الحقيقة العارية بقلم فكري عيّاد
إستهلال
لـ



admin مختارات سينما ازيس, نزهة الناقد 0
إستهلال
لـ
admin رئيسية, مختارات سينما ازيس 0
منذ نشأة الدولة الإسرائيلية الاستيطانية، كانت نظرية الأمن القومى تعتمد على الحائط أو الجدار الحديدى الذى صاغه جابتونسكى، ثم حدد معالمه ديفيد بن جوريون، وارتكزت على تحقيق وظيفة الردع، والعمليات العسكرية السريعة ضد الدول الأساسية للدائرة البؤرية -مصر وسوريا والأردن- ودول دائرة الطوق. اعتمدت نظرية الأمن القومى على ما يلي:
– التفوق التكنولوجي، والعلمي، خاصة فى الصناعات العسكرية، وحيازة السلاح النووى مع التعاون العسكرى مع فرنسا، من خلال دور شيمون بيريز فى هذه المرحلة، والسعى للحصول على سلاح نووى للردع المطلق للدول الأساسية فى الصراع.
– الاعتماد على مصادر تسليح متطورة من الولايات المتحدة وبريطانيا، وفرنسا وألمانيا..إلخ، وإدخال تطويرات وتعديلات على أنظمة التسليح، بالإضافة إلى تطوير مستمر لصناعات التسليح الإسرائيلية، والربط بينهما، وبين التطورات العلمية فائقة التطور على نحو ما ظهر مؤخرا من استخدام الذكاء الاصطناعى فى الحرب على قطاع غزة، وإزاء حزب الله فى لبنان.
– الحرب الخاطفة ونقل العمليات العسكرية إلى أرض الخصم، بما يحقق الصدمة، والردع على نحو ماتم فى عدوان يونيو 1967، وهو مالم تستطع تحقيقه فى حرب اكتوبر1973.
– رفع مستويات الأداء العسكرى من خلال أنظمة التدريب، فى مختلف القوات البرية والبحرية والجوية، والاعتماد على نظام قوات الاحتياط، بالإضافة إلى البنية الأساسية للمؤسسة العسكرية فى مختلف قواتها، وتطوير صناعة المدرعات، والصواريخ، والطائرات المسيرة..إلخ.
– الارتقاء بمستويات التكوين المعرفى للضباط والقيادات فى جميع التخصصات فى العلوم الطبيعية والإنسانية من خلال البعثات إلى الجامعات الغربية الكبري.
– سياسة الاغتيالات لبعض قادة المقاومة البارزين فى حركة التحرر الوطنى الفلسطيني، ومنظماتها، وأيضا الكوادر القتالية، وذلك لتحقيق الردع على نحو ما حدث مؤخرا مع إسماعيل هنية، وفؤاد شكر القيادى الأبرز عسكريا فى حزب الله، وامتدت الاغتيالات لبعض قادة الحرس الثورى الإيراني، يمتد الردع إلى ما يطلق عليه محور المقاومة والمساندة بقيادة إيران. والردع هنا كوظيفة نفسية يتسع كرسالة لبعض القيادات السياسية العربية.
فى المراحل التاريخية للصراع العربى الإسرائيلي، شكل الردع والاغتيالات مكونا بارزا فى نظرية الأمن الإسرائيلى رغم الشروخ التى ألمت بها بعد حرب أكتوبر 1973. كان التركيز جيو سياسيا على الدائرة البؤرية، ودول الطوق، من خلال بعض العمليات النوعية ذات التخطيط الجيد، والذكي، والأداء المتمكن فى تنفيذ بعض العمليات، سواء بالضربات الجوية، أو عمليات التدخل البري، وهو ما حدث أثناء الحرب على لبنان،وإخراج عرفات وقيادات منظمة التحرير الفلسطينية،وإجبارهم على الانتقال إلى تونس -وبعضهم- إلى اليمن الجنوبى آنذاك.
سياسة الاغتيالات تم توظيفها فى سياق الحرب على قطاع غزة، والهجمات الجوية، وبالصواريخ، والمدفعية والمسيرات بينها وبين حزب الله، إلا أن ذلك لم يؤثر سياسيا على البنية القيادية لحماس، والجهاد وحزب الله فى ظل وجود فوائض قيادية داخل هذه المنظمات، واستمرارية أطول حرب فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى على نحو ما يشارف العام إلا أسابيع، وأدت إلى إنهاك نفسى وقتالى فى الجيش الإسرائيلى كنتاج لقدرة حماس على تجنيد اكثر من ثلاثة آلاف شاب بعد التدخل البرى فى القطاع وشماله ووسطه وجنوبه، وإلى تفاقم مشكلات سياسية وجودية، ستنفجر عقب الحرب. لم تستطع سياسة الاغتيالات أن تحقق الأهداف المرجوة من ورائها كاملة، على الرغم من توظيف بنيامين نيتانياهو لها داخليا فى رفع بعض من أسهمه، إلا أن إطالة أمد الحرب على القطاع، والعمليات فى الضفة الغربية، وجنوب لبنان والضربات الجوية فى بعض المناطق فى سوريا، أدت إلى تزايد بعض الضغوط من أهالى الأسرى الإسرائيليين فى عملية «طوفان الأقصي»، وتزايد المخاوف من عدم إتمام صفقة للإفراج عنهم، ووقف إطلاق النار.
سياسة الاغتيالات عقب صدمة «طوفان الأقصى»، لم تستطع أن تحقق أهدافها فى الردع لقادة المقاومة، ومحور المساندة، وتدفع بعض اليمين واليمين التوراتى المتطرف الى محاولة مواجهة حزب الله فى لبنان ، وهو أمر قد يدفع الى توسيع دائرة الحرب فى المنطقة!.
بقلم
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح كاتب وباحث ومفكر تنويري مصري ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية
**
عن جريدة ” الأهرام ” العدد الصادر بتاريخ الخميس 19 سبتمبر 2024 لباب ” مختارات سينما إيزيس “
admin رئيسية, مختارات سينما ازيس 0
الدين والقانون فى مصر والعالم العربى حالة تاريخية قديمة قبل الأديان السماوية، والتحول التاريخى للمجتمعات الإسلامية متعددة الأديان إلى الإسلام. فى العصور القديمة فى مصر الفرعونية، وبلاد الرافدين -ميزوبوتاميا- كان الدين والقانون فى حالة من التوافق والاندماج النسبى مع أوامر الحكام -أشباه الآلهة- على مثال لائحة حمورابى، وتصوراتهم للضبط الاجتماعى، من أعلى لأسفل الهرم الاجتماعى، وأيضا ثمة دور لا يمكن إغفاله للأعراف وأدوارها فى التنظيم الاجتماعى لهذه المجتمعات، التى كان عنوانها الحضارى، القانون والدين.
مع الاحتلال الرومانى والحضارة الهيلينية، أثر الفكر القانونى الرومانى على مفهوم القانون، فلسفيا ونظريا، وعلى وضع قواعده، وهو ما شكل نمطا جديدا من التقاليد والخبرات القانونية أكثر تقدما، وجعل القانون أكثر ارتباطا بالحكم، وتنظيم المجتمع!. لا شك أن مصر فى المرحلة التاريخية القبطية كان نظام الزواج، والأسرة يتبع بعض القواعد الدينية المسيحية، والأخرى اللاهوت الأرثوذكسى، والتى تأثرت بعض قواعده بالتقاليد القانونية الفرعونية، والرومانية، التى ائتلف بعضها مع القواعد الدينية، واللاهوتية، والأعراف المصرية ومحمولاتها. وعلى صعيد تنظيم المعاملات المدنية/ المالية كانت أيضا القواعد العرفية، هى أساس تنظيم هذه العلاقات فى البيع والشراء والملكية..إلخ. مع دخول الإسلام إلى مصر، والبلدان العربية، استمرت التقاليد القانونية الموروثة وقواعدها، وخاصة الأعراف فى التنظيم القانونى للعلاقات الاجتماعية لفترات تاريخية طويلة – وهو أمر موثق فى العقود المدنية التى كانت تكتب باللغة الهيراطيقية – حتى مع تبلور القواعد القانونية لنظام الشريعة، التى تعتمد على عديد المصادر -القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، والعرف، والمصالح المرسلة..إلخ-،
ومن ثم أعطى ذلك حركية وتكيفا مع حالات المجتمعات، وتقاليدها وظروفها المتغيرة. لا شك فى أن تطبيق نظام الشريعة القانونى، تأثر بظروف كل مجتمع وتركيباته، وتوجهات الولاة والحكام، وبعد ذلك الدول. المراحل التاريخية المختلفة لا تزال الدراسات التاريخية حول النظم القانونية العربية الفعلية محدودة وشحيحة تلك التى كانت سائدة قبل الاستعمار الغربى البريطانى، والفرنسى، والإيطالى. إلا أن الملاحظ دور الأعراف البارزة، والموروثات الخاصة بالحرف والصنائع فى التنظيم القانونى للعلاقات بين الجمهور، وذلك فيما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، وفى ظل تطبيق نظام الحدود وفق مواقف الولاة والحكام والحالات التى تطبق فيها . استمرت حركية القواعد الكلية للشريعة فى التطبيق، خاصة فى مجال المعاملات، وفى مجال نظام الأحوال الشخصية -الزواج والطلاق، والمواريث ، وما يتفرع عنهما. مع دولة محمد على، بدأ بعض الخروج عن نظام الشريعة فى مجال الحدود، فى مجال جرائم السرقة للمحصولات الزراعية، واستبدال العقوبة الحدودية بالنفى إلى فيزا أو إلى السودان، وتبنى مفهوم الاتفاق الجنائى نقلاً عن القانون الجنائى الفرنسى. تم إعادة بناء أجهزة إدارية جديدة لجهاز الدولة، مع تأسيس الجيش المصرى مع إبراهيم باشا .
