” الاستفتاءات العشوائية ” جوائزها وصمة وميثاقها الأهواء الشخصية . بقلم مجدي الطيب
لا يعرف الكثيرون أن ما يُطلق عليه «الاستفتاءات الفنية»، التي تملأ الساحة الإعلامية والصحفية، عقب أي موسم فني؛ سواء موسم رمضان الدرامي، أو موسم نهاية العام، وتحتشد بعض المطبوعت، والبوابات، والمواقع، الإلكترونية، لتنظيمها، وإعلانها، تحولت، في الأعوام الأخيرة، إلى «هوجة» أو «سبوبة»، بل أن غالبيتها أصبح «بيزنس» مُكتمل الأركان، يُحركه الابتزاز، وتوجهه المصالح، ويخضع، في أحايين كثيرة، لضغوط، وسيطرة، «الخلايا الإلكترونية» التي يمولها نجم السينما أو الأغنية !
«فتش عن المرأة» Cherchez la femme .. مقولة تاريخية جرت العادة أن تتردد عقب أية جريمة، أو مؤامرة، للايحاء بأن المرأة هي التي تقف وراءها، وأن البحث عن القاتل، وفك طلاسم الجريمة، ينبغي أن يبدأ من عندها !
مقولة شديدة الظلم، لا تصدر سوى عن مجتمع ذكوري، ولهذا توارت قليلاً، في الوقت الذي اختار البعض القول : «فتش عن الاستفتاءات»؛ بغد ما أضحت، في نظر الكثيرين، المتهم الأول، الذي يقف وراء كل مصيبة أو جريمة، تجتاح الساحة الفنية؛ فالاستفتاء، بشكله الراهن، واللامعايير، التي تسيطر عليه، صار جواز مرور أصحاب الحظوة، والمُدللين، من الممثلين والمطربين والمنتجين، ممن لديهم القدرة على شراء الجوائز، وتسويق أنفسهم، بأموالهم، أو جمهورهم، وربما نقادهم، في غيبة تامة للرقابة، أو مؤسسات استطلاع الرأي المتخصصة، والموثوق فيها، وصاحبة المصًداقية، التي تُعمل المعاير الأكاديمية، وتُعلي من قدر الموضوعية، والحيادية، ومن ثم تأتي نتائجها حقيقية، وليست هزلية، تُتصف الموهوبين، والنجوم الحقيقيين، بعيداً عن الانتهازيين، والوصوليين !
جوائز مدفوعة الثمن مسبقاً !
هنا ينبغي الاعتراف، بأن ظاهرة الجوائز مدفوعة الثمن مُسبقاً ليست جديدة على الساحة الفنية، ولم تجد لنفسها مكاناً، بعد ظهور بوابات ومواقع «بير السلم»، بل هي ظاهرة قديمة عرفناها مع مهرجان «أوسكار السينما المصرية» و«أوسكار الأغنية»، اللذان كانت تنظمهما جمعية فن السينما (عبد المنعم سعد)، وكانت تبيع جوائزها السنوية لمن يدفع من نجوم السينما، والغناء، وشركات الإنتاج، وهو ما فعلته أيضاً الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، في وقت من الأوقات، وكان سبباً في الفضيحة الشهيرة، التي كان طرفاها نادية الجندي ونبيلة عبيد، وأسفرت عن إيقاف المهرجان !
أي أننا أصحاب إرث كبير، في المُجاملة، والعشوائية، وتحويل مسار النتائج، والجوائز، لتذهب لمن لا يستحقها، وتبعاً لهذا لجأ البعض إلى تطوير الظاهرة، مع ظهور المواقع والبوابات والمطبوعات سيئة السمعة، واتجهنا إلى تنظيم «الاستفتاءات المضروبة»، والمُلفقة، التي اعتمدت، بالمقام الأول، على الفوضى، والعشوائية، وغياب الشفافية، وإعمال مبدأ «الترضية» و«جبر الخواطر»، بالإضافة إلى التوازنات التي تجعل «الكل يخرج فرحان» !
أول ما يسترعي الانتباه، في سياق هذه الفوضى، غير الخلاقة، أن الشفافية غائبة بالدرجة التي تجعلك، كمتابع، عاجز تماماً عن التوصل إلى المعايير التي تحكم هذه الاسنفتاءات؛ فهناك، كما قيل، نقاد مشاركون، تجهل اسمائهم، وجمهور غفير، لا تعرف شرائحهم، وغموض يكتنف كل خطوة في الاستفتاء، وكأنه سر حربي؛ حيث اختلط الحابل بالنابل، وأصبح «الاستفتاء» حدثاً مُبهماً، وكهنوتياً، لا يعرف سره إلا منظموه، تماماً مثل كولونيل ساندرز ، المتعهد الأمريكي، الذي أسس سلسلة المطاعم المعروفة، واحتفظ لنفسه بسر الخلطة الشهيرة !
استفتاءات كوميدية !
