فيلم ” وكأنهم كانوا سينمائيين” لصلاح هاشم : “لقطات” من همسات الروح، تتهادى على شراع القلوب، وهي تحكي عن سيرة السينما، في أرض الكنانة بقلم فكري عيّاد
إستهلال :
في هذا المقال يسجل الكاتب والباحث والفنان فكري عياد إنطباعاته، بعد مشاهدة فيلم وثائقي طويل بعنوان ” وكأنهم كانوا سينمائيين. شهادات على سينما وعصر ” لكاتب هذه السطور.
ويمثل الفيلم الجزء الأول، من ثلاثية فيلمية بعنوان ” سحر السينما المصرية الخفي” ..ثلاثية تسال، كما في عنوان الفيلم، أين ياترى يكمن ” سحر ” السينما المصرية الخفي ؟ ، ويكشف عن علاقة السينما ، بصنّاع الحضارة ،في مصر القديمة، أجدادنا الفراعنة ، قدماء المصريين، الذين كانوا أول من يسجل صورا للحياة المصرية، يرسمونها وينقشونها، على جدران المعابد، حتى يخيل للمرء، أنهم كانوا سينمائيين بالفعل، ومخرجين سينمائيين مبدعين، لكن ..بدون كاميرا.
كانت كاميرتهم وقتها، أي منذ أكثر من 7000 سنة خلت، هذه ” اليد الإنسانية” التي صنعت الحضارة، و التي تذكرني دوما ،بالمشهد الافتتاحي لفيلم ” أوديسة الفضاء2001 ” للأمريكي ستانلي كوبريك، حين هبطت هذه اليد للإنسان البدائي الصيّاد، على الصخر لتهشمه، فإذا ببعض قطع الحجارة تتطاير ، وتصعد الى السماء، وتصبح إحدى القطع المتطايرة، “سفينة فضاء “، تسبح في الكون..اللانهائي.
كانت اليد المصرية الفرعونية، هي الكاميرا ، التي صور أو أخرج بها الفنان المصري القديم، أول فيلم ،عن أول حضارة في العالم، ومن يومها ، صارت تلك الحضارة المصرية العظيمة، – بسبب الفيلم الجميل؟ – في تاريخ نشأة وتطور الحضارات في العالم، مثالا وقدوة تحنذى..
أراد الفنان فكري عياد أن يسجل إنطباعاته، فإذا به يكتب قصيدة، في عشق السينما المصرية أفلامها ونجومها وأفكارها، و الزمن الجميل، ولتكون كلماته بالفعل كما كتب هنا ” لقطات ” من همسات الروح، تتهادى على شراع القلوب.
شكرا للشاعر والفنان التشكيلي فكري عيّاد
صلاح هاشم
***
وكأنهم كانوا سينمائيون..” توقفت أمام هذه العبارة، التي جعلتني في دَهْشَة وَتَحَيُّر وحَيْرَة.. كأَنَّ الغموض ، ينام في قاعة سطُورِها. من هم هؤلاء الذين كانوا..! ؟ وكيف أركض بشفاه الذُهُول، إلى أرض الحَيْرَة من أمرهم..؟ وكيف أَستبدل زَمَنيْ بزمانِهم..! َ تنوعات من علامات الاستفهام..
وكيف أنبش بعينِ خيالي، وأَنطلق من الزَمَنُ المكسور ،على أحوال الفنون، في حَاضِرنَا..! وَعضَّة القُنوط، تستكين في القلوب، من تلوث سمعي وبصري وفكري. في ضوضاء وصخب وضجيج يملأ باحة العيون.
أفيش فيلم ” شباب إمرأة ” من أفلام تلزمن الجميل لصلاح أبو سيف
نُعيد أحلامنا. الي رحابة “الزمن الجميل’.. عبارة تجيش وتفركها بعض الأحيان السنة اللهفة، الي ماضي الأيام ،التي تَزَيَّنَت بها مسيرة حافلة من أسماء الفنانات والفنانين ، عشقوا الفن السينمائي ، منذ إِسْتِهْلال وبَاكُورَة أيامه..
منذ طَلِيعَة ورَيَعَان بذرة الصحوة، في هذا المجال، الذي أصبح له دور كبير في نشر الوعي والمعرفة والثقافة الفنية والاجتماعية. يُحِيك بِدايَة خطواته ويُسبق عصره..
عُنْفُوان التطلع إلى آفاق جديدة، من مزهرة ورحيق رواد الفن الجميل..
