هل تقود السوشيال ميديا الإنقلاب المنتظر في الدراما العربية ؟ . بقلم مجدي الطيب
في ثمانينيات القرن الماضي، احتدم الصدام بين صانعي المسلسل ذائع الصيت «ليالي الحلمية»، ورقابة التليفزيون، والتقيت المخرج الشهير إسماعيل عبد الحافظ، لأسأله عن حقيقة، وأسباب، الصراع، فأبلغني أن الرقابة صارت «تتحرش» بالمسلسل؛ كونه جريئاً، ويحظى بالتفاف، واهتمام جماهيري واسع، وأضاف أن الرقابة تفتعل ملاحظات رقابية، بهدف حذف بعض المشاهد وجمل الحوار، ما دعا المخرج، الذي عُرف بنضاله الطويل، إلى مواجهة الموقف الرقابي المُتعنت، بحيلة ذكية، لجأ من خلالها إلى الانتهاء من «مونتاج» الحلقات، قبل الإذاعة على الهواء بدقائق، وتسليم الحلقات يوماً بيوم، وهو ما أجبر الرقابة على أن تكف يدها، ومقصها، عن المسلسل، وتوقفت عن التنكيل بالحلقات !
إسماعيل عبد الحافظ
وقتها خدمت الظروف مخرجنا الكبير، الذي كان يُصور الحلقات على الهواء مباشرة، كما لعبت الصحافة الفنية دوراً كبيراً في تصعيد الأزمة، بعد ما نجحت في إشراك الجمهور، بمختلف طوائفه، ليُصبح عنصراً فاعلاَ، في دعم المسلسل، الذي كان ينتظره بشغف، وانتهت المعركة إلى ترجيح كفة المخرج في مواجهة كافة أشكال وأنواع الابتزاز الرقابي !
تذكرت تلك الواقعة، لأحدثكم عن الجمهور، الذي تحول، وقتها، إلى عنصر فاعل، وضاغط، في المعادلة، في زمن لم تكن مواقع التواصل الإجتماعي، أو «السوشيال ميديا»، قد وصلت إلى ما وصلت إليه، اليوم، من حجم كبير وتأثير طاغ، بل سطوة هائلة على أصحاب القرار، وهو ما لمسناه في وقائع تخص الشأن العام؛ كإقالة وزراء بسبب زلة لسان، أثارت امتعاض جمهور «السوشيال ميديا»، أو تغيير سياسات أقر الجميع بفشلها !
القوة الضاغطة !
لم يكن من الطبيعي إذن أن تُصبح «السوشيال ميديا» بمثابة القوة الضاغطة، التي يخشى، ويهاب، الجميع ردة فعلها، من دون أن تُمارس هذا الدور الضاغط في مجال الدراما، ليس فقط على صعيد ترتيب وضع، ومكانة، النجوم، حسب الأهواء والأمزجة الشخصية أحياناً، بل في ما يتعلق بتغيير مجريات أحداث، وربما نهايات، بعض المسلسلات الدرامية، وهو ما تجلى، بوضوح، في الموسم الرمضاني المنقضي؛ حيث تردد أن بعض أصحاب المسلسلات، من المخرجين والمؤلفين، ومعهم المنتجين، قاموا برصد أشكال تفاعل جمهور مواقع التواصل الإجتماعي تجاه أعمالهم الدرامية، واستجابوا، في بعض الحالات، لما طالب به الجمهور، وهو ما استشعر بعض المراقبين أنه ينطبق، بدرجة كبيرة، على مسلسل «ب 100 وش»، إخراج كاملة أبو ذكري، وبطولة آسر ياسين ونيللي كريم؛ إذ قيل إن تعاطف الرأي العام، عبر «السوشيال ميديا»، ومواقع التواصل الإجتماعي، مع «عصابة عُمر وسكر»، كان كبيراً بالدرجة التي دفعت شرائح عديدة لمُطالبة أسرة المسلسل بألا يتم القبض على أفراد العصابة، وهي النهاية التقليدية المتوقعة، والمُتبعة، عملاً بالشعار الرقابي الشائع «لابد للخير أن ينتصر في النهاية»؛ وفي نهاية مُغايرة، لم يتوقعها أكثر المتفائلين، حلقت الطائرة بالنصابين، وذويهم، في طريقهم إلى محطتهم المنشودة في إحدى الدول الأووبية، وفشلت الشرطة في اللحاق بهم، والقبض عليهم، باستثناء «عم سامح» ( الممثل محمد عبد العظيم)، ومن ثم نجحوا في الإفلات من قبضة القانون، حتى لو بدا أنهم أنفسهم تعرضوا لعملية نصب، وأننا بصدد جزء ثان للمسلسل !
