائب وعجائب، منذ بداية التاريخ روايات بكل اللغات، عِبْرَة وإرْشَاد، أو شطحات جنوح الفكر والخيال.
تنظر كل الحيوانات إلى جوف صمتك متعجبة من شأنك.
وأنت لا تدري كيف اصبحت نجم النجوم وقصص عبثية يعشقها الاطفال.
وفي بلاد العم “سام” رفرفت الأعلام تَهَلَّلَت الألسنة وأصبحت ياصاحب هَزَّة ذيلك تلهب العقول في نشوة الانتصار.
ياجمالك في دلالك، سحر قامتك نقشت على الأعلام.
صوت نعيقك صرع وأخفق “الفيل الابيض” وطرده من بيت العزوة شر طردة. يغرد لنفسه عنيد متمرد خارج السرداق. لم يعجبه الحمار تعلق بالبردعة،وترك المولد غضبان.
وأصبحت يا… متوج في أعلى مقام. وفزت بالورقة الذهبية في طاولة الصراع على مائدة القمار.
الكل من حولك، أذكياء بلا بردعة أوغطاء، وأنت تحمل ذكريات وحكايات نائمة في غرف ممرات الدسائس واللعب بالنار.
ساهر الليل يا حامل المشقة والشقاء، مكتوف الفكر والعينان، خلف أسوار الدار، تتمعن وتنصت في تكهن، ما لا يقال أو يدار، خلف الجدران.
وصاحبك في حالة نزق خِفَّة ورُعونَة، مع رنات الخلخال سهران.
لا تذهب ولا تعود إلى الوراء. كلنا اصبحنا مثلك نمضع حسرتنا، ونزهو بألوان الكمامات نختال في عروض الأزياء ونترنخ بلا سيقان.
نتجادل في كبرياء، وأفواهنا تلعق وَسْوَاس الخوف خرساء.
ظلمك الزمان، ووعكات حوافر الإنسان، فوق وسادة حملك وضياع حلمك، أن تكون لك شأن أو جاه.
دعني ياصاحبي أقترب منك، وأمسح دمعة حزينة حبيسة الأنفاس، تتمدد بذهنك
لماذا توقفت الآن!؟ وإلى أين أنت ذاهب؟
شارد الذهن، تنظر إلى عنان الفضاء سابح في السماء، وكأنك تبصر من عيون “زرقاء اليمامة” أمام فوهة الظلام.
تذكر أحلام مسيرة السنين، في لحظة ندم وعتاب على ما فات، كلنا في الهواء أسوياء.
أنا أعرف كيف صَمَتَت الألسنة، وتناسوا أفضالك وحملك، ونهبوا ونهشوا لحمك. مثلك مثل غيرك !
لا أستطيع أن أخبرك عن علة النسيان عند بني الإنسان، ربما قسوة اللجام ألجمت اللسان..!
نحن كنا معك في مَرْتَعك نراقب المباراة، ونثرثر في حالة التوهان، أفواه وحناجر تلتهم بنهم وشهية الذئاب وتتنطع في كذب ورياء. ترفس بحَوافِرها الضعفاء.
تركتك تركض وراء سراب الماضي وحدك، تمضغ في نفسك علف الجبناء.
.لا ملمس ناعم هَنِيء في وجهك، حيرة الدَهْشَة والعصيان، فضحت عناد رأسك، وأظافر الغوغاء لكمات نهشت جلدك.
لسان حالي من حالك، ياصاحب كلينا لا ننظر إلى الوراء. توارى الخطأ في سترة الصواب. والقى الأحمال
. والقى الأحمال على ظهور الدواب.
نتَحَلَّى من عصارة ومرارة الصَّبَّار.
دارت تجاعيد الأيام، ولا تظهر معالم الأمان.
لا أعرف ماذا أنصحك..!
كيف تتزين وتتلون بتَبَهْرَج الثَّعَالِب، قبل وجبة عشاء، تتنافس مع الغزلان، ولمعان شهوة خفية بألف وجه ولسان.
وتشارك في غواية رقصات شيطان، دائر حيران، تَجَمَّل في فَرْوَة الحملان .
وأنت ياصاحب! كيف صَمَتَ الزمن خلفك وأنت على صامت على هذا الحال.
منذ بداية مشوار دنيا الأحياء وأنت تسأل خطاك في هوس الاحلام، هل يتغير القدر وتتبدل الأسماء، وتمسك أنت بحبل البشر، وسطوة اللجام.؟
غريب أيها الحيوان..!
أنت دائما في ترحال إلي الأمام. تملك دفة الزمام، تقود الموكب وصاحب السوط خلفك، في حالة إسترخاء وكبرياء، ينهق لو توقفت تلتقط الأنفاس. ويصرخ كأنك أنت الملام.
تنظر إلى قوس الأمان والأمل تريد أن تعبر حاجز الزمان. وتفهم حقيقة وجودك مع الكائن الناطق.
من منكم يفهم الآ خر ياترى ؟
، كلاكما حيران.
لا تفهم ما يقول، ولا يسمعك غير صراخ الطرشان، وأنت سائر مع قدرك وقدري وقدر كل إنسان.!
من يمتلك القدرة والتحمل وصبرك يا…حمار الحكمة، وحامل لقب بطولة الأثقال.
فكري عياد . لندن
فكري عيّاد فنان تشكيلي مصري مقيم في لندن.المملكة المتحدة