” وظيفة السينما أن تقف ضد الظلم “.حوار مع الناقد السينمائي صلاح هاشم.أجرى الحوار بدر السالم..
يكاد النقد السينمائي ينحصر علي عدد قليل من الكتاب العرب، وصلاح هاشم أحد هؤلاء القلة الذين يمارسون النقد السينمائي علي نحو فاعل، ولم يكن هذا الناقد عابرا علي هذا اللون، انما جاء اليه من أوسع أبواب الأدب الحديث، اذ درس الأدب الأنجليزي، وكتب القصة القصيرة ، وله منها مجموعة قصصية ” الحصان الأبيض ” وله كتاب في أدب الرحلات والهجرة ” الوطن الآخر. سندباديات مع المهاجرين العرب في أوروبا وأمريكا ” صدر في 3 أجزاء عن دار الآفاق الجديدة في بنان،، كما انه رأس تحرير مجلة ” الفيديو العربي ” وأخرج فيلما وحيدا بعنوان ” كلام العيون ” وشارك مؤخرا في لجنة التحكيم الخاصة بمسابقة أفلام الامارات، وفي هذا الحوار يتناول هاشم معضلات النقد السينمائي الي جانب معضلات السينما العربية
كتبت القصة القصيرة، ودرست الأدب الأنجليزي ثم اتجهت الي كتابة النقد السينمائي حتي عرفت به علي حساب الكتابة الادبية، فلماذا انحزت الي النقد السينمائي ؟
الكتابة عن السينما والترجمة عنها كانتا من اهتماماتي منذ بدأت اكتب القصة القصيرة التي التي كانت جزءا من مناخ فترة الستينيات في مصر ، فالاهتمام بالسينما كان أساسا من طبيعة اهتمامات الجيل الستيني بسبب ظهور الحداثة السينمائية وسينما الموجة الجديدة في فرنسا والافلام التشيكية الجديدة التي خلقت نوعا من التوهج الثقافي الذي أخذ يتفاعل مع كتابات هذا الجيل. كما ان ” نادي السينما ” الذي تأسس في سينما قصر النيل قدم افلاما نوعية أثري بها الادباء، وكانت تلك التيارات السينمائية تؤثر علي كتابات ذلك الجيل، لأنها جاءت بأساليب جديدة في فن السرد، واستفدنا كثيرا من تلك التقنيات الحديثة التي وظفت في الكتابات القصصية، ومازلت اذكر الافلام العظيمة التي تركت تأثيراتها بشكل أو بآخر علي جيل أدبي كامل مثل فيلم ” روميو وجولييت ” لفرانكو زيفاريللي، و ” امريكا امريكا ” لايليا كازان و” 400 ضربة ” لفرانسوا تروفو و ” علي آخر نفس ” لجان لوك جودار و ” الصحراء الحمراء ” لانطونيوني. هذه الأفلام الشوامخ وغيرها، وجهت الانتباه الي أهميتها التقنية وأسلوبها الحديث، ولابد هنا من أن أذكر أن جيلنا كان ينشر في ” جريدة المساء ” عند عبد الفتاح الجمل، الذي كان يعشق السينما، وفتح باب الكتابة النقدية السينمائية لنا
ولكنك كنت في تلك الفترة تكتب القصة وتدرس الأدب ولم يعرف لك نشاط سينمائي ؟
كنت اكتب القصة القصيرة بروح الشعر وأدرس اصول الدراما كما درست الرواية علي يد د. فاطمة موسي، ودرست الادب الانجليزي حبا في شكسبير، فاللغة مفتاح للتعرف علي الحضارات الأخري وهي سلاحي في معرفة الآخر، وكانت مساهماتي ” السينمائية ” من خلال ترجمة بعض الدراسات التي تهتم بفن السينما خصوصا المونتاج، وكنت انشر ترجماتي في مجلة ” سينما ” التي كان يرأس تحريرها سعد الدين وهبة، وفي نفس تلك الفترة كنا نتابع ونقرأ كتابات رءوف توفيق الناقد السينمائي المصري الكبير في مجلة ” صباح الخير ” ومجلة ” الكاتب ” الشهيرة التي كان يرأس تحريرها احمد عباس صالح. كنا نريد ان نتعلم ونجرب فهي فترة توهج حقة، وبهذا الاحتكاك وعندما كنت أدرس في الجامعة نشرت لي أول دراسة أدبية بعنوان ” مقدمة في ادب وفلسفة نيكوس كازانتزاكيس ” في اغسطس عام 1968 في مجلة ” الكاتب ” مجلة المثقفين العرب آنذاك، حيث كنت معجبا بذلك الاديب اليوناني الكبير، وانا من القلائل الذين كتبوا عنه وقدموه الي القارييء العربي. اما عن موضوع السينما في تلك الفترة فلم تكن السينما الهوليوودية ذات حضور مهم، بعكس السينما الاوروبية التي كانت تقدم افلاما جادة وجديدة علي صعيد كل شييء، وهي الفترة التي شهدت ميلاد ” الرواية الجديدة ” في فرنسا التي قادها الآن روب جرييه وناتالي ساروت وصاموئيا بيكيت ويونسكو. اريد أن اخلص الي أن تلك الفترة كانت غنية جدا ثقافيا وسياسيا وكان وقتها يتأسس مشروع جديد شهد انهيار النظام الناصري لظروف معروفة وفي هذا الجو نشأت