مع حكم إسماعيل باشا، تم إحداث تطويرات واسعة، مع حركة البعثات، وبدأت عمليات استعارة القوانين الغربية الحديثة، من خلال المصادر الإيطالية، والبلجيكية، والفرنسية– على أيدى المحامى السكندرى الإيطالى مانورى -، وذلك للتطبيق فى المحاكم المختلطة، ثم فى المحاكم الوطنية/ الأهلية. هذا التغير مرجعه دمج الاقتصاد المصرى فى النظام الرأسمالى الدولى من خلال تجارة القطن، على نحو تطلب أن تكون القوانين المصرية، فى حالة توافق مع الأنظمة القانونية الغربية. من هنا بدأ بعض الانقطاع عن نظام الشريعة فى المجال الجنائى، وفى المعاملات المدنية، وذلك على الرغم من أن الشيخ خليفة المنياوى الأزهرى قام بوضع تقنين مدنى إسلامى، إلا أن هذا المشروع وضع جانبا على الرغم من أنه كان قد وضع على النسق الفرنسى للقانون المدنى، ومرجع ذلك وضعية الاقتصاد المصرى التابع للنظام الرأسمالى الدولى، وطبيعة توجهات إسماعيل باشا الفكرية والثقافية ، وولعه بالنموذج الفرنسى، فى عديد المجالات، وفى التخطيط العمرانى، ونمط البناء. مع تشكيل الجماعات السلفية، وجماعة الإخوان كانت مسألة القانون والشريعة أحد مطالبهم الأساسية طيلة القرن من المرحلة شبه الليبرالية، وحتى نظام يوليو 1952، وحتى الآن. كان الصراع بين القانون الحديث، ونظام الشريعة، أبرز علامات الصراع السياسى والاجتماعى، بين النظام السياسى، والطبقة السياسية الحاكمة، والجماعات الإسلامية السياسية، وغالبية علماء الأزهر، ودعاة الطرق وفق تعبير العميد طه حسين. قام عميد القانون المدنى المصرى والعربى عبدالرزاق السنهورى باستخدام المبادئ العامة للشريعة الإسلامية، فى نظرية سوء استعمال الحقوق فى القانون المدنى المصرى، وأيضا كأحد مصادر هذا القانون. نظم الأحوال الشخصية المصرية والعربية، اعتمدت على الشريعة الإسلامية، والشرائع المسيحية على اختلاف مذاهبها، وأيضا الشريعة اليهودية، وفق المذهبين داخلها.
تصاعد الصراع السياسى على القانون والدين فى ظل حكم الرئيس السادات، فى خلافاته السياسية مع الناصريين، والماركسيين، وبعض الليبراليين المستقلين، وتعاون مع جماعة الإخوان لفترة فى مواجهة خصومه السياسيين. تزايدت معدلات التوتر السياسى، مع تعديل نص المادة الثانية من دستور 1971، من «الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للتشريع» إلى المصدر الرئيسى». لا شك فى أن ذلك أدى إلى تمسك الجماعات الإسلامية السياسية بضرورة التطبيق الكامل للشريعة، فى كل المجالات بقطع النظر عن توافق غالب هذه القوانين الحديثة والمبادئ الكلية للشريعة، ومع تحولات النظم الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية الحديثة، لأن هذه الجماعات استخدمت المادة الثانية من الدستور، سياسيا فى مواجهة النظام السياسى والسلطة الحاكمة، وتوظيف هذا المطلب السياسى، فى تحريض بعض القواعد الاجتماعية لهذه الجماعات ضد السلطة السياسية، وأجهزة الدولة، وأيضا فى التجنيد الأيديولوجى، والتنظيمى للإخوان المسلمين، أو للجماعات السلفية والجماعات الإسلامية الراديكالية على نحو أدى إلى توترات دينية، وإلى مشاكل طائفية عديدة. لا شك فى أن إثارة الصراع بين الإسلام، وبين القانون الوضعى، كان من أبرز أدوات الجماعات الإسلامية فى مواجهة النظام السياسى، وأجهزة الدولة، ومحاولة جحد ونفى الشرعية الدينية عنهم.
قامت هذه الجماعات السياسية الإسلامية، فى ظل الصراع مع السلطة الحاكمة، وأجهزة الدولة، فى التمدد داخل النظام الاجتماعى، فى الأرياف والحضر المريف فى المدن، من خلال التركيز على الترميز الدينى للمجال العام من خلال نظام الزى، والعلامات الدينية، وفى اختراق بعض النقابات العامة. إن التوظيف السياسى للدين فى المجال القانونى، وفى الصراع السياسى مع السلطة الحاكمة -فى مصر- أدى إلى المزيد من الجمود فى الفكر القانونى المصرى، والعربى، وانكسار وكمون الاتجاهات التى كانت تحاول تقديم جسور بين الفقه الإسلامى، وبين الفقه والنظريات القانونية الغربية، على الرغم من التغيرات الكبرى فى النظم القانونية المقارنة، كنتاج للتطور العلمى، وفى مجال الأنظمة التكنولوجية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية.
بقلم
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح كاتب وباحث ومفكر مصري اتنويري ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية
***
عن جريدة ” الأهرام ” بتاريخ الخميس 12 سبتمبر 2024
admin رئيسية, مختارات سينما ازيس 0
شكلت الأديان تاريخيا مع الأعراف والتقاليد أحد أبرز مكونات الثقافات القانونية فى مختلف المجتمعات، خاصة فى تكوين نظام الأسرة، ومن ثم بعض معالم الهندسات الاجتماعية، ثم مع القانون الرومانى بدأت تغيرات فى الفلسفة القانونية، التى أثرت على مقاربة القانون والتنظيم الاجتماعى. مع تطور الحضارة المسيحية – اليهودية، ثم التحول إلى الرأسمالية الأوروبية، وحركة القوميات، وتأسيس الدولة الأمة، اتخذت النظم القانونية الحديثة مسارات مختلفة فى الفلسفة القانونية-اللاتينية، والأنجلو ساكسونية والجرمانية -، وتم التمايز بين القانون الحديث وفلسفته، وما بين الأديان، على نحو أدى إلى تطور النظم القانونية، والسياسية الليبرالية، ومن ثم التمايز بين الوضعى، وما بين الميتاوضعى، وبات القانون إنتاجا تشريعيا وضعيا بامتياز للسلطات التشريعية الأورو-أمريكية، وتعبيراً عن الصراعات السياسية حول المصالح الاقتصادية والاجتماعية المتعارضة، وتوازنات القوة فى الواقع الاجتماعى والسياسى. هذا التطور الكبير فى الفلسفات القانونية، وتأثرها بالحداثة الغربية، والثورات التكنولوجية، على نحو ساهم فى تعقيد، التنظيمات القانونية، ووظائفها الاجتماعية والسياسية، وفى الفن القانونى -التكنيك والصياغة – وفى التفسير والتأويل للنصوص القانونية من قبل الجماعات القانونية ودراسات علماء الاجتماع خاصة علم الاجتماع القانونى، ولاسيما الجماعات القضائية. ظل القانون الدينى، مقصورا على المؤسسات الدينية المسيحية – الكاثوليكية، والبروتستانتية والأرثوذكسية، واليهودية – فى مجال نظام الأسرة، واللاهوت، والطقوس الدينية، لكن ظل فى النظم القانونية الوضعية بالغ الهامشية، وحسب النظام الدستورى، والقانونى فى الثقافات القانونية الأورو- أمريكية. هذا التطور شكل أهم مصادر النظم القانونية الحديثة فى المستعمرات الفرنسية، والإيطالية، والبريطانية، سواء تحت الحكم الكولونيالى، وما بعد الاستقلال، لكن الدين -الإسلامى والمسيحى واليهودى- فى العالم العربى، وتأسيس الدولة الوطنية ما بعد الكولونيالية، ظل أحد المصادر المهمة فى نظام الأحوال الشخصية، ومصدرًا من مصادر الاستلهام، والاستعارات القانونية من بعض المبادئ العامة للنظام القانونى للشريعة الإسلامية، وظل أحد مصادر التوترات والنزاعات السياسية بالدين وعليه، فى الحياة السياسية منذ نهاية القرن التاسع عشر، وإلى اللحظة التاريخية الراهنة مصريًا.
