آه يا سكندريتي ..مرثية الى لؤلؤة البحر بقلم فكري عيّاد
أسدال الستار على “اتيلية الاسكندرية” هذا الصرح الفنى العريق..الذي كان الى أيام مضت فقط،مركزا للإشعاع الفني والأدبي والحضاري والفكري، والإنفتاح على كل الثقافات والفنون والآداب في العالم
” الإسكندرية ” تعيش الآن في عتمة دوامة المسلسلات آلتي شملت بعضا من مرافقها التاريخية، وهأنذا أكتب من نبض مشاعري، هذه المرثية
لمدينة الخلود .
“مرثية إلى مدينة الخلود اسكندرية فيروزة الوجود. انتزعوا إبنها من ضلوع حضنها.” يالوعة الحزن وحُرقة قلبك يا مدينتي.. فراق إبنك من أحضانِكِ. أَخَذوهُ.. إغتالوه.. إنتزعوه من صدرك..! صَمَتَتْ كل الأفواه..ولسانكِ بورقة بالية كَمِمُوه. ياحسرة وَنَدَم وَشَجَن، وَغَمّ، في القلوب. طأطأت سماء مجدك.. ورَسَمَت “نوَّة” جاحدة الغيوم على وجهِكِ. تَهَتَّكَت معكِ كل أضواء النجوم. لا تبكي يادُرة ونُدْرَة في الوجود. آهٍ.. وآهٍ يامدينتي ..
كفكفي دمعك. ألا تعلمين.. يا منارة النور! سطوة معاول المال، لا تدوم. يبلى الزمان.. والمكان.. ويبقى نورِكِ وَهَّاج ساطعاً، مُتَأَلِّق مُتَلأْلِئ. نسيجَهُ من خيوط الخلود. هذا يقفز على تاج رأسك..وذاك ينتزع ضلعكِ. والكلِ في التراب ذراتهم تَبْلَى ولا تعود.
وأنت يا مدينة الفيروز ، بَرَّاقة مُشْرِقة بلا حدود. سُقيتِ المعرفه من أسرِار الوجود. فلاسفة وشعراء وعلماء وفنانون. من ثدي تُراثِك، نهلوا بلا حدود. يا منبع الذوق الرفيع.. يامنارة مُضِيئَة، في القلوب. لا تبكي..ياعَفيَّة،.. أنت كما كُنتِ، لا تعرفين العويل. ولا تنتظري شفقة في العيون. ولا تنكسر ضلوعِكِ.. أو دَمْعِكِ يَسِيل. نحن عُشَّاقك. إزدهرت ونبتت، أغصان سيقاننا ، في رحم داركِ. أنفسنا ذَاببُ فيك. وعِشْقَكْ يادارنا.. جِنُوناً هَائِماً لهيباً يسْرِي في العروق.
كيفَ نَسلُوا عنكِ، من غدرِ وإِشْتِهاء كلّ دخيل؟
آةٍ.. ياسكندريتي.. ياروح تُرَفْرِف في جوانحنا. يابَدرِيَّة ُ السَنا. يخجلُ البدر من نوركِ. أَنتِ فنارِك في القلوبِ، مازال موجودا.. وشمس معرِفَتكِ وفنونكِ لا تعرف المغيب. كفاكي نحيباً يا عروس ثَكْلَى في حزْنِكِ. تتجرعين الأسَي في أكفان ولفائف وضيق ثوبِكِ .. يا لهو.. ياعبث.. ياغَدْر وغَدَّارَة، وإِخْتِلال وجنون. تنادين على إبنك.. بصوتٍ مكتوم. أحقاً أخذوه..! ومن حُضنِكِ إنتزعوه. ووشم “الجمال” من صَدْرِك.. أزالوه. وعنوانكِ فقدوه.! ألا تصدقين..! سَطَوة “القُدْرَة” هَالَت على كنزك..!! ماذا نفعل.. أو لمن نقول..؟ وهل هناك من يسمع زَفْرَاتك؟ اوَشَهِيقُ أنِينك..! او يفهم من السطورِ ما نقول. يابهيّة.. رَسَمَ القدر محْيَاكِ. وَترك الدهر كُل أجرام الكون. نامُ هانئاً مُتَلَهِفاً مُنتَشِياً، على صدرِكِ . قومي وإنهَضِي.. من جديد. لن يتحكموا الغُرباء فِيكِ. ويتَرَاقصون على تقسيم ثوبِكِ. إن إنتزعوا في نَهَمٍ وَشَهِية. ضلعاً من جَسدك.