لا يعني طغيان الفوضى، والعشوائية، أن «كل شيء يمشي بالبركة»؛ فهناك العقلية الجهنمية، التي تُخطط لإضفاء مصداقية على النتائج، وهناك «الاتفاقات التحتية» مع أصحاب الألقاب، والجوائز، وداعميهم، وهو الدور «العظيم»، الذي يقوم به «السماسرة»؛ فكل شيء قابل للتفاوض، سواء الألقاب، أو مسمى الجائزة نفسها، ومن ثم تتنوع الجوائز، حتى يصل عددها إلى الثلاثين، ويتعدد الفائزون بها (أحسن ممثل، أحسن ممثل شاب، أحسن ممثل صاعد، أحسن ممثل كوميدي، أحسن ممثل تراجيدي)، ومن كاد يخرج من المولد بلا حمص منحوه جائزة الإبداع، أو جائزة إدارة الكيان، الذي نظم الاستفتاء، بل أن هناك من منح جائزة الفرع الواحد لثلاثة أشخاص؛ بحجة أن هناك جائزة لأحسن ممثل في استفتاء الجمهور، جائزة أحسن ممثل في استفتاء النقاد وجائزة أحسن ممثل في استفتاء الجمهور والنقاد، كما أن هناك المسلسل، الذي تُكرم أسرته بأكملها، علاوة على سلسلة مَن الألقاب التي لا تُعد ولا تُحصى، والجوائز التي تتجاوز الثلاثين أحياناً؛ بل أن موقعاً إليكترونياً بلغت به الجرأة حد الإعلان، من دون حياء، أن سعد الصغير تصدر استفتاء أفضل تتر مسلسل عن «ولاد إمبابة»، متفوقاً على سميرة سعيد وأحمد سعد، الذي جاء في المركز الثاني عن تتر مسلسل “البرنس”.، بينما اختار موقع إليكتروني آخر جومانا مراد، كأفضل ممثلة، وتليها ماجى بو غصن، ومسلسل «اللعبة»، كأفضل مسلسل كوميدي، متفوقاً على مسلسل «ب 100 وش» !
هو العبث بعينه، لكن المأساة تكتمل مع اعتياد بعض المطبوعات، والمواقع، والبوابات، إلى منح الجوائز لمن يدفع ثمنها، ويوافق على حضور حفل توزيع الجوائز، المُباع لإحدى الشركات الراعية، ومن يرفض هذا الشرط المزدوج تُسحب منه الجائزة لتذهب إلى غيره، ممن يستجيب لشروط الجهة المانحة، ولا يهم هنا كيفية التعامل مع واقع ما أسفرت عنه الاستفتاءات الأصلية؛ فهي وهمية وصورية؛ بدليل أن نتائج الاستفتاءات جميعاً لا تتفق، بل متناقضة، وبعضها البعض، والإجماع على أحقية ممثل أو ممثلة، دون غيره أو غيرها، يكاد يكون مستحيلاً، كما أن الاختلاف شاسع بين نتائج هذا الاستفتاء وغيره، بسبب تضارب المصالح بالطبع، بين منظمي الاستفتاءات أنفسهم، بينما لا توجد ضمانة واحدة أن الأعمال المتسابقة شوهدت بالفعل، بل أن قاعدة المعلومات الأساسية، التي توضح قائمة الأعمال التي خضعت للاستفتاء، وعما إذا كان محصوراُ في الأعمال المصرية وحدها أم شمل العربية كلها، لا وجود لها؛ فالأهواء الشخصية، وتغليب المصالح الفردية، للقَيمين على الكيان أو المؤسسة المنظمة للاستفتاء الهزلي، بالإضافة إلى الحرص على التوازنات، والمجاملات المحسوبة، هي الميثاق، والنهج، والفيصل، وإن كان ليس هناك ما يمنع من تدخل شركات الإنتاج، والقنوات، في مسار الاستفتاءات، من أجل تسويق مُنتجها، الفني والبشري، وكذلك الاستجابة لضغوطات الخلايا، والميليشيات، الإلكترونية، التي يسيطر عليها «الفانز»، ويمولها نجم السينما أو الغناء، على غرار ما تفعله الجماعات التكفيرية، وتفرضه بطبيعة الحال !
الشبهات .. وتصفية الحسابات
هل هناك ضرورة، بعد كل ما أوردناه، لأن نتساءل : «لم التكالب على تنظيم الاستفتاءات ؟ وما الفائدة التي تُرجى من إجرائها إذن؟» .
الإجابة، ببساطة، لأنه «بيزنس»، وعالم قائم بذاته، أطرافه من اللاعبين، والمستفيدين هم : القنوات الفضائية، الشركات الإنتاجية، أصحاب المواقع والبوابات الإلكترونية، النجوم، وأنصاف الموهوبين؛ ممن يملكون المال أو تربطهم علاقة ما ورجال المال والأعمال . ومن ثم أصبح طبيعياً، والحال هكذا، أن تُصبح مثل هذه الاستفتاءات «تحت مستوى الشبهات»، ومصدراً لتصفية الحسابات، وجوائزها وصمة، وتقديرها سُبة، حتى لو وصفها «أصحابها» بأنها «الأضخم»، «الأكبر» و«الأفضل»، وحتى لو وقع اختيار بعضها على يسرا، نيللي كريم، محمد رمضان، ياسر جلال، كأفضل ممثلين، ومحمد سامي وكاملة أبو ذكري وياسر سامي وحسين المنباوي ومحمد علي، كأحسن مخرجين، وعمرو الدالى وأحمد وائل، وربما هاني سرحان؛ فهي اختيارات من باب خزي العين، وصرف الأنظار عما يحدث في القنوات السرية للاستفتاء، لا أكثر ولا أقل !
مجدي الطيب
عن جريدة ” القاهرة ” الصادرة بتاريخ 30 يونيو 2020