كانت علاقة الدين بالقانون جزءا من الدرس التاريخى للقانون، ولم يكن هناك تشكلُ لما بات يطلق عليه القانون الدينى فى التقاليد الأكاديمية الأنجلو ساكسونية، والأمريكية إلا أن هذه المقاربات الأكاديمية أخذت فى التبلور والتشكل كنتاج للتغيرات داخل المجتمعات الغربية للأسباب التالية:
– موجات الهجرات الدولية من مجتمعات جنوب العالم إلى المجتمعات الأوروبية، وأمريكا الشمالية، سعيا وراء الرزق، أو هروبا من التسلطية. ارتباط غالبُ موجات الهجرة الشرعية، والقسرية، وأجيالها بأديانهم ومعتقداتهم الدينية رغم تجنس غالبهم بجنسيات الدول التى هاجروا إليها، وظهور مشكلات عدم الاندماج الاجتماعى داخل المجتمعات الغربية العلمانية، وتعبيرا عن أزمات الهوية للأجيال الجديدة من مواطنى هذه الدول من الأصول العربية والإسلامية.
– التمدد السلفى، والإخوانى داخل غالبُ المجتمعات الأورو- أمريكية الشمالية، خاصة سكان الضواحى فى فرنسا، وبلجيكا..إلخ، واستمرارية بعض التقاليد الاجتماعية المضادة لحقوق المرأة المحمولة معهم وإزاء غير المسلمين، وما يترتب عليه من مشكلات اجتماعية.
– تمسك الأقليات الإسلامية والعربية ببعض التقاليد الخاصة بنظام الزى، والعلامات الدينية فى المجال العام كالجلباب والحجاب والنقاب، وملابس البحر لبعض النساء المسلمات والعربيات، أو فى الوظائف العامة، والمدرسة الجمهورية فى فرنسا على سبيل المثال.
– بروز ظواهر العنف الدينى والإرهابى مع أحداث 11 سبتمبر 2001، وغيرها من عمليات الطعن، والدهس، وقتل بعض رجال الدين والمدرسين فى فرنسا لأسباب دينية وسياسية محضة.
– تزايد الاتجاهات اليمينية المتطرفة، والشعبوية السياسية، وكراهية الأجانب فى بعض الأحزاب، والأوساط الاجتماعية الأوروبية، فى ظل بعض المشكلات الاقتصادية فى بعض البلدان الأوروبية كفرنسا. طرحت مشكلات الهجرة، وعدم الاندماج الاجتماعى لأسباب دينية وعقائدية، وثقافية عديد الأسئلة حول المدى الذى يمكن للقانون فى الدول الأوروبية أن يتوافق مع الاختلاف الدينى بين مواطنى الدولة من الأصول العربية والإسلامية، وغيرها؟!، وانعكاسات ذلك على التقاليد الراسخة فى الدساتير والقوانين الأوروبية فى مجال الحريات العامة والشخصية.
لا شك فى أن هذه المشكلات حول علاقة القانون الغربى العلمانى، فى النظم الليبرالية التمثيلية، تشكل واحدة من مشكلات ما أطلق عليه ما بعد العلمانية فى أوروبا، وأمريكا الشمالية، وستزداد تعقيدا، فى ظل التقلصات المصاحبة لمرحلة الإناسة الروبوتية، وتحديات الانتقال الصعبة مع الذكاء الاصطناعى، ومرحلة ما بعد الإنسان التى تلوح بعضُ من فى عالمنا المتحول، والمضطرب.
بقلم
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح كاتب وباحث ومفكر مصري ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية
***
عن جريدة ” الأهرام ” في 5 سبتمبر 2024 لباب ” مختارات سينما إيزيس ”
admin رئيسية, مختارات سينما ازيس 0
الحياة والوجود الإنسانى بات منشطرًا، بين تفاصيل الحياة اليومية الفعلية، وعلاقاتها، وأزماتها وتوتراتها وقلقها، وبين الحياة الرقمية. حالة من الانشطار والتداخل بين الفعلى والرقمى، بين الفوضى، والنظام والقانون، وتجاوزاته فى الحياة الفعلية، وبين حالة من الحرية والمراقبة والفوضى الرقمية العارمة، التى تبدو وكأنها حالة من الحريات واسعة النطاق، تتجلى فى تعبير غالبية الجموع الرقمية الغفيرة عن ذواتها، وأفكارها البسيطة أو الساذجة، أو حول المعتقدات، أو بعض الأفكار القليلة التى تبدو جادة! أشكال متعددة وبلا حدود للتعبيرات، والمقولات الأخلاقية، والدينية، والشعارات، والاستعلاءات والتنمر والتحرش، ونظريات المؤامرة !.حالة من السلوكيات ذات الطبيعة الاستعراضية تبدو فى خطابات الحكمة الساذجة، وخبرات الحياة، والنصائح، والاستعلاءات الفارغة على الآخرين، وتمدد لمفردات اللغة العنيفة، والسوقية والنابية المستمدة من ثقافة الخروج عما يطلق عليه الآداب والأخلاق والقيم فى كل مرحلة من مراحل تطور المجتمعات العربية. ثقافة الشارع وجنوحها اللاأخلاقى، ومفرداتها الجنسية الفاحشة، والمسبات الدينية، والنعوت الجنسية الخادشة، للحياء العام والفردى، يتم توظيفها فى التعبيرات الفردية فى نعت الآخرين، ومن يتم الاختلاف، أوالعداء او التنافس معهم، هى جزء لا يتجزأ من الثقافات الشعبية فى بعض المجتمعات العربية، وهى أحد تجليات بعض الاختلالات فى النظام الاجتماعى، والخروج على قانون الدولة وما يطلق عليه الأخلاق، والآداب العامة، وغياب الوعى الاجتماعى بالقانون، واحترامه وعدم المساواة فى التوازن بين المصالح المتصارعة فى دول فى تناقض مع منطق القانون منذ أن قال أرسطو: الدولة الوحيدة هى التى يتساوى فيها الجميع أمام القانون,وذلك فى 335ق م، ولاتزال صنّو القانون والثقافة القانونية الحديثة والمعاصرة فى الدول الديمقراطية التمثيلية. ثقافة الشارع تمثل أيضا الثقافة الشعبية الضد، للثقافة الشعبية والطقوسية والشكلانية الممارسة واللغة حول الدين وسردياته الوضعية، والأخلاق، والقيم فى كل مرحلة من مراحل تطور المجتمعات العربية سياسيا، واجتماعيا وتناقضاتها، وصراعاتها، وتوتراتها وقلقها ومخاوفها على اختلافها!. تتصاعد وتتمدد وتهيمن ثقافة الشارع العارية الضد، مع ازدياد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، وتراجع مستويات الوعى الاجتماعى، والدينى، والأهم أنها تشكل جزءا من السلوك والخطاب الشخصى إلى جانب التدين الجماعى الشكلى النقلى الشعبى والسلفى وتوظيفه سياسيا، وكلاهما يتم توظيفه من قبل الأشخاص والجموع الغفيرة بحسب الموقف الاجتماعى، من شجارات، وخلافات شخصية، وفى مواجهة الجيران، وزملاء العمل فى الوظائف العامة، والخاصة، وأيضا فى مجال العمالة اليومية والموسمية، وفى الأرياف والبوادى، والمدن المريفة وتنتشر الثقافة العارية فى غالب الطبقات الاجتماعية مع خلافات طفيفة خاصة مع الشعبوية الدينية او السياسية.