غدآ سيأتي “ناجي” بصحبة ألف فنان وأديب. وتَعود زُهوة أيامك ومجدِكِ العتيد. لا.. وألف لا.. دِمُوعِك غالية.. يا أرض الفيروز.. تَنَكَسَتْ كل الرِمُوش.. وبكت الأمواج على الشطآن. . وسكبت الألوان دِمُوعِها. والراية سوداء، طوال الطريق. إحذروا من نَوَة “المستفيدين” . تمتمت الأفواه في صمت العزاء، في فكر تائِه وآنين. إنه “اليوم الحزين.”
وأنتِ يا مدينة أجدادي.. ألا تسمعين.! قطرات دموعِكِ، لُظَى وَلَهِيب. في مُهْجَةِ وأنْفَاس الفنانين . الغربان تنعق من حولَكِ، وَكَأَنَهُ يومَ العيد. تسرَبَت أنيابِها في ليلة حَالِكة. تحتضن سرباً من الخفافيش. و الطيور تَرَحَّمُوا، على جفافِ أغصان العقول .. تنوحُ وتَزرِفُ الدُّموعِ على بئسَ المصير. قطفوا رِيشَها، وأطلقُوها فوقَ سمائِكِ تطير. قُومي وإستيقظي من غُمة أصابتِكِ.
يادَارة الأحلام.. يافيرزة حسناء، نادِرة على الجبين. إغتَسِلتِي بقبلاتٍ الأدباء، وتغزل فيكِ الشعراء. وتزينتِ بريشةِ وألوان الفنانين. كم من أمواجٍ عابِثة، زحفت على ثغرِكِ. تَنْغُزُ في جسدِكِ.. تَتَلاشَى في دَاخِلِهَا، ثم تعود. يا لصبرِكِ يامدينتي..! مَكْرُوب خَادِع دَاهِى ، راوغ خصركِ.. إلتهمَ “دُرّة” من دُوَّار فنِكِ .. وأنت تَحملتِي زوابع الأيام على طول السنين . نبكي ولا نَدري..! الى أين ..أو كيف مضيتِِ، في طَوِيَّة أحقابِكِ. كم من أطماع نهشت جسدك.! وأثقالٍ وعبءٍ على كَتِفكِ.
لقاءات.. ندوات، وحوارات، بكل اللهجات. طوائف وأجناس ولكنات. إلتقوا وتعايشوا في دروبك. وإحتار الشعراء في وصفكِ. حكايتك حكاية..! يا “كوزموبوليتانية” على مرِ العصور. مازالَ حُضْنِكِ، الحلم الباقي.. لكل عُشَّاقِ الآداب والفنون. لو مسَّ وجهِ الأرضِ يُبسٌ. وإندثرت كل حِصُون الجمال . وَتاهت خطا الإبداع، في كل الدروب. أو يَضيع وَتفنى الأمال..!
ستبقين يا”سكندريتي” أنت غَالِية عَالِية،شامخة. سيماءُ عزِّك كَوكَباً ساطِعاً. في أعنانِ السماء أَيْقُونَة ليس لها نظير.
يا مدينتي.. الحزينة..! لا تذرفي آهاتُكِ وزفراتكِ. يا حورية البحر.. ورَوْنَق حياتنا. ألوانِنا.. وأشعارِنا..وأمسياتِنا، في رحابة دارِك. تَمَوَّجَت واِضْطَرَبَت، وَاِخْتَلَّت. في جَوًى وَحُرْقَة نظراتك. آهٍ.. يا درّة ولؤلؤة، خرجت من صدفة العقيق. كم ضاقَ صدري وصدرك.. وأنتِ تنتظرين من مغيث. فقدنا عنوان البيت العتيد. ولقاؤنا غداً على أحجار الرصيف.
فكري عياد. لندن
فكري عياد كاتب وباحث وفنان تشكيلي مصري من الأسكندرية ومقيم حاليا في لندن.المملكة المتحدة