هل كان ” ريش ” صيحة لإيقاظ أمة ؟ بقلم صلاح هاشم

لم أكن أتوقع ،حين قاومت الزحام في مهرجان كان 74 في أعقاب العرض الأول لفيلم ” ريش ” المشارك في مسابقة تظاهرة ” إسبوع النقاد “،والناس الملتفة حول المخرج المصري الشاب عمر الزهيري ،الذي لا أعرفه، ولم ألتق به أبدا من قبل في حياتي، فيلمه الفكاهي الواقعي الفذ – رغم سريالية فيلمه وعبثيته، وسينماه الأخاذة الخبيثة- بالمعنى الإيجابي -، من حيث عدم إظهار كل ما هو سينما أصيلة ، فيه ومن عنده، و..ثقته في قدرة الجمهور بالتلميح فقط وليس بالتصريح،

على أن ينفذ من خلال الظاهر على السطح على الشاشة،، ويفهم أن عمر يتحدث عن الواقع الحقيقي الذي يعيشه الشعب المصري، بل وارعب وأكثر فحشا في بلدنا مصر، الذي قيل عنه أنك لن تجد شيئا عجيبا في الدنيا ،إلا ووجدت أعجب منه في مصر..
فنحن نحلم مثلا كما كتب في الإعلام المصري ، بالصعود الى المريخ ، لكننا نعترف في ذات الوقت، بأننا فشلنا في جمع القمامة، و لذ ا فأن هؤلاء الفقراء المعذبين في أرض مصر ،الذي يحكي عنهم عمر في فيلمه، أبطال فيلمه، يشبهوننا- أي أغلبية الشعب المصري 110 مليون مصري- و لذا فمن يهاجمهم ” كدابو زفة ” .
سحرني فيلم ” ريش ” وبكل مافيه من سينما ، تستثمر بذكاء، كل اضافات المخرجين الكبار في هذا الفن من أمثال الامريكي ديفيد لينش ،صاحب فيلم ” مولهولاند درايف ” و ” الرجل الفيل “..ومخرجين آخرين كثر، ووجدتني أندفع بعد العرض وسط الزحام والناس الذين التفوا حول عمر

لأهنئه على فيلمه المصري الرائع – فيلمه الروائي الأول الطويل، الذي أستغرق صنعه أكثر من ست سنوات، وتنبأت له بفوز فيلمه بجائزة، إما في مسابقة إسبوع النقاد ، أو مسابقة ” الكاميرا الذهبية ” التي تشارك فيها كل الأفلام الأولى لمخرجيها في جميع تظاهرات مهرجان ” كان ” 74..وكتبت عن الفيلم وإعجابي به في موقع ( سينما إيزيس )..
ولم أكن أعلم وقتها، أن توقعاتي ستصدق،وأنه سيفوز بالفعل بالجائزة الكبرى في تظاهرة ” إسبوع النقاد – شيك بقيمة 15 ألف يورو – ويرفع عاليا إسم مصر بلدنا بفيلم ينتصر للفقراءوالناس الغلابة – وأصبحنا كلنا أناس غلابة في وطن القبح والقمامة ، والإستغلال الفاحش للفقراء..
وطن الأسياد أصحاب المصانع ،والمتاجر والعزب والاقطاعيات والمقاولات الذين يتاجرون باللحم الإنساني، وهم يفرمون اللحم لإطعام كلابهم..
وعندما يضبطون الأم وهي تخفي شيئا من اللحم الذي تفرمه للكلاب، في محاولة لتهريبه الى أطفالها الجوعى، يقبض عليها، و يتم تعذيبها.وفي مصر ستجد ماهو أعظم وأبشع من تعذيب الأم في الفيلم، وماهو أعظم وأبشع من تعذيب الخدم العبيد في منازل الأثرياء في واقع بلدنا…ومن دون مبالغات،.
كما أني وقتذاك عندما اندفعت وسط الزحام، لأهنأ عمر الزهيري العميق الذي ولد كبيرا على فيلمه، ولتهنئة السينما المصرية الشابة الجديدة في شخصه، وإرتباطه بإضافات التراث الفني السينمائي المصري الكبير لتطويرفن السينما، بكل إختراعات وإبتكارات الفن المدهشة، كما في أعمال صلاح أبو سيف وكمال سليم وتوفيق صالح وبركات وكمال الشيخ وغيرهم ..
لم أكن أتوقع أبدا وقتذاك أن يثير فيلم ” ريش ” كل هذه الضجة التي أعقبت عرضه في مهرجان ” الجونة ” -بخلطته الجهنمىة وضيوفه- – بدعوى أن الفيلم يسيء الى مصر ،بنشر غسيلها الوسخ، وإظهار الفقراء بصورة بشعة ،و الإنسحاب المخزي، لمجموعة من الممثلين،أثناء العرض، للتصريح بأن الفيلم لم يعجبهم.. لأنه مش زي الأفلام التجارية المصرية البذيئة الوقحة اللي بيمثلوا فيها وبيقبضوا الملايين..
ترى هل كان فيلم ” ريش ” قد حل – بالضبط في وقته – لإيقاظ ” ضمير ” أمة كادت أن تغيب طويلا، في سباتها العميق – والسكوت أيضا على الظلم – في مايخص السينما التي تريد، ومهما كان لونها وشكلها وصورة الناس الموجودين فيها، ونقف مع حق أي سينمائي أو مبدع فنان بأن يصورها كما يشاء أو يعبر عنها كما يريد ، أما أن هذا الأمر، لابد أن ينسحب أيضا على كل جوانب حياتنا..؟
الحكاية أكبر من النقاش حول مهرجان ” الجونة ” وطبيعته ” الجهنمية ” في الجمع بين الإستعراض ،وعروض الأزياء والهابيننج – الحدث المسرحي وعروض الأفلام في الهواء الطلق، و أكبر من المستفيدين منه بالفعل ،ومن تصريحات أصحابه، وبعض الممثلين من ضيوف المهرجان، المستفزة..
ولن يكفي أي مهرجان سينمائي في مصر، أن يقول أنه يجلب لنا أفلام جديدة، ويسبق بعرضها على ضيوفه، مهرجان ” القاهرة ” السينمائي العريق وبس، ليصبح مهرجانا سينمائيا معترفا به، بسبب حصول أصحابه على ترخيص بإقامة مهرجان، على ذوقهم .. وبفلوسهم.
أي نقد ،في رأيي، أي نقد بلا إنحياز .. لاقيمة له البتة .
صلاح هاشم

صلاح هاشم كاتب وناقد ومخرج مصري مقيم في باريس.فرنسا.مؤسس ورئيس تحرير موقع (سينما إيزيس ) الجديدة