ثقافة الشارع العارية الضد، وسماتها اللغوية وأوصافها الجارحة، تفقد فى بعض الأحيان مع هيمنتها وتكرارها اليومى طابعها القدحى، وتغدو بذاءة وظيفتها، تفريغ طاقة الغضب والغل، أو الحقد، وغيرها من المشاعر السلبية المحمولة على الغضب والتنافس تجاه الآخرين.
لا شك فى أن ثقافة الشارع العارية الضد، تتغير من جيل لآخر فى مفرداتها، وأوصافها، إلا أنها تدور حول النعوت الجنسية الجارحة ووصف بعضهم لآخرين بالمثلية الجنسية فى بعض المجتمعات العربية، والمسبات الدينية، التى ترمى للحط من عقائد وكرامة الآخرين. الثورة الرقمية على بعض وسائل التواصل الاجتماعى، ساهمت فى توسيع عمليات انتقال ثقافة الشارع الجانحة العارية الى الحياة الرقمية، بل وأضافت الرقمنة حالة من الحرية واسعة النطاق وتوظيفها فى التغريدات والتعليقات على موقع «X» أكس وغيره، ولم تعد تشمل أوصافا سوقية وبذيئة من شخص لآخر، أو من شخص لجماعة أو شعب ما، أو عقيدة أو مذهب دينى، وانما امتدت إلى الحياة السياسية المحاصرة أو الميتة فى هذا المجتمع العربى، أو ذاك. تشمل ثقافة الشارع العارية الرقمية الضد -إذا جاز التعبير وساغ- لتشمل مسبات للزعماء، والقادة السياسيين، والملوك والمشايخ، والحكومات، والوزراء وكبار موظفى أجهزة الدولة من بعض المعارضات، أو من بعض المجموعات الرسمية الرقمية المنظمة، تجاه هؤلاء! فى ذات الوقت وصلت الأوصاف السلبية والبذيئة لتشمل شخصيات عامة، بالنظر إلى سلوكياتها الجنسية واللاأخلاقية.
تحول بعض ثقافة الشارع الرقمى العارية من النقد الموضوعى لقادة وأنظمة سياسية إلى دائرة السب والقذف. من هنا تباحثت الحريات الواسعة للتعبير عن الرأى الرقمى – كنتاج لغياب الحريات الفعلية فى بعض المجتمعات العربية ـ لا شك فى أن الثقافة الشعبية الرقمية العارية الضد، توظف الحريات الرقمية، دونما روادع قانونية، فى إدراك غالب الجموع الرقمية الغفيرة، وهو ما يعكس أيضا غيابها فى الحياة الفعلية، ومن ثم هى تعبير من تعبيرات ثقافة الفوضى الرقمية، وهيمنة الادعاءات، والأخبار والمعلومات الكاذبة، ونسبة آراء ومقولات لشخصيات شهيرة لم تقلها، أو نسج سرديات غير حقيقية عن بعض الشخصيات العامة والتاريخية والمعاصرة، والشهيرة!.
لا شك فى أن الحياة الرقمية، ومنشوراتها، وتغريداتها وفيديوهاتها، وصورها…إلخ، تشكل الــBig data ـ البيانات الضخمة ـ التى توظفها الشركات الرقمية، وتبيعها للشركات الكبرى لإعادة تشكيل الرغبات، والسلوك الاستهلاكى المفرط، وفى ذات الوقت تخضع الجموع الرقمية الغفيرة لأنظمة رقابية من الشركات الرقمية الكبرى، وأيضا لأنظمة رقابية من بعض أجهزة الدول الأمنية والاستخباراتية فى عالمنا، ومن ثم هى حريات رقمية تحت الرقابة، على نحو اتسع مع هذه الأنظمة، وبرامج الرقابات الأمنية والاستخباراتية والسياسية.
لا شك فى أن الثقافة الرقمية لغالبية الجموع الغفيرة على الحياة الرقمية بعضها يشكل خروجا على الأنظمة القانونية الفعلية، خاصة قانون العقوبات، والجرائم الخاصة بالسب والقذف، وخدش الحياء العام ـ المتغير فى دلالاته..إلخ ـ وجرائم الآداب العامة، والحض على السلوك الدعارى، على المستوى الأثارى، أو الاستعراضى المثير من خلال بعض الأفلام القصيرة عن السلوك العارى، أو جرائم الحض على الكراهية الدينية أو العرقية، والعنصرية، أو جرائم النصب الرقمية والجرائم المصرفية، خاصة العملات الرقمية وغيرها..إلخ. بعض الجرائم الرقمية المستجدة تتطلب سياسة جنائية وعقابية مختلفة عن النظم القانونية العقابية والإجرائية الوضعية التى تنهض على سياسة جنائية للحياة الفعلية، ومن ثم ستظل هناك فجوات بين ثقافة الفوضى الرقمية، واللا نظام، وبين السياسات التشريعية الوضعية فى الدول العربية، وهو ما يكرس استمرارية ثقافة اللا نظام الرقمية التى تتمدد عربيا، بل وتنفجر على نحو متسارع.
لا شك فى أن إقرار الحريات العامة والشخصية فى الدساتير والقوانين العربية، تؤدى إلى تنظيم هذه الحريات على نحو إيجابى، وفعال، وإلى تطوير الوعى القانونى والاجتماعى، وتسهم فى تعزيزها، وتفجير الطاقات الفردية والجماعية، فى إطار علاقة القانون، ومشروعات التنمية المختلفة. التنمية النيوليبرالية بكل مشكلاتها، لا يمكن أن تنتج بعض الإيجابيات دونما تعزيز الحريات العامة والشخصية، وتنظيمها بفعالية على نحو يؤدى إلى بعض الانجازات رغم مشكلات السياسات الاقتصادية النيوليبرالية فى عالمنا العربى.
بقلم
نبيل عبد الفتاخ
كاتب وباحث ومفكر مصري ومستشار مركز الأهرام الدراسات السياسية والإستراتيجية
***
عن جريدة ” الأهرام ” الصادرة بتاريخ 29اغسطس 2024
“متابعة”مع إستفسَار..
وأكثر من علامة إِسْتِفْهام
عن تدفق موجات السطحية،
وفساد العقول.. وتسيُّد السفهاء.
تُحاول وتُحاور القيم والمبادئ.
بِتَوَافِهِ تتطور.. وَتُغَيُّرِ الْأَزْيَاء.
“مرآة ذكاء الْعُبُودِيَّة “
طوَيَت براءة زماننا.
في غفلة الأنظار.
***
” أيها العقل الجامح .
هل من مزيد.”؟
ومن غيرك نَستَشيرُهْ.!؟
أم نَبْقَى حَملَقة عيون وإنبهار ،
في سيرك الأقدار.
صناعة ذكاء زاحف..
مادِّيٌّ مَحْسُوسٌ..
خَدَّاع بلا مذاق.
كالقيظِ الحارق.
من أسرار الغيب الحاذق.
والإنسانية..في عنق الخيال.
عاجِزَة على عكَّاز ،
وراء الزمن اللاهثِ..
وهواجس بلا زمام.
لا تدري الي أين ذاهبة .!
ومن يمسك اللجام.!؟
***
سلالة القدرالدَّعْثَر .
تتحكم في البشرية.
وتتغذي من كبريائها.
في غرورها تنتفخ وتَتَغَنَّى .
مُسْكِرَة في بهو الخوف،
ثمَّ تَتَأَلَّمَ مُتَعثِرة.
مُرَارغة في لهوِها..
***
عقول شاطحَة سرطانية.
ماجِنة شيطانية..
كأفعَي في جلدها متلونة.
صنيعة عَبَثيَة نسيجها،
عنكبوتيَة لا نهاية لها.
