الحقيقة العارية بقلم فكري عيّاد
إستهلال
لـ
( “الحقيقة العارية”
للأسطورة التي تمثل،
الصراع بين الحقيقة والكذب..
على مدى الحياة.)
*
القيقة العارية للقنان الفرنسي جان ليون جيروم
**
ذات ليلة فرِيدَة
تحفزَت “الكذبة” مُوَلوِلة.
من فوق أسوارِهَا الواهِيَة.
تبحث عن عنق “الحقيقة”.
المكبوتَة في الأفئِدَه.
تتَخَاصر وتتلوَي،
بزهو راقِصَة.
بعنجهِية الصوت واثِقَة.
قالت للحقيقة..
في تَهَكُّمٍ وسُخْرِيَة.!
أنتِ ضاجًعَة،
لا حيلَة لدَيْكِ.
في غَيْبُوبَةِ أمسِك ..
وقصة تَزَهُّد بائدة.
خيالك يَتكلَّمْ ويتغَنتَّكَ،
فلسَفة تَتَحَذْلَق،
في اِسطُورَة .
***
هل أنتِ وحدِك..المِتَعَقِّلَة.
نجَيتِ من يدِ “القَابِلهْ”؟
زمنُ الحقيقه.. إِنتَهَي..
يامحمِومَة ومُثكَلَة.
كُليْنَا في مستنقع البشرية.
من آثامِهَا وإثمها نحتَسِي.
تمزقَ مضجعُ تَوهُم خَيَالك.
ََدُنيَانا توحَلت في غمْرِهَا.
وكُلُّ يُسايرُ زمَانُه بأفعَالُه .
في واقع مادِّيٌّ واقعي ومَحْسُوسٌ.
***
أجابت “الحقيقة”،
وهي منه ذَاهِلَة.
أنا أتحَاشَى التطلُعَ نحوِكِ..
والمُجُون عالق بدهائِك.
معسُول في سنونِ مَخَالبِك.
مَمْزُوج باللذَّة الشيطَانيَه.
يجلو في عينيك،
بغشاوة طَيْش ماكرة.
وبصيرَة عمياء مُرَاوَغة .
أتعلمين أيتها الكاذبة.
أنتِ مثل المرأةُ العاريهْ..
نزَعَت وَرْقَةِ التُوتْ.. البَاقِيَة.
غانية..تَتَنغْنَغُ في الأسواق..
العيون الذاهلات،
عانقت لهوِهَا.
حمقاء خَرْقاء..
غير مُكترسة،
أو عَابئة.
تتجوَّل بين العقول الشارِدَة.
بإحتيالٍ تَسَرْبَلَت بكل الأقنِعَة .
إِسْتَسْلَمَ لِرُؤْيَاكِ.. وحَبائِلك.
النيَّات الفاشِلَه.
وضُعَاف مُتَخَلِّ القيم.
وَشَهَبَت السَّنَةُ النَّاسَ،
حولك مَسْمومةَ..
مثل حيَّات مُتَلوِنَة.
بوعودك المفضَّضةِ الزاهِية.
تغفو أطماع الإنسان بداخلِك.
آه من شرِ تَضْلِيل الكذَّابين.
وغِيْلَة فُجُور وفِسْقُ الألسِنة.
***
كفاكِ تَتَلوِى أيتها الحقيقة..
في مسوحك عاريَة.
فيما اِختاره الإنسان.
اسألي آدم أو حواء.
أنتِ أم أنا..أم هُوَ.!
الَا تُشاهدين عبر القِدَم .
الصدق عُقدْ مُعَقَّده.
مُدْلِج على آهات الأفئِده .
وَالضمير نائم على لسانك.
ياهولَ الظَّلامِ المُتَهدِل،
على كتفيكِ..
وكأنَّكَ بلا بَصَرُ.
تعيشين في دنْيَا مُشيَّدة..
على أبراج الأفلاكُ العالية.
آلا تسمعين قَهْقَهَهَ القدر،
وسخرية وَزرُ لعابِ البشر..