ما يهمنا في هذا الصدد أن «السوشيال ميديا» تحولت إلى أداة تأثير، وتغيير، بل سلاح قوي وفاعل؛ فإذا كان يستحيل علينا الجزم بعدد المسلسلات الدرامية التي حذت حذو «ب 100 وش»، فإننا نزعم أن بعضها؛ خصوصاً تلك التي كانت قيد التصوير أثناء الموسم الرمضاني نفسه، أيقنت أن ما يجرى، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من اعتراضات، وتحفظات، ومُطالبات، هي إرهاصات «انقلاب»، بل هو «التمرد الذي يسبق الثورة»؛ بدليل أنها أجبرت بيومي فؤاد وأحمد فهمي، بطلا المسلسل الكوميدي «رجالة البيت»، تأليف أيمن وتار، وإخراج أحمد الجندي، إلى الخروج على الجمهور، والاعتذار على الملأ، عن سوء مستوى المسلسل، عقب الانتقادات العنيفة، التي طالتهم، وطالت المسلسل !
رُب ضارة نافعة
حتى زمن قريب كنا نُلقي باللائمة على المخرجين، والمنتجين، الذين يتأخر تصوير أعمالهم الدرامية حتى حلول رمضان، ونتندر عليهم ساخرين : «يبدو أن شهر رمضان هبط عليهم فجأة ومن دون توقع !»، وبمضي الأيام بدا وكأن استمرار التصوير طوال رمضان له حكمة لم نستدل على مغزاها، وقتها؛ بعد ما منحهم، استمرار التصوير، الفرصة، والوقت، للتواصل مع الجمهور، والتفاعل مع طلباته، والنزول عند رغباته، مثلما يحدث في التليفزيون الأمريكي، حسب ما أشار المخرج تامر عزت؛ حيث يجدها الكتاب والمؤلفون فرصة لرصد ردات أفعال الجمهور، تجاه شخصية ما لا يتفاعل معها الجمهور، أو موقف درامي لم يؤت الأثر المطلوب منه، فيبادر المؤلف إلى التخلص من الشخصية، بالقتل أو إنهاء دورها في المسلسل، أو خلق مسارات جديدة للأحداث، بُغية زيادة التفاعل والحميمية مع المسلسل، وهي ظاهرة جديدة لم نألفها من قبل، في الدراما العربية، وإن بدت «موضع اختبار» لم يتم حسمه بعد؛ إما لأن البعض من المؤلفين مازال ينظر للنص الذي كتبه بوصفه «نصاً مقدساً»، أو لأن المخرج يرى أن عمله «غير قابل للمس»، ورؤيته أبدية غير قابلة للتغيير، وهو الجمود والتحجر، الذي يتناقض مع المعنى الأسمى للفن، على حد تعبير «عزت»، وهو ما ستُسفر الأيام المقبلة عن صموده، بشكله، ومضمونه، القديم والمُعتاد، أو الثورة عليه، رضوخاً لإرادة «السوشيال ميديا»، التي يبدو، بجلاء، أنها أضحت صاحبة اليد العليا التي تقود قطار التغيير !
مجدي الطيب