هَذَيان دُميات مُتَيَبَّسَة،
لا إِدْراك ولا حس لها ..
***
بصيرة العيون تدمي.
ونبضات القلب تبكي،
في شروخِ العبث.
دُمِمَتْ أرْيَحِيِّة الشعراء.
وَنسائم الجمال.. والأشواق.
في رهيف عيونِ العشَّاق.
وبراعة وحرفية أنامل الفنان.
وبَثَّ الغَرَامِ آهاته،
في همسة حُزْنِه.
على ما كان..
رجفات وزيف الأضواء الزائفَة .
ضلَّت مَلاطِفَه.. وتَزَلُّف مُصَانَعَة.
نشوة غيبوبةِ الوجدان.
وَمُلايَنَة أضواء القمر.
ونجوم السهر.. الهائمة.
قفلت نافذة وهجِهَا.
وهِنت وضَمِرت بصيرتها.
وخفقت لمسة الإلهام.
إِسْتَسْلَمَت وإِنْدَحَرَت.
في رحلة غِيْلَة الفناء .
تيهُ دُنْيَا مُزركشة الألوان .
ذكاء أم غباء.. من سلةِ الأوزارِ!
أوحمُق وخُبِثٌ وَخَسِة التفهاء.؟
على هامَة أَدِيم الأحلام.
نبكي ولا ندري..!
ونضحك على عبثية المهزلة!
على صَهْوَةِ جنوح السفهاء.
تَغَلَّبَت عقول “اخطبوطية”
نزعت بَسُمَة الصفاء.
زحفت على الأخضر واليابس.
وقسمت إِسْتِنْباط الأفكار.
سَحَقَت فِطرة الإبداع.
إِنْتَحَلَت مكانتِهَا.
وإِنْتَزَعَت براءتهَا.
وَتَفَوُّقت في سَبْكِ لهوها.
وجَسَمَت وبرعِت.. في نحرها.
لاهثَة في أسمالِ أشكالِها .
حتى تكاد أن تبتلع أَنفاسِها.
تقرع رُعُونَة طَيْشِهَا،
علي طبول الفناء.
تُرّصع بالدُرَر قبورهَا.
***
“ومازال الطريق ممهدًا..
مُذَلَّلاً..مُهروِلًا.
للمزيد من الأسرار”
***
هلوثَة نَزْق العلماء عميَاء..
وقلوبهم قاحلة صمَّاء .!
***
“عقل الإنسانية تَمَرَّد،
بدون تَمَهُل،
أو إستئذان.”
ولايعرف كيف يَتَعَقل..!
أو يَعتِق عنقه، من طوقِه.
أو يُحجم جَسَامَة الأفكار.
ويُلَجِم فَوْرَة الإنبهار !
في زمن ماجِن أَخْرَق.
والعراء يَتَصَنَّع بلا حياء.
إِنْحَرَفَ وإنجَرَفَ..
وبِسُخْرِيَةً يَتَشَدَّق..العلماء.
مُتَجَاوِز عن براءة،
وعذرية المَسَار..
يُصَفق ويَتغنَى..
ويتَحَذْلَق..ويبحلق.
ثمّ يذوي وينهار.
مثلَ بخار الألوان،
في قبضة الإعصار.
***
أَنعود لسكنات الجحور.!
في سالف الدهور.
قيَضْنا فوهَة أنفاسنا.
أيها الطوفان الصامت.
في رُعُونَةِ تَدْبِيرَك.
ونَزَوات علومك..
عالم بغير مذاق..
إِسْتَسْلَمَ أمرهُ..
مدهوشًا..مبهورًا.
اِنْصاعَ وتَعَلَّقَ،
في نصلِ ذكاءك.
ويتلذذ في ألم الإحتراق.
إرتمَى فوق صدر سرابك.
ولا عودة الي الوراء.
بقلم
فكري عياد. لندن
فكري عيّاد كاتب وباحث وفنان تشكيلي مصري مقيم في لندن.المملكة المتحدة
admin رئيسية, مختارات سينما ازيس 0
شكلت مسألة الحرية أحد أبرز مقولات، وتنظيرات، وإشكاليات الخطابات الفلسفية التاريخية والمعاصرة التى تغيرت، من مرحلة إلى أخرى من مراحل التغير والتحول الحضارى فى عالمنا، وذلك لأن شكل كل نظام اجتماعى، وبنية سياسية، تفرض محدداتها وبناء القوة داخلها، وتنظيمها الدستورى والقانونى على مقاربتها لمسألة الحرية والقانون. فى العلاقة الإشكالية بين الحرية، والقانون، كانت ولا تزال هى الأهم، ومقاربة هذه الثنائية، والإشكالية المركزية فى الفكر الإنسانى، خضعت ولاتزال لكل نظام للسلطة، من المجتمعات القديمة فى الحضارات المختلفة إلى الآن وغدا، حيث تفرض السلطة ذاتها على طبيعة الاستجابة للإشكالية. من البطريركية السياسية والطغيانية، فى الحضارات المختلفة إلى النظم السياسية الليبرالية عقب الدولة/ الأمة والتطور الرأسمالى، وتقدم هذه النظم الليبرالية التى شكلت أحد أبرز المراجع الفلسفية والسياسية والاجتماعية، والثقافية فى الفكر العربى الحديث تحت الكولونيالية، وبعدها، وإلى الآن
فى مقاربة هذه الثنائية الحرية، والقانون، هناك عديد من الفكر الرغائبى، والشعاراتى السائد، الذى يطرح هذه الثنائية، خارج التركيبات الثنائية المتضادة السياسية، والاجتماعية، والدينية، وغالبا ما تطرح من منظورات خطابية شعاراتية، خارج السياقات الموضوعية، ومن ثم لا تعدو كونها محضُ خطاب معارض فى الفراغ، فى ظل سطحية الأسس التى تنهض عليها هذه الخطابات دونما أسس فلسفية، وسياسية، وثقافية ذات عمق، ومتابعة للواقع الموضوعى. التحولات فى هذه الثنائية والإشكالية باتت أكثر تعقيدا وإثارة لأسئلة مختلفة فى النظم الليبرالية التمثيلية فى الدول الأكثر تطورًا فى عالمنا، خاصة فى ظل ثورة الاستهلاك المفرط، وعالم الثورة الرقمية، والذكاء الاصطناعى، والإناسة الروبوتية، وأزمات هذه الأنظمة.
ومن الحرى القول إننا لا نبحث فى الحرية فى ذاتها، وإنما الحرية بين الناس، وطبيعة النظامين السياسى، والاجتماعى،- والدينى- فى مجتمعاتنا العربية، وهياكلها، وسلطاتها، وقيودها على الحريات العامة، والعقل النقدى الحر، وأيضا توظيفها السياسى للدين، والتدين الشعبى فى التحريض على الحرية بشكل عام! لا يمكن تاريخيا مقاربة الحرية لاسيما فى النظم السياسية الديمقراطية التمثيلية، والتسلطية، دونما مقاربة علاقتها بالقانون.
الحرية كمفهوم فلسفى وسياسى لا يطرح فى تجريد وعمومية، وإنما فى سياقات موضوعية – سياسية واجتماعية ودينية واقتصادية، ودينية وثقافية-، وأيضا فى ثنائية إشكالية مع القانون، والنظام!.
إشكالية الحرية والنظام هى أحد أبرز إشكاليات النظم السياسية والتسلطية فى دولة ما بعد الاستقلال فى بعض الدول العربية، التى أخذت برأسمالية الدولة الوطنية، وركزت على فرض القيود على الحريات العامة، من خلال الأنظمة القانونية المنظمة للحريات العامة والشخصية التى تم إقرارها فى دساتيرها بعد الاستقلال. نصت هذه الدساتير على حريات الرأى، والتعبير، والبحث العلمى، والصحافة والإعلام، والتنظيم، إلا أن القوانين المنظمة لهذه الحريات قامت بفرض القيود الثقيلة عليها، على نحو أدى إلى تصفية فعلية للحقوق الدستورية للمواطنين.