فيلسوف يثرثر،
يُجَادِل الحجر.
يُخاطب بالرَزانَة والحَصَافَة،
غوغائيَة أطماع العصر.
سَيظلُّ طريقك.. متلبدًا.
بحنظل الشوك متمدِدًا.
في فلكك الأقدام مَُتعثرًا.
الخطيئَة من بدءِ البدايه..
إنتعلَت على صدور الغوايه.
والصدق إنقرَض..
أدجَى وأغشَى..
في النفايه منذُ القِدَم .
طلاء عقيم،
اِجتّرت نبراته.
لا الضمير انصفهُ.
ولا الجوع أنطقهُ.
وهو يستجدي الرغيف.
الحقيقة مثل الوصايه.
بهندَامِها وخيالِها .
كسرابٍ يتراقص،
في عين الكفيف.
أيتها “الحقيقة”
ألَا تعلمين.!
أنتِ على فَرَشِ النهاية.
مُرَّة وَمُبْغَضَة..وأنين.!
وحشرجة مطوقة.
كدمعة عصفور سجين.
***
مازال “الكذب” مُتعربدًا.
سَكَبَ غُبَارَهُ في آهوائِه.
وتجمد في عقول لاهِثَة.
أطماع الإنسانية عرجاء.
تُفَتّشُ عن ملذَّاتها..
على بحبوحة موائد الاغنياء.
أو لهاث اجساد البؤساء .
دنيا نُبِذَت وعود السماء.
أو عِبَر وأحكام الأمثال..
وتمزقت براءة الكلام .
كأنِّهَا رتابَة وصدي صلوَات.
وعظات بألسِنَه خرساء.
نقوش من عتيق السطور.
وعقم رفات ضحالة الأيام.
تجثمُ على تابوت الأجساد.
***
“الحقيقة” إنزَوت واِنطَوت.
وشفاهِهَا تجَفَفَت وخَوَت.
كأنِّها سُخْرَة ونبشٍ في الركام .
***
“الكذب” يتطاول وينادي.
تعالي أيتها الحقيقة..
برونق وجَوْدَة جلالكْ..!
نتفاهم ونتفق..وندبر أمرنا.
لا واعظ ولانذير.
عيش الزمان قصير.
وبين الأبيض والأسود نلتقي.
كلينا في لهاث وسباق.
على طريق الغابرين نسير.
ندُور ونَجري ونَهرَب..
والايام منِي وَمنكِ هاربَة.
دعينا مُلايَنتِهَا معًا.
وشمالي يُعَانق يَمينك .
لا نتازع مثل الأرامل،
نلطم فوق الصدور الكاذبة.
متَّشحاتٌ.. يُنَهْنِهْنَ،
بلا فائدة.
***
إستفيقي أيتها الحقيقه..!
ما هذه الدنيا..؟
التي نتشاجرُ من أجلها.!
هوني عليكِ..
نَتَقاسَمهَا معًا.
انا اقول الكذب مرة واحدة.
وأسَكَبُ دموعي بمراوغة.
وانتِ ما عليكِ،
فقط تُجادلي..
صدقيني..وإقبلي نصيحتي
ولو بشفاهٍ الألوان مِتحدِثَة.
***
“الحقيقة”
في استجلاء اجابتُه .
كدَّرْتَ حيائي وصفوِي.
وبغشِ الكلام حدثتني .
أنا أتحَاشَى التطلُعَ نحوكِ..
كيف بكل الجَرَاءَة أُصدقك..
كذبك في الأفواه،
ضيعة وغرور وصهال.
تفليق وصَخَب كالبهلوان.
كأَنَّك تشاهد صراع العبيد.
في قتال حلبة سباق حقير.
تُجمل المحال..
تلاعب وتدور.
تُرَتبُه ملذَّات،
على طبق هواك..
مثلَ الشهد والترياق..
***
اِسمعيني أيتها “الحقيقية”.
بعيدًا عن تطاول الأطواق.
لو أنتِ نور في الأجواء برَّاق..!