هل كتاباتك النقدية محددة بمنهج معين ؟
لاتوجد كتابة نقدية غير منحازة. كتاباتي تنحاز الي ” الوجه ” الانساني، و” الكرامة ” الانسانية ، فالسينما ليست لهوا وتسلية، انما هي أداة تفكير وتأمل في واقع المجتمعات الأنسانية ومشاكلها
ما المهم في السينما الآن ؟
ثمة مقولة للمخرج الهولندي جوريس ايفانز ” ليس المهم أن يكون النهر طويلا او عميقا، ولكن المهم أن نسأل هل الأسماك فيه سعيدة ؟. المهم في السينما البشر الذين نصورهم وماهي الاسئلة التي يطرحونها وكيف يفلسفون حياتهم ؟ السينما هي أن نفكر ونسأل لا كما يطرحه التلفزيون من فقاعات. اعتبر التلفزيون سرطان العصر ووباء هذه المنطقة من العالم. السينما الهوليوودية تصنع الوهم، هذا الوهم اسمه وهم الفرجة ، وهم الاستعراض ، السينما كفن للابهار البصري / السينما الهوليوودية عبارة عن طبل وزفة
وما البديل لذلك ؟
تأسيس ثقافة سينمائية حقيقية وايجاد مناخ ثقافي حضاري نتساءل فيه من نحن ؟ ماذا أنجزنا ؟ ماذا حققنا ؟ ماذا أضفنا ؟. ماتزال السينما عندنا فنا مهانا. علينا ان نعرف تراثنا وتاريخنا وندرس العلامات المضيئة في ذواتنا ونطرح المزيد من الاسئلة. علينا ان نعرف تاريخنا حتي نتعلم.
السينما ليست صناعة وحرفة فحسب بل هي فن وعلينا ان نعرف ابجدية هذا الفن. السينما تؤلف الكلام وتخترعه من خلال صورة + صورة. السينما عندي تصنع في لحظات الصمت مابين صورة وصورة اخري. لقطةمع الشييء ولقطة ضد الشيء والاشييء
هل نتوقف عند السينما العربية الآن بضوء هذا الفهم النقدي ؟
احب السينما التي فيها قراءة واستكشاف الواقع. وظيفة السينما الاساسية أن تقف ضد الظلم في العالم. ليس من شأن السينما أن ترفع شعارات، لكنها يجب ان ترفع من مستوي حياة الروح والتأمل الفلسفي في الواقع الذي نعيشه
هل الفيلم السياسي معني بهذا الطرح ؟
أي فيلم هو سياسي بالنتيجة واي فيلم يحارب الظلم ويحترم كرامة الانسان هو فيلم سياسي والفيلم الذي يحكي عن رئيس او زعيم ليس بالضرورة ان يكون سياسيا
ما ابرز اشكاليات السينما العربية ؟
خذ السينما المصرية علي سبيل المثال ثمة مشروع لتخريبها من خلال هيمنة المؤسسة الرسمية عليها انتاجا وتوزيعا والسلطة عندما تتدخل لاتترك أي هامش لصناعة سينمائية حقيقية لانها لاتطرح التساؤلات الاساسية تساؤلات اللحظة الراهنة وتساؤلات الواقع كما انها تصادر المبادرات الفردية وتشتري الضمائر، لذلك اري ان الثقافة لايصنعها الا المبدعون ولاتصنعها الدولة ولا الجهاز السياسي، وهنا لابد وان اطرح نقطة مهمة تتعلق بأرشيفنا السينمائي. هل من المعقول ان يكون لدينا 6 الآف فيلم جميعها غير مؤرشفة؟ ماذا تتعلم الاجيال اللاحقة؟ السينما ليست فقط تعليم تقنيات والتقاط صور سينمائية. انها تأسيس معرفي وثقافي وتاريخي وحضاري، ووظيفة السينما ان تقربنا اكثر من انسانيتنا وتجعلنا من خلال سلوكياتنا اكثر تحضرا. احب ان اطلق علي السينما حضارة السلوك الكبري
يطرح الآن مفهوم ” السينما الشعرية ” فهل من وقفة نقدية عند هذا المفهوم ؟
في حياتي لم اسمع بهذا المفهوم لكني اعرف ان السينما تصنع الشعر حينما تؤلف بين عناصر العمل الفني وتتأمل في مكونات اللقطة السينمائية لأنها السينما جماع الفنون. لاتوجد سينما شعرية. توجد سينما واقعية ولكن هناكسينما سياسية وسينما تجريبيةوسينما سريالية. النظام الهوليوودي هو الذي خلق الانواع السينمائية. الشعر في السينما يكون داخل الصورة المتكونة من رؤية شاعرية قوية
عن مجلة ” المرأة اليوم ” العدد 219 السبت 19 مايو 2005