فى مقابل المصادرة الفعلية للحريات العامة والشخصية، قامت بعض السلطات العامة العربية بالتركيز على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن من خلال دعم السلع والخدمات المقدمة للمواطنين، خاصة الأغلبيات الشعبية، والفئات الوسطى من خلال الحق فى التعليم، والصحة والدواء المجانى، وبعض الحقوق الثقافية. لا شك فى أن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، أدت إلى بعض الدعم للأنظمة السياسية الاستبدادية والتسلطية، وباتت تمثل أحد مصادر الشرعية السياسية لهذه الأنظمة، مع الدفاع عن الاستقلال الوطنى، ومواجهة الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين شعاراتيا -باستثناء مصر، وسوريا، والعراق، والأردن-، والزعامة السياسية التاريخية- الكاريزما الناصرية، وزعامة بورقيبة فى تونس، أو الدور التاريخى للحزب الحاكم، على نحو ما حدث فى التجربة البورقيبية، ودعم حقوق المرأة – أو الدور التاريخى لمقاومة الاستعمار الفرنسى على نحو ما تم فى المثال الجزائرى، أو دولة المخزن فى المغرب.
كانت التناقضات بين النصوص الدستورية المقررة للحريات العامة والشخصية، والقيود القانونية عليها، هى أبرز الإشكاليات بين الحرية، وبين القانون. إن إدراك القانون فى الوعى السياسى، والعقيدة السياسية لقادة بعض النظم العربية بعد الاستقلال، تمثل فى أنه إحدى أدوات النظام، الوظيفية، فى الضبط السياسى والاجتماعى، وهو ما يتناقض مع فلسفة القانون الحديث الذى يقرُ الحريات، وينظمها من خلال الدستور، والقانون، ولا يصادرها فعليا على نحو ما أدى إلى تطور النظم السياسية والاجتماعية الليبرالية الغربية، وساهم فى تطور الرأسماليات الغربية، وشكل مجموعة من الحوافز الفردية، والجماعية للإبداع والتقدم العلمى، والفكرى، والسياسى، وأدى إلى تفجير القدرات الفردية، والجماعية فى هذه المجتمعات المتقدمة.
القانون والحرية فى النظم الليبرالية، يهدف إلى تعظيمهما، وتنظيمهما، بين المصالح الاجتماعية المتصارعة، وبحيث لا تؤدى إلى الفوضى، ومن ثم تطورت الحقوق والحريات العامة، وتم دمج بعض الحريات الجديدة ، وتحويلها إلى حقوق لم تكن مقررة سابقا على نحو ما تشهده المجتمعات الأكثر تطورا فى عالمنا. هاجس الأمن، واستقرار النظام واستمراريته، كان ولا يزال شاغل بعض الطبقات السياسية الحاكمة عربيًا، ومن هنا تمت مصادرة حريات الفكر والتعبير والبحث الأكاديمى، وذلك تحت رهابُ المثقفين، واعتبارهم قوة قلق، تثير الأسئلة، وتحاول نقد السياسات العامة للنظام، ومن ثم كانت الصحافة والإعلام ما قبل الثورة الرقمية تحت سيطرة النظام، ومملوكة له! امتدت الضوابط إلى الحريات السياسية، والحق فى التنظيم السياسى، والمبادرات الفردية والجماعية، على نحو أدى إلى هيمنة ظاهرة موت السياسة فى العالم العربى.
أدت هذه الظاهرة إلى ضحالة وسطحية الفكر السياسى فى هذه المجتمعات – أيا كانت اتجاهاته الايديولوجية-، خاصة انفصاله عن الواقع الموضوعى فى كل بلد، ومصادرة المرجعية الغربية، من هنا ظهر فكر شعاراتى ليبرالى، دونما فلسفة ليبرالية فى تطوراتها الفكرية، ومدارسها!
وفكر يسارى، دون قراءة مصادره الماركسية وتطوراتها فى المدارس الماركسية، ورأينا ماركسيين لم يقرأوا ماركس، ولينين، وماوتسى تونج، وما بعدهم فى الفكر العالمى الماركسى! والاستثناءات قليلة من الليبراليين، والماركسيين، بل ولدى بعض القوميين المصريين، والعرب.
لا شك فى أن إشكالية الحرية والقانون، أدت إلى فكر قانونى ركز على أولوية الأمن القومى والوطنى فى مواجهة مفاهيم الحريات العامة، والشخصية. انفصل هذا الفكر القانونى العربى عن المرجعيات الفلسفية القانونية الغربية، وتطوراتها فى النظم الدستورية والقضاء الدستورى المقارن، لصالح فكر محلى يركز على مفهوم الضوابط والإجراءات المقيدة للحريات العامة، فى العالم العربى. مع الثورة الرقمية والمجال العام الرقمى الحر انفجرت مكبوتات الوعى الجمعى، وباتت الحريات الرقمية، وكأنها نقيض القانون والنظام، وتحولت ثقافة الفوضى، وكأنها هى التعبير الأسمى عن الحريات، وهو ما أثر على الواقع الفعلى الموضوعى وساهم فى تمدد وانتشار ثقافة اللانظام والفوضى فى غالب البلدان العربية.
بقلم
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح كاتب ومفكر مصري ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
***
عن جريدة الأهرام العدد الصادر بتاريخ الخميس 22 أغسطس 2024
لباب “ مختارات سينما إيزيس “
admin رئيسية, شخصيات ومذاهب, مختارات سينما ازيس 0
admin رئيسية, مختارات سينما ازيس 0
إلى متى تدار قضايا خطيرة كقضايا الثقافة عامة والسينما المصرية على وجه الخصوص، واقعها ومصيرها في وزارة الثقافة.. بما يشبه كيد النسا؟ ولصالح من هذا العناد؟
بين السماء والأرض .صلاح أبو سيف
أسابيع طويلة ونحن نكتب عن وقائع كارثية دمرت السينما المصرية وطالت صناعاتنا الإبداعية بكاملها، وانتظرنا موقفا نبيلا وطنيا شجاعا من وزيرة الثقافة، فإذا بنا نتلقى رد فعل لا يخرج عن تلك الجملة الشهيرة (والدليل قالوا له) التي جاءت على لسان المحامي (خليفة خلف خلف الله خلف خلاف) في مسرحية (شاهد ماشافش حاجة) وهو يترافع عن سرحان عبد البصير بطل المسرحية والتي أصبحت مجالا للتندر والفكاهة فيما بعد، بيد أن الوضع في حقيقة الأمر مر، لا يحتمل الفكاهة ولا التندر.
وهل ظاهرة فيلم أولاد رزق 3 وما كشفت عنه ظروف إنتاجه وتسويقه والسياسات التي أدت لإنتاجه واحتكاره لكافة سينمات مصر، والدور المريب الذي يلعبه المنوط بهم تنظيم الصناعة والحفاظ على قيمتنا وأصالتنا وثرواتنا الإبداعية، لم تكشف لنا جميعا إجابات قاسية توقظ ما تبقى لدينا من ضمير وعقل لندرك أننا نقف على الحافة؟
إذ منذ أن فتحت الملفات السوداء والغامضة لمستشار وزيرة الثقافة لشئون السينما والمسؤول عن إدارة شركة السينما المنبثقة من الشركة القابضة للصناعات الإبداعية، ورئيس الرقابة على المصنفات الفنية.. إلى آخره، خالد عبد الجليل، ونحن نحذر من تداعيات يثبت صحتها كل يوم.
انهيار ممنهج لصناعة السينما، واحتكار مخيف لتاريخ سينمانا الوطنية وحاضرها ومستقبلها، وذبح كل أمل في إمكانية خلق سينما اجتماعية وسياسية سليمة الوجدان، وفنون راقية تمنحنا فرصا لتغيير واقع رديء ومتهافت لا نتمنى استمراره، ويؤثر تأثيرا جارحا على كل علاقات وشروط مجتمعنا.
لقد كان رد الفعل باهتا معيبا! من أول تعليق وزيرة الثقافة على حريق استديو الأهرام ببساطة جارحة، كأن لسان حالها يقول (أنتم عاملين غاغة ليه؟) وهى توضح “ما احنا أصلا كنا هننقل الاستديو”، بما يعني أيضا إن مش فارقة، اتحرق اتنقل النتيجة واحدة، وللحق برغم هول التصريح المتسرع التي تفوهت به الوزيرة، إلا أننا نعلم جميعا أن من لقنها هذه العبارات المرتبكة هو مستشارها مسؤول السينما، ظنا منه أن الأمر سيمر مثلما مر سابقه وسابقه وسابقه، إلا أن الحريق والتصريحات المرتبكة التي تلته، كما ذكرت في مقال سابق، نكأت الجراح الحية التي لم تندمل يوما، ولتعلن وزيرة الثقافة ومستشارها وبطانتهما الوزارية إنهم يشكلون خلية عمل لا تهدأ، لترد على مزاعم من يكتبون عن قضايا السينما.