إِسألي حظك..يابُنيَّة،
في كتب مكارم الأخلاقِ.
لا أحد يبيعك ويشتريكِ.
حتّى في نَخَّاس الأسواق..
***
“الحقيقة”..تَلَجْلَجَت..
ضَجَّت وصرخت بإنفعال .
قديمًا قالوا.. الكَذَّاب..كَذَّاب.
تَحتَ قناعُه وَلَسٍ وخِدَاع،
مُلْتَوًى وأَعْوَج..عري الثياب.
يوهِمُ غيرُه، ولا يصدق نفسه.
مُتشكِك في اِختلال فكرُه
لسانه مُمَوَّه بإبتذال،
وَغِشٌ وإِخْتِلاق.!
يجيد التَهْلُّلَ مع زمرة الضلال.
ويصيغ الكلام من لعاب الحيَّات.
وريقٍ عذب، عسل مُسَكَّر..
علكة حلاوتها، بمُرِ المَذاقِ.
***
يسْبكُ الحق بالباطل.
يسكبُه من بذور حنظل وفُسّاق.
يبثُ قبلات شَهْد السُمَّ.
ويتبَاكى على الأكتاف.
دائرةُ حكاياته.
لَفْق وَغِلٍ ودوران.
وأفلاكُه مُدَاهَنَة،
وعناق ونِفَاق.
***
“الحقيقة” ذاهلة..!
من إِفْكِ عورة الأفَّاق.
مُحتالًا يَرَتَشُّف الكذب..
بِثقَةٌ وفهلوة وإحتراف.
يُلَفَّقَ أفعاله بِتَزْيِيف المذاق.
يُغمض هُذِىْ جفونه..
في هناء.
مرتاح الضمير واثِق البال.
يتباهي بِسُمُوِّ الأَخْلاَقِ.
***
“الكذب”..لا يُبالي..
لا بالقيلَ أو القَال.
أو سفسَطة الوْعَاظ .
أعوانه في تَبَجُّح يمرحُون.
في تَبَخْتَر ومِجُون..يستهزئون.
قادِمُون يمتَلِكُون.. يتكَاثرون.
خفافيش الظلام عمياء.
في كل ميدان يزخفون.
يصرخون بالطبُول والأبواقِ.
يقرعون على كل باب.
***
“الحقيقة” خائِرَة حائِرَة..
كخرساء مُتلعثِمَة..
باعوا الضمير في مزاد الأسواق.
في زمن القحط والعَابثين.
صامدَة في تَعَبُّد الناسكِين.
كأنِّ الدنيا حولها،
في اِحتضار.
تجَرْجِرُ أَذْيَالَها وخُطَاها.
في عصرٍ بلا ميزان،
أو إتزان..
زمن يُوزع الباطل بالمَجَّان..
يلعق سُكر الكذب بإستهتار.
كأنِّه مُسجًّى بلَفُّة ظلامه.
في قبور آخرة الأيام..
***
“الحقيقه” المكبوتَة..
بين المُسْتَتِر والأفعال.
قالت.. قبل أن تنهار.
أنا لا أبيع الوهم،
وزهور الصبّار.
جَلِيّة الظَاهِر والفعل والأقوال ..
وكلامِي صدقٌ مُنَقَّى،
بِمصفاة اليقين يُصَفَّى.
لايرتاب مني غريب..
أو مَظَنَّة قريب.
لا أرتدي قناع المُرائين،
أو اعرفُ طريق الإلتواء.
لا أتملَّقُ الجمال،
في نقعِ الغبار.
أو أتمرغ بين الأبيض والأسود.
وأتلاعب بِتَخْمِين الأقوال.
***
إعتَلى”الكِذْب”بغُرُور وإِخْتِيال.
مِنْبَرُ القضاء بدون،
أي عناء.
مُبْهَمٌ ومُغَمْغَم النبرَات.
يَتغنَّي بِنخوَة السكران.
يُوزغ إِيمَاءَات البسَمَات..
