صحافة مصر: الإسفاف والإفلاس في بلدنا مجتمعان بقلم حسام عبد البصير
….
وعندما يصبح الإفلاس سيد الموقف في بلداننا، فلا بد كما تقول خولة مطر في “الشروق” أن تكون الدراما جزءا من ذلك العبث. وبعيدا عن الادعاءات والتبريرات واستخدام التعابير المتخصصة أحيانا من قبل نقاد الدراما، وملوك الشاشات وتجار الترفيه، أو هكذا يحاولون وصف الدراما على أنها ترفيه فقط وليس في الوصف عيب، بل ربما في فهمهم للترفيه عندما يتحول إلى شكل من الاستخفاف بعقول المشاهدين والمشاهدات، والمتابعين والمتابعات، و«زغللة» أعينهم، إما بديكورات أو وجوه جميلة، رغم أن الجمال نسبي، ولكننا نسينا ذلك، وكثير من «الأكشن» أو الضحك الرخيص وكأنه لم يكن عندنا عباقرة كوميديا مثل عبدالسلام النابلسي وحسن فايق وماري منيب وزينات صدقي، والقائمة طويلة في كل أنماط الدراما. هكذا كان تاريخ الدراما من كتاب سيناريو ومخرجين وممثلات وممثلين مبدعين حريصين ودقيقين في كل ما يقدمونه من مسلسلات أو أفلام، بل على صورتهم العامة في الحياة ليحافظوا على احترامهم لأنفسهم ولمهنتهم وموهبتهم. أعلن رمضان هذا العام إفلاسنا الأخير، فلم يعد لدينا ما نعتز به ونعتبره جزءا من ثقافتنا التي امتدت لقرون، ثم سقطت في قعر بئر التسفيه والإفلاس والضحك الرخيص والاستخفاف بالناس، وهو بيت القصيد الذي بدأ منذ أن اعتبرت حكوماتنا العتيدة أننا شعوب لا تستحق أكثر مما يقدم لها من فتات في العيش الرخيص، وقبح على مختلف المستويات وغش في كل شىء وفساد يشكل قيمة تامة وصفة أساسية لكثير من الموظفين الحكوميين وتوابعهم، ثم لا بد من أن تصبح هذه سيرة كل المهنيين الآخرين، فالمهندس إما مفلس يكرر تصاميم مملة، إن لم تكن قبيحة، والمقاول يتبعه بأن يبحث عن تنفيذ بأقل تكلفة حتى لو غش في المواد الأساسية تسقط الأسقف على ساكني بيوتها.. ومحامٍ / محامية لا يفقهون سوى الدفاع عن الفاسدين حملة الملايين أو الداعرات وبعضهم مقربون من صناع القرار أو المال، وخذ على ذلك كل المهن الأخرى فالصحافي والإعلامي، إما حملة أختام لمن يدفع أكثر أو طبالين رخاص جدا..
إسفاف وإفلاس
واصلت خولة مطر تسليطها الضوء على مثالب الوسط الفني وأشارت إلى للكثير من الأخطاء والآفات المزمنة بسبب تراجع الاهتمام بالقيم والمبادئ وفقر الأفكار الذي مثّل سمة غالبة في معظم الأعمال الفنية: المطربون والفنانون على استعداد للقيام بأي عمل لا يمثل أي إضافة لمهنتهم أو لشخصهم فقط للمال، بل والمزيد منه، وإلا كيف يبرر من يقدم دورا في مسلسل لشخصية تاريخية مهمة، وبعد لحظات يقفز على الشاشات في إعلانات لشركات اتصال أو مجمعات سكنية مخصصة لفئة قليلة جدا جدا من البشر، فيما الأقلية تقضي النهار بحثا عن توفير إفطارها وعائلتها في شهر الصيام، لمن يدينون بالإسلام والمسيحية أيضا. رمضان هذا أظهر وبشكل واضح إفلاس كتاب السيناريو من عاصمة الدراما، وحتى ضواحيها في الشام والخليج وحتى المغرب العربي أصابهم بعض من ذاك الإفلاس.. والأهم أن كتاب السيناريو، رغم كل الانتقادات لا يعيرون المشاهدين أي اهتمام ويعتبرونهم، كما يراهم حكامهم على أنهم كتلة من المتخلفين غير القادرين على تمييز العمل الجيد المتعوب عليه من العمل «المسلوق» سريعا، الذي يستخف بعقل المشاهد والمشاهدة وقلبهما أيضا.. هناك حاجة حقيقية لوقفة أمام هذا الكم من العبث، سواء على صعيد النصوص الضعيفة التي في أحسن الحالات تعزز النمطية في النظر للبشر أو الإخراج المكلف بصريا والخاوي من الفن والإبداع.. والممثلات والممثلين المالكين للقدرة على التنطيط بين كثير من الأدوار، وفي الوقت نفسه تقديم إعلانات تجارية لثلاجات وغسالات وغيرها.. إنه الإسفاف والإفلاس مجتمعان معا..
بقلم
حسام عبد البصير
عن جريدة ” القدس العربي ” بتاريخ 10 إبريل2023 لـ ” مختارات سينما إيزيس “