عفوا ..لا يظن أحد أن خلية العمل هذه من أجل الكوارث التي تم وضعها أمام سيادة الوزيرة مشفوعة بالأرقام والوقائع المثبتة، والتي كتب عنها أشخاص اعتباريون من قلب الواقع السينمائي، حول واقع السينمات التراثية المزري، وصفقات بيعها أو تأجيرها التي تتم في الخفاء بعد تركها حطاما، ولا تسرسب الأفلام المصرية من بين أيدينا واختفائها، ولا ما تحدثنا عنه حول مشروع السينماتيك المصري الذي عاش مستشارها السينمائي سنوات وسنوات يلوح به دون أن يقطع فيه خطوة واحدة كضمانة لبقائه كأنه مسمار جحا، ولا الرقابة التي تدار كعزبة بلا هيكلة ولا معايير واضحة للرفض أو القبول أو التعليق، كله حسب المزاج، ولا العهدة المتحفية للمركز القومي للسينما التي تبددت ولا أرشيف المركز المنهوب، ولا انتهاء دور المركز الأصلي بالكامل من إنتاج نوعي وفني للأفلام الوثائقية والروائية القصيرة، وحفظ وتوثيق الأفلام، وما تبعه من انهيار لمهرجان الإسماعيلية للأفلام الوثائقية والروائية القصيرة على مستوى التنظيم والشعبية والضيوف والأفلام.
كل هذا لم يعن السيدة الوزيرة، كل ما همها هو أنه تم إحراجها وخلخل أملها في البقاء بالكتابة عن تلك الجرائم التي ترتكب في حق صناعة قومية كانت يوما ما راسخة ومتماسة مع العالم قيمة وقامة على مستوى النخبة أو الجماهير، وتناست الوزيرة أننا توجهنا لها مرارا وتكرارا، فيما لم تحرك هي ساكنا، وردها المحفوظ في أكثر من موضع (هسأل فلان أو اسألوا فلان)، وتسمي مستشارها بشكل صريح، بما يثبت وجهتنا تجاهه بشكل حتمي، ويؤكد حقيقة أن لا مفر من مواجهة نتيجة واحدة، أن لا حل جذري لأى قضية سينمائية، طالما هو موجود، ولا إسم غيره يتصدر مواقع صناعة القرار في هيكل السينما بقطاعاتها، وحتى ونحن نعلم أن هناك أسماء أخرى اعتبارية في الدوائر السينمائية الرسمية، لكننا لا نسمع غير صوته ولا نرى من هم وراءه على أية حال.
إن المثل العربي القديم يقول: كيف أعاودك وهذا أثر فأسك، وهذا ما توقعناه بالفعل، إذ أننا حفظنا منهجه ومسلكه عبر السنين العجاف التي قضاها في أروقة الوزارة جاثما على أنفاس السينما ومبدعيها، ويتمخض الجبل فيلد فأرا، إذ جل ما تم إزاء كل البلايا التي طرحناها، كان التواصل من قبل الوزيرة ومستشارها مع رئيس تحرير الموقع الذي كتبت فيه المقالات المتتالية البالغة الخطورة، وارتأت أن طوق نجاتها الوحيد هي أن يكتبوا عن إنجازات الوزارة، وما تم بالفعل، هوأن رئيس تحرير الموقع الصحفي استجاب لحالة الولولة تلك وأرسل صحفيا كتب مقالا عن ما تظنه الوزيرة ومستشارها انجازات، فزاد الهم هما، وصب زيتا على الجراح.
إذ أن ماجاء بالمقال هو وضع عدة صور لأرفف عليها بعض المقتنيات، لا تزيد في وضعها البادي عن أن تكون مقتنيات لمخرج أو منتج احتفظ بها في بيته، وكاميرا لم تستطع الصورة إخفاء الإهمال وأكوام التراب التي مسحت من عليها بالكاد، وبضعة فساتين متسخة منصوبة أمام أرفف خاوية، وعبارات إنشائية سمعناها مرارا وتكرارا عبر وزراء كثر تعاقبوا على الوزارة لا تغير واقعا ولا تقيل عثرة، يا سيدتي نحن في عصر تقول فيه الصورة ألف كلمة ومضمون ومعنى، فهل اقتنعت الوزيرة ومستشارها أننا اقتنعنا؟
وأيا ما كان دافعك الذي جعلك تتجاهلين القضايا الشائكة التي طرحت بين عينيك، والتي ترقى في كل جوانبها للجرائم في حق صناعة عريقة كصناعة السينما وتهتمين بدعاية أنت لست في حاجة إليها، ولن تغلق ملف هذه الكوارث بأي حال من الأحوال، ولن تنقذ واقعنا السينمائي والثقافي الخطر الذي هو مسؤوليتك ومسؤولية أي وزير يجلس على كرسيك الرفيع.
حساباتك وحسابات مستشارك خاطئة سيادة الوزيرة، واستمالة جريدة أو موقع صحفي للتهدئة لن تغير البؤس والأسى الذي يحاوطنا، ولن يسكت صوت الألم الذي يعتصر قلب مئات من السينمائيين الذين تحطمت أحلامهم على صخور التفريط والوهن الذي نحياه جميعنا ونلمسه بأيدينا في واقعنا الثقافي والفني، ولن نعدم الشرفاء الذين يدركون بفطرة سليمة ووطنية مخلصة أننا لا نريد سوى الصالح العام، وأنه يتحتم علينا وعلى الدولة المصرية العظيمة الكشف عن المتسبب في كل هذا الخراب ومحاسبته حسابا عسيرا، فتتمدد مساحات اخرى للنشر، والإلحاح على تطهير الأرض، بضمير حي ورغبة صادقة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
إن المؤلم والمؤسف حقا، هو دفن الرؤوس في الرمال، والتغافل عن المصائب التي تتفاقم يوما بعد يوم، ولن يمحوها أو يجملها مقال أو عشرة، كتبوا على سبيل المجاملة.
ولعل ظاهرة فيلم أولاد رزق 3 الذي يحتل كل دور العرض تشحذ قوانا لتحرير سينمانا المصرية من أمراضها وتشفيها، وتجعلنا نفكر ونحلل كل صوت ورأي يخرج علينا من أي فريق، نقاد.. صناع بالسينما.. مسؤولين بالصناعة على ما تفرج، وهم يعلنون بدلالات مريبة، (إنه فيلم سعودي .. وماله، ما احنا نقدر نشوفه برضه على أي شاشة وأى منصة)، هذا التصريحات الكارثية والمرعبة والتي باتت مألوفة لدينا طالما يتحكم في صناعة السينما مأجورون وسماسمرة وبرابرة تشي بحجم الهوان الذي أصبحنا فيه، وتحيلنا لمحطات ووقائع مشابهة أكثر قدما وكانت نذير شؤم تجاهلناه عن عمد، وها نحن ندفع ثمنه غاليا، وما أشبه الليلة بالبارحة.
هل تذكرون تلك الضجة التي صاحبت فيلم البيبي دول الذي عرض عام 2008، واقتربت ميزانيته من الخمسين مليون جنيه مصري، وانتجته شركة جود نيوز المعروف مالكها، وهو مبلغ مرعب أنفق على فيلم ضعيف فنيا، وحصل فيه نجوم الفيلم على أجور طائلة بأموال غير مصرية بدفع ودعم من شركات توزيع مصرية احتكرت التوزيع ودور العرض، وجميعنا يعلم أن الفيلم لم يحقق أي ربح يذكر ولم تستفد صناعة السينما أي استفادة من هذا الكيان المريب وقتها، بل حدث تخريب ممنهج عن طريق الرفع الوهمي لأجور الممثلين والذي نسف جوهر الصناعة ودمرها، ولم يستفد سوى بضع أفراد عملوا مع هذه الشركة كما فعلوا مع غيرها، آلاف أو بالأحرى ملايين الجنيهات تكفى بالطبع لغسل الأيدي وإسكات الضمائر، أليس هذا حزينا وبائسا، ونحن نصنع أفلاما بأموال طائلة خارج فلك ودورة رأس المال الوطني المصري برغم المحتوى المصري والنجوم المصريين.
