غيداء في كف القدر.تأملات في معرض للفنان المصري الكبير علي سعيد. بقلم فكري عيّاد
غيداء في كف القدر” نظرات إَطْلالَة صامته كَأَنَّها من عالم آخر.. نشاهدها في بُزُوغ بَشَاشَة مشْرقة. رُوحانيّة سابحة، في العيون الحزينة المُرهَقَة. براءة وشفافية لا تراها أعْيُنَنَا مُبَاشَرَة.
ربما تفصح لنا، عن سرِها في زمن حولنا دائِر. . أَزَلِيَّة أَبَدِيَّة دائمة .!! لا تعرف كيف بدات وإلى أين هي ذاهبة.؟ في سَرْمَدِيَّة الكون، أثير يتنزه حولنا حائِر. في ذرّات الحَيَاة الفانِيَةُ. يانظرات العيون الحزينة أَخْبِرينا! ماذا قال لك “الماضي” والي أين حاضِرنا معه سائِر..!؟ تَعِبَت الظَنُون والأوهام في رجفة عيونك.. ونحن نجري ونهَرْوِل ونرَكْض.. حَيارَى في كفّ القدر الآسر.
أيتها الغَيْداءِ .. كم من الزمن أنتِ شامخة هنا.؟ ألا تتكلمين عن سركِ الغامض ! كيف ياسَلِيلَة المجد، لا تدري..؟ لماذا كل هذا الشك، والإِرْتِيَاب في رعشةِ أهدابِك.؟ نظراتك ..آه من شَجْوها ولوعَتِها! وجَوًى أَسًى الحُزْن في شَفَتَيْكِ. تطوي حُرْقَة وتَلَهُّف فيكِ وَفِينا. أحقًا لا تدري..! أم كلينا لا يدري…! دَرْبِنا ياصبية.. طَائِش أَرْعَن مَأْفُون. وباء نَزِق متوحش ، أَهْوَج مُتَهَوِّر مَجْنُون. شوكته من جَمْرٍها تُدْمِينا. والخوف يابُنَيَّة.. أَوْجَاعَهُ شَجَا، حول خَصْرِ عُمُرِنا سائِر.. تمضي أيامِنا.. وكأنَّنَا ذَرَّة حبّة رمْل، في فلك الكون الدائر. نمرح في خُصُومَة وعِدَاء. ،نَمْضغ في تَلَذُذ وتَباغُض بعضِنا. نَنْهِل الجَشَع بِشَهْوَة في خِصَام وتَنَازع. شَهِيَّة أنَانيَّة لا تكفينا، أو تُروِينا. ونزحف معاً، إلى جوفِ قبر فارِغ. نبحث عن بقايا مُتَخَفّية من عُمْرِنا.. ولا نعرف منك.. أيتها المُتَزَيِنة أمام مرآتنا. غير تَشَوُّش نظرة، غُمُوض وتَرَدُّد. وبريق إِبْهَام ساحِر . وأوراقك…بردية سرية خافية. تُرَفْرِف رمِوزها حول خَصْرِك. شفرات وطلاسم، في مِتُون ذهنك. تَعَلَّقَت وَتَوَثَّقَت في جناحِ نسرٍ طائِر. سابحة عائِمة في خيالِك. تعانق قطرات الندى الدامية، تبلل شَجَنِك. طَوِيَّة ذكرياتِك فِكْر لا يَموت. إخدود شقَّ مجراه في وُجُوم وجهك. أسير في سِكُون صَمْتِك. دقات قلبك، رنينها يدوي في مسامِعِنا. وضجيج دقَّات نبضك، نغمٍ هادِر. أحلامك ياصَبيَّة.. هائِمَة في حِصْن حُضنِك. تنام على كتفِ سُحب هُلاَمِيَّة. وكفة ميزان أَخْرَق، متأرجح غَادِر خَادِر. وأنتِ تهمسين هَمَسَ الخَائِف. فكْرِك تائِه في عالم الأساطير.
