نزهة الناقد.( تربية الحصان الشارد ).تأملات في سينما وعصر بقلم صلاح هاشم

بوستر مهرجان جاز وأفام .جسر الى إفريقيا.الدورة 3
تعرفت على صديقي محمد خليل في فترة الستينيات المجيدة، من أخصب الفترات الثقافية التي عشناها في مصر ،في أعقاب النكسة، وأكثرها توهجا،عندما التحق محمد خليل بقسم إنجليزي في آداب القاهرة ، وكنت بسب مرضي، لم أدخل إمتحان السنة الأولى في القسم ،بسبب أصابتي بمرض الحمى التيفودية، التي أصبت بها من قبل مرارا ، وكانت حمى قرمزية وقتها ، ومكوثي في المستشفى أكثر من 35 يوما ،وبالتالي عدم دخولي إمتحان السنة الأولى في قسم إنجليزي بآداب القاهرة بسبب علاجي في مستشفى الحميات..
على الرغم من أني كنت كالعادة، إلتهمت المقرر علينا في السنة الأولى من مسرحيات وروايات وكتب ،في مواد النقد والمسرح والروايةوالحضارة الانجليزية والأدب العربي، يعني كنت مذاكر كويس، ولو كنت دخلت الإمتحان كمان، كنت نجحت وانتقلت الى السنة الثانية، وكان يدرس لنا آنذاك في قسم إنجليزي أساتذة وقامات ثقافية كبرى ولها حضورها في الواقع الثقافي والأدبي المصري، من أمثال د.فاطمة موسي التي كانت تدرس لنا تاريخ الرواية الإنجليزية ومن عند تشوسر، ود.أنجيل سمعان والدكتور مجدي وهبة، وا.د. رشاد رشدي رئيس القسم ،وكنا ندرس من الأعمال المقررة علينا في القسم، مسرحيات لشكسبير وأشعار لـ .ت. إس . إليوت، وروايات لـ إ‘يميلي برونتي، ونقد لإذرا باوند ، وكان محمد من الدفعة الجديدة،التي إلتحقت بقسم إنجليزي، أي دخل قسم إنجليزي بعدي بسنة،وتعرفت إليه عن طريق صديقي في القسم عبد العظيم الورداني..
وذات يوم دعانا محمد لتتعشى ثلاثتنا معا ،عنده في بيتهم، في محطة السفير بمصر الجديدة، وكان مترو مصر الجديدة آنذاك في فترة الستينيات يمر من أمام المنزل،..
وعندما أنتهينا من العشاء، ذهب عبد العظيم ، وبقيت مع محمدخليل لنتحدث ،ويطول الحديث ، ولا ينتهي الكلام، في غرفة يحيى خليل شقيقه، الذي كان قبلها بأكثر من 15 عاما، قد غادر مصر لدراسة موسيقى الجاز في أمريكا..وهي الغرفة التي إحتلها محمد بعد سفر شقيقه الأكبر الى الخارج الى العالم الجديد أمريكا..
قعدنا في غرفة يحيى، أنا ومحمد، نحكي و نسمع مزيكا، فقد كانت غرفة الفنان يحي خليل التي إحتلها محمد أثناء غيابه، مليئة بالاسطوانات والكتب، ومزودة بسماعات عملاقة، كانت تسمّع عند تشغليها، كل سكان البيت ،وبيوتات الأحياء المجاورة أيضامن دون مبالغة..وكانت الموسيقى تخرج منها مثل الرعد..
وكانت ليلة لاتنسى حيث بدأ محمد، يسمعني الاسطوانات الموسيقية الكبيرة – الإل بي LP بي – التي كان يرسلها اليه شقيه من أمريكا ،وكانت هناك صورة كبيرة تتصدر غرفة يحيى خليل، في بيتهم في مصر الجديدة ،تجمع بينه وبين عملاق موسيقى الجاز الأمريكي دوق إلينجتون ،العازف على البيانو والملحن الأسود الكبير ،وصاحب فرقة دوق إلينجتون الشهيرة. .
سمعنا إسطوانات للويس آرمسترونج، ويوسف لطيف، ومايلز ديفيز وآريتا فرانكلين وأوتيس ريدنج وغيرهم، وفي ركن من الغرفة، كانت تقبع آلة الدرامز، التي كان يعزف عليها يحيى خليل، مع افرق موسيقى الجاز التي أنشأها في مصر في فترة الخمسينيات، قبل سفره الى أمريكا ، ومن ضمن أعضاء الفرقة آنذاك الفنان الكبير عزت أبو عوف، .
ومن يومها، عندما استيقظت في الصباح في بيتهم العزيز الكريم ،في غرفة يحيى خليل التي نمت فيها ،بعد تلك السهرة الرائعة، تصادقنا محمد خليل، صديق العمر، وأنا،.
ولم نعد – حين حكينا محمد وأنا ،عن حلمنا الكبير في ( العبور الى الجانب الآخر) ومغامرة السفر ألى الخارج، لرؤية العالم، والألتقاء بثقافات وشعوب أخرى والتعرف إليها، – لم نعد نفترق ابدا..
وكان لحضور محمد صديق عمري، وشقيقه فنان الجاز الأول في مصر، الفنان الكبير يحيى خليل، بل وأفراد عائلة عم عبد الفتاح خليل الوالد بأكملها،حين دلفوا الى حياتي، أو بالأحرى حين دلفت أنا الى حياتهم ، وحوطوني بكرمهم وصداقتهم وحبهم، أكبر الأثر في حياتي،ومشواري الإبداعي الأدبي والفني،وعشقي أيضا لموسيقى الجاز..
وللحديث يقية..
صلاح هاشم

صلاح هاشم .كاتب وناقد سينمائي مصري مقيم في باريس.فرنسا ومؤسس مهرجان ( جاز وأفلام ) في مصر.