صلاح هاشم يكتب لجريدة ” القاهرة” من باريس عن ” دونيرو و هوليوود الجديدة” صورة عن قرب
بمناسبة الإحتفال في فرنسا بعيد ميلاده الثمانين
دونيرو.. و”هوليوود الجديدة”. صورة عن قرب
بقلم
صلاح هاشم
تحتفل فرنسا خلال شهر أغسطس وحتى نهاية العام بعيد ميلاد الممثل الأمريكي العبقري روبرت دو نيرو، وبلوغه سن الثمانين، من خلال العديد من التظاهرات التي تعرض لأفلامه العظيمة، ومسيرته السينمائية الطويلة، إن في دور العرض في باريس أو عبر المنصات، التي أثبت أنه افضل ممثل في ما يطلق عليه بـجيل ” هولوود الجديدة ” – NEW HOLLYWOOD – حين دلفت مجموعة كبيرة من المخرجين الشبان الجدد..
من أمثال مارتين سكورسيزي، وآرثر بن، وسيدني بولاك ، ووفرانسيس فورد كوبولا، وجورج لوكاش، وستانلي كوبريك ، وتيرانس مالك وغيرهم، الى ساحة الإبداع السينمائي في هوليوود في فترة السبعينيات، وحققت ” طفرة ” سينمائية وفنية هائلة، على مستوى الإنتاج السينمائي الأمريكي، وخروج مجموعة كبيرة من “الروائع السينمائية” التي أنتجت في تلك الفترة..
مثل فيلم ” شوارع حقيرة” 1972 و ” آليس لم تعد هناك “1974 لمارتين سكورسيزي 1972، وفيلم ” أناس المطر” لفراسيس فورد كوبولا ، و ” بوني وكلايد ” لآرثر بن وغيرها..
وبالتالي ظهور وتألق عدد كبير من كتاب السيناريو والممثلين والممثلات في تلك الأفلام ، مثل فاي دوناواي ووارين بيتي وروبرت ريدفورد وروبرت دو نيرو من مواليد 17 أغسطس 1943، الذي تخرج في “استوديو الممثل” الذي أسسه المخرج الأمريكي الكبير إليا كازان ، وتخرج فيه على يد المعلم، مجموعة كبيرة من الممثلين العظام من أمثال مارلون براندو..
لايمكن لأي عاشق للسينما وأفلامها العظيمة، أن ينسى أبدا دور الممثل الامريكي روبرت دو نيرو، في لقطة من فيلم ” سائق التاكسي – TAKSI DRIVER-للمخرج الأمريكي مارتين سكورسيزي، عندما يتطلع الى نفسه في المرآة،ويخاطب شخصا مجهولا ويسأله إن يا هذا هل تتحدث إلي ؟- ARE YOU TALKING TO ME – ثم وبسرعة يخرج مسدسه الفارغ من غمده، ويطلق النار عليه.. وكان دو نيرو يلعب في الفيلم دورالجندي الأمريكي المكسور والمجروح العائد من حرب فيتنام ، ويريد أن يخلص البشرمن شرور القوادين في نيويورك، الذين اقتادوا المراهقات الامريكيات بالحديد والإرهاب والنار، للعمل بالدعارة في أحياء نيويورك الحمراء التي تعيش على تجارة الجنس..
ويريد أن يقنع فتاة أمريكية مراهقة هربت من أهلها في الريف، بأن تكف عن العمل كمومس، وتعود الى أهلها..
دو نيرو ولد كممثل في مهرجان ” كان ”
والجميل أن “السينما الفرنسية ” قدمت من جديد نفس المشهد ، في فيلم ” الكراهية ” – LA HAINE – للمخرج ماتيو كازوفيتس، وهو من أهم الأفلام التي عالجت موضوع (المهاجرين العرب والأفارقة السود في فرنسا،) وكشفت للعالم عنصرية الشرطة الفرنسية واليمين الفرنسي تجاههم..
وكان الفيلم شارك في مسابقة مهرجان ” كان ” السينمائي، وحصل على جائزة،بعد مرور سنوات على عرض فيلم ” سائق التاكسي “لمارتين كورسيزي في نفس المهرجان، وحصوله على سعفة ” كان ” الذهبية، والذي كان سببا في إطلاق شهرة دو نيرو في العالم، ومن هنا يمكن القول بأن روبرت دو نيرو ، تم إكتشافه وولد كممثل – في مهرجان ” كان ” السينمائي ..
وكان دو نيرو حصل على جائزة الأوسكار مرتين، الأولى كأفضل ممثل ثانوي عام 1975 عن دور فيتو كورليوني الشاب ، في الجزء الثاني من فيلم – THE GODFATHER – ” العراب ” لكوبولا، والثانية كأفضل ممثل رئيسي عن فيلم ” الثور الهائج” لمارتين سكورسيزي عام 1981
وتعاون روبرت دي نيرو مع مارتن سكورسيزي في 9 أفلام من عند فيلم “شوارع حقيرة “(1973) وحتى فيلم ” قتلة زهرة القمر” الذي عرض في مهرجان ” كان ” 76 الأخير..