إنها مسيرة السينما في أرض الكنانة.. تطوف في عتمة الحالمين أفكار مثيرة، وكأنها تهدم معابد الجهل ،وتشيد صرح المفاهيم، في كل ربوع أرض الوطن..
د.صبحي شفيق يدلي في الفيلم بشهادته
من أنفاس الإبداع الفنى السينمائي الفَتِيْ الرائع.. من إلهام الإسكندرية، المدينة الأسطورية، الي رحابة السماء والأرض، في كل مكان من البلاد والعباد، في دول العالم كله.. وكيف تمَاثَلت مع عاصمة النور “باريس ” في صحوتِهَا المُبَكِرَة. مَلأَت العوالِم من حولِها.. بفكرِها وظلاوة لِسَانِها. إنها مسيرة السينما المصرية..!
نهضة تُسَابِق الظِّباءِ في مَرَحِها.. وحلاوة وَبَشَاشَة، وَبَهْجَة حكاياتِها.. أفكار جديدة، وقصصية، وأحلام زَهِوَة من مزهرةِ
فيلم المومياء لشادي عبد السلام
كمٍ من كَوَاكِب ونجوم إزدهرت، بتميزها ، في براعة آدائِها. تكاملت بعضِها مع خطواتِهَا . سائرَة في تطور وحبكة، مع مواكب السنين.
عُدت الي العنوان، الذي كتبهُ الناقد السينمائي والأديب المؤرخ صلاح هاشم.. في واحدة من الثلاثية، التي يؤرخ بها مسيرة الزمن الجميل.. “وكأَنهُم كانوا سينمائِيون” وكَأَنَّني شاهدت أمس ماضينا، في هذه الاحتفالية.
وكأنه يتكلم مندفعًا بسنَاه ، شامخ في عطائِه. يزيل القشور، عن جوهر الحقيقة، والحقائق، وما خُفيَ في تلك الحقبة التاريخية الثريّة والثورية،مع بدايتَها الفنية.
يبث في تسلسل وسلاسة، لغَتِهَا ، وَبهجتها ومتاعها وحُسْنها ، وتَمُدَّنَّ بدايتِها. منذ أُولي حداثَتِها. تكادُ تمد عَيْنَيْكَ بشوقٍ وتلهف، في كل فقراتِهَا..
في لَهْفَةِ حَنِين تُشاهد مَا مَتَّعْنَا بِهِ.. في تسجيل هذه الصورة المرئية، التي تَزَيَّنَت بها مسيرة حافلة، في صبيَّة وزَهاوَة ، “الزمن الجميل” إنهم حقًا وَفِعْلاً وَأَبدًا .. “كانوا سينمائيون..” لكي تسبح معي أكثر ، في إشراقة ومضات ونبضات، تتراقص مع أنغام الإبداع الفنى، في المفهوم ،والقدرة علي التواصل ،بكل إصرار وتَصْمِيم وعَزِيمَة..
تشاهد معي هذا الفيلم الوثائقي.. وَتطوف بعينيك الحائرة، في أيام كانت أحلام.. أو رؤية خيالية، في ذَرَأ وَإبداع ، غير مسبوق ..!
نعيد الشريط من جديد، مع لمسات فنية، من المخرج والمؤَرِخ المتميز، في أفلامِهِ التسجيلية.. المخرج” صلاح هاشم ” حيث جَسَّدَ تسلسل، أعمال لا تُخصَى. وأسماء من مُختلف أطياف الشعب، نَقَشت أسمائِها ، بحروف من النور. نجوم وقمرات.. وأقلام وأفكار..! و مآثرَ أيام ،نَقَشَت على الجدران ،نسمات متوقّدة، ومازلت مُتنفِسة، مهما تغيرت، مراوغة المفاهيم..! في مناخ عصرِنا..
إنها لقطات حَيّوية من همسات الروح، تَتَهادى على شراع القلوب.. من ثخينة نسيج الماضي.. وإشعاع “الزمن الجميل”.. مع لَهْفَة لقائهِ.. سيظل مع مسيرة الأيام.. نهجْ وَحِذْوَة، ومَسْلَكْ. مَحْسُوسٌ ومَلْمُوسٌ ومُتعايش. في التعبير عن الواقعية الواعية. لكل من إِقْتَفَى أَثَرَهُ.. إنه..! الفن والفنانين والثقافة الفنية المصرية. منذ اولى خطوات السينما، مَهَّدَت طريقها في إصرار ليس له مثيل
فكري عياد
فكري عياد باحث وناقد وفنان تشكيلي مصري مقيم في لندن. المملكة المتحدة.