رسالة من سمعان.إنقذوا الأطفال بقلم صلاح هاشم في كتاب ( نزهة الناقد. تأملات في سينما وعصر “
ترك لي صديقي سمعان المثقف المصري المهاجر الى ايطاليا هذه الرسالة ،وطلب مني أن أفتحها فقط،، عندما تكون الطائرة أقلعت به، عودة الى ” روما ” روسوليني.. و فيلليني.
فتحت الرسالة في المطار وقرأت :
” ..أصدقائي الأعزاء ،أنا تعبت جدا في رحلتي هذه التي ربما تكون الأخيرة الى بلدي مصر، ولم أعد قادرا على العيش في هذا المجتمع المصري الحالي الاصطناعي وكذبه ونفاقه وزيفه وسوء أخلاقه، وإنحطاطه المدوي، بهذا الشكل الشره الحيواني المتوحش، الذي لايجتمل وإسمحوا لي – معذرة – أن أغادر..
تعبت جدا من السير والتفكير، في هذه المدينة التي تربيت فيها وعشقتها، وتتلمذت في الجامعة على اساتذتها المحاضرين المفكرين المحترمين ، وعندما اري اليوم مايطلق عليه بـأساتذة جامعة ومدرسين ومحاضرين وخبراء وباحثين وهم يتحدثون، يتأكد لى حجم كارثة الجهل والفراغ القاتل، والإدعاء الفارغ، ويتأكد لي أكثر، أن أوبئة كثيرة وليس فقط فيروس اللعين، قد تمكنت من مصر، مثل احتقار العلم والعلماء و الفنانين والأدباء، والسخرية من المثقفين والمفكرين، فلا مكان لهم هنا في مجتمع – أو بالاحرى عدة مجتمعات متصارعة ومنقسمة، وبعدما زرع الإخوان بذرة الإنقسام داخل الأسرة الواحدة – يرفع يافطة ( ممنوع التفكير ) و يعلقها على بابه،وهو يعامل مواطنيه مثل الكلاب، ويستلذ بإهانتهم وإذلالهم، ويجب علي الآن أن أغادر..
يؤسفنني أن القيم الجميلة التي صنعت للمصريين حضارتهم قد اختفت ، وحلت محلها قيم البيزنس، وشيلني وأنا أشيلك ، وياريت بنتي ،من بعدي تبقى طبيبة ومعيدة، وأصبحت المصلحة هي كل شييء في أي تعامل إنساني، كما صارالهبوط الى حرب الشوارع في مدن القبح، كل يوم قضية حياة أو موت، ثم أين هي هذه الشوارع التي اختفت تماما، بعد أن احتلتها السيارات، تحت وجنب وفوق الرصيف، وهي تسير في جميع الاتجاهات، المخالفة وغير المخالفة، ولاتعبأ أن تصدمك، وتلقي بزبالتها وقمامتها الى عرض الطريق ،في الحيز الضيق ،الذي نسير فيه متعبين منهكين ومخنوقين، من سفالة وقلة أدب السادة أصحاب السيارات المحترمين، ويجب على أن أغادر..
لاجدوي هنا من أي شييء، ففي المجتمعات المصرية الجديدة التي تهتم بالفرجة والاستعراض، يحتال عليك أهلها، للاستفادة منك بأي شييء، افهم بقى ياغبي، ولن تجد احدا يحبك هكذا لوجه الله، بل يحبك لجيبك، وهو يراهن على قدراته، على النصب والاحتيال، و الكذب والخديعة، وصار الناس أنانيين ومنافقين بدرجة مروعة، حتى صارت مركبات المترو، ساحة للابتزاز المروع، من قبل الشحاتين والمتسولين والباعة الجائلين، والمرضى والمسنين، ومرتعا لبؤساء الشعب المصري الجدد، المطحونين والمعذبين في الأرض.ولن يفيد إنشاء طرق وجسور وجامعات ومستشفيات جديدة، إذا لم نغير “عقلية” الإنسان المصري المريض، والمجتمع المصري المريض، وعلاجه..
هذا المجتمع، الذي لم تنجح عشرات الأفلام ،ومئات المسلسلات التافهة الوسخة الهابطة، ولا يوجد مسلسل واحد يخلو من قعدة حشيش ،أو لطم إمرأة على خدها، أو كلام وسخ يخدش الحياء، وجارح ومنحط،، ولايخلو أي فيلم من ضرب ورقع وعنف دموي مدمر لأطفالنا،.
لم تنجح بأفلامها ومساسلاتها ، أو بصحفها واعلامها، ومنذ سنين، في إيقاف هرولته، بإتجاه هوة العبث والقبح ،والعدم ومستنقعات الفساد.
حفظ الله مصر .ومن أرادها بسوء قصمه الله.. ” ..وهنا انتهت رسالة سمعان
وفجأة، لا أدري لماذا ، وجدت نفسي أردد ، بعد أن قرأت رسالته، ” إنقذوا الأطفال.save the children ” ..لمجد ” الكرامة ” الإنسانية، وكل تلك القيم العظيمة الأصيلة النبيلةالتي يفاخر بها الإنسان، فهل يعلم أحدكم لماذا ؟
صلاح هاشم
صورة لها تاريخ لأبي عم هاشم من منيا القمح شرقية الذي علمني السباحة في بحر النيل ومن المشاءين الكبار، التقطت في الشارع على يد مصور أرمني متجول في ميدان العتبة شتاء 1947 وأظهر هنا مع أبي عم هاشم في الصورة