فيلم ( قودي سيارتي ) وشاعرية الخطاب الصوفي في مهرجان ” القاهرة ” السينمائي 43 بقلم صلاح هاشم
لايمنع في أن تكون بعض الأفلام طويلة ، وذات طابع تأملي فلسفي ، أفلام تبدو مصنوعة لأصحاب النفس الطويل ، لكن بشرط أن تكون غير مملة..
أفلام من هذا النوع ،مثل فيلم ” سوقي عربتي ” DRIVE MY CAR الذي عرض على هامش المسابقة الرسمية للدورة 43 وشاهدته في المهرجان بالأمس، حصل على جائزة أحسن سيناريو في مسابقة مهرجان ” كان ” الفائت ، وصفقنا له طويلا في المهرجان مع النقاد، وكان مرشحا للحصول على سعفة كان الذهبية ، ينتمي الى هذا النوع ..
النوع التأملي الفلسفي البديع ، الذي يجعلك تسافر ،وتقطع رحلة طويلة في الفيلم، داخل أعماق النفس الإنسانية، لتكتشف حقيقتك، وتتطلع في المرآة الى ذاتك، وأنت تردد، : ( .. عجبا.. لا لا.. لست أنا هذا الشخص الذي كنت أعرفه )…
وأفلام مثل هذا الفيلم ، لاتصنع فيلما ، لكي ترفه عنا،وتريح قلوبنا ، بل لكي تجعلنا نطرح، بهدوء وصنعة لطافة ، تساؤلات الوجود الكبري..وليس أقل.
وهنا لايصبح موضوع الفيلم، أن يحكي قصة – حيث أنه بلا قصة- مثل القصص التقليدية، في الأفلام التجارية، التي تلجأ الى أساليب الفيلم الهوليوودي، والتشويق، والمؤثرات الخاصة، وألاعيب ومبتكرات التكنولوجيا الحديثة للابهار، وتسرق روحك..
بل يحكي قصصا ، ويلتقي بناس،وينقل لنا لقطات ومشاهد، على طريق رحلة المخرج المسرحي في الفيلم ، الى مدينة هيروشيما في اليابان، حيث دعي لإخراج مسرحية (الخال فانيا ) لتشيكوف، بعدة لغات ، في مركز ثقافي
في مدينة هيروشيما التي دمرت في الحرب العالمية الثانية
غير أن هذا النوع من أفلام (سينما المؤلف ) قد يحتاج لذوق خاص وثقافة خاصة ومعرفة بالمسرح والسينما، وغرام بالقراءة التي لاتعرفها الأجيال الحالية.
ذوق لا يرضى أصحابه بأن تكون السينما فقط مجرد فيلم – شييء للاستمتاع و الاستهلاك والترفيه..
بل رسالة تطرح موقفا من أزمات عصرنا و تناقضات مجتمعاتنا الإنسانية على طريق التقدم ..
ولذلك أعتبر أن فيلم ( سوقي عربتي ) الذي نشاهد فيه أناس عاديين وإنطوائيين في الخارج، لكنهم ، ” قتلة ” في الداخل، في القاع ، في دواخلهم ، من أعظم الأفلام ،لمن يفهم ويتأمل ويتذوق ، ويريد مشاهدة سينما أخرى، غير السينما التي عودتنا هوليوود عليها، ويستمتع بجمال آخر..
جمال صوفي وروحاني، مثل نسمة ، مثل عبير ، ومتوحد بكل العناصر، ومن يريد هذا الجمال ويستمتع ويستلذ به، سيعجبه فيلم (سوقي عربتي)، ويستمتع به من جديد مع كل مشاهدة جديدة، لأنه لا يحكي حكاية، بل ألف حكاية وحكاية،ليدخلك من باب الحكايات الى باب الدهشة،وسوف يتذكر دوما وجوه أبطاله ، لأنهم يشبهوننا، وقتلة ، مثلنا…
فيلم ( سوقي عربي )عن تطهير القلوب وغسيل الذنوب، بمسرحية ( الخال فانيا ) للكاتب المسرحي الروسي العظيم أنطون تشيكوف، ولذلك أعتبر الفيلم بمثابة “تحية” رائعة A TRIBUTE الى تشيكوف الكاتب العظيم ، من مخرج وكاتب سيناريو ياباني متميز، بعد أن غسل تشيكوف قلبه. .
فيلم يطهرنا بعد مشاهدته من كل أدراننا..
ويجعلنا نتصالح مع أنفسنا والعالم
ويستحق التأمل والمشاهدة عن جدارة.
صلاح هاشم
صلاح هاشم ناقد مصري. مؤسس ورئيس تحرير موقع ( سينما إيزيس )