نظرية الممثل عند دو نيرو
تعلم دي نيرو في ” استوديو الممثل تقنيات نظام ستانيسلافسكي. وقد شجعته هذه التقنيات على اكتشاف المزيد من المشاعر والعواطف الداخلية والخارجية، ليستطيع استيعاب الشخصية التي يمثل دورها بشكل كامل. ولذا كان من أجل “التماهي” الكامل مع شخصية الدور الذي يمثله، زاد وزنه 27 كيلو ، وتعلم كيفية الملاكمة ليمثل دور كجيك لامولتا في فيلم “الثور الهائج” لسكورسيزي، ونحت أسنانه لدوره في “رأس الخوف” لسكورسيزي أيضا،، وعاش في صقلية لدوره في “العراب – الجزء الثاني” لكوبولا، وعمل كسائق سيارة أجرة لبضعة أسابيع ،من أجل دوره في سائق التاكسي، وتعلم العزف على الساكسوفون لدوره في فيلم ” نيويورك، نيويورك” لسكورسيزي. وقد زاد وزنه من جديد ليمثل دور آل كابوني، في فيلم “الممنوع لمسهم” للمخرج الامريكي الكبير بريان دو بالما..
كما تعتمد نظرية الممثل عند دو نيرو توظيف أي تكتيك متطرف، يشعر أنه ضروري، للاستحواذ على أفضل أداء للممثلين من العاملين معه، فأثناء تصوير فيلم “ملك الكوميديا” – THE KING OF CMEDY- لسكورسيزي، عمد إلى إطلاق كيل من الشتائم المعادية للسامية ،على زميله الممثل جيري لويس، لزيادة غضب الشخصية التي يمثلها جيري، وجعله أكثر واقعية في تمثيله..
ويحتار المرء منا، عندما يطلب منه معرفة أعظم الأدوار،التي تسامق فيه دو نيرو نجمي المفضل الآن – بعد، بيرت لانكستر وأنا صغير في ” سينما إيزيس ” في فيلمين ” القرصان الأحمر” و ” فيرا كروز “، ثم من بعده أنطوني كوين وأنا كبير في فيلمين ” زوربا اليوناني ” وباراباس ” – بعظمته تمثيله وفنه، لأنها جد كثيرة ورائعة..
هل هو مثلا دور “فيتو كورليوني” في فيلم ” العراب 2 ” 1974 ، أم دور “ترافيس بيكل” في فيلم ” سائق التاكسي” لمارتين سكورسيزي 1976، أم دور ” مايكل ” في فيلم ” صائد الغزلان ” – DEER HUNTER – للمخرج الأمريكي مايكل شيمينو1978 ، أم دور”نودل” في فيلم ” حدث ذات مرة في أمريكا ” للمخرج الايطالي الكبير العبقري سرجيو ليوني1984 ، أم دور ” نيل ماكولي ” في فيلم – HEAT – للمخرج الأمريكي الكبير مايكل مان 1995، والمواجهة – أو بالأحرى ” المباراة في التمثيل – التي تمت بينه وبين الممثل الأمريكي الكبير آل باتشينو في الفيلم داخل مطعم، بين شرطي و مجرم و زعيم عصابة، وفاز فيها دو نيرو على باتشينو بالضربة القاضية.
أعتقد – على الرغم من تألقه وبراعته في التمثيل في تلك الروائع وإعجابي بها – بأني سأختار دوره في فيلم ” صائد الغزلان ” لمايكل شيمينو، الذي يحكي عن جرح أمريكا الكبير، وهزيمتها في حرب فيتنام، من خلال ملحمة سينمائية ، تضم أحد أعظم المشاهد السينمائية في تاريخ السينما الامريكية خلال الأربعين سنة الماضية – مشهد يستغرق عرضه 14 دقيقة في الفيلم، و يجبر فيه الأسري من الجنود الامريكيين في الحرب، على لعب مباراة “العجلة الروسية ” المرعبة ، بإدخال رصاصة واحدة في خزانة مسدس، التي تتسع لأكثر من رصاصة، ثم توجيهه الى رؤؤسهم ، و ضرب الزناد..
لأن طوال فترة الثلاث ساعات وأكثر التي يستغرقها عرض الفيلم البديع ،يقدم دو نيرو “بانوراما متنوعة وكاملة” لكل المشاعر والعواطف الإنسانية العظيمة، التي يفاخر بها الإنسان، من حب وقسوة ومرارة وألم ووفاء وشجاعة وكرامة وغيرها، حتى يصبح صورة للمسيح، أو البطل المخلص، الذي ينتشل أمريكا الوطن من مستنقع الهزيمة والسقوط، وأفول ” وهم ” الحلم الأمريكي العظيم، والى الأبد.
بقلم
صلاح هاشم
صلاح هاشم كاتب وناقد سينمائي مصري مقيم في باريس.فرنسا.مؤسس ورئيس تحرير موقع سينما إيزيس 2005
–
عن جريدة ” القاهرة – رئيس التحرير طارق رضوان – الصادرة بتاريخ 29 أغسطس 2023