فيلم ” نادي القطن ” لكوبولا : عالم الجاز بين الموسيقى والمافيا بقلم فراس الشاروط
مافيا بيضاء وجاز أسود ، هذا ما يبني عليه كوبولا فيلمه عن أمريكا العشرينيات محاولا إحياء تلك الفترة من خلال (نادي القطن ) ، وهو ناد كان ملتقى لرجال العصابات ورجال السينما والجميلات ، حيث تصدح فيه موسيقى الجاز ، وحيث النساء والحب والخيانات والرصاص .
حاول كوبولا في فيلمه هذا أن يمزج بين خطين اساسيين : خط الواقعية ، وخط يمكن ان نطلق عليه المثيولوجيا الأمريكية .
في الخط الواقعي هناك الكثير من الشخصيات الحقيقية التي عاشت في فترة أمريكا العشرينات وتحديداً في نادي القطن مثل الموسيقي الكبير (ديوك النيتون) وزعيم المافيا (شولتز) والممثل الاسطورة (شارلي شابلن ) . أما في خط المثيولوجيا الامريكية ، فهو في اعتبار التاريخ الامريكي أن عصابات المافيا وموسيقى الجاز أهم وجوهها ووجودها .
تبدأ احداث الفيلم عندما نتعرف على البطلين الشابين ، احدهما زنجي والآخر ابيض ادى دوره ( ريتشارد غير) وهما يحاولان تحقيق طموحاتهما من خلال دخولهما الى نادي القطن ، الزنجي يتحول الى راقص مشهور في ذلك النادي الذي انطلقت منه موسيقى الجاز لتغزو العالم ، والآخر يحاول تحقيق حلمه بأن يصبح نجما سينمائياً مشهوراً .
يصور كوبولا بشغف مثل فيلمه الاشهر ( العراب) العائلة الامريكية وهمومها موحياً لنا بان امريكا اشبه بالغابة الوحشية وعليك القتال كي تبقى حياً ، وتناضل كي تحقق طموحاتك بالبقاء والنجاح ، ولمن يريد النجاح عليه الانضمام الى العائلة الاكبر (المافيا) ، هذه العائلة هي الحضن الحنون الذي يحمي كل خارج عن سلطة العائلة الصغيرة مثل البطل (ريتشارد غير) وأخيه (نيكولاس كيج) فالعائلة الكبيرة سلطوية وعلى الجميع ان يقدموا فروض الولاء والطاعة لها ، الصغار الذين لايتقنون اللعبة يتمردون فيدفعون حياتهم ثمنا لتمردهم وتطاولهم على السادة كما يحدث لـ(كيج) .
جعل كوبولا من نادي القطن أمريكا مصغرة ، فنرى هناك مجموعة من الاقليات التي تحاول العيش على حساب اقليات اخرى في ظل سلطة الرجل الابيض ، وكل الاقليات هي (عائلة صغيرة) تدافع عن أباءها ومصالحها ، فيشتد الصراع بين الاقليات .
انها صورة اخرى من نضال السود ضد عنصرية البيض الذين يمنعونهم من الدخول الى نادي القطن ، فالاسود الذي يدخل النادي هو من يعزف أو محكوم عليه بالرقص أمام الرجل الابيض ، البيض ايضا منقسمون الى اقليات تتصارع من اجل المصالح والسيطرة فيصفون بعضهم بشكل دموي مقزز (مثل مشهد التصفية بين المافيا الايطالية والمافيا الايرلندية) .
جعل كوبولا موسيقى الجاز هي البطل الرئيس في الفيلم وأهم عنصر من عناصره حيث تجري معظم المشاهد وسط ذلك النادي الذي كان يوما ما معبدا لكل عشاق الجاز ، ولكن المخرج وقع في اشكالية استخدامه المفرط لهذه الموسيقى ، فرغم أهميتها التاريخية وجمالها ظل استخدامها في بعض المشاهد كجرد حشو باعت مثلما بقي ابطاله مهمشين في تلك الحياة حيث بناء الشخصيات لم يكن بالعمق الكافي ، فكانت اشبه بالأشباح التي تتحرك دون ان تترك اثراً بروحها او احساسها بان لها جسداً ، وأظن السبب يعود الى تصوير كوبولا لشخصياته بأسلوب التبسيط ضمن دائرة محيطه الاجتماعي ، ملأ كوبولا شريطه الصوتي والصوري بالكثير من الاحداث ، فقام بمزج أكثر من حدث وصورة في آن واحد ، وهذا المزج هو أحد تقنيات المخرج وولعه بالإلكترونيات التي أدت فيما بعد الى خرابه وافلاسه وبيعه لشركته (زيتروب) ، مثلما كانت السبب في خراب وفشل فيلمه هذا ، فرغم جمالية هذه التقنيات إلا انها في بعض الاحيان نجحت في بناء مشاهد ذكية ورائعة مثل مشهد المزج المتناوب بين أرجل الراقص ورجل المافيا الهارب من مطاردة العصابة له ، وكلما تشتد الموسيقى تسرع الرقصات وتسرع ارجل الهارب بالركض ، ويسرع الرقص أكثر في ما ينخر الرصاص جسم الآخر فتبدو ساقاه وهما تهتزان وكأنه هو الآخر راقص .
أعتمد كوبولا على التقنية الحديثة في السينما ، أما السيناريو فكان باهتا والشخصيات غير ناضجة رغم المجهود الكبير الذي بذله رتشارد غير وديانا لاين ونيكولاس كيج ، فمات الجاز وقتلت المافيا تحت انبهار المخرج بتقنيته ، نادي القطن انتج عام 1985 وهو يقع بالمنتصف بين فيلم العراب ، وهو فيلم عن عالم العصابات وبين فيلم (واحد من القلب) والذي يدور عن عالم الموسيقى والحب وضع فيه كوبولا كل ما لديه من اموال ، وكل سبل التقنية الحديثة وحصل مقابله على خراب وخسارة شركته .
أخيرا ( مارتن سكورسيزي ، وبرايان دي بالما ، وفرانسيس كوبولا ) هم ثلاث مخرجين من اصل ثمانية أطلق عليهم اسم (الاولاد السحرة) حيث بدأوا مشوارهم الاخراجيبداية السبعينات ليتربعوا على عرش السينما العالمية ، ويجمع بينهم – رغم الاختلافات- حب السينما ، الخمسة الآخرون هم :
بول شرايدر ، جورج لوكاس ، ستيفن سبيلبرغ ، وليم فردكن ، بيتر بوجدانوفيتش .
فراس الشاروط
فراس الشاروط..ناقد وباحث سينمائي من العراق