ولكي لا يلبس سماسرة الصناعة الحق بالباطل، فأنا أؤكد أن لا يعيب هنا أي بلد أن تقيم شراكات عربية أو غير عربية في إنتاج الأفلام، فالعالم كله يفعل ذلك ويشبك علاقات إنتاج متعددة الجنسيات لصالح جودة الأفلام والمعايير التجارية بجانب المضامين الإنسانية، ولكن هل ما يحدث بالسينما العالمية هو ما يحدث لدينا؟ الإجابة التي يعرفها الجميع، هي لا، الأمر لا يتعلق فقط بأننا ضمن ما يعرف في العالم بمسمى السينما الفقيرة أو سينما العالم الثالث، والتي تعد السينما لديهم بجانب كونها أحد وجوه الثقافة والنضال الوطني، هي إحدى الوسائل الهامة التي توحد الهويات والعناصر الثقافية ومكوناتها، لأننا لسنا هوليوود ولا بوليوود، إننا نتحرك مابين الهوية الأفريقية والقومية العربية، وهي مساحة معقدة تحتاج لكفاءات حقيقية، وعمل وفير، ووعي كبير ودراسات جادة ومعقدة، ودرجات عالية من الاحتراف، ومتابعة وإشراف صارمين على تطور عجلة الإنتاج من قبل كيانات حرة ومستقلة ووطنية، لا يملكها هؤلاء الذين تعفنوا في مناصبهم عبر سنوات طويلة ومصمصوا عظام السينما، وأجهزوا على كل القيم الإنسانية الشاملة عبر وجودهم الطويل الفارغ، فأفقدونا الأمل والمثابرة والقدرة على الأحلام.
ولعل الانهيار الشامل الذي حدث منذ تسعينيات القرن الماضي للسينما الذي يتشدق به ذلك المسؤول الخالد الفاشل ليريق به ماء وجهه المهدور، لم يكن مصدره اضطراب الصناعة وتخلى الدولة عن دورها فحسب، والذي بدأته في ستينيات القرن الماضي، إذ أن السينما المصرية في فترة الثمانينيات بعد أن تعافت من ظاهرة أفلام المقاولات التي ظهرت في النصف الثاني من السبعينيات، كانت تنتج ما بين أربعين وخمسين فيلما، تدارك فيها المخرجون أزمة انتاج أفلامهم في مصر في سبعينيات القرن الماضي، حيث كانت أفلام يوسف شاهين الثلاثة التي صنعها في فترة السبعينيات من انتاج مشترك مع شركة جزائرية حكومية، وصنع توفيق صالح فيلمه الشهير المخدوعون 1972 في سورية، وصنع صلاح أبوسيف فيلمه القادسية 1980 في العراق، وهو ما يشير وقتها لما مثلته هذه التجربة المستجدة للسينما المصرية خارج مصر، وهو ما يشكل مع دولة كالسعودية امتدادا صالحا وطبيعيا لو وعى القائمون على صناعة السينما المصرية دورهم الوطني، بأن يمكننا استكمال هذه المسيرة التكاملية بما يحفظ لصناعتنا السينمائية الوطنية مصالحها وخصوصيتها، بتبصر حقيقي لوسائل الإنتاج بجانب تمويل الأفلام.
إذ لا يمكن أن نحلم بأي تعبير سينمائي في أي وطن في ظل غياب بنى تحتية لصناعة السينما، ومواجهة المبدعين الخلصاء للقوى الشريرة التي يشكلها هؤلاء المسؤولون الحاليون عن تنظيم سينمانا الوطنية لصالح منافع وعلاقات شخصية غامضة.
إن مفهوم السينما كأحد أوجه الفنون الشعبية، يرجع لكونها فنا يؤلفه الشعب في حقيقة الأمر، ومن ثم هي ملكه في الأول والأخير، وغياب هذه الحقيقة عن ذهن أي مسؤول في الدولة يعد مغالاة وتكبرا وسطحية لا حد لها.
إننا لا يعنينا اسم ومسمى من يتقلد أي مسؤولية في وزارة الثقافة، ولكننا يعنينا أثره ومنجزه، وتعامله بشرف ونزاهة وجدية إزاء طرح قضايا وطنية عامة، تشكل معاني أوسع وأعمق من شخص مسؤول أو مسماه الوظيفي.
الوضع الآني على ما يبدو، هو إرسال واستقبال، على قناتين مختلفتين، بترددات مختلفة، الوزيرة ومسؤولوها الأفذاذ يلاحقون الصحفيين لكي يكتبوا عن إنجازاتهم لتتم الطرمخة على واقع ثقافي وسينمائي، زكمت الأنوف رائحة فساده وتشظيه، ليصبح الجميع في نفس الخندق، الجميع متورطون مع ذلك المسؤول الذي لم يراعي ضميره يوما واحدا في جل مواقعه، جميعهم يلفون ويدورون حول أنفسهم في الشركة والرقابة ولجنة المهرجانات وغرفة صناعة السينما والمركز القومي للسينما، ولا أخفي ذلك الشعور بالمرارة تجاه أسماء كبيرة خيبة أملنا فيهم كبيرة، لكن لا بأس التفاؤل واجب واليأس رفاهية لا نملكها في هذا الواقع الجارح،
لقد فجر فيلم “أولاد رزق 3” العوار الذي نعيشه، جانب منها لؤم الرقابة ومعاييرها الشاذة، بجانب كونها أغلالا “فطست” أفلامنا المصرية، ذلك الرقيب الشاويش، الذي يسوق نفسه للجهات الأمنية على كونه صمام الأمن الوحيد الذي يحمي الدولة من انفلات السينمائيين، وهو أخطر من مر على سلامة وأمن قوانا الناعمة الوطنية، ويتشدق باستحداثه نظام التصنيف العمرى على الأفلام بجانب الرقابة على العمل الورقي؟ فيما نحن الدولة الوحيدة التي تراقب الفيلم عدة مرات، مرة على النص المكتوب ومرة عند مشاهدته وتصنيفه عمريا، ومرات وهو يتمزق بين المؤسسات الدينية والسيادية، ولن أتحدث هنا عن كيف يدار كل هذه الدوائر بالكيف والمكايدة والنفعية.
إنني لا أتوجه هنا لوزيرة الثقافة سواء انتهت فترة مسؤوليتها أو امتدت، ولا لذلك المسؤول المريب الوجود وبطانته المتنطعة، التي تخشى زوال مصالحها بزوال أسباب تجذر هذه المصالح والمكتسبات على حساب موت صناعة بأكملها، وضياع أحلام أجيال من المبدعين، ولا لأى كيان مؤسسي في قطاع السينما والثقافة، صامت على هذه الأوضاع المخزية، لأنهم لو كان لديهم نية لأي إصلاح أو تطهير لأنفسهم قبل واقعهم، لكانوا فعلوا، إن حديثي هنا لجموع السينمائيين الذين يعيشون لحظة بالغة البؤس، كل فرد منهم يفكر في أن يجد عملا آخر غير السينما، غير حلمه، أن يرفضوا هذه الأوضاع بصوت واضح، ولسوف يتم تنظيم مؤتمر صحفي مهم ومرتب، يتم فيه شرح كافة القضايا السينمائية بالوثائق والوقائع الحية، ونخرج منه ببيان جلي يلتف حوله الجميع، لأجل تصحيح الأوضاع، ويشكل وثيقة وخارطة طريق لإنقاذ السينما المصرية تاريخا وحاضرا ومستقبلا.
ومثلما عبر ريناتو كونستانتينو المؤرخ الفلبيني العميق التفكير، يجب ألا يكون الماضي موضوعا للتأمل فقط إن أردنا أن يكون الحاضر ذا معنى، فلو نظرنا إلى الماضي كحقيقة جامدة، فإنه إما أن يسيطر على الحاضر ويشل حركته، أو أنه سيلغيه، ويعتبره البعض مقطوع الصلة بهمومنا ومآسينا المستمرة.
بقلم: د. ثناء هاشم
د.ثناء هاشم كاتبة سيناريو ، و أستاذ مادة السيناريو في المعهد العالي للسينما في مصر.
***
عن صحيفة ” المشهد ” المصرية بتاريخ الثلاثاء 25 يونيو 2024 لباب ” مختارات سينما إيزيس “