الرجل..الدجاجة بقلم مجدي الطيب
لن أكون مبالغاً إذا ما قلت إن فوز المخرج المصري الشاب عمر الزهيري، الذي ولد عام 1988، بالجائزة الكبرى لأسبوع النقاد الدولي بمهرجان كان السينمائي الدولي 2021 (وقدرها 15 ألف يورو) عن فيلمه “ريش”(دراما كوميدية في 112 دقيقة
عمر الزهيري
عن “امرأة أُجبرت على التعامل مع تداعيات خدعة سحرية انحرفت فتحول زوجها المُستبد إلى دجاجة” ووصفته “هوليوود ريبورتر” بأنه “استخدم السريالية للتخلص من الحقائق الأعمق)، لم يكن مفاجأة بالنسبة لي؛ ففي عام 2014 حملت لنا الأخبار نبأ مشاركته لأول مرة في نفس المهرجان عبر مسابقة “سينيفونداسيون” لأفلام الطلبة بفيلم يحمل عنواناً طريفاً هو “ما بعد وضع حجر الأساس لمشروع الحمام بالكيلو 375″، ويومها وصفته “فرانس 24” في الخبر الذي بثته ب “تشيكوف المصري”، ربما لأن الفيلم كان مقتبساً من رواية قصيرة للكاتب الروسي أنطون تشيكوف. ويومها حرصت على مشاهدته، وكدت أطير من السعادة بسبب أسلوبه الساخر الممتع، كما استمتعت بفيلم آخر قصير من إخراجه تحت عنوان “زفير”، نال تنويهاً في مسابقة المهر العربي للأفلام القصيرة في الدورة الثامنة لمهرجان دبي السينمائي الدولي. وأيقنت أننا أمام مخرج واعد بحق.
صلاح هاشم
غير أنني لابد أن أشيد اليوم
بالناقد المصري المقيم في باريس : صلاح هاشم؛ كونه أول من توقع فوز فيلم “ريش” بالجائزة العالمية الرفيعة؛ عندما كتب، في موقع ” سينما إيزيس ” الجديدة، عقب عرض الفيلم مباشرة في الدورة الأخيرة للمهرجان الدولي ذائع الصيت، مقالاً بعنوان : فيلم ” ريش ” لعمر الزهيري : فيلم مصري عبقري لمخرج ..ولد كبيراً”. وأضاف :”شاهدت اليوم فيلم ” ريش ” للمخرج المصري عمر الزهيري – العمل الأول لمخرجه – في تظاهرة ” أسبوع النقاد ” من ضمن التظاهرات السينمائية الموازية المهمة، وتحتفل خلال هذه الدورة 74 بمرور 60 عاما على تأسيسها، وقد أعجبت بالفيلم العبقري كثيرا جدا، وهنأت مخرجه، بعد أن وقفت الصالة بأكملها بعد العرض لتصفق للفيلم طويلاً، لأن الفيلم العبقري، الذي يحكي عن رب أسرة فقير – عامل في مصنع- يختفي أثناء نمرة يقدمها ساحر، أثناء الاحتفال بعيد ميلاد أحد ابناء العامل، علشان يفرح العيال ، فاذا برب الأسرة يختفي، وتظهر دجاجة في مكانه ، ثم حين تنتهي النمرة ، ويفرح العيال مع الحضور ومن ضمنهم صاحب المصنع يفشل الساحر في إعادة رب الأسرة وتبقى الدجاجة وتضطر أم العيال بعد ان تحول رب الأسرة الى دجاجة، أن تعول أسرة بأكملها وتكافح من أجل البقاء على قيد الحياة مع أسرتها بأي ثمن، في ظروف جد فكاهية ومأساوية و مرعبة وسريالية. والفيلم لا يُحكى، كما في جل الأفلام المصرية، بالكلام والثرثرة، والجعجعة الفارغة، وكل ماهو خارج السينما الفن، التي تحكي فقط بلغة الصورة، ولاتحتاج لترجمة كلام، ورغي عقيم، ولاتقول رحنا وجينا، وكان وأصل وفصل، وهات يا كلام، ورغي وحكي.. لما قرفنا وزهقنا من أفلامها، وهلكتنا بموضوعاتها المكررة المعادة. هنا في ” ريش ” الذي سوف يستغرقك، ومنذ أول لقطة في الفيلم – نسمع صوت رجل يتألم ويصرخ ملتاعا في الظلام، قبل أن يظهر وقد اشتعلت النار في جسده، في المنظر الطبيعي الذي يذكرك بإشاراته وإحالاته بفيلم إيراس هيد EREAS HEAD للأمريكي دافيد