وسرُكِ مَلْحمة من قصيدة سومرية. أو بقايا “قصة الزمن” وحكمتُه المُتَبَقيَّة. وربما اِنشودة قيثارة أنهلت عذوبتها، من حضارة فرعونيَّة. وأنتِ ياسمراء وبهيَّة.. تَسَرْبَلْتِ بوشاحك مُتردَّدٌة، مُسْتحية. ممشوقةالقوام. وتاج رأسك معقود بخيوط ذهبية. تَدَلَّتْ عَنَاقِيدها وأَطْلَلْت بنورها،واِرتَخَّت على صدرك. وتَدَلَّى قُرْصُ الشَّمْسِ تَنَاعَسَ وتَهَجَّدَ، وأَغْفَى هيامه على وجهك . هرولت كل الأقدام تلتف وتحلق حولك، ومن غَمائمُ “القدر” مُتهرِّبة. زواحف ومخلوقات وأشباح غير مرئِيَّة. تسللت ورقدت تحت ضياء ظلِك. وكأنهم جمرات تَيهاء ملتهبة، من ضِرَام ولَظًى مَجَرَّة مُتفجِّرة. سَعِيرهايحيط جَسَدك. وأنت مازلت تُفَسرين كفُّ قَدْرِك ..! في بَرَاءَة وإِسْتِحْياء تسْأَلين. ” القدر”..! ماذا يريد ؟ ياغَيْدَاء.. وبدر ورُؤْيا، في أحلام العاشقين. ألا تعلمين..! أنه عابِثْ مَاجِن، لايَمْلُك ما يريد..! يعصف مثل صَرْصَرة الريح، مُعربِد مُعَاكِس مثل الشريد. ترنو إليكِ ومضاته، من عبق الماضي الخجول . يلقي كلام صامت سَاكِن على شَفَتَيْكِ، ينأََى عن القول. في ظمأ مقلتيك، رأيت حيرة ودَهْشَة الدموع طَوَّافَة تَجُول. ماذا ياصبية تَتَرَقَّبين . ؟ من قُدْرةِ وَمَقْدُور مَحْتُومٌ قَدَرِك.. وتَنْتَظرين.؟ وأنت..أيها “القَدَر” المُتَمَكِّنْ في دوَّامَة دَوَرانك. ماذا تُخَبِّأَ في طَوِيَّة غِطَاءِ مَعْطَفِك.؟ تَمْتِم وَتَكَلم أو أَفْصِح..
لقطة للفنان المصري الكبير علي سعيد في معرضه
إنزع غطاءك، وخَبَايا ومَخْبوء لُعبة أَسالِيبك. أيها “القَدَر”… الأَبْهَمُ الأَبْكَم بلسان أَعْقَف، مُلْتَوي وغَادِر. لا عَهْدٌ لك أو نَزَاهَة، إستقامَتك عَرْجَاء، بلا وفاءٌ. تُخْفِى عنَّا خِدَاعك، وَغُلُول حِيَلَك وَخُبْث أسّرَارَك. أَخْبِر عِيون الغَيْداء الحائرة أمامك. “الحقيقة” وجُنُون نَزَوَاتَك. واي مُزَاح مَجَانَة دَسَّتُه وَخَزَاتَك.. في رِياءٍ ،وغشٍ وخِداع. سَكَنَ وَإِسْتَكانَ وَإِسْتَوْطَنَ في باطِن سروالِك. إكْشِف وَأَفْشَي..كِتْمان أسرارك. ولو بلسان مُتَعَرِّج مغشوش فاتِر. يا لِطَهَارةٌ أنيابك..! أحقًا لا تدري..! أم جميعنا على سجيَّتنا لا ندري…!
فكري عياد
فكري عيّاد باحث وفنان تشكيلي مصري مقيم في لندن. المملكة المتحدة
الصور المرفقة من معرض للفنان التشكيلي الكبير. “على سعيد”