سكن الليل. صلاة مهداة الى شاعر فرنسا العظيم جيوم أبولينير بريشة صلاح هاشم
( ..قد يكون وجهها الذي تحلم به منذ زمن بعيد،مطلا عليك من أروقة القطارات الراحلة الى المدن البعيدة الاسطورة ، ولا امل في الرجوع.
يكون الضباب ملتفا حول اعمدة النور المبعثرة، وزاحفا فوق صدر الأرض، متسلقا النور الساقط من مصابيح النيون الزجاجية، خارجا بإندفاع الزفير، تلفظه الصدور الباردة، في ما تحملك العربة، وأنت تعتلي كومة الرمال، ومعك العجور ” عم زيّان ” في البرد يبتسم، وهو يربت على كتفيك، من وقت لآخر، فتعرف أيها الصغير أن الحياة في فرح التحدي تشب.
وعندما تخرج الى الطريق، من خلف قضبان الذات الطماعة في توحش، متخلصا من كل الحكم القديمة، وتحلل المواعظ المندثرة، وعاريا تعدو خلف القطار، تاركا خلفك ،كل ما ملكت، والقطارات الراحلة عن مدن الجفاف والسموم، تطلق صفاراتها، سوف يغيب عنك وجهها المطل في الحلم، وتبتعد النوافذ في الظلام. لكن وأنت تعدو عاريا تحت المطر، والنجوم ترقبك، يكون اليقين الواحد، مبتسما كان وجهها، فتعدو.
تتطهر ” زهرة اللوتس ” في الماء المقدس من تسلط الأشياء القديمة، وروائح المستقعات العفنة، وتدخل في النسيم.وفي وداعة المساء القادم على مهل، تكون زهرة اللوتس قد تحررت ، من ركادة إنسدادات الأمكنة المنفسحة، فتتعلم التحليق في صمت، وهي تسبّح بحمد إيقاعات الميلاد المترددة.
وعندما تتمايل سنابل القمح ،على مقربة من نبع الوادي، تكون كل الطيور في مواكب الرياح القادمة، قد تعطرت، بنفس الرحم الواحد، وإغتسلت بطمأنينة اللقاء، فتتحسس الأقدام وللمرة الأولى الأرض المتشققة، وتسري قشعريرة كل البدايات الأولى المترددة، لكن الرغبة في التوحد بالأرض، تكون قد سكنت رحم الروح، فترتفع الرايات ،على طول الميادين، إن وافرحتاه .. الأرض تنبت العشب.)..
صلاح هاشم