لينش وعوالمه الغريبة مثل روايات فرانز كافكا. هنا حيث يكمن الفن، كما في أفلام المخرج الأسباني المجيد لوي بونويل في اللقطة والمشهد والصورة، شرط السينما- الشعر المصفى – التي لاتعرف التنازلات، أو المجاملات، لتحتفظ بأصالتها ومصداقيتها وطزاجتها، حتى لو وجدها البعض قاسية ومرعبة في تصويرها للبؤساء الفقراء المهمشين المطحونين المعذبين وعذابات كل يوم وكفاحهم من أجل البقاء”. واختتم بقوله :”سوف يبقى ” ريش ” الفيلم معك مثل كنز ثمين، فهو فيلم مصري أصلي – ” ريش ” الفيلم هو البطل، بممثلين غير محترفين، “ريش” هو النجم، بلا جعجعة أو طحن، “ريش” لن يتركك بعد مشاهدته، بل سوف يسكنك، بحكايته الغريبة العجيبة الأثيرة – ولانريد أن نسرد عليكم حكايته وكيف تطورت حتى لانقطع عليكم متعة مشاهدته ، ويهبط بك الى قاع المجتمع المصري. “ريش” للمخرج المصري الشاب عمر الزهيري فيلم رائع – عصير سينما – وأعتبره ” إضافة ” حقيقية لتطوير فن السينما ذاته ، في بلدنا، وهو يفتح سكة للسينما المصرية الجديدة ،بكل ابتكارات واختراعات الفن المدهشة، لمخرج – ومن دون مبالغة – ولد كبيرا.. في كوكب ” كان 74 المنير”.. مبروك للسينما المصرية. وشكرا لكل من ساهم – وقد استغرق الأمر أكثر 6 سنوات – في إنتاج وإخراج هذا الفيلم المصري العبقري – فرحتي بالفيلم لاتوصف وأرشحه للحصول على جائزة في المسابقة الرسمية لتظاهرة إسبوع النقاد، وربما حصد جائزة ” الكاميرا الذهبية ” التي يشارك فيها كل أول فيلم لمخرجه في التظاهرة الرسمية وكل التظاهرات السينمائية الموازية في الدورة 74
كان فيلم “ما بعد وضع حجر الأساس لمشروع الحمام بالكيلو 375” هو الثاني وقتها لعمر الزهيري المتخرج من المعهد العالي للسينما في مصر. وترأس لجنة تحكيم المسابقة وقتها المخرج الإيراني الشهير عباس كيارستمي، وكان المخرج التشادي محمد صالح هارون عضواً فيها. وقال المخرج الواعد قبل تقديم العرض أنه يأمل أن نرى في هذا الاقتباس من تشيكوف “الجانب المضحك وليس المبكي”؛ حيث تتناول قصة تشيخوف “موت موظف” قضية رضوخ الموظفين لمسؤوليهم. وقال إنه قرأ ذات يوم القصة فاتصل في اليوم التالي بكاتب السيناريو صديقه شريف نجيب، وأضاف : “كتبنا السيناريو في ظرف أربعة أيام. لم يكن الأمر صعبا أبدا وإنجاز الفيلم إجمالا تم بسرعة طبقاً لتوجهاتي الشخصية، لأن موضوع القصة كان يهمني لذلك استطعت بعد أن قرأتها أن أتخيلها دون صعوبة كبيرة. وبالعكس فالعمل على نص أدبي سهّل لي الأمر وكانت تجربة مفيدة جدا”.
عمر الزهيري عمل، رغم صغر سنه مع العديد من المخرجين المصريين مثل : أحمد عبد الله، يسري نصر الله وكاملة أبو ذكري. وعن تجربته معهم قال : “اكتسبت جانبا تقنيا كبيرا في التعامل مع تصنيع الأفلام وهو ما يمكنني من العمل كمخرج بطريقة احترافية. لكن على المستوى الفني والإنساني فالأمر يختلف حسب المخرجين”.
خبر اللحظة الأخيرة :
نجحت إدارة مهرجان الجونة السينمائي في الحصول على حق العرض الأول للفيلم في مصر ضمن فعاليات الدورة الخامسة التي تُعقد في الفترة من 14 حتي 22 أكتوبر / تشرين أول 2021 بمنتجع الجونة؛ حيث ينافس في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة.
مجدي الطيب
مجدي الطيب ناقد سينمائي مصري مقيم في القاهرة .مصر