لا يهتم بحنقِ النظرات.
ياأهل الحق والفَضَائل.
أيها النبلاء.. وأصحاب الألقاب.
عَجَّ وَنَعَقَ.. جَلْجَلَ وقال:
في تَهَكُّم وإِسْتِهْزاء.
عن الحق ماهويتُ بديلًا.
المبادئ والقيم للإرتزاق.
عِظَات في قوالب عمياء.
عقَّمُوها وزينُوها.. وبهرَجُوها.
سطَّرُوها حبراً على الأورَاق.
يا أدْعَيَاء شفافيةُ الصدق..
تتكلمون عن اللَّف والدوران. .
وَأُفْك الكذَّابين والإِفْتراء .
لماذا الشِقاق.. والإنغِلاق.؟
اِسألوا “الذئب”..صديق الظباءَ.
إنه فصيح النَاب وذُؤْبان.
حارس الأمن والحملان.!
***
“الثعلب” بِبَرَاءَة مَاكِرة.!
اِنتفضَ من سهوَةِ غفلَتُه.
واِختصَرَ تَشَابُك الأقوال..
إسمعوا نصيحتي.. ياخِلَّان.
أنتم تعلمُون، علمَ اليقين.
أنا لا أعرفُ الغش،
أو الرياء.!
الأعمالُ في ذِمَّة النيَّات.
الدُنيَا معاملة،
وإتقان الكلام.
وو..كَسْب وغَنِيمَة.
المعاملة فِطْنَة ودهاء.
لا الكذب غِشّ وخدَاع.
ولا الصِدْقُ نزاهَةٌ،
أو ذكاء .
لماذا الخصام والعراك.؟
إجعلوهُمَا..
يتقاسَمَا الأرزَاق.
رُبّمَا تتَساوى الدُرَرْ بالأَحجار.!
ولكل واحدٍ،
قصدٍ وبُرْهان .
والغاية تَبْرِير..
وحجَّة غَرَّاءَ.
***
“الحقيقة”هائمة..
تسكن في دمعِ أوجَاعِها.
لم تعدْ حروفها تعرفها.
يا مرآة دنيَانَا الغافِلة..!
يا منفَى الأقوال العاصِية..
يا أصحاب الصلوات والتأْبِين..!
لم يعد لها في القلوب.. موطِنًا .
الكذب يلمعُ بين رموش العينين.
واللسانٍ يَتَلَون، بِشَرِه الطَمَّاعين.
وهي سائِرَة الي حافة الهاوية.
***
الحقيقه تَتَكِيء عاريَة..!
على رفاتِ وطَنِين ذكرياتها.
ركّعُوهَا.. وخَنَّعُوهَا.. وقَمّعُوهَا.
وتحت خصَّافُ النعال رَقَّعُوهَا.
زمان التفاهة أَلقَاهَا..
تَزَرَّدَهَا.. وشَرَّدَهَا.. وتَلَفَّظَهَا.
أوثقَهَا على جذعِ الذاكرة.
مَجَّها بين صَفاقَة الكذابين،
ومع عجرفية الضلال تركَها .
عارية بلا سترَة مذيَّلة بالخَذلان.
كأنِّهَا غادة هاربة،
من كفِ شيطان.
تُهذي في خِوَار بغيرِ رِدَاء!
اِخْتَبَأَت وَتَوَارَيَت.. واِكْتَمَنَت.
إِستَتَرَت من عيونِ خجَلِهَا،
وشُمّاتِ تعَطُش الأنظار.
***
إنه زمن تَدْلِيس أفواه الثعالب،
وإِحْتِيَال نَخز أَنْياب الذئاب.
الكذب يعزف,
صَرِير الكلام..
والأكفُف تُصَفِقُ لعَقِيرَة الغربان.
وطبول الإفك تُشْجِي للكذاب.
تأبَى أن يكون للحق مكان؟
بقلم
فكري عياد
فكري عيّاد كاتب وباحث وفنان تشكيلي مصري مقيم قي لندن